الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعبد الكريم الفكون، صاحب رسالة فى التصوف ونقد رجاله وما صار إليه، قصيدة يتوسل فيها إلى ربه جعل مطلعها (3 - ):
بأسمائك اللهم أبدى توسلا
…
فحقّق رجائى يا إلهى تفضّلا
وكثر التوسل فى هذا العهد بين الفقهاء والشعراء جميعا، وللمفتى المالكى محمد بن الشاهد صاحب القصائد المولدية: توسل مطلعه (1):
بأسمائك الحسنى فتحت توسلى
…
ومنك رجوت العفو أسمى مطالبى
(ب) شعراء التصوف
نزل الجزائر أئمة التصوف الأندلسيون منذ القرن السادس الهجرى يتقدمهم أبو مدين شعيب (2) المتوفى سنة 594 هـ/1197 م ويقال إنه من تلامذة الشيخ ابن حرزهم بفاس المتوفى سنة 559 ولبس الخرقة على يد الشيخ أبى عبد الله الدقاق وسلك طريقته على يد أبى يعزى المتوفى سنة 572 واستوطن بجاية وانتشرت بها طريقته الصوفية، وأرسل فى طلبه سلطان الموحدين المنصور يعقوب فمضى إليه عن طريق تلمسان وتوفى بها وقبره بالعباد فى جوارها، ومن قوله:«بى قل، وعلىّ دلّ، فأنا الكل» وهى عبارة قد تفيد أنه كان يؤمن بالاتحاد بالله، وربما كانت شطحة من شطحاته وكان تصوفه فلسفيا. وممن نزل تلمسان فى القرن السادس أبو عبد الله (3) الشوذى الإشييلى من كبار العبّاد العارفين، ويروى تلميذه ابن دهاق المتوفى سنة 611 أنه رآه بتلمسان فى يده طبق به حلوى يبيعها للصبيان الصغار وهم ينقرون له ويدور ويشطح، وكان يمزج التصوف بالفلسفة ويقول بوحدة الوجود (4). ومن هؤلاء الأئمة النازلين بالجزائر محيى (5) الدين بن عربى المولود سنة 560 والناشئ فى إشبيلية، وعلى متصوفيها تلقن التصوف وفى سنة 590 بارحها متجولا فى الأرض ونزل بجاية ولزم أبا مدين الصوفى فترة ثم اتجه إلى المشرق. وممن نزل بجاية ابن (6) سبعين عبد الحق وأبو (7) الحسن الششترى، ويروى أنهما التقيا وأراد الششترى أن يتركه إلى أصحاب أبى مدين فقال له: إن كنت تريد الجنة فسر إليهم، وإن كنت تريد ربّ الجنة فهلمّ إلىّ. وكأنه لم يبق فى القرنين السادس
= سعد الله 2/ 148.
(1)
سعد الله 2/ 157.
(2)
افتتح الغبرينى كتابه عنوان الدراية بترجمة ضافية لأبى مدين وانظر أنس الفقير لابن منقذ والبستان 108 والتشوف للتادلى رقم 162.
(3)
انظر فيه البستان ص 68 وبغية-الرواد ليحيى بن خلدون ص 127 وكتابنا عن تاريخ الأدب العربى فى الأندلس ص 358.
(4)
راجع كتابنا عن الأندلس وكتاب ابن سبعين للتفتازانى 71 - 75.
(5)
انظر فى ابن عربى عنوان الدراية ص 156 وكتابنا عن الأندلس ص 363 وما به من مراجع.
(6)
راجع فى ابن سبعين عنوان الدراية ص 237 وكتابنا عن الأندلس ص 359 وما به من مراجع.
(7)
انظر عنوان الدراية ص 239 وكتابنا عن الأندلس ص 367 وما به من مراجع.
والسابع إمام من أئمة التصوف الأندلسيين المتفلسفين إلا نزل الجزائر والبلاد المغربية واستمعوا أشعاره. وهو ما جعل كثيرين من الجزائريين منذ القرن السابع الهجرى ينظمون أشعارا صوفية أو تنزع نحو التصوف كثيرا، وكانوا هم أنفسهم يشعرون بهذه الصلة إذ يترجم الغبرينى فى عنوان الدراية لكل من ذكرتهم من أئمة التصوف الأندلسيين ما عدا الشوذى نزيل تلمسان وقد كتب عنه يحيى بن خلدون فى تعداد من أنجبته تلمسان أو استقر بها من العلماء والصالحين. وطبيعى أن يكون أكثر المتأثرين بهؤلاء الأئمة من أهل بجاية التى نزل بها أبو مدين فى القرن السادس ونزلتها بعده كثرة من هؤلاء الأئمة. ونبدأ بعلى بن أحمد الحرالى المتوفى سنة 638 هـ/1241 م وفيه يقول الغيرينى: «العالم المطلق الزاهد الورع، ممن جمع العلم والعمل، أما علمه فإنه قد جمع فنون العلم بجملتها، واستولى على كليتها: أما علم الأصول فأصول الدين وأصول الفقه وأما معقولات الحكماء فهو أعلم الناس بالمنطق، وله فيه تصنيف سماه بالمعقولات الأول، وأما علم الطبيعيات والإلهيات فكان أعلم الناس بها، وكنا نقرأ عليه كتاب النجاة لابن سينا فيقرّره، ثم يوهنه، وله تفسير على كتاب الله تعالى، تكلم عليه لفظة لفظة وحرفا حرفا. وله فى التحقيق أو التصوف (1):
ما لنا منا سوى الحال العدم
…
ولبارينا وجود وقدم (2)
نحن بنيان بنته حكمة
…
وخليق بالبنا أن ينهدم
أشرقت أنفسنا من نوره
…
فوجود الكل عن فيض الكرم
فترقّ النفس عن عالمها
…
باختباء ليس تدنيه الهمم
ليس يدرى من أنا إلا أنا
…
ها هنا الفهم عن العقل انبهم
كلما رمت بذاتى وصلة
…
صار لى العقل مع العلم جلم (3)
يقطعانى بخيالات الفنا
…
عن وجود لم يقيد بعدم
وهو يقول ما لنا إلا العدم منه جئنا وإليه نمضى، ولبارينا وجود أزلى وقدم سرمدى، وهل نحن إلا بنيان، بنته حكمة عليا، وكل بنيان مصيره أن ينهدم، وها هى أنفسنا قد أشرقت من نور رب العزة، وهل وجودنا إلا بفيض كرمه، وإن النفس لترقى يوما عن عالمها الأرضى باختباء ما بعده اختباء، وليس أحد سواى يدرى حقيقتى حتى ليغمض الفهم وتحار العقول، وكلما رمت وصلة بذاتى تصلنى بربى وقف العقل مع العلم فى طريقى يمزقانى بخيالات الفناء دون وجودى المأمول مع ربى الذى لم يقيد بفناء ولا بعدم. وكان يعاصره أبو العيش الخزرجى محمد بن أبى زيد المتصوف التلمسانى وسنخصه بترجمة. ومن تلامذة الحرالى أبو زكريا
(1) عنوان الدراية ص 155.
(2)
بارينا: خالقنا.
(3)
الجلم: المقص يقص به الصوف.
يحيى بن زكريا المتوفى سنة 677 هـ/1278 م وما زال به الحرالى حتى ظهر له بعض التحقيق، واعتمد-كما يقول الغبرينى-جادة الطريق، وأنشده أبو زكريا-فى معنى ما ظهر له وبيّن له الحاق فيما لم يظهر له-هذه الأبيات (1):
جلت لك ليلى من مثنىّ نقابها
…
طريقا وأبدت لمعة من جمالها (2)
فطيت بها عيشا وتهت لذاذة
…
وفيّأك الإلماع برد ظلالها (3)
فكيف ترى ليلى إذا هى أسفرت
…
ضحاء وأبدت وارفا من دلالها
وكيف بها إن لم يغب عنك شخصها
…
ولم تخل وقتا من منال وصالها
وكيف يكون الأمر إن أنت كنتها
…
وكانتك تحقيقا فحلت لحالها
وهو يكنى عن الذات الإلهية باسم ليلى، ويقول إنها كشفت قليلا من مثنى نقابها وأبدت لمعة من جمالها فطاب بها عيشا وتاه لذة وكأنما أظله الإلماع بجمالها برد ظلالها فكيف إذا أسفرت ضحى وأبدت ناضرا من دلالها ولم يغب عنا شخصها ومنال وصالها، واتحدت بها وأصبحت كأننى هى وتبدلت حالى. ويدون ريب تصوف أستاذه الحرالى أروع من تصوفه، إذ تغيب فيه المادة والحس، ولا تصبح الذات العلية ليلى ولا غير ليلى ممن يهيم بهن الشعراء ويتخذهن بعض المتصوفة رمزا للذات الربانية. وكان يعاصر يحيى بن زكريا فى بجاية عبد الحق بن ربيع العالم المحقق الصوفى المجتهد المتوفى سنة 675 هـ/1285 م وكان فقيها وعالما بأصول الدين وأصول الفقه والمنطق، وله قصيدة صوفية طويلة أعجب بها أستاذه الحرالى وانتقى منها طائفة من أبياتها من مثل قوله (4):
سفرت على وجه الجميل فأسفرا
…
وبدا هلال الحسن منها مقمرا
ودنت فكاشفت القلوب بسرّها
…
وسقت شراب الأنس منها كوثرا
ورأيتها فى كلّ شئ أبصرت
…
عيناى حتى عدت كلىّ مبصرا
وسمعت نطق الناطقين فكلّهم
…
بالحمد والتّسبيح عنها أخبرا
وبها فنيت عن الفناء وغصت فى
…
ماء الحياة مسرمدا ومدهرا
إفصاح قولى لا يفى بمواجدى
…
وبيانه لا يستقلّ بما جرى
لو كان سرّ الله يكشف لم يكن
…
سرّا ولكن لم يكن ليذكرا
وهو يقول إن الذات العلية سفرت وأشرقت فأشرقت الدنيا وبدا هلال الحسن منها كأنه البدر فى تمه واكتماله، ودنت فعرفت القلوب سرها وسقتها كوثرا من شراب الأنس. وأحسّ كأنه يراها فى كل شئ من حوله (فكرة الحلول التى يرددها بعض متفلسفة الصوفية) وكأن
(1) عنوان الدراية ص 103.
(2)
مثنى: منعطف.
(3)
فيأك: أظلك.
(4)
عنوان الدراية ص 59.
كل شئ فيه أصبح مبصرا، وسمع حمد كل ما فى الكون لربه وتسبيحه، ويقول إنه فنى عن الفناء، وهو بذلك يردد فكرة الفناء فى الذات الإلهية التى يرددها بعض متفلسفة المتصوفة. ويصرّح بأن إفصاحه لا يفى بمواجده وكذلك بيانه، ويقول إن سر الله فى الوجود لا يكشف، ولو كشف لم يكن سرا غير أنه لا يكشف ولا يذكر. وعبد الحق بن ربيع بذلك كله أقرب إلى روح أستاذه الحرالى وتصوفه من زميله يحيى بن زكريا. ويقرب من روح الحرالى أيضا تصوف إبراهيم بن أحمد بن الخطيب، ومن نظمه قوله (1):
روض المعارف حضرة العرفاء
…
وجنا التفكر جنّة العقلاء
ونعيم أهل الحق درك حقائق
…
لاحت بأفق القلب حال صفاء
فاقرأ سطور الكون فى منشورها
…
بعيان عين أو بفرط ذكاء
وانظر إلى الأكوان كيف تمايلت
…
طربا لسرّ لاح عند خفاء
وأفاض عن بحر الجمال أهلّة
…
بهرت محاسنهنّ بدر سماء
وتذكّرت نجدا فهاج لذكره
…
وجد ونادى الشوق بالبرحاء (2)
ورأت به كلّ العوالم أحكمت
…
فتزيّنت وتوشّحت بضياء
وهو يقول إن حضرة المعلمين روض المعارف وجنا الفكر جنة العقلاء، أما أهل الحق من المتصوفة فنعيمهم إدراك الحقائق التى تلوح بالقلب فى حال الصفاء. وتأمل فى الكون، بل تأمل فى الأكوان وما تحمل من سر بل أسرار لرب الكون وما أفاض عن بحر جماله من أهلة تترى بهرت بدر السماء، وتذكرت نفسه نجدا فهاج به وجد ملتاع وشوق مضطرم ورأت كل العوالم أحكمت وتزينت بلمعة من ضياء الله ونوره.
وإذا تركنا بجاية ومتصوفتها إلى تلمسان وجدنا المتصوفة بها فى القرن السابع قليلين بالقياس إلى بجاية، ومن متصوفتها أبو عبد (3) الله بن الحجام محمد بن أحمد بن محمد اللخمى واعظ أهل زمانه، حسن صوت وغزارة حفظ من سمعة واحدة لكل ما يطرق أذنه، استقدمه المنصور الموحدى يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن إلى مراكش فاستوطنها وحظى عند المنصور والناصر والمستنصر، وكان يتصدق براتبه، ويجهّز منه ضعيفات البنات، وله فى الوعظ كتاب أسماه حجة الحافظين ومحجة الواعظين، توفى سنة 614 هـ/1218 م، ومما يؤثر من نظمه فى التصوف قوله:
غريب الوصف ذو علم غريب
…
عليل القلب من حبّ الحبيب
إذا ما الليل أظلم قام يبكى
…
ويشكو ما يكنّ من الوجيب (4)
يقطّع ليله فكرا وذكرا
…
وينطق فيه بالعجب العجيب
(1) عنوان الدراية ص 231.
(2)
البرحاء هنا: شدة الحب ولواعجه.
(3)
انظر فيه بغية الرواد ليحيى بن خلدون 1/ 102 وتعريف الخلف 2/ 361 وفيه أنه ابن اللحام لا الحجام.
(4)
الوجيب: الخفقان.
به من حبّ سيده غرام
…
يجلّ عن التطبّب والطبيب
ومن يك هكذا عبدا محبّا
…
تطيب ثيابه من غير طيب
وهو يصف نفسه بغرابة الوصف والعلم واعتلال القلب من حب الحبيب، ويقول إنه يتهجد ليلا وهو يبكى ويشكو ما يكن من خفقان قلبه، وما يزال يقطع ليله فكرا وذكرا لربه مسبحا مستغفرا وبه من حبه غرام يعزّ على التطبب والطبيب، ومن يكن مثله عبدا محبا لائذا بربه تطيب ثيابه من غير أن يمسه طيب. ونلتقى بعد ابن الحجام فى تلمسان بالنصف الأول من القرن السابع الهجرى بابن أبى العيش وسنترجم له. وتضن علينا كتب التراجم بشعر صوفى فى القرن الثامن حتى إذا كنا فى القرن التاسع الهجرى التقينا بصوفى كبير هو إبراهيم التازى نزيل وهران وسنترجم له، وينظم عبد الرحمن الأخضرى قصيدة فى التصوف وآدابه يسميها القدسية.
ونمضى إلى العهد العثمانى فتكثر المنظومات فى الطرق الصوفية المشهورة وأصحابها وتكثر معها الشروح ونمثل لذلك بسينية ابن باديس فى طريقة عبد القادر الجيلانى البغدادى المتوفى سنة 561 هـ/1166 م ومطلعها (1):
ألا سر إلى بغداد فهى منى النّفس
…
وحدّث بها عمن ثوى باطن الرّمس
وشرحها أحمد بن محمد الحاج البجائى التلمسانى قاضى بجاية وسمى شرحه: «أنس الجليس فى جلو الحناديس عن سينية ابن باديس» . وشرحت أيضا المنظومات فى التصوف وأحواله وفى مقدمتها منظومة «القدسية» لعبد الرحمن الأخضرى، شرحها الورتلانى وسمى شرحه:«الكواكب العرفانية والشوارق الإنسية فى شرح ألفاظ القدسية» . ويتكاثر فى العصر التصوف الشعبى والدراويش وتدخل عليه شعوذات هو منها براء. ونقف للترجمة لابن أبى العيش وإبراهيم التازى.
أبو العيش (2) بن عبد الرحيم الخزرجى
هو محمد بن أبى زيد عبد الرحيم (وفى بعض الروايات عبد الرحمن وفى بعضها عبد الحق) بن محمد بن أبى العيش التلمسانى إشبيلى الأصل وكان فقيها جليلا، روى ببلده تلمسان عن أبى بكر محمد بن يوسف بن مفرج بن سعادة المتوفى سنة 600 هـ/1204 م وعن أبى عبد الله بن عبد الرحمن التجيبى المتوفى سنة 610 هـ/1214 م وعن أبى محمد بن حوط الله
(1) سعد الله 2/ 136. . والرمس: القبر.
(2)
انظر فى أبى العيش الخزرجى وشعره بغية الرواد ص 103 وتعريف الخلف 2/ 342 ونيل الابتهاج ص 332 والقسم الأول من السفر الثامن من كتاب الذيل والتكملة لكتابى الموصول والصلة لمحمد بن عبد الملك المراكشى (طبع المغرب) ص 313.
المتوفى سنة 612 هـ/1216 م وعن أبى عبد الله بن عبد الحق المتوفى سنة 625 هـ/1228 م وكان عالما وأديبا بارع الكتابة وشاعرا جيد الشعر، صنّف كتبا فى أصول الفقه وعقائد أصولية فى الدين، وفسر القرآن الكريم وشرح الأسماء الحسنى، وله فى التصوف نظم كثير وكذلك فى الزهد وسبل الخير والوعظ وتنزيه البارى جلّ شأنه. ولم تنص كتب التراجم على تاريخ وفاته ولكن كثرة أساتذته الذين عاشوا بين سنتى 600 و 612 يدلّون بحياتهم على أنه عاش فى القرنين السادس والسابع للهجرة. ومن قوله فى التصوف:
الله قل ودع الوجود وما حوى
…
إن كنت مرتادا بلوغ كمال
فالكلّ دون الله إن حقّقته
…
عدم على التفصيل والإجمال
والعارفون فنوا ولمّا يشهدوا
…
شيئا سوى المتكبّر المتعالى
ورأوا سواه على الحقيقة هالكا
…
فى الحال والماضى والاستقبال
من لا وجود لذاته من ذاته
…
فوجوده لولاه عين محال
فالمح بطرفك أو بعقلك هل ترى
…
شيئا سوى فعل من الأفعال
وانظر إلى أعلى الوجود وسفله
…
نظرا تؤيّده بالاستدلال
تجد الجميع يشير نحو جلاله
…
بلسان حال أو لسان مقال
وجب الوجود لذاته وصفاته
…
فردا عن الأكفاء والأمثال
يبقى وكلّ يضمحلّ وجوده
…
ما واجب كمقيّد بزوال
والأبيات من أول بيت إلى آخر بيت تقول ليس فى الوجود سوى الله فتعلّق به ودع ما سواه، فالكل-كما يقول فى البيت الثانى-عدم، والعارفون من المتصوفة فنوا فى ربهم، ولم يشهدوا فى الوجود سواه، ويقول إن من لا وجود لذاته من ذاته كربّ العزة فوجوده لولاه ضرب من المحال، وانظر بعينك أو بعقلك هل ترى إلا فعلا من أفعاله: أعلى الوجود وسفله، والجميع يشير نحو جلاله بلسان مقال معترف أو بلسان حال شبه معترف بأنه واجب الوجود لذاته وصفاته الإلهية، متفردا بذلك عن الأشباه والأمثال، فليس كمثله شئ فى الوجود، إذ يبقى وحده ويفنى الكل، فهو وحده واجب الوجود وكل ما عليها فان. ويستمر منشدا:
هو ممسك الأشياء من علو إلى
…
سفل ومبدعها بغير مثال
فاسكن إليه بهمّة علويّة
…
متنزّها عما سوى الفعّال
وهو الذى يرجى ويخشى لا تلذ
…
بسواه فى حال من الأحوال
فالشّرع جاء بذا وأنوار الهدى
…
قد أيّدته فعش خلىّ البال