الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قل لمن يعلو على النا
…
س بآباء سراة
ليس من شأنى فخار
…
بعظام ناخرات
ما فخار المرء إلا
…
بعلوم زاخرات
وسجايا ومزايا
…
وهبات وافرات
وهو يقول إن الفخر الحقيقى لا يكون بالانتساب إلى الآباء والأجداد الرؤساء والعظام البالية فى المقابر، وإنما يكون بما وعى المرء وتعمقه من العلوم وبخصاله الحميدة وما منحه الله من الهبات الوافرة، ويقول ابن زكرى الولتى حاثا على اقتحام الصعاب فى طلب المجد (1):
المجد حيث مدار السبعة الشّهب
…
هيهات يدركه من لم يكن بأبى
وهمّة المرء لا تعدو بصيرته
…
بقدر نظرته يسمو إلى الطلب
كلّ له أرب لكن أخو قصر
…
فى الهمّ ليس له فى الجدّ من أرب
إن كان لا بد للإنسان من أمل
…
فليأمل المجد فوق السبعة الشّهب
وهو يقول إن المجد ليس شيئا هينا، بل هو شئ فى منتهى الصعوبة، وعلى طالبه أن يعرف أنه لا بد له من الطيران فيه والصعود حتى يبلغ الكواكب السيّارة السبعة، ويقول الشاعر إنه لا يدركها من لا يشعر بشمم وإباء لا حد لهما. ويذكر أن كل شخص يحصل فى دنياه على ما يطلبه بقدر همته، ويقول إن من همته قصيرة لا ينال مأربا كبيرا، وإذا كان كل إنسان له أمل لا يزال يتمناه، فلتسم نفسه ويأمل المجد لا فى الأرض ولكن فوق السبعة الشهب. وحرى بنا أن نتوقف قليلا عند
الشاذلى
الدلائى وقصيدة بديعة له فى الفخر.
الشاذلى (2)
هو محمد بن أحمد بن الشاذلى المتوفى سنة 1137 هـ/1725 م. لم يولد لأبيه فى عهد الزاوية الدلائية، وإنما ولد له بعد خروج أهله وآبائه منها. حفظ القرآن الكريم، وأكبّ بعد حفظه له على علوم اللغة من نحو وصرف وعلوم البلاغة المختلفة، ومضى يتزود بالأدب، ولم تلبث شاعريته أن استيقظت فيه، فأخذ ينظم الشعر فى أغراضه المختلفة، واشتهرت له قصيدة فى الفخر يستهلها بحوار بينه وبين سيدة يمضى على هذه الشاكلة:
ما إن يعيبك فقد الحلى والحلل
…
إن أنت بالهمم الشمّاء كنت ملى
وربّ جاهلة هبّت تعاتبنى
…
أن كنت-عن غمر عيش-مؤثر الوشل (3)
قالت رأيتك ذا قول محبّره
…
أزهى من الرّوض غبّ الواكف الهطل (4)
(1) الوافى 3/ 856.
(2)
انظر فى الشاذلى كتاب الشعر الدلائى (راجع الفهرس) والنبوغ المغربى 3/ 47.
(3)
غمر العيش: رافهه وواسعه. الوشل: الماء الضحل القليل.
(4)
محبّرة: منمقه. غب الواكف الهطل: عقب السحاب الممطر.
وفى الملوك له كفء فامّهم
…
حتى يعيدوك ذا خيل وذا خول (1)
ولست أصغى وإن لجّت لتعدل بى
…
عن منهج الصّون بالنّعتاب والعذل
وإن من كرمى بخلى بشعرى عن
…
تقريظ ذى كرم أو ذمّ ذى بخل
وهو يقول إن الشخص لا يعيبه فقد الحلى والحلل أو بعبارة أخرى فقد الثراء إذا كان مليئا بالهمم السامية الرفيعة، ويقول: رب جاهلة عاتبتنى لانصرافى عن رافه العيش واكتفائى بالوشل القليل منه، بينما أملك بيانا بليغا أزهى من أزهار الروض عقب السحاب الهاطل، وتقول فى الملوك من يستحقه، فاقصدهم حتى يثروك ويصبح لك خيل وخدم كثيرون. ويقول إنه لا يصغى لمثل هذه العاتبة مهما لجت وألحت إذ تريد أن تعدل به عن منهج الاحتفاظ بمروءته، وإن خلاله الكريمة لترفعه عن مديح الملوك والكرماء وعن هجاء البخلاء الأشحاء، وما يلبث أن يعلن لعاذلته قوله:
ولن ترينى مذيلا-ما حييت-له
…
فى غير ذكر الوغى والأعين النّجل (2)
يأبى إبائى وآبائى ويأنف لى
…
مجد أناف-ولم يقنع-على زحل (3)
نفس الكريم تعاف الورد يصحبه
…
ذلّ على ظمأ فى الجوف مشتعل
لو كنت سائل غير الله لم أسل
…
غير المذاكى وغير البيض والأسل (4)
وهو يقول لصاحبته إنه لن يبتذل شعره إلا فى الحماسة والحرب الضارية وإلا فى الغزل بالحسان ذوات الأعين النجل الفاتنة، وإن آبائى وإبائى يأبيان أن أمتهن شعرى وأهينه فى مديح أو هجاء، وبالمثل مجدى الذى بلغ عنان السماء، وظل فى ارتفاعه حتى أشرف على الكوكب البعيد: زحل. ويقول إن نفس الكريم تعاف أن يرد على ماء فيه ذل أو ما يشبهه، مهما كان ظامئا ومهما كان الظمأ يشتعل فى جوفه. وما يلبث أن يقول إنه لو سأل غير الله لم يسأله نوالا ولا عطاء، وإنما يسأله خيلا وسلاحا وسيوفا. ويمضى فى قصيدته منشدا:
لا ترض بالعيش فى ظلّ الهوان وخض
…
لنيل عزّ غمار الموت والثّكل (5)
فليس يدرك بالجبن البقاء ولا
…
الإقدام يقضبى بما لم يقض فى الأزل
وهو يوصى كل من حوله أن لا يرضوا بعيش فى ظل هوان وذل، وأن يخوضوا فى سبيل العز غمار الموت وفقد الأهل، فالبقاء لا يدرك بالجبن، ونفس الإقدام لا يغير قضاء كتب فى الأزل وقدّر على الإنسان. ويستمر قائلا:
(1) أمهم: اقصدهم. خول: خدم وعبيد.
(2)
مذيلا: مبتذلا ومهينا. النجل: الواسعة الجميلة.
(3)
أناف: أشرف.
(4)
المذاكى: الخيل. البيض والأسل: السيوف والرماح.
(5)
الثكل: فقد الأهل والأحبة.