الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيا ثقة الملك الذى الملك سهمه
…
يراش لأكباد الأعادى ويرصف (1)
هنيئا لك العيد الذى منك حسنه
…
يروق ومن أوصافك الغرّ يوصف
بدا معلم الأرجاء يزهى كأنما
…
على عطفه وشى العراق المشفّف (2)
أتى بعد حول زائرا عن تشوّف
…
وقد كان ذا طرف للقياك يطرف
فطوّقته عزّا وشنّفته به
…
فلاح لنا وهو المحلّى المشنّف (3)
ولا زلت تستجدى فتولى وترتجى
…
فتكفى وتستدعى لخطب فتكشف
وهو يقول له يا ثقة الملك لا زال سهم ملكك يسدّد إلى أكباد الأعادى فينفذ فيها ويصميها وهنيئا لك العيد الذى يستمد منك حسنه وأوصافه البديعة، وإنه ليمتلئ زهوا بما على جوانبه من وشى العراق الشفاف الرقيق، وقد ظل حولا يتطلع إليك ويتمنى زيارتك، فحليته بطوق رائع وقرط بديع، فلا زلت تستحدى فتنعم وترتجى فتلبّى وتستدعى لخطب فتكشف نوازله. وأنشد ابن رشيق من مديحه قوله:
طبّ بأدواء الجهاد إذا
…
صدم العجاج قوادم النّسر
وإذا احتبى فى شملة ضربت
…
بيض النّوال جماجم الفقر
يندى وأيدى المزن جامدة
…
ويلين عند قساوة الدهر
فصاحبه يعرف كيف يشفى أدواء الجهاد حين تشتد الحرب وتحتدم ويصدم عجاجها وغبارها الكثيف قوادم النسور وأجنحتها المحلقة. هذا شأنه فى الحرب أما فى السلم فلا تزال سيوف نواله وعطائه تضرب جماجم الفقر، وإن يديه لتجودان جودا متصلا حين تشح أيدى السحاب، وإن جانبه ليلين لوارديه عند قساوة الدهر وشدته. وواضح ما يتميز به ابن قاضى ميلة من التعمق والبعد فى التصاوير.
ابن (4) خميس
هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن خميس الحميرى الحجرى الرّعينى التلمسانى، ويتضح من نسبه أنه ينمى إلى حمير من عرب اليمن فى الجنوب، وبالذات من حجر ذى رعين، وذكر ذلك فى شعره مفاخرا به قائلا:
(1) يراش ويرصف: يسدّد.
(2)
المشفّف: الرقيق.
(3)
شنفته به: زينته بقرط.
(4)
انظر فى شعر
ابن خميس
وترجمته ديوانه باسم المنتخب النفيس من شعر أبى عبد الله بن خميس من عمل الأستاذ عبد الوهاب بن منصور وتقديمه له عن حياته وشعره. وراجع ما ذكره من مصادر بحثه وخاصة الإحاطة للسان الدين بن الخطيب ونفح الطيب وأزهار الرياض للمقرى 2/ 301 وما بعدها.
وإن انتسبت فإنّنى من دوحة
…
تتفيّأ الأنساب برد ظلالها
من حمير من ذى رعين من ذرا
…
حجر من العظماء من أقيالها (1)
ولد بتلمسان سنة 650 هـ/1353 م أو قبلها بقليل، وبها كان منشؤه ومرباه، ولا نعلم شيئا عن أسرته وأكبر الظن أنه كان من أسرة متواضعة، وقد أقبل على حلقات العلماء ينهل منها، وسرعان ما عرف بين أقرانه بذكائه. وتتفتح موهبته الأدبية، ويصبح من كتاب ديوان الإنشاء فى عهد السلطان التلمسانى يغمراسن ثم فى عهد ابنه أبى سعيد عثمان (681 - 703 هـ) وقد التقى بالعبدرى الرحالة وأكثر العبدرى من مجالسته ورواية أشعاره فى رحلته وأثنى عليه. وحدث فى أواخر عهد هذا السلطان سنة 698 أن حاصر السلطان يوسف بن عبد الحق المرينى تلمسان ومات سلطانها أبو سعيد فى أثناء الحصار كمدا سنة 703 هـ/1304 م. ونجد ابن خميس يغادر تلمسان فى نفس السنة إلى سبتة على مضيق جبل طارق، ويستظهر ناشر الديوان ومحققه المقدم له الأستاذ عبد الوهاب بن منصور أن يكون ذلك بسبب نصيحة قدمها ابن خميس إلى أولى الأمر التلمسانيين بالدخول فى طاعة المرينيين مما أوغر صدورهم عليه وجعلهم يفكرون فى قتله، وأحس بذلك ففر عن تلمسان، وهو ينشد:
وأغروا بنفسى طلاّبها
…
سرارا فجاءوا لقتلى صراحا
فشاورت نفسى فى ذا فما
…
رأت لى بغير الفلاة فلاحا
وقد فرّ ابن خميس إلى الفلاة ثم إلى سبتة وأمرائها من أسرة بنى العزفى فرحبوا به وأغدقوا عليه من نوالهم وأغدق عليهم من مدائحه، وكان قد عزم على الإقامة بها وإقراء طلابها، غير أن بعض الماكرين من شيوخها دسّوا عليه أسئلة نحوية على لسان الطلاب فلم يعجبه المقام بها، وجاز الزقاق إلى مالقة بالأندلس فغرناطة أواخر سنة 703 وكان يحكمها حينئذ الأمير محمد الثالث (701 - 708 هـ) ووزيره أبو عبد الله بن الحكيم وكان أديبا وراعيا للأدباء من أمثال عبد المهيمن الحضرمى وأبى العباس العزفى فما إن وفد عليه ابن خميس حتى ألحقه بمجلسه وأسبغ عليه عطاياه، وأخذ ابن خميس يضفى عليه مدائحه، وجال فى المرية وغير المرية بعض جولات غير أن استقراره كان فى غرناطه بجوار راعيه ابن الحكيم، ويقال إنه كان يقرئ فيها العربية مع ملازمته لمجالس ابن الحكيم، وحين دبّر خصوم الوزير لمقتله وقتلوه قتلوا معه شاعره ابن خميس يوم عيد الفطر مستهل شوال سنة 708 هـ/1309 م.
ويعد ابن خميس أهم شعراء المائة السابعة فى الجزائر بل فى المغرب عامة، وفيه يقول لسان الدين بن الخطيب إنه «فحل الأوان فى المطول وأقدر الناس على اجتلاب الغريب» ويقول ابن خاتمة: «كان-رحمه الله-من فحول الشعراء وأعلام البلغاء، يصرّف العويص،
(1) حجر ذى رعين: قبيلة يمنية. أقيالها: أمراؤها وملوكها.
ويرتكب مستصعبات القوافى، ويطير فى القريض مطار ذوى القوادم الباسقة والخوافى» ولقبه يحيى بن خلدون بشاعر المائة السابعة الدّباج الذى لا نظير له، ويقول محققه إنه «يمتاز فى شعره على الخصوص بظاهرتين: الجانب القصصى وغرابة الألفاظ، وقلّ من شعراء القرن السابع من يضارعه فى قوة العارضة وخصب القريحة وفيض الخاطر وطول النفس، وندر من يماثله فى سلاسة المبانى وسلاسة المعانى». والقصص عنده قصص تاريخى ولذلك يحتاج قارؤه فى فهم بعض اشعاره إلى الرجوع للمصادر التاريخية، وكان يكلف بالغريب قائلا فى بعض شعره:
ما ذاق طعم بلاغة
…
من ليس للوحشىّ ماضغ
ولم يكن يعممه فى أشعاره، وكأنما كان يريد باستظهاره أحيانا العودة إلى الصياغة الشعرية القديمة إمعانا فى العروبة. ولم يكن يفزع إلى الغريب دائما إنما كان يفزع إليه فى مخاطبة بنى العزفى وابن الحكيم لما عرفوا به هم ومجالسوهم من اتساع الثقافة اللغوية. ومن أشعاره فى بنى العزفى خائية طنانة استهلها برثاء تلمسان وما أصابها من حصار السلطان يوسف المرينى منذ سنة 698 وتعطل معاهد أنسه بها، ويلوم بنى زيان لتشتيتهم له ولأمثاله ممن نصحوهم بالدخول فى طاعة المرينيين حتى يفكوا عنهم هذا الحصار الذى طال أمده، ويخرج إلى مدح سبتة وبنى العزفى منشدا:
تركت لمينا سبتة كلّ نجعة
…
كما تركت للعزّ أهضابها الشمخ (1)
وآليت أن لا أرتوى غير مائها
…
ولو حلّ لى فى غيره المنّ والمذخ (2)
فأملاكها الصّيد المقاولة الألى
…
لعزّهم تعنو الطّراخمة البلخ (3)
كواكب هدى فى سماء رياسة
…
تضيء فما يدجو ضلال ولا يطخو (4)
بنو العزفيّين الألى من صدورهم
…
وأيديهم تملا القراطيس والطّرخ (5)
رياسة أخيار وملك أفاضل
…
كرام لهم فى كلّ صالحة رضخ (6)
وهو يقول إنه ترك لميناء سبتة كل ما يرجى من نجعة ومعروف، كما تركت للعز وديانها الشامخة، وآلى أن لا يرتوى بغير مائها حتى لو عرض له فى غيرها عسل المن المذكور فى القرآن وعسل الرمان، فحسبه أن ينعم بلقاء ملوكها العظام الذين يخضع لهم الأشراف المزهوون، وإنهم لكواكب هدى فما يظلم ضلال ولا يعتم، علماء أجلاء تمتلئ القراطيس والطوامير
(1) النجعة: المعروف والكلأ. أهضابها: هضباتها. الشمخ: العالية.
(2)
المن والمذخ: نوعان من العسل.
(3)
الصيد المقاولة: السادة العظام. تعنو: تذل. الطراخمة البلخ: الأشراف المتكبرون.
(4)
يطخو: يظلم.
(5)
الطرخ: القطعة من الخوص، ويريد الطوامير لأنها كانت تصنع من ورق البردى.
(6)
رضخ: عطاء.
بعلمهم، أخيار أفاضل كرام، لهم فى كل صالحة من عمل رضخ أو عطاء جليل، ويقول لهم:
بنى العزفيّين أبلغوا ما أردتم
…
فما دون ما تبغون وحل ولا زلخ (1)
ولا تقعدوا عمن أراد سجالكم
…
فما غربكم جفّ ولا غرفكم وضخ (2)
وخلّوا وراء كلّ طالب غاية
…
وتيهوا على من رام شأوكم وانخوا (3)
ولا تذروا الجوزاء تعلو عليكم
…
ففى رأسها من وطء أسلافكم شدخ (4)
وهو يقول لهم إن الدنيا تبلغكم كل ما أردتم من منى وآمال فخذوا منها ما تشاءون فما عائق يحول بينكم وبين ما تتمنون وتأملون ولا تلتفتوا إلى من ابتعى مفاخرتكم بأعماله، فما دلوكم خال ولا غرفكم قليل، وخلّوا وراءكم كل طالب غاية وتيهوا وامتلئوا افتخارا على من يروم أن يبلغ شأوكم من المجد والفخار، ولا تدعوا الجوزاء تشعر بأنها تعلو عليكم ففى رأسها من وطء أسلافكم شدوخ وشروخ. ويمدح ابن الحكيم الوزير الغرناطى فى شعبان سنة 706 للهجرة بقصيدة همزية يستهلها بحنين وشوق ظامئ إلى تلمسان ويخلص إلى مديح الوزير منشدا:
ولولا جوار ابن الحكيم محمد
…
لما فات نفسى من بنى الدهر إقماء (5)
حمانى فلم تنشب محلّى نوائب
…
بسوء ولم ترزأ فؤادي أرزاء (6)
دعانى إلى المجد الذى كنت آملا
…
فلم يك لى عن دعوة المجد إبطاء
وبوّأنى من هضبة المجد تلعة
…
يناجى السّها منها صعود وطأطاء (7)
يشيّعنى منها إذا سرت حافظ
…
وبكلوى فيها إذا نمت كلاّء (8)
ولا مثل نومى فى كفالة غيره
…
وللذئب إلمام وللصّل إلماء (9)
إذا كان لى من نائب الملك كافل
…
ففى حيثما هوّمت كنّ وإدفاء
وهو يعترف بما للوزير ابن الحكيم الغرناطى عليه من منة مشكورة، فلولاه لساق إليه الناس ما يشعره بالذل فقد حماه منهم ومن نوائب الدهر ومحنه، بل لقد دعاه إلى ما كان يتمنى من مجد وأنزله من هضبته مكانا عليا يناجى منه نجم السّها صعودا وهبوطا، وحافظ يشيّعه إذا سار وحافظ يكلؤه ويسهر عليه إذا نام، لا كمثل من لا يرعون من يحمونهم من الذئاب والأفاعى، بل رعاية وكفالة تامة وكنّ مريح يرد البرد ودفء ما بعده دفء. وله وراء ذلك فى ابن الحكيم مدائح تموج بالغريب وبالصور البديعة، فقد كان مصورا بارعا، وكان يخف عليه الجناس
(1) زلخ: تزحلق.
(2)
السجال: المفاخرة. الغرب: الدلو الكبير. جف: خال. وضخ: قليل.
(3)
شأوكم: مداكم وغايتكم. انخوا: تيهوا وتكبروا.
(4)
الجوزاء: كوكب معروف. شدخ: شرخ وجرح.
(5)
إقماء: إذلال.
(6)
لم ترزؤه أرزاء: لم تصبه مصائب.
(7)
تلعة: ربوة. طأطاء: هبوط.
(8)
يكلؤنى: يرعانى ويحفظنى. كلاء: حافظ.
(9)
إلماء: انقضاض.
والطباق حين يريدهما، وهو يعد فى الذروة من شعراء المغرب عامة والجزائر خاصة وسننشد له أشعارا فى الطبيعة وفى النزعة الصوفية إذ كان فنانا كبيرا فى كل ما ألم به من موضوعات.
محمد (1) بن يوسف القيسى الثغرى التلمسانى
أهم شعراء الجزائر فى المائة الثامنة لعهد أبى حمو موسى الثانى، وكان يعاصر كوكبة من الشعراء المبدعين أمثال ابن أبى جمعة التلالسى وعبد المؤمن بن يوسف المديونى ومحمد بن صالح الشقرونى وابن ميمون السنوسى ومحمد بن على العصامى ويحيى بن خلدون وغيرهم كثير. وليس بين أيدينا ما يشير إلى التكوين الأدبى للثغرى، غير أن بيئته كانت تكتظ بالعلماء والأدباء، وكان من ترى فيه مخايل النبوغ الأدبى يختار للعمل فى دواوين الدولة، واختير الثغرى وأصبح كاتب الإنشاء لأبى حمو الثانى، كما أصبح شاعره الفذ الأول، وكان أبو حمو الثانى (760 - 791 هـ) يرعى الأدباء ويجزل لهم العطاء، وكان أديبا كما كان شاعرا كبيرا فطبيعى أن يعنى بالأدباء والشعراء لعهده وأن يكون لشاعره محمد بن يوسف الثغرى حظ كبير من هذه العناية. وكان قد استنّ الاحتفال بالمولد النبوى منذ استولى على صولجان الحكم فكان ينظم فيه مدحة مولدية وكذلك شعراؤه وفى مقدمتهم الثغرى، وكانوا يستطردون فيها من مديح الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مديحه، وسنلم بذلك فى حديثنا عن المديح النبوى إنما تهمنا الآن مدائح الثغرى فى أبى حمو موسى الثانى وابنيه أبى ناشفين وأبى زيان، ومن قصيدة يمدح فيها أبا حمو:
يا إمام الهدى وشمس المعالى
…
وغمام النّدى وبدر النّوادى
لك بين الملوك سرّ خفىّ
…
ليس معناه للعقول ببادى
وكأنّ البلاد كفّك مهما
…
كان فيها من ينتمى لعناد
لم تزل دائما تحنّ إليكم
…
كحنين السّقيم للعوّاد
قد أطاعتكم البلاد جميعا
…
طاعة أرغمت أنوف الأعادى
فأريحوا الجياد أتعبتموها
…
وأقرّوا السّيوف فى الأغماد
وهو يشيد به، فيجعله إمام الهدى وشمس المعالى وسحاب الكرم والبدر المضيئ الهادى ويقول إن له سر اخفيا بين الملوك جعله محبوبا من شعبه، وكأنما يقبض على البلاد بكفه، بل هى كفه، حتى لو كان فيها خارج عليكم، وإنها لا تزال تحن إليكم حنين السقيم للعواد،
(1) انظر فى محمد بن يوسف الثغرى التلمسانى كتاب نيل الابتهاج لأحمد بابا ص 294 وبغية الرواد ليحيى بن خلدون وتاريخ بنى زيان لمحمد بن عبد الله التنسى (انظر فهارسهما) وكذلك فهارس الجزء الثامن من نفح الطيب وأزهار الرياض 2/ 329 وما بعدها.
فأنت بلسمها المداوى الشافى. ويقول إن البلاد جميعا تطيعك فأرح الجياد التى طالما أتعبتها وأقرّ السيوف فى أغمادها وعش قرير العين مطمئن البال. وله فيه من أخرى أشاد فيها بتلمسان ومشاهدها إشادة بديعة، وفيه وفى قبيلته بنى عبد الواد يقول:
فرسان عبد الواد آساد الوغى
…
حاموا الذّمار أولو الفخار الأطول
وإذا أمير المؤمنين رأيته
…
فالثم ثرى ذاك البساط وقبّل
بشرى لعبد الواد بالملك الذى
…
خلصوا به من كل خطب معضل
وكفاهم سعدا أبو حمّو الذى
…
يحمى حماهم بالحسام الفيصل
وبحسن نيّته لهم وبجدّه
…
وبسعده وبسعيه المتقبّل
ذو الهمّة العليا التى آثارها
…
حلّت به فوق السّماك الأعزل
وهو يشيد بفرسان قبيلة عبد الواد أسد الحروب أصحاب الفخار العظيم الذين يحمون الحمى، وإذا رأيت أمير المؤمنين فقدم له كل ما يمكن من تجلة، وبشرى لعبد الواد ملكهم الذى خلصهم من كل ما ألم بهم من خطوب خطيرة، ويكفيهم سعدا أنه أبو حمو حامى حماهم بشجاعته الباسلة وهمته القعساء التى حلّت به فوق نجم السماك المصعد فى السماء. وكان ما يزال ينظم مولديات فى احتفال أبى حمو بليلة المولد النبوى وكان يستطرد فيها إلى مديحه دائما بمثل قوله فى إحداها:
ظفر التّقى والعدل من موسى الرّضا
…
بالجوهر الفرد الذى لا يتأم
يا أيها الملك التقىّ ومن له
…
شرف على سمك السّماك مخيّم
أعطيت بالعدل الخلافة حقّها
…
فملوكها فى حقها لك سلّموا
جود وإحسان وقصد فى الهدى
…
حسن وعقد فى التقى مستحكم
وتواضع يعلى وقدر يعتلى
…
وندى يد تهمى وبشر يبسم
والحلم أوسع والجناب مؤمّل
…
والعزّ أمنع والسجيّة أكرم
وهو يقول إن التقى والعدل جميعا ظفرا من أبى حمو بالجوهر الفرد الذى لا نظير له، وإن تقاه ليخلع عليه شرفا يسمو به فوق نجم السماك الأعلى، وبالمثل عدله الذى يسبغ على الخلافة جميع حقوقها مما جعل ملوكها يسلّمون لك عن يد، وهذا أنت جود وإحسان وهدى وتقى وتواضع ومكانة كبيرة وكرم يهمى ويهطل وبشر يبسم وحلم أوسع وكنف مؤمّل وعز منيع وسجايا كريمة. ويظل يرصف له فضائل كريمة كثيرة. ويتحول الثغرى بعد أبى حمو الثانى شاعرا لابنه أبى تاشفين (791 - 795 هـ) وينشده مولديات يستطرد فيها إلى مديحه من مثل قوله فى الاحتفال بليلة سابقة لليلة المولد الشريف:
إمام تولّى الله تشييد فخره
…
فما شئت من مجد ومن كرم عدّ
يعدّ إلى الأعداء كلّ كتيبة
…
بها الجرد تردى والقوارس كالأسد
يهاب ويرجى فى جلال جماله
…
كليث وغيث فى وعيد وفى وعد
فيا مالكا يحمى الرعيّة رعيه
…
ويحييهم بالبذل والعيشة الرّغد
ويكفلهم بالعدل والفضل والنّدى
…
ويشملهم بالجود والرفق والرّفد
وهو يمدح أبا تاشفين بما أسبغ الله عليه من مجد ومن كرم فياض، ويقول إنه يعد إلى الأعداء كتائب تضرب خيلها الأرض بحوافرها الصلبة ويضرب فرسانها الأعداء ضربات مصمية، وإنه ليهاب كليث فى وعيده ويرجى كغيث فى وعده، ودائما يحمى الرعية برعايته ويحييهم بما يسبغ عليهم من عطاء ورخاء مع ما يكلفهم به من العدل والفضل ويشملهم به من الرفق والجود والكرم المدرار. ويلحق الشاعر عصر أبى زيان (796 - 801 هـ) وفيه يقول من ميلادية طويلة:
لئن كان بحرا فى العلوم فإن فى
…
بنان يديه للنّدى أبحرا عشرا
وما همّه إلا كتاب وسنّة
…
بنسخهما قد أحرز الفخر والأجرا
فنسخ كتاب الله جل جلاله
…
ونسخ البخارى ضامنان له النّصرا
ومن كان يعتدّ الشفاء شفاءه
…
فمن علل الأوزار فى نسخه يبرا
ولم أدر والأوراق راقت بخطّه
…
أمسكا على الكافور ينثر أم حبرا
ألا هكذا فليسم للمجد من سما
…
ويجرى لآماد الفضائل من أجرى
وكان أبو زيان كلفا بالعلم كما وصفه التنسى ولم يخل مجلسا له من مناظرة أو مذاكرة ومحاضرة، وكان غيثا مدرارا فى الجود والكرم، وجعل همه-كما يقول الثغرى والتنسى- كتابة نسخ من المصحف الشريف، وتحتفظ الخزانة العامة للرباط بإحدى هذه النسخ النفيسة، وهى على رق غزال ومحلاة بالذهب وجميع ما فيها من أسماء الله الحسنى مكتوب بالذهب وكتب نسخة من صحيح البخارى ونسخا من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للقاضى عياض. وبحق ما يقوله الثغرى من أن من يعتد شفاء القاضى عياض شفاء له يبرأ به من جميع الأوزار فما بالك بمن يعتد بالبخارى وأهم من ذلك وأعظم بالقرآن الكريم. ويقول الثغرى إن من يرى المداد على تلك الأوراق إنما يرى مسكا منثورا على الكافور، وما أعظمه من مجد حققه لنفسه أبو زيان، وهو مجد خليق بأن يتسابق إليه المتسابقون ويتنافس فيه المتنافسون. ولم تذكر المراجع متى توفى الثغرى، وأكبر الظن أنه توفى فى آخر القرن الثامن أو فى أوائل التاسع الهجرى.