المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 -الرسائل الديوانية - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌2 -الرسائل الديوانية

وأيضا ليس ذلك فحسب، فإن الكاتب يلائم بين الكلمات فى السياق بحيث يأتى مع الكلمة بشقيقتها ورفيقتها التى يحسن أن تصاحبها والتى تؤلف معها لونا من التجانس أو الجناس، حتى يروق السامع أو القارئ ويجذبه إليه.

وإذا مضينا إلى العهد العثمانى سمعنا-كما سمعنا فى الحقب السابقة له-عن خطباء كانوا بارعين فى الوعظ، وكان الناس يجتمعون لهم فى خطبة الجمعة وينبهرون بما يسمعون منهم من وعظ مؤثر، غير أننا لا نجد شواهد من هذا الوعظ، وقد أشاد الكاتب محمد بن ميمون فى القرن الحادى عشر الهجرى بخطابة الشيخ مصطفى بن عبد الله البونى قائلا:«له فى الخطب الساعد المشتد، والإلقاء الذى تميل إليه الهوادى (الأعناق) وتمتد، والسكينة (الوقار) التى تجذب إليها الأبصار فلا ترتد، ولم أر منذ عقلت بسنىّ، وعلقت خطابته بذهنى، أحق منه فى طريقة الوعظ والخطابة والإمامة، ولا رأيت من شيوخنا من تقدم أمامى لا جرم أنه استحوذ عليها، صناعة استوفى شرطها واستكمل أسبابها. . وكذلك هو فى وعظه آية من آيات فاطره، زعم من رآه أنه لم يسمع من حضرة الجزائر إلى أم القرى أخطب منه، ولا من يدانيه إلا واحد من الأفاضل لم يكن بمماثل» (1). وهذا الخطيب الممتاز الذى ليس له نظير فى وعظه من مدينة الجزائر إلى أم القرى: مكة لم يؤثر عنه شئ من خطابته، فما بالنا بمن لا يبلغون مبلغه من روعة الخطابة. ومن المحقق أن الأسلاف من الجزائريين أضاعوا تراثا مهما من مواعظ أدبية لو أنها وصلتنا لأمكننا أن نؤرخ للأدب الجزائرى تاريخا أكثر دقة.

‌2 -

الرسائل الديوانية

طبيعى أن لا توجد الرسائل الديوانية فى أمة إلا إذا وجدت فيها دولة، واتخذت لها كتّابا يكتبون عنها الرسائل الديوانية، وكان قيام الدولة الرستمية فى تاهرت مبشرا بأن تصدر عن حكامها رسائل ديوانية مختلفة، وقد توجد الدولة وتوجد الرسائل الديوانية ولا يوجد من يهتم بتسجيلها، غير أننا نجد رسائل الدولة الرستمية تدوّن ويتناقلها كتاب متأخرون مثل الشماخى فى السير والبارونى فى الأزهار الرياضية، فمن ذلك رسالة للإمام عبد الوهاب (171 - 211 هـ) كتب بها إلى أهل طرابلس وكانوا يوالونه، وكان واليه السمح بن أبى الخطاب توفى، واستخلف بعضهم غيره وراجعوه، فكتب إليهم الرسالة التالية (2):

«أما بعد فإنى آمركم بتقوى الله، والاتباع لما أمركم به، والانتهاء عما نهاكم عنه، وقد

(1) تاريخ الجزائر الثقافى للدكتور سعد الله 2/ 213.

(2)

السير للشماخى (طبع قسنطينة بالجزائر) ص 180.

ص: 227

بلغنى ما كتبتم إلى به من وفاة السمح واستخلاف بعض الناس «خلفا» له وردّ أهل الخير ذلك، فإن من ولّى «خلفا» من غير رضا إمامه فقد أخطأ سيرة المسلمين، ومن أبى توليته فقد أصاب، فإذا اتاكم كتابى هذا فليرجع كل عامل استعمله منكم السمح على عمالته التى ولى عليها إلا خلف بن السمح، فحتى يأتيه أمرى، وتوبوا إلى بارئكم، وراجعوا التوبة، لعلكم تفلحون».

والرسالة مع إيجازها تؤدى الغاية المطلوبة منها، إذ تبين حق الإمام وما جرى عليه عرف الإباضيين ويسميهم المسلمين، وتصف فعل من ولى خلفا بعد السمح بالخطأ لا ضد الإمام وحده بل أيضا ضد المسلمين وعرفهم، وتحرمه من أن تكون له صفة الشرعية فلا تصح له ولاية الناس بحال، ويطلب إليهم التوبة مما وقعوا فيه من إثم. وكان عهد ابنه أفلح طويلا (211 - 240 هـ)، وخرج عليه بعض الثوار، منهم نفاث بن نصر من جبل نفوسة إذ كان يطعن فى إمامته ويكثر من نقده، فتبادل معه عددا من الرسائل كان آخرها الرسالة التالية، وهى طويلة، ولذلك سنختصرها شيئا من الاختصار، وفيها يقول (1):

«أما بعد فالحمد لله المنعم علينا، المحسن إلينا، الذى بنعمته تتم الصالحات، ولا يهتدى مهتد إلا بعونه وتوفيقه، فله المنة علينا، وهو المحسن إلينا إذ هدانا لدينه، وجعلنا خلفا من بعد أسلافنا الصالحين، وأئمتنا المهتدين. . قد كتبت إليك غير كتاب، أنصح لك فيه، وأدعوك إلى رشدك، وفى كل ذلك لا يبلغنى من عمّالنا فيك إلا ما أكره، ولا أرضى لك فى دين ولا دنيا، حتى حررت كتابا منشورا إلى عمالنا، أمرتهم فيه بخلع كل من خالف سيرة المسلمين. وابتدع غير طريقتهم، وسار بغير سيرتهم. . فكتبت إلىّ كتابا كأنك تسخط ذلك. أترى أنى أؤازر من ابتدع فى ديننا؟ ما كنت بالذى يفعل ذلك، ولا أؤازر من يسعى فى خلافنا ما كنا على الهدى. ثم قلت إنا أمرنا فى كتابنا بالبراءة منك، فإن كنت كما كتب به إلينا عمّالنا فأنت محقوق بالبراءة (منك) ومقصىّ من جماعتنا، لأننا ما كتبنا كتابنا ذلك إلا على أن كل من ابتدع فى ديننا خلاف أسلافنا. . فهو محقوق بالبراءة (منه) ومقصىّ من جماعة المسلمين، فإن تكن أنت منهم فأنت الذى أبحت لنا البراءة منك، وأحللت بنفسك ما لا بد أن نفعله بك وبغيرك، وإن لم تكن كذلك فأظهر الانتفاء منه، وكذّب عن نفسك ما قيل عنك لتكون عندنا بالحالة التى تستحقها وتستوجبها. . . وإنّي غير كاتب إليك كتابا بعد هذا إلا إذا انتهى إلينا ما نحبّه، فننزلك من أنفسنا بحيث تحب، والله المستعان» .

وأفلح متمكن من لغته بأروع مما تمكن أبوه عبد الوهاب، إذ هى فى يده سلسة القيادة،

(1) الأزهار الرياضية 2/ 195.

ص: 228

وهو يصرّفها كما يشاء، ويجعل الله هو الذى اختاره خلفا لأسلافه الصالحين وإماما لأهل دعوته حتى يجعل خروج نفاث عليه خروجا على طاعة الله وعصيانا لمشيئته وإرادته. وقد بنى الرسالة على الملاينة والترغيب تارة والتهديد والترهيب تارة ثانية، مما يدل على حنكته السياسية وخاصة أن جعل باب الترغيب والتقريب مفتوحا على مصاريعه حتى يدخل إليه نفاث منه راضيا إذ ينزل منه بحيث الود والحب. ولأفلح رسالة عامة كتب بها إلى جميع رعاياه بهذه الصورة (1):

«الحمد لله الذى هدانا إلى الإسلام، وأكرمنا بمحمد عليه السلام، وأبقانا بعد تناسخ الأمم، حتى أخرجنا فى الأمة المكرّمة التى جعلها الله أمة وسطا شاهدة لنبيّها بالتبليغ، ومصدّقة لجميع الأنبياء، وشاهدة على جميع الأمم بالبلاغ من الأنبياء عليهم السلام منّا من الله ورحمته، وأرسل إلينا نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى، ووعده بالنصر على الأعداء، وضمن له الفلاح والغلبة، ووعده بالعصمة، قال الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} فأدّى-عليه السلام-ما أمره الله به، ونصح لأمته، ودعا إلى سبيل ربّه، وجاهد عدوّه، وغلظ على الكفار، ولان للمؤمنين، فكان لهم-كما وصفه الله-رءوفا رحيما، حتى انقضت مدته، وفنيت أيامه، واختار له ربّه ما عنده، فقبضه محمود السّعى مشكور العمل صلى الله عليه وسلم، فلم تبق خصلة من خصال الشر الداعية إلى الهلكة إلا وزجر عنها، وأمر باجتنابها، رحمة من الله بعباده، فله الحمد على ذلك كثيرا. ثم أمر تعالى بالجهاد فى سبيله والقيام بحقه، والأخذ بأمره، والانتهاء عما نهى عنه، وفرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإغاثة الملهوف، والقيام مع المظلوم، والقمع للظالمين، لكى لا تقوم للشيطان دعوة، ولا تثبت لأهل حزبه قدم، ولا ينفذ لهم حكم، فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عماد الدين وإعزازه، وهو الجهاد وتأدية الحقوق الواجبة له تعالى. فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله العظيم والقيام بحقه فيما وافق هواكم أو خالفه، وتقرّبوا إلى الله بالقيام بطاعته وطلب مرضاته، لتنالوا بذلك ما وعد من جزيل الثواب وكرم المآب» .

وأفلح يقول فى عظته إن الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة كما أمره ربه على خير وجه فبين لأمته الأوامر والنواهى الإلهية وجاهد الكفار، وزجر عن كل خصال الشر ودواعيه وكان رحمة لأمته وفرض الله عليها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقمع الظالمين. ويردد الدعوة إلى تقوى الله وطاعته وطلب مرضاته، مما ينال به التقى المطيع جزيل الثواب وحسن المآب.

وقضى أبو عبيد الله الشيعى داعية المهدى على الدولة الرستمية سنة 296 هـ/908 م ولم

(1) الأزهار الرياضية 2/ 214.

ص: 229

تقم فى الجزائر دولة حتى إذا أصبحنا فى أواخر القرن الرابع الهجرى وتولى حماد بن بلكين شأن المغرب الأوسط عمل على الاستقلال وأسس دولة بنى حماد فى قلعة بجاية (406 - 547) وظلت يرثها الأبناء عن الآباء نحو قرن ونصف، وكان آخر حكامها يحيى بن العزيز (518 - 547 هـ) ومنه استولى عبد المؤمن على دولته وبلاده وضمها مع الجزائر وتونس وطرابلس إلى دولته. وكانت هذه الدولة تتخذ دواوين للإشراف على شئون الدولة، وكان لها ديوان إنشاء نبغ فيه بعض الكتاب، نذكر منهم أبا عبد الله محمدا الكاتب المعروف بابن دفرير، ذكره صاحب الخريدة، وقال عنه: أحد كتاب الدولة الحمادية المتصرفين فى الكتابة السلطانية، وذكر له رسالة كتبها عن سلطانها يحيى بن العزيز الحمادى وقد فرّ من مدينة بجاية أمام عسكر عبد المؤمن يستنجد فيها ببعض أمراء العرب القريبين من دولته، وفيها يقول (1):

«كتابنا ونحن نحمد الله على ما شاء وسرّ، رضا وتسليما للقدر، وتعويلا على جزائه الذى يجزى به من شكر، ونصلّى على النبى محمد خير البشر، وعلى آله وصحبه ما لاح نجم بسحر، وبعد فإنه لما أراد الله أن يقع ما وقع، لقبح آثار من خان فى دولتنا وضيّع، استفز أهل موالاتنا الشنآن (2)، وأغرى من اصطنعناه وأنعمنا عليه الكفران (3)، فأتوا من حيث لا يحذرون، ورموا من حيث لا يبصرون، فكنّا فى الاستعانة بهم والتعويل عليهم كمن يستشفى من داء بداء، ويفرّ من صلّ (4) خبيث إلى حيّة صمّاء، حتى بغت مكرهم، وأعجل عن التلافى أمرهم، وردّ وبال أمرهم إليهم. فعند ذلك اعتزلنا محلة الفتنة، وملنا إلى مظنّة الأمنة، وبعثنا فى أحياء هلال نستنجد منهم أهل النجدة، ونستنفر من كنا نراه للمهم عدّة، وأنتم فى هذا الأمر أول من يلهم الخاطر، وتثنى عليه الخناصر» .

وابن دفرير فى رسالته لا يهمل الأسجاع لا قليلا ولا كثيرا، إذ يوفر لها ما يستطيع من السجع وجرس الكلام لا بين عبارة وتاليتها فحسب، بل بين عبارة وتواليها من العبارات، حتى يلذ الأسماع حين تصغى إليه والألسنة حين تنطق به، مع العناية باصطفاء الألفاظ والملاءمة بين الكلمات. وذكر العماد فى الخريدة من كتاب هذه الدولة الحمادية أبا القاسم عبد الرحمن الكاتب المعروف بالقالمى الذى اتخذه عبد المؤمن سنة 547 كاتبا له، وظل يكتب له ولابنه يوسف من بعده إلى أن توفّى وسنخصه بترجمة، وكان يخدمه فى عمله الكتابى عند الموحدين به جايى مثله هو ابن محشرة جعفر بن أحمد فلما توفى كتب مكانه لسلطان الموحدين يوسف ثم لابنه يعقوب حتى وفاته، وسنفرد له ترجمة، وكان يعاصرهما ابن محرز الوهرانى، وسنفرد

(1) الخريدة للعماد الأصبهانى (نشر الدار التونسية) 1/ 179.

(2)

الشنآن: الحقد والضغينة.

(3)

الكفران: الجحود وإنكار المعروف

(4)

صلّ: أفعى.

ص: 230

له أيضا ترجمة. وظل بعض الولاة فى بجاية يهتمون باتخاذ بعض الكتاب المجيدين، ويذكر من بينهم صاحب عنوان الدراية محمد الوغليسى فى القرن السابع، ويقول: عليه كان المعتمد فى وقته فى المخاطبات السلطانية إنشاء وجوابا (1).

وإذا تركنا بجاية إلى تلمسان وجدنا بنى عبد الواد يؤسسون فيها الدولة الزيانية بزعامة يغمرّاسن منذ سنة 633 هـ/1235 م وتظل تلك الدولة نحو ثلاثة قرون ونصف، وبمجرد أن أسس يغمراسن ملك أسرته أسس فيها الدواوين واتخذ أديبا من أبرع الأدباء الأندلسيين كاتبا له هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن خطاب الغافقى من أهل مرسية، كتب قبله لأمراء غرناطة ونزل تلمسان فاتخذه كاتبا (2) له، غير أنه توفى سريعا سنة 636 هـ/1238 م، ولم يعن المؤرخون بذكر كتّابه بعده إلا ما أشار إليه يحيى بن خلدون من أن الشاعر الكبير ابن خميس التلمسانى المترجم له بين شعراء المديح كان يكتب له، وظل-كما يبدو-يكتب لابنه عثمان الأول (681 - 703 هـ) ونراه يترك تلمسان وعمله الكتابى بها فجأة سنة 702 ويولى وجهه نحو سبتة ثم الأندلس ويتوفى فجأة. ومن أهم من خلفوه فى عمله الكتابى بتلمسان أبو عبد الله محمد بن منصور بن هدية المتوفى بأواسط (3) سنة 735. وينزل مصر أديب تلمسانى هو ابن أبى حجلة المتوفى بها سنة 776 هـ/1375 م وفى كتابنا عن مصر دراسة عنه وتحليل لكتابه «ديوان الصبابة». ويذكر صاحب بغية الرواد أن أبا حمو موسى الثانى (760 - 791 هـ) اختار لكتابة العلامة المميزة لرسائل دولته أبا عبد الله محمد بن (4) محمد بن المشوش، وغالبا كانت تسند إلى صاحبها رياسة الدواوين. ونحن إنما نقف فى كتاب الدولة الزيانية على أسماء، ولا نقف على كتاباتهم بحيث نستطيع أن نصفها وصفا دقيقا. وإذا كنا لاحظنا على كتاب بجاية فى عصر الدولة الحمادية شيوع السجع فى كتاباتهم فإن ذلك سيستمر عند أبى القاسم القالمى والوهرانى وابن محشرة، وقد لاحظناه عند أبى حمو موسى فى وصيته الطويلة لابنه، وحتى المؤرخون من أمثال محمد بن عبد الله التنسى فى كتابه تاريخ بنى زيان ويحيى بن خلدون لا يخلون كتابتهم التاريخية من السجع أحيانا وخاصة فى تقديمهم للأمراء الزيانيين فإنهم يعنون فيه بجمال الجرس والملاءمة بين نهايات العبارات بحيث تزدان بالسجع حلية الأدب فى زمنهم.

ونمضى إلى العهد العثمانى، وفيه ضعفت كتابة الرسائل الديوانية بالعربية لأن الدولة الحاكمة كانت تركية وكانت تعتمد على اللغة التركية فى رسائلها ومنشوراتها الديوانية إلا فى عهود باشوات أو ولاة معدودين هم: محمد بكداش ومحمد الكبير والحاج أحمد فى قسنطينة،

(1) عنوان الدراية ص 282.

(2)

بغية الرواد 1/ 129 والإحاطة 2/ 275.

(3)

بغية الرواد 1/ 116 والبستان ص 225.

(4)

بغية الرواد 1/ 123.

ص: 231