الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على بلدان مختلفة من العالم الإسلامى، وإلى ذلك يشير تلميذه صفوان الأنصارى فى مدحه له قائلا:
له خلف شعب الصّين فى كل ثغرة
…
إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر
رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم
…
تهكّم جبار ولا كيد ماكر
وأوتاد أرض الله فى كل بلدة
…
وموضع فتياها وعلم التشاجر
فهو قد أرسل دعاته الذين يفحمون خصومهم بالبراهين السديدة ويعلون عليهم كلما ناظروهم أو جادلوهم ويقول إن منهم دعاة تغلغلوا فى بلاد البربر إلى منطقة السوس. وفى كتاب فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة أن واصلا أنفذ إلى المغرب تلميذه عبد الله بن الحارث فتبعه الخلق، وفيه أن المعتزلة حاربت مع إبراهيم بن عبد الله أخى النفس الزكية حين ثار على أبى جعفر المنصور وأن بشيرا الرحال المعتزلى قتل معه فى موقعة باخمرا سنة 145 هـ وأن أبناءه لحقوا بالمغرب وغلبوا على مدن فيه أظهروا فيها دعوة الاعتزال. وفى الكتاب نفسه أن للمعتزلة فى بلد تدعى البيضاء مائة ألف يحملون السلاح يعرفون بالواصلية، وفيه أيضا أنهم كثيرون فى طنجة، وأن رئيسهم هناك إسحاق بن محمود بن عبد الحميد هو الذى أيد إدريس بن عبد الله مؤسس الدولة الإدريسية حين ورد عليه وأنه أدخله فى الاعتزال وكأن الدولة كانت دولة معتزلة، وأظن فى ذلك ضربا من المبالغة وكانوا كثيرين فى بلاد إدريس الثانى، ولعله كان يعطف عليهم لنصرة أسلافهم لإبراهيم بن عبد الله أخى النفس الزكية، ونجد ابنه محمدا يبنى جنوبى مدينة القصر الكبير مدينة يسميها البصرة، ولعله بناها لهم ذكرى لمدينة أستاذهم واصل بن عطاء ومرّ بنا فى الجزائر حديث مماثل عن المعتزلة، ولم يفكروا هنا ولا هناك فى دولة أو ما يشبه الدولة.
(د) الظاهرية
(1)
الظاهرية أو أصحاب المذهب الظاهرى ينسبون إلى أبى سليمان داود بن على بن خلف الأصبهانى الظاهرى المتوفى سنة 270 للهجرة وكان فى أول أمره فقيها شافعيا يتعصب لمذهب الإمام الشافعى تعصبا شديدا، ثم استقل عنه وأسس له مذهبا سمى مذهب أهل الظاهر، وهو مذهب أساسه إنكار القياس فى الفقه ومسائل التشريع، لأن القياس عقلى والدين إلهى ولا يحتكم فى الإلهى أو ما هو إلهى إلى العقل أو ما هو عقلى، ويكفى لبيان الأحكام التشريعية ما فى القرآن الكريم والحديث النبوى من عموم، وتأسيسا على ذلك ينبغى الوقوف عند ظاهر الكتاب
(1) انظر النصوص الواردة فى المعيار للونشريسى (طبعة حجرية بفاس) 2/ 361 وروض القرطاس لابن أبى زرع 195 والمعجب للمراكشى (طبعة القاهرة) ص 354 وما بعدها ووفيات الأعيان لابن خلكان: ترجمة يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.
والسنة وإغلاق الأبواب أمام القياس وجميع الآراء التى تبنى عليه. وكتب لهذا المذهب أن يتحمس له عقل أندلسى هو عقل على بن أحمد بن حزم المتوفى سنة 456 هـ/1063 م وكان قد بدأ حياته الفقهية بدراسة مذهب مالك ثم تركه إلى مذهب الإمام الشافعى ثم آثر على مذهبيهما مذهب داود الظاهرى، ولابن حزم فى الاحتجاج له ضد الأحناف والشافعية كتاب الإبطال للأصول الخمسة التى يأخذون بها، وهى القياس والرأى والاستحسان والتقليد والتعليل، فكل ذلك يجب إبطاله والاكتفاء بالكتاب والسنة.
وقد ازدهر هذا المذهب الظاهرى فى عصر دولة الموحدين، إذ كانت تتخذه مذهبا فقهيا لها من دون المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة لمالك وأبى حنيفة والشافعى وابن حنبل، وحاول الأستاذ عبد الله كنون فى الجزء الأول من كتابه:«النبوغ المغربى فى الأدب العربى» الاستدلال بأن خلفاءهم أو حكامهم كانوا يدعون إلى الاجتهاد كأنه بذلك يريد نفى اعتناقهم لعقيدة الظاهرية، ولا نستطيع أن نبطل شهادات القدماء الكثيرة بأن الموحدين كانوا ظاهرية، من ذلك أن الونشريسى فى كتابه المعيار نعت ابن تومرت بأنه ظاهرى وأن ابن أبى زرع فى روض القرطاس فى سنة خمسين وخمسمائة يقول إن عبد المؤمن أمر بتحريق كتب الفروع ورد الناس إلى قراءة كتب الحديث أى أنه أمر بتحريق كتب المذاهب الفقهية الأربعة والاكتفاء بكتب الحديث ومعها القرآن طبعا وهى نفس نظرية المذهب الظاهرى، وفى المعجب يقول الحافظ أبو بكر بن الجد:«لما دخلت على أمير المؤمنين أبى يعقوب (يوسف) أول دخلة دخلت عليه وجدت بين يديه كتاب ابن يونس (فى الفقه المالكى) فقال لى: يا أبا بكر أنا انظر فى هذه الآراء المتشعبة التى أحدثت فى دين الله، أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال أو خمسة أقوال أو أكثر من هذا فأى هذه الأقوال هو الحق؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد؟ فافتتحت أيين له ما أشكل عليه من ذلك، فقال لى-وقطع كلامى: يا أبا بكر: ليس إلا هذا وأشار إلى المصحف أو هذا وأشار إلى كتاب سنن أبى داود وكان عن يمينه، أو السيف» . ويذكر صاحب المعجب أن ابنه يعقوب المنصور أمر بحرق كتب المذاهب الأربعة لمالك وأبى حنيفة والشافعى وابن حنبل بعد أن يجرّد ما فيها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ففعل ذلك، فأحرق منها جملة فى سائر البلاد كمدوّنة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر ابن أبى زيد ومختصره وكتاب التهذيب للبراذعى وواضحة ابن حبيب وما جانس هذه الكتب ونحا نحوها. ولقد شاهدت-أنا يومئذ بمدينة فاس-يؤتى منها الأحمال فتوضع وتطلق فيها النار» ويعلق صاحب المعجب على ذلك بقوله:«كان قصده فى الجملة محو مذهب مالك من المغرب مرة واحدة وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث» ويقول ابن خلكان: «إنه أمر