المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ما وقعت فريسة للنصارى سنة 512 هـ/1118 م. وفى سنة - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ما وقعت فريسة للنصارى سنة 512 هـ/1118 م. وفى سنة

ما وقعت فريسة للنصارى سنة 512 هـ/1118 م. وفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة عبر على بن يوسف إلى الأندلس، ودوّخ بلاد الغرب وفتح شنتمريّة. وفى سنة 519 هـ/1125 م استدعى المعاهدون من نصارى غرناطة ألفونس الأول ملك أراجون للاستيلاء على مدينتهم، فزحف إلى الجنوب، وعلم المرابطون فردوه على أعقابه. وأجلوا عن غرناطة كل من كانوا سببا فى استدعائه من النصارى إلى مدينة سلا على المحيط فى المغرب وبالمثل إلى مكناسة. وفى سنة 520 هـ/1127 م هاجم تاشفين بن على النصارى وفتح ثلاثين حصنا فى الغرب. وفى سنة 528 هـ/1134 م وجّه على بن يوسف جيشا كثيفا بقيادة على بن غانية والى بلنسية ومرسية شرقى الأندلس إلى مدينة إفراغة شرقى سرقسطة، فلقى جيشا لألفونس الأول ملك أراجون فنازله وهزمه هزيمة منكرة. وفى سنة 533 هـ/1138 م أخذ البيعة بمراكش لابنه تاشفين، وتوفى على سنة 537 هـ/1142 م.

وخلف تاشفين أباه عليا، ولم يلبث الموحدون أن نازلوه سنة 539 هـ/1144 م ودارت عليه الدوائر وتوفى برمضان من نفس السنة. وكانت دولة المرابطين دولة عظيمة عملت على نشر الإسلام فى السودان الغربى بالسنغال وغير السنغال، وقضت على الصفرية والنحل الضالة نحلة البجلية من السوس ونحلة برغواطة المارقة فى إقليم تامسنا وجعلت الإسلام فى المغرب الأقصى كله سنيا، ووحدته بحدوده المعروف بها إلى اليوم، وصانت الأندلس من الضياع، فقد كانت سفينة توشك على الغرق، فأنقذتها وردتها إلى مواصلة الحياة الأدبية والفلسفية والعلمية لأربعة قرون تالية. وقد شملت دولتهم-على اتساع أرجائها-عدالة وأمن لم يحظ بهما قطر فى أزمنتهم، إذ كانت تمتد من ممالك النصارى فى شمال إسبانيا إلى السنغال فى الجنوب، ولا مكس ولا مغرم ولا معونة فى بادية أو حاضرة إلا ما كان من الزكاة والعشر مما فرضه الإسلام، والأسعار فى غاية الرخص، والناس فى دعة ورخاء ورفاهية إلى أن ثار على الدولة مهدى الموحدين واستولى خليفته عبد المؤمن على صولجان الحكم من المرابطين.

(ب) الموحدون

(1)

أنشأ هذه الدولة بالمغرب الأقصى محمد بن تومرت فقيه من هرغة إحدى بطون مصمودة، وهى إحدى القبائل الأربع الكبرى التى كانت تعيش فى مناطق هذا المغرب، وهى غمارة

(1) انظر فى الموحدين كتاب المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة (طبع دار الغرب الإسلامى) والمعجب للمراكشى (طبع القاهرة) والجزء الثانى من البيان المغرب (طبع باريس) وروض القرطاس لابن أبى زرع وتاريخ ابن خلدون 6/ 225 وما بعدها وتاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشى (طبع القاهرة) والاستقصاء فى أخبار دول المغرب الأقصى للسلاوى وعصر المرابطين والموحدين ليوسف إشباخ ترجمة عنان ومعالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس.

ص: 279

وكانت تنتشر فى منطقة، الهبط والريف، وزناتة وكانت تنتشر فى كثير من المناطق وخاصة حول حوض نهر ملوية من منبعه إلى مصبه، ومن فروعها مغراوة التى قضت على الأدارسة وبنى مدرار، وصنهاجة فى مناطق مختلفة، ومعها صنهاجة الملثمون أصحاب دولة المرابطين، ثم مصمودة وكانت تنزل فى السفح الجنوبى لجبال الأطلس وسهوله، وهى الجبال المسماة جبل درن، وكانت تنتشر من آسفى فى منطقة دكالة إلى حاحه على ساحل المحيط ومراكش والسوس وجزولة. وكانت تطمح إلى الملك كما ملكت قبلها صنهاجة وبعض فروع زناتة مثل بنى مدرار فى سجلماسة. ومن فروع مصمودة هرغة وهنتانة وتينملل ودكالة وهيلانة وغيرهم حتى ليصبحون معظم سكان المغرب الأقصى.

وولد لهذه القبيلة الكبرى محمد بن تومرت الهرغى حول سنة 480 هـ/1087 م ونشأ كما ينشأ لداته فحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يختلف إلى حلقات العلماء فى بلدته ثم فى مراكش حتى إذا بلغ نحو العشرين من عمره رحل إلى المشرق على رأس المائة الخامسة، كما يقول ابن خلدون، ومرّ بالأندلس ودخل قرطبة وهى دار علم، ورحل إلى الإسكندرية وحجّ ودخل العراق ولقى جملة من العلماء. وكانت عقيدة الإمامية الاثنى عشرية شائعة فى بغداد، فدرسها وعرف أنها تقوم على الإمامية أو فكرة إمامة أحد أحفاد على عن طريق الوصية المتسلسلة إليه، وأن المسلم لا يكون مسلما حقا إلا إذا فوّض أمره للإمام وبذل نفسه فى سبيله، فرأى أن يكون ذلك ركنا أساسيا فى دعوته، فهو إمام، وهو يتصف بالصفات القدسية التى يتصف بها الإمام عند فرقة الإمامية الشيعية. ولكن كيف تكون إمامته والإمامة خاصة بالبيت النبوى؟ فأكد أنه علوى فاطمى وذكر له سلسلة نسب تصله بسليمان بن عبد الله أخى إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة، وكان قد ترك لأخيه سليمان وذريته تلمسان.

ولم يأخذ محمد بن تومرت عن الإمامية عقيدة الإمام الفاطمى أو العلوى وحدها، بل أخذ معها فرعيها من المهدية والعصمة، أما المهدية فيريدون بها الإمام الذى ينقذ العالم من الشرور والآثام، فلقب نفسه بالمهدى أى الإمام الذى اختاره الله لتخليص العالم مما فيه من الموبقات والمعاصى، وأما العصمة فيراد بها أن الأئمة معصومون عن الخطأ وعن ارتكاب أى إثم أو اقتراف أى ذنب؛ مع الإيمان بأن الله أضفى عليهم صفات روحية قدسية، وهى صفات تجعل طاعتهم فريضة على كل مسلم وأن عقيدته لا تتكامل إلا إذا فوّض أمره إلى الإمام وبذل نفسه فى سبيله. ولكل ذلك سمى نفسه-وسماه أتباعه-الإمام المهدى المعصوم. كلمات ثلاث ولكنها كلمات فى غاية الخطورة، فهو الشخص الذى اختاره الله لعباده ليكون حاكمهم دينا ودنيا: حاكم مهدى ينقذ الناس من الظلم والمآثم، وكلمته لا ترد فهو معصوم ولا يجرى على لسانه إلا الحق، والحق وحده. وألف ابن تومرت فى هذه الصفات التى خلعها على نفسه مستمدا لها من الإمامية الشيعية كتابا فى الإمامية افتتحه بقوله:«أعز ما يطلب» .

ص: 280

وبجانب هذه الأسس الثلاثة وهى أنه إمام مهدى معصوم يأخذ عن الفاطميين لعقيدته أساسا رابعا هو تنظيم دولته بحيث يكون على رئاستها إمام وتتبعه طبقتان: طبقة الصحابة وهم عشرة مستشارون وطبقة الأنصار وهم خمسون وبجانب هاتين الطبقتين الطلبة وهم دعاتهم وكانوا يتعلمون أسس العقيدة ونشرها فى القبائل. ودرس وهو فى بغداد-مذهبى المعتزلة والأشعرية، وعرف الأصول الخمسة التى يدين بها المعتزلة، وهى التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، وأن منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأعجبه المبدأ الأول وهو التوحيد، وهو يعنى عند المعتزلة تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، فهو ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا يحصره المكان ولا الزمان، وكل آية فى القرآن الكريم يفهم منها مشابهة الله للمخلوقات مثل:(يد الله فوق أيديهم) تؤوّل، فاليد فى الآية معناها القدرة، وبالمثل الآيات الأخرى المماثلة. والأشعرية يلتقون مع المعتزلة فى هذا المبدأ وهو تنزيه الله عن التشبيه وكل ما يتعلق بالجسمية والتجسيد، ومع أن ابن خلدون يقول إنه أخذ بمذاهب الأشعرية فى كافة العقائد، وألف فى العقائد على رأيهم رسالته المرشدة فى التوحيد، مع ذلك نرى أنه ربما صرح باسم الأشعرية لأنه كان لهم شعبية بالمغرب كله لعصره وقبل عصره. وإنما دعانا إلى الزعم بأن ابن تومرت أخذ فكرة أو مبدأ التوحيد وما يتصل به من تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات عن المعتزلة أنه استخدمها بنفس المعنى للدلالة على أتباعه، فهم موحدون أى يؤمنون بأن الله لا يشبه المخلوقات بوجه من الوجوه وينفون عنه التجسيد بكل صوره. وكان يتهم المرابطين وشيوخهم بالقول على الذات العلية بالتجسيم وأنهم لذلك كافرون مارقون عن الدين ويجب نقض طاعتهم وقتالهم، ومعاذ الله أن يكون المرابطون كفارا أو مجسمة وقد أدوا للإسلام خدمات كبرى إذ قضوا فى منتصف القرن الخامس الهجرى على مجوس برغواطة فى إقليم تامسنا بالمغرب الأقصى واستنجد بهم أمراء الطوائف فى الأندلس ضد غارات الإسبان عليهم فعبروا إليهم وهزموا الإسبان هزيمة ساحقة فى موقعة الزلاّقه وكان لهم جيش فى موريتانيا نشر الإسلام بقوة فى غرب إفريقيا ووسطها، وبفضلهم تحولت غانة بلدا إسلاميا إلى اليوم، وظلم ما قاله ابن تومرت عنهم من أنهم كفار مجسمة وكل ما هناك أن فقهاءهم كانوا سلفيين يتركون التأويل للآيات التى قد يفيد ظاهرها التشبيه على الله مع تنزيهه ونفى التجسيد عنه، وبذلك يتبين أن ابن تومرت لم يسم أتباعه باسم الموحدين عفوا بلا قصد مما جعل مؤرخا يقول:«كان لقب الموحدين الذى أطلقه ابن تومرت على أتباعه غير ذى معنى لأن كل المسلمين موحدون، ولم يكن المرابطون أقل توحيدا من الموحدين» . فهى كلمة-كما رأينا-تؤدى معنى واضحا عنده وعند أتباعه. وفى رأيى أن الذى وصل ابن تومرت بمذهب المعتزلة هم الإمامية لأنهم كانوا موصولين بهم من قديم، وأحكم هذا الاتصال فى القرن الخامس الهجرى الطبرسى المتوفى سنة 460 هـ/1067 م وقد فسح فيه-كما ذكرت فى الحديث عن التفسير

ص: 281

فى القسم الخاص بالعراق فى هذه السلسلة-للتأثر بالمعتزلة فى نفى التشبيه عن الذات العلية. ومبدأ ثان من مبادئ المعتزلة الخمسة أخذ به ابن تومرت وجعله جزءا لا يتجزا من دعوته، وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو ما ينبغى على كل مسلم أن يصدر عنه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإلا فبقلبه، وهو أضعف الإيمان، وجعل ابن تومرت ذلك شعارا للدعوة. ويقول صاحب المعجب إنه أخذ عن المعتزلة القول بأن صفات الذات العلية من مثل قدير سميع عليم هى عين الذات الإلهية، وقال الأشعرية إنها زائدة على الذات.

ويعود ابن تومرت إلى المغرب وينزل طرابلس ويحاول أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويلقى مقاومة، ويتركها إلى بجاية، ويلقى نفس المقاومة، ويزداد أتباعه ويلتقى بعبد المؤمن بن على الكومى من قبيلة كومية، ويقال إنها زناتية ويقال بل مصمودية، وصحبه إلى تلمسان، والتف حوله كثيرون. وسار موكبه إلى فاس والمغرب الأقصى، ونراه يظن أن أدوات الموسيقى منكر، فيأمر أتباعه بتحطيمها. وينزل مكناسة ويلقى بها مقاومة فيتركها إلى مراكش ويلتقى فى المسجد بأمير المسلمين على بن يوسف ويعظه. وأخذ ينكر على الفقهاء أخذهم بالظاهر فى تفسير الآيات التى قد يفهم منها التجسيد قائلين إن علم ذلك عند الله مع تنزيهه ونفى التشبيه عنه، وهو قول أهل السنة ورماهم بالكفر كما رماهم بالجمود لتمسكهم بمذهب مالك وفروعه، وكأن ذلك كان تمهيدا لتأخذ هذه الدعوة بمذهب داود الظاهرى الذى يأخذ بالكتاب والسنة فحسب، وناظره الفقهاء وانتصر عليهم، ولحق بأغمات ثم بقبيلة هنتانة المصمودية وشيخها أبى حفص، ونزل على قبيلته هرغة سنة 515 هـ/1121 م وبنى بها رباطا للعبادة، وانثالت عليه القبائل وخاصة من مصمودة، وانتقل إلى جبل تينملل جنوبى منطقة مراكش، وأخذ ينظم أتباعه فى طبقات، فأول طبقة إيت عشرة أو أهل عشرة وهم صحابته كصحابة الرسول، وتليهم طبقة الأنصار إيت خمسين أو أهل خمسين. وكان يسمى حفطة المذهب وفقهاءه الطلبة أى الدعاة ويسمى أهل دعوته الموحدين بالمعنى الذى أوضحناه. وأعدّ جيشا عداده 000،40 مقاتل من الموحدين وجعل عليه عبد المؤمن بن على، ولقيتهم جيوش المرابطين فهزموهم، وتبعوهم إلى بحيرة بمراكش، ودفعوهم إليها وأثخنوا فيهم قتلا وسبيا وسميت هذه المعركة معركة البحيرة. ولم يلبث المهدى أن توفى بعدها بأربعة أشهر سنة 522 هـ/1128 م، وكتم عبد المؤمن وأصحابه موته ثلاث سنوات يموّهون بمرضه حتى استحكم أمرهم، فأظهروا للناس موته وعهده لعبد المؤمن بن على بخلافته.

وأجمع أصحاب ابن تومرت العشرة وأنصاره الخمسين والدعاة أو الطلبة وكافة الموحدين على البيعة لعبد المؤمن بن على بمدينة تينملل سنة 524 هـ/1129 م باسم خليفة ابن تومرت، ولم يلبث أن أبعد فى الغزوات فى منطقة تادلة، واستولى سنة 526 هـ/1131 م على درعة،

ص: 282

وتسابق الناس فى المغرب الأقصى إلى دعوته وانتقض البربر فى سائر أنحاء المغرب على المرابطين. ويتحاشى عبد المؤمن مقابلتهم فى مراكش بعد هزيمة البحيرة المشهورة المارة، ويقوم منذ سنة 534 هـ/1139 م إلى سنة 541 هـ/1146 م بحملة كبرى يخترق فيها ممر تازا إلى تلمسان ويستولى على شطر كبير من المغرب الأوسط. وكان تاشفين بن على بن يوسف يحاذيه ولا ينازله، وفى هذه الأثناء توفى أبوه على بن يوسف وولى الخلافة تاشفين، وهاجم عبد المؤمن سبتة وامتنعت عليه، وكان القاضى عياض هو الذى دافع عنها بقوة، ولذلك سخط عليه الموحدون، وظل عبد المؤمن يتابع تاشفين حتى حصره فى مدينة وهران بالجزائر وبها توفى سنة 539 هـ/1145 م وبموته سقطت وهران، وأخذت مدن المرابطين تسقط فى حجر الموحدين مع ما أبدى المرابطون فيها من بسالة عظيمة، وخاصة مدينتى فاس ومراكش. وقد ظل عبد المؤمن محاصرا لمراكش تسعة أشهر وهى تقاوم بزعامة أميرها إسحاق بن على بن يوسف وطال عليها الحصار وأجهد أهلها الجوع فاستسلموا فى شوال سنة 541 هـ/1146 م ولم يبق الموحدون على أحد من المرابطين وقتلوا إسحاق بن على بن يوسف، وانمحى-كما يقول ابن خلدون-أثر المرابطين من البلاد واستولى عليها الموحدون كما استولوا على تلمسان وعلى شطر كبير من المغرب الأوسط. ولن يقف ملك عبد المؤمن فى بلاد المغرب عند هذا الحد، إذ كان قد حدث منذ أواسط القرن الخامس أن اكتسحت أمواج الهلالية وبنى سليم طرابلس وإفريقية التونسية وشطرا كبيرا من المغرب، وأعدت لظهور ما يشبه أمراء الطوائف فى إفريقية التونسية مثل بنى خراسان فى تونس وبنى جبارة فى سوسة وبنى جامع فى قابس وبنى الرند فى قفصة. وكان بنو حماد فى بجاية، وكان المعز بن باديس وابنه تميم انحازا إلى المهدية على البحر المتوسط بين سوسة وصفاقس، وحمل ملوك صقلية النورمانديون بأساطيلهم على سواحل طرابلس واستولوا عليها كما استولوا على جزيرة جربة المقابلة لقابس، وسرعان ما استولوا فى سنة 543 هـ/1148 م على المهدية وكثير من مدن إفريقية التونسية الشرقية مثل قابس وصفاقس والمنستير وسوسة، وعلم عبد المؤمن ذلك كله فصمم على أن يجمع ديار المغرب كلها فى قبضة واحدة، حتى لا تسول لملوك صقلية نفوسهم الاستيلاء عليها، فخرج من مراكش سنة 553 هـ/1158 م فى جيش جرار استولى به على بجاية عاصمة بنى حماد وخلعهم عن إمارتها واستسلمت له إمارات الطوائف الصغرى فى إفريقية التونسية، واستولى من النورمان على كل ما كان بأيديهم من مدن الساحل فى طرابلس وإفريقية التونسية، وبذلك تحققت على يده وحدة المغرب السياسية من طرابلس إلى المحيط.

وبمجرد أن توفى تاشفين بن على بن يوسف وانتقل صولجان الحكم فى المغرب الأقصى إلى الموحدين اختلّت أحوال الأندلس، بل لعلها اختلت من قبل ذلك فى عهد على بن يوسف منذ شغل المرابطون عن الأندلس بحرب الموحدين، فاستولى النصارى على كثير من الثغور

ص: 283

المجاورة لبلدانهم. ورأى بعض أعيان البلاد فى الأندلس إخراج بلدانهم من ولاة المرابطين وإعلان استقلالهم بها، وبذلك بدا فى الأندلس ما يمكن أن نسميه عصر الطوائف الثانى، وفى سنة 543 هـ/1148 م استولى صاحب برشلونة: ريموند على طرطوشة وجميع قلاعها وعلى لاردة وإفراغة، واتفق أهل بلنسية ومرسية وشرقى الأندلس على تولية عبد الله بن عياض وخلفه محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش، ودانت له جيان وولى عليها صهره إبراهيم بن همشك، وظل ابن مردنيش يقاوم الموحدين إلى أن توفى سنة 568 هـ/1172 م ودخلت بلاده فى طاعة الموحدين وبالمثل جيان وابن همشك. وكان الموحدون يرسلون جنودهم منذ سنة 541 هـ/1146 م إلى الأندلس واهتموا بالغرب فيها، فدانت لهم إشبيلية وغرناطة. وكان ألفونس السابع قد استولى على المرية سنة 552 هـ/1157 م فنازله عثمان بن عبد المؤمن والى إشبيلية، وحاول ألفونس الدفاع بكل ما يستطيع، ولم يغنه دفاعه ولا جنوده فقد هزم هزيمة ساحقة توفى على أثرها، وهو ثانى ملك نصرانى يقضى عليه المسلمون بعد قضائهم على جده ألفونس السادس بعد هزيمته فى أقليش وقتل ابنه فى معركتها الطاحنة. وعبر عبد المؤمن إلى الأندلس، ونزل بجبل طارق وسماه جبل الفتح وبنى به مدينة، ووفد عليه وجوه الأندلس من مالقة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية للبيعة سنة 556 هـ/1161 م وقدم له الشعراء مدائح رائعة وتوفى سنة 558 هـ/1163 م. وبحق استطاع إنشاء أكبر دولة عربية فى عصره إذ امتدت من المحيط الأطلسى إلى أنحاء طرابلس فى إفريقيا ومن ديار النصارى فى الأندلس إلى درعة والسوس فى المغرب الأقصى.

وخلفه ابنه يوسف وكان مثقفا ثقافة واسعة، ثقفها فى أثناء ولايته لأبيه على الأندلس واتخاذه إشبيلية عاصمة له هناك، وكان مثل أبيه وإمامه ابن تومرت ثائرا على كتب المذاهب الفقهية وما بها من كثرة الفروع والعلل مؤمنا بمذهب أهل الظاهر الذين يرجعون فى فقههم إلى الكتاب والسنة فحسب كما هو معروف عن داود الظاهرى فى المشرق وابن حزم فى الأندلس. ومرّ بنا أن من مبادئهم التوحيد وسموا به أنفسهم الموحدين أى الجماعة التى تنفى مشابهة الذات العلية للمخلوقين نفيا باتا، ومبدأ ثالث هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما مر بنا، مع الإيمان بأن ابن تومرت كان إماما مهديا معصوما. ومع ذلك كله يزعم بعض المؤرخين المعاصرين أن دعوة الموحدين لم تقم على أساس مذهب دينى أو سياسى واضح لأنه غابت عنهم معرفة المبادئ التى قامت عليها هذه الدعوة.

وانتهت فى عهد يوسف فتنة ابن مردنيش وكذلك فتنة ابن همشك ودانت له الأندلس شرقا وغربا. وكان ألفونس إنريك Alfonso Enrique ويسميه مؤرخو العرب ابن الريق وهو صاحب قلمرية شمالى نهر تاجه بالقرب من المحيط، استولى على أشبونة وشنترين وقصر

ص: 284

أبى دانس منذ سنة 541 هـ/1146 م وعبر يوسف إلى الأندلس فى سنتى 566 هـ/1170 م و 580 هـ/1184 م لمجاهدته ومجاهدة النصارى واستولى على بعض الحصون.

وتوفى يوسف سنة 580 وخلفه ابنه يعقوب، وفى عهده بلغت ثورة الموحدين على أصحاب المذاهب الأربعة فى المشرق وكتبهم ذروتها إذ كان قصده محو مذهب مالك من المغرب وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث. وكان الأيوبيون قد أرسلوا قراقوش لإحداث قلاقل فى طرابلس وتونس علهما يتبعان مصر ويعينانها فى حروبها مع الصليبيين، وفى الوقت نفسه نزل إفريقية التونسية بعض بنى غانيّة (أمهم من غانة) ولاة المرابطين على جزائر البليار لمحاولة تأليب أهلها وثورتهم على الموحدين، واستطاع يعقوب القضاء على هذه القلاقل والفتن بحملة كبيرة اتجه بها إلى تلك الديار سنة 583 وأتمّ القضاء عليها نهائيا الولاة بعده. ووضع نصب عينيه الاستعانة بالهلاليين وغيرهم من الأعراب فى إعداد جيش ضخم لمنازلة نصارى الإسبان من جهة، وليفيد فى جيشه من بسالتهم المشهورة وليبعد عيثهم وغاراتهم عن المغرب من جهة ثانية. وتوفى ابن الرنق ملك البرتغال سنة 581 هـ/1185 م وخلفه ابنه: سانشو فتمكن سنة 585 هـ/1189 م بمساعدة صليبيين هولنديين وإنجليز من الاستيلاء على مدينة شلب، فاستردها يعقوب سنة 587 هـ/1191 م واستولى على عدد من الحصون، وأخذ يعدّ لمعركة كبرى، واستنفر العرب الهلالية والمغاربة وأهل الأندلس، وسمع بذلك ألفونس الثامن صاحب قشتالة، فاستعان بالبابا وملوك أوربا وحشد جموعه النصرانية فى سهل حول حصن يسمى الأرك بين قرطبة وطليطلة ومزّقهم جيش المسلمين كل ممزق، ولاذ ألفونس الثامن بالفرار نحو طليطلة مع عدد من فرسانه، ولو أن يعقوب تبعه إلى طليطلة لاستولى عليها، ولكنه صنع ما صنعه يوسف بن تاشفين بغد موقعة الزلاقة، إذ اكتفى بعقد معاهدة بينه وبين ألفونس بعدم الاعتداء لمدة عشر سنوات. ومما يؤثر له أنه أصلح مسجد إشبيلية وبنى مئذنته المعروفة باسم الخير الدا. وتوفى سنة 595 هـ/1198 م.

وتولى بعده ابنه عبد الله الناصر وشغله أمر بنى غانية، واستولي على جزائر البليار سنة 600 هـ/1203 م وتتابعت هزائمهم فى طرابلس والمهدية وتونس. وعند تبسة فى إقليم الزاب، وانسحب من بقى منهم إلى الصحراء. وبينما كان الناصر مشغولا بالقضاء على بنى غانية كان ألفونس الثامن يعد لمعركة فاصلة بينه وبين الموحدين وأعانه البابا وملوك النصارى وجاءه عبّاد الصليب سيولا وراء سيول، والتقى النصارى بجيش الموحدين عند حصن العقاب إلى الجنوب الشرقى من حصن الأرك سنة 609 هـ/1212 م، ودارت الدوائر على الموحدين. وتوفى الناصر بعد الموقعة بشهور قليلة، وكان ذلك إيذانا بانهيار الجبهة الإسلامية فى الأندلس. وخلف الناصر ابنه يوسف الذى تلقب بالمستنصر، وثار عليه أهله وذوو رحمه فى الأندلس والمغرب

ص: 285

واضطرمت فى الأسرة منافسات وحروب أهلية إلى أن قضى المرينيون على دولة الموحدين سنة 668 هـ/1270 م وفقدت فى أثناء ذلك مدن الأندلس حراسها وحماتها، فبين سنة 633 هـ/ 1236 م وسنة 646 هـ/1249 م سقطت فى حجور نصارى الإسبان مدن الأندلس الكبرى: قرطبة وبلنسية ودانية وشاطبة وإشبيلية عروس الأندلس، وسقطت مرسية سنة 664 هـ/1266 م.

(ج) بنو (1) مرين

بنو مرين قبيلة بربرية زناتية كانت تستوطن المغرب الأوسط ودفعها العرب الهلاليون غربا فاستقرت فى حوض ملوية حتى منابعه وحوض نهر زيز شمالى سجلماسة، وكانوا موالين للموحدين وأسهمت منهم طائفة كبيرة بقيادة أميرها «محيو» فى موقعة الأرك المشهورة، وقدّمه المنصور الموحدى على جميع المتطوعين من زناتة للاشتراك فى المعركة، وأصابته فى الموقعة جراحة مات منها شهيدا. وخلفه على الإمارة فى قومه المرينيين ابنه عبد الحق، وكان يطمح أن تصبح لقبيلته دولة مثل دولة لمتونة الصنهاجية أو دولة المرابطين ودولة هرغة المصمودية: دولة الموحدين. ودخل بجموعه لعهد المستنصر فى وادى تازا وشرقى وادى سبو، وواقعه الموحدون سنة 613 هـ/1216 م وهزمهم، وتوفى فخلفه ابنه عثمان وأخضع بنى رياح الهلالية وتوفى فخلفه أخوه محمد ونازله الموحدون فى مكناسة فهزمهم، وتوفى سنة 643 هـ/1249 م وتلاه أبو يحيى بن عبد الحق أخوه، وهو المحقق لأمانى بنى مرين فى تأسيس دولة لهم بالمغرب الأقصى، إذ ناصب الموحدين العداء، واستولى منهم على مكناسة، وهى أول قاعدة ملكها بنو مرين، وقصد إلى مدينة فاس فبايعه أهلها طواعية راضين، وعادوا فنقضوا بيعتهم، وتحداه يغمراسن أمير بنى عبد الواد، والتقيا، وانتصر بنو مرين، وعاد ابن عبد الحق سريعا إلى فاس، فطلب أهلها منه الأمان وأعطوه العهود فقبل منهم وصفح عنهم، ورحل إلى سلا ونازل جيشا للموحدين وهزمه واستولى عليها، ونازل جيشا لبنى عبد الواد فى طريقه إلى درعة وهزمه، ودخل أهل درعة فى طاعته، وعاد إلى عاصمته فاس، وتوفى سنة 658 هـ/1260 م ويعد-بحق-المؤسس لدولة المرينيين فى المغرب الأقصى.

وولى إمارة المرينيين بعده أخوه يعقوب بن عبد الحق وكان مجاهدا كبيرا يرى فرضا عليه أن يجاهد نصارى الإسبان ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وبدأ جهاده لهم على رأس قوة مرينية

(1) انظر فى دولة بنى مرين روضة النسرين فى أخبار دولة بنى مرين لابن الأحمر (طبع الرباط) والذخيرة السنية فى تاريخ الدولة المرينية (نشر ابن أبى شنب) والسادس من تاريخ ابن خلدون والمسند الصحيح الحسن فى مآثر ومحاسن مولانا أبى الحسن لابن مرزوق الخطيب التلمسانى (طبع الجزائر) وزهرة الآس فى بناء مدينة فاس لأبى الحسن الجزنائى (طبع الجزائر) وروض القرطاس لابن أبى زرع والاستقصاء لأخبار دولة المغرب الأقصى للسلاوى.

ص: 286

سنة 664 هـ/1266 م وفى سنة 668 هـ/1269 م افتتح مدينة مراكش عاصمة الموحدين، وبذلك قضى نهائيا على دولتهم، وبسطت الدولة المرينية سلطانها على المغرب الأقصى جميعه جنوبيه وشماليه حتى سبتة وطنجة. وابتهج الفقهاء بالدولة الجديدة، لأنها خلصتهم من إجبارهم على مدارسة المذهب الظاهرى ورفضهم لمذهب مالك فقيه المدينة والحجاز الذى كان يعتنقه الفقهاء فى المغرب منذ حياة صاحبه فى القرن الثانى. وقد عادوا إليه وإلى مدارسة كتابه الموطأ ومدوّنة سحنون التى أملاها عليه عبد الرحمن بن القاسم تلميذ مالك وكتاب التهذيب للبراذعى الصقلى والنوادر والزيادات لابن أبى زيد القيروانى وغير ذلك من كتب الفقه المالكى ومطولاته التى كان يجمع منها يعقوب الموحدى الأحمال ويحرقها يريد محو مذهب مالك وإزالته من المغرب. وسرعان ما عاد إليه المغرب جميعه بعد انتهاء عصر الموحدين وابتداء عصر المرينيين، وتنادى الفقهاء بأن عقيدة ابن تومرت إنما هى انشقاق على الجماعة، وبذلك كان فقهاء المذهب المالكى من العوامل فى تثبيت حكم المرينيين وعلى رأسهم يعقوب بن عبد الحق. ومنذ عهده بل قبله تلتحم الحروب بين بنى مرين وبنى عبد الواد وستظل تلتحم على مر السنين، وكانت بين يعقوب ويغمراسن سلطان بنى عبد الواد واقعة بأسلى قرب وجدة فى الشمال سنة 670 هـ/1272 م انتصر فيها يعقوب وحاصر تلمسان ثلاثة أشهر ثم رفع الحصار وعاد إلى فاس، وفى سنة 672 هاجم سجلماسة واستخدم فى حصارها البارود لأول مرة فى المغرب الأقصى وأذعنت له، وفى سنة 674 هـ/1276 م بنى مدينة فاس الجديدة على مسافة ميل غربى المدينة القديمة إلى الجنوب قليلا، ويمر بين سوريهما ذراع من النهر يتجه نحو الشمال وعليه تقع الطواحين، والذراع الثانى للنهر يتفرّع فرعين يمر أحدهما بين فاس القديمة وفاس الجديدة ويتابع الفرع الثانى سيره وسط المزارع، وجعلها مقر الحكومة الجديدة، وسماها يعقوب المدينة البيضاء ولكن الشعب سمّاها باسم فاس الجديدة، وجعلها ثلاثة أقسام، قسم فيه قصوره وقصور أسرته ومعه حدائقه وبنى فيه جامعا بديعا، وقسم ثان به قصور قواده وشخصيات دولته، وقسم ثالث خاص بسكنى الحرس مع جوامع وحمامات، وبنى فى عدوة القرويين بفاس مدرسة كبيرة، وبنى مارستانا وزوايا، وبنى بجوار القصر الملكى دارسكّ العملة واختط سوقا للمدينة ونظمه تنظيما حسنا وجعل لدكاكين الصاغة أمينا يدمغ كل ما يصنع من فضة أو ذهب فى فاس بمنقاش، وكأن أهل فاس عرفوا-منذ هذا التاريخ على الأقل- نظام الدمغة. وتجهز يعقوب فى سنة 677 هـ/1279 م لعبوره الثانى للزقاق على رأس جيش مرينى لجهاد النصارى فى إسبانيا وأبلى بلاء حسنا وعاد إلى عاصمته فاس. وفى سنة 680 هـ/1282 م نازل يغمراسن فى ملعب الخيل بأحواز تلمسان وهزمه وعاد إلى فاس. ولم يلبث أن أخذ يستعد لجوازه الثالث إلى الأندلس سنة 681 هـ/1283 م ليجاهد نصارى الإسبان واستولى على بعض حصونهم. وفى سنة 685 عبر الزقاق للجهاد مع صفوة مستبسلة

ص: 287

من بنى مرين وأحرز نصرا مجيدا على نونيو جونذالث دى لارا nuno gonzsalez de lara جنوبى قرطبة فى ربيع الثانى سنة 685 هـ/سبتمبر سنة 1286 م. وتوفى بأوبته فى الجزيرة الخضراء. وكل ما استولى عليه من الحصون والبلاد كان يتركه لبنى الأحمر أصحاب غرناطة، فهو لم يجاهد لغنيمة إنما كان يجاهد لنصرة المسلمين ضد أعداء الإسلام نصارى الإسبان، وظل ذلك مبدأ ثابتا لحكام بنى مرين فى جهادهم لأولئك النصارى، فهم لا يبغون بجهادهم غنما. إنما يبغون الدفاع عن الإسلام ضد خصومه إرضاء لله ورسوله. وتلك منة ليعقوب وخلفائه المرينيين.

وخلف يعقوب-بعهد منه-ابنه يوسف، وسار سيرته فى الجهاد فعبر الزقاق إلى الأندلس مرارا، كما سار سيرته فى العدل الذى لا تصلح حياة الشعوب بدونه، ونازل عثمان سلطان تلمسان مرارا، وفى سنة 698 هـ/1299 م حاصرها وظل محاصرا لها ثمانى سنوات، وفى سنة 700 هـ/1301 م أسس أمامها مدينة المنصورة لمعسكره، وشاد بها قصره وبنى بجواره جامعا عظيما ومنارة على رأسها تفاحات من ذهب، وبنى الناس حول قصره المنازل والقصور، وغرسوا البساتين وأجروا المياه وأداروا على المدينة سورا، وبنيت بها حمامات وفنادق ومارستان، حتى إذا عادت لبنى عبد الواد هدموها وخربوها وطمسوا معالمها، وتوفى عثمان بن يغمراسن سنة 703 هـ/1304 م حزنا وكمدا، وتوفى ابنه أبو زيان مثله كمدا سنة 707 هـ/1308 م. ولم يلبث أن توفى يوسف بن يعقوب، ففك المرينيون الحصار عن تلمسان، ولا بد أن نذكر أن المرينيين حين حاصروا تلمسان استولوا على كل ما كان بيدها من مدن فى المغرب الأوسط بل ربما أضافوا إليها مدنا جديدة، فقد استولوا على وجدة ووهران ومستغانم وتنس ومليانة وشرشال والمدية وبجاية. وبعد يوسف رغب فى الاستيلاء على صولجان الحكم أخوه أبو يحيى وابنه أبو سالم وحفيده أبو ثابت عامر، وأرسل عامر إلى بنى عبد الواد أن يؤيدوه نظير رد ممالكهم عليهم فى المغرب الأوسط فأيدوه، وتم له الأمر، ووفى لهم بالعهد، وخلفه عثمان بن يعقوب فأغار على تلمسان سنة 714 هـ/1315 م.

وتوفى عثمان سنة 731 هـ/1331 م وخلفه ابنه أبو الحسن على، ويفكر فى الاستيلاء على تلمسان ويستولى على ندرومة ويحاصر وجدة سنة 735 هـ/1335 م ويستولى على وهران وتنس ومدينة الجزائر ومليانة سنة 736 هـ/1336 م ويحاصر تلمسان، ويعيد بناء المنصورة لسكناه وسكنى جيوشه. ويفتح تلمسان سنة 737 ويأخذ بنى عبد الواد وأهلها بالرفق ويأخذ فى الاستيلاء على مدن الجزائر، ويدخل بجاية ويضع عن أهلها ربع المغرم وتذعن قسنطينة لطاعته، ويقدم إلى تونس ومعه حشد من العلماء الأجلاء اجتمعوا له من المغرب الأقصى والمدن التى نزلها، وظل بها من سنة 748 هـ/1348 م إلى سنة 750 هـ/1350 م. وفى شهر محرم سنة 749 للهجرة هزم العرب أبا الحسن على القيروان هزيمة شديدة وربما كان من أسبابها

ص: 288

أنه كان فى جيشه بنو عبد الواد ومغراوة وتوجين، وجميعهم سلب منهم ديارهم، فعملوا على هزيمته وانتصار العرب. وشاع فى المغرب الأقصى خبر بموته. فدعا ابنه أبو عنان لنفسه وبايعه الناس. وفى شهر شوال من سنة 750 أبحر فى أسطول ضخم إلى الجزائر، وتحطم أسطوله بساحل زواوة فى الجزائر ولم ينج إلا نفر قليل منهم، وغرق من كان معه من العلماء مفخرة المغرب الأقصى والجزائر. ولم يتنازل ابنه أبو عنان له عن الملك بعد أن تحقق من حياته خشية أن يحرمه من ولاية عهده، وشغل الابن بأبيه حتى توفى سنة 752 هـ/1352 م وتم له الأمر. وزحف إلى تلمسان سنة 753 هـ/1353 م وكان يليها عثمان الثانى وأبو ثابت فاستولى عليها وقتل عثمان وفرّ أخوه أبو ثابت إلى شلف فأرسل إليه أحد قواده فاستولى على معسكره بكل ما كان فيه، وفرّ أبو ثابت ثانيا وقتل فى فراره، واستولى أبو عنان على كثير من مدن الجزائر بما فيها بجاية وقسنطينة.

وتوفى أبو عنان سنة 758 هـ/1357 م وهو آخر حكام بنى مرين العظام، وبويع لابنه أبى بكر السعيد وكان طفلا فظل فى الحكم سنة، وخلفه عمه إبراهيم لمدة سنتين. وطبيعى وقد اضطربت الأمور أن تعود تلمسان لأهلها بنى عبد الواد، ويتولى أخوه لمدة سنة، ويتولى بعده سلاطين ضعاف، واختلت الأحوال وظلت الدولة تزداد اختلالا بتولى أناس غير أكفاء، وازدادت الفتن الداخلية وظلت الحروب مشتعلة بين بنى مرين وبنى عبد الواد وكثيرا ما تغلب الوزراء على الحكم فقدموا له الصبية والضعاف من ذرية عبد الحق ليخلو لهم الجو. وأخذ بعض الحكام فى سجلماسة ومراكش وأطراف الدولة يحاولون الاستقلال عنها. وتفقد الدولة المرينية المغرب الأوسط وتعود إلى حدودها الأولى، ففيم كان كل هذا الصراع بين المرينيين والتلمسانيين وحكامهم من بنى عبد الواد. ولو فكر هؤلاء الحكام المسلمون فى الأمر ومصلحة الأمة لأغمدوا السيف ولم يسلّوه على إخوانهم، وإنما يسلونه على عدوهم من نصارى الإسبان الذين ينازلون المسلمين فى الأندلس نزالا ضاريا. ومن الحق أن بنى مرين أدوا دورا عظيما فى الدفاع عن غرناطة. فقد ظلوا حتى أيامها الأخيرة يخوضون معها أو منفردين معارك طاحنة بذلوا فيها كل ما يستطيعون غير طامعين فى غنم أو أى كسب مادى. ولا نمضى طويلا فى القرن التاسع الهجرى حتى نشعر بضعف المرينيين فقد استولى البرتغاليون منهم على سبتة سنة 818 هـ/1415 م إذ تحولت الحرب المقدسة إلى أرض المغرب. واستولى البرتغاليون على الدار البيضاء أو آنفه سنة 874 وعلى طنجة ومدينتى أصيلا والعرائش سنة 876 هـ/1471 م. وخرجت عن طاعة الدولة مراكش ومنطقة الريف فى الشمال وسجلماسة ودرعة والسوس فى الجنوب، ولا بد أن نذكر أنه إذا كانت الدولة المرينية ضعفت وتخاذلت إزاء هذا الاحتلال البرتغالي الواسع لموانى المغرب على الزقاق والمحيط فإنه كان هناك من الشباب العربى دائما من يستبسلون فى مقاومتهم وينزلون بهم خسائر فادحة فى الأرواح، من مثل

ص: 289

أبى الحسن (1) على المنذرى، وكان قد قام بأعمال بطولية فى حروب غرناطة مع النصارى، وعزّ عليه أن لا تجد مدن سبتة والقصر الصغير وطنجة من يدافع عنها ضد أعدائهم، فانسحب إلى تطوان جنوبى سبتة على البحر المتوسط. وأخذ فى تحصينها واجتمع له ثلاثمائة فارس، وأخذ بهذه الكتيبة الصغيرة يغزو منطقة المدن الثلاث السابقة ويأسر كثيرين من نصارى البرتغاليين وينهك قواهم فى أشغال التحصينات. ويقول الحسن الوزان فى حديثه عن تطوان إنه زارها ورأى بها ثلاثة آلاف من عبيد النصارى ويقول إنهم كانوا يلبسون جميعا سترة من الصوف وينامون ليلا مقيدين بالأصفاد فى سراديب تحت الأرض. ومثله شاب (2) إدريسى ذهب إلى غرناطة وانخرط لفترة من الزمن فى خدمة الغرناطيين حتى أصبح محاربا مجربا، وعاد ليستقر فى جبل بنى حسن بالقرب من مدينة تطوان، واجتمع إليه عدد من الفرسان، وأخذ ينازل البرتغاليين فى المنطقة ويفتك بهم، ويقول الحسن الوزان فى حديثه عن جبل بنى حسن إن البرتغاليين يعرفونه جيدا ويعرفون بطولته ويسمونه باسمه على بن راش (راشد) وهو الشريف الإدريسى على بن موسى بن الرشيد. ولا بد أنه كان لشبان مغاربة أعمال كثيرة كأعمال الإدريسى والمنذرى غير أن المؤرخين قلما يثبتونها. ومرّ بنا الحديث عن بهلول وبطولاته العظيمة فى عصر الموحدين. وتبلغ الدولة المرينية غاية الضعف فيتولى الأمر الوطاسيون وهم فرع من بنى مرين ولم يكن بيدهم شئ من السلطان الحقيقى. وكان أولهم محمدا الشيخ منذ سنة 876 هـ/1472 م حتى سنة 910 هـ/1504 م وخلفه ابنه محمد البرتغالي حتى سنة 931 هـ/1524 م فأخوه بو حسون لمدة سنة فأحمد بن محمد البرتغالي حتى سنة 956 هـ/1549 م. وكان الكابوس البرتغالي يزداد فى عهدهم جثوما على ساحل المحيط، وقد استولوا على ماسة فى منطقة السوس سنة 894 هـ/1489 م وأختها أغادير فى منطقة السوس أيضا سنة 911 هـ/1505 م وعلى آسفى فى منطقة دكالة سنة 914 هـ/1508 م وعلى آزمور سنة 919 وكانوا ينشئون فى كل مدينة حصونا للدفاع عنها ويقيمون فى كل مدينة حاكما عسكريا، وكانوا كثيرا ما يغيرون على البلاد وراء الساحل فى الداخل وينهبون خيراتها. ولا بد أن نذكر أن الوطاسيين لم يقفوا مكتوفى الأيدى إزاء هذا السيل البرتغالي فقد أبلو فى جهادهم بقدر ما استطاعو ولكن قدرتهم كانت محدودة، إذ خرجت مراكش وأكثر أجزاء المغرب الأقصى عن نفوذهم، وشغلتهم واستنفدت كثيرا من طاقتهم الفتن الداخلية الكثيرة، حتى لم يعد لهم حول ولا قوة، ولذلك كان طبيعيا أن تسقط فاس فى أيدى الأشراف السعديين سنة 956 هـ/1550 م وسلطانها-فى الواقع-انتهى قبل ذلك بسنوات طويلة.

(1) انظره فى كتاب وصف إفريقيا فى مدينة تطوان ص 320

(2)

راجعه فى نفس المصدر فى بنى حسن ص 323.

ص: 290