الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى دار سكنه يتزايدون، حتى قيل إنه كان فيها 1400 عامل بيد كل عامل مطرقة لضرب الدنانير الذهبية، ولذلك لقّب بالمنصور الذهبى.
ويتوقف الوزان مرارا ليحدثنا عن ثراء المناطق فى المغرب الأقصى، من ذلك ما يقوله عن منطقة بولوان فى منطقة دكّالة من أنه كان يسكنها عديد من النبلاء الكرام. وقد بنوا عمارة فيها غرف عديدة على نفقتهم لتكون دار ضيافة فاخرة، وأرضهم خصبة وتنتج مقادير وافرة من القمح وعندهم ماشية لا عداد لها، إذ لدى كل فرد منهم نحو مائة زوج من الأبقار ويحصد الفرد العادى مائة حمل من القمح ومنهم من يحصد منه ثلاثة آلاف حمل. ومثل منطقة دكالة فى ثرائها منطقة هسكورة بأغنامها وما يصنع منها من الأقمشة الصوفية الجميلة ومن الجلود المغربية وبها كثرة من محصول الزيت وتعنى بصناعة سروج الخيل. ويشمل الثراء كثيرا من نواحى منطقة تادلة، وتشتهر مدينتا تفزة وأفزة بصنع البرانس وهى نوع من العباءات أو الثياب تنسج قطعة واحدة مع قلنسوتها ويسلك فى العنق ويترك من أمام مفتوحا، ولا يخاط منه إلا ما يقابل الصدر. ومنطقة فاس غنية جدا لوفرة حبوبها وثمارها وماشيتها. وبالمثل منطقة مكناس لثمارها العجيبة من سفرجل زكىّ الرائحة ورمان يخلو من البذور وعنّاب بديع مع وجود مختلف الثمار من الخوخ والمشمش والعنب والتين، ومنطقة الهبط غنية لكثرة موانيها التجارية، ولكثرة ما تنتجه كورها من الحبوب والثمار. وتتميز ثلاث مناطق هى: السوس وسجلماسة ودرعة بتجاراتها الواسعة مع السودان الغربى، وتجار السوس يحملون إليه ما ينتجون من السكر والتمور وما يصنعون من الجوخ وأقمشة الكتان، ويحمل تجار سجلماسة تمورهم والأقمشة القطنية والصوفية والمنتجات المغربية، ويحمل إليهم تجار درعة تمورهم الفاخرة والمنتجات المغربية وما يصنعون من أوانى النحاس، ويعودون جميعا محملين بالعاج والذهب وريش النعام والرقيق، ويدرّ ذلك على تجار هذه المناطق ثراء واسعا.
(ب) الرّفة
هذا الثراء الطائل لبعض مدن المغرب الأقصى ومناطقها ودولها وبعض أفرادها من التجار وغير التجار يجرّ بطبيعته إلى غير قليل من الرفه. ومن يرجع إلى الحسن الوزان فى حديثه عن ملابس سكان فاس ويريد أعيانها ونبلاءها يجده يقول إنهم أناس محترمون يلبسون فى الشتاء ثيابا من جوخ أوربية المنشأ، ويتألف ما يلبسون من سترة (جاكيت) ضيقة ملتصقة بالجسم لها نصف أكمام، تمرّر من فوق القميص، ويلبسون فوق تلك السترة ثوبا عريضا مخاطا من الأمام (لعله المعروف عند المغاربة بالقشابية، وهى ثوب له أكمام يسلك فى العنق ويخاط من أمام ولا يترك منه إلا فتحة العنق) ويصنعون فوق هذا الثوب البرنس الذى وصفناه منذ قليل، وقلنا إنه ينسج قطعة واحدة مع قلنسوته ولا تغطى الأذنين، ويلفون فوق تلك القلنسوة عمامة
من قماش تطوى مرتين حول الرأس وتمر من تحت اللحية، ويلبسون سروالا من كتان، ويضعون فى أقدامهم خفّا عند ما يمتطون جيادهم شتاء. ويقول الوزان إن عامة الشعب يلبسون سترة وبرنسا بدون الثوب (القشابية) الذى تكلمنا عنه. وربما كان أدق من ذلك ما ذكره فى بلدان مغربية أخرى من أن أهلها يلبسون كساء من صوف غير مخيط يشتمل به الرجال والنساء على نحو ما نرى عند قدماء المصريين. يقول الوزان: «وللنساء هندام حسن جدا، ويلبسن فى الشتاء ثيابا عريضة الأكمام مخيطة من الأمام كأثواب الرجال، ويلبسن فى الصيف قميصا يطوّقنه بزنار، وعند ما يخرجن من بيوتهن يلبسن سراويل طويلة تغطى كل أرجلهن وخمارا يغطى الرأس وسائر الجسم، ويتغطّى الوجه بقطعة قماش كتانى، ويضعن فى آذانهن حلقات ذهبية كبيرة مرصّعة بحجارة كريمة بديعة جدا، ويضعن أساور ذهبية فى معاصمهن. أما النساء من غير الشريفات فيلبسن أساور من فضة ويضعن مثلها فى أرجلهن. ودائما يشير الوزان فى البلدان المختلفة بأن المرأة كانت تتزين بحلى فضية، وكأنها كانت هى الحلى الشعبية الشائعة، ومرّ بنا فى الحديث عن سوق فاس ما كان به من دكاكين كثيرة لبيع الأقمشة الصوفية والكتانية والحريرية النسائية وما كان هناك من دكاكين لبيع النطاقات النسائية وكل فنون الزخرف من الزينة لملابسهن وكل أنواع العطارة والروائح الفائحة.
ويتحدث الحسن الوزان عن الغذاء فيقول إن عامة الشعب تتناول اللحم مرتين فى الأسبوع أما الأعيان والأغنياء فيتناولونه مرتين فى اليوم حسب شهيتهم. ولهم ثلاث وجبات يومية: وجبة الصباح وتتكون من خبز وحساء من دقيق القمح وبعض الفواكه، ووجبة الظهيرة وتتألف من خبز وجبن وزيتون وسلطة، ووجبة المساء وتتألف من بعض الأطعمة ومن اللحم المسلوق، والكسكسى وهم يواظبون عليه فى العشاء، وقد يأكلونه فى الغداء، وهو عجينة تحول إلى حبيبات، وتطبخ بالبخار وعند نضجها تسقى بالسمن وبمواد مغلية مع اللحم.
وكان لا بد للمرفهين فى المغرب الأقصى من لعب يقطعون بها أوقاتهم، وقد اختاروا لعبتى الشطرنج والنرد يتسلّون بهما، ومعروف أن لعبة الشطرنج تمثل صورة الحرب، فهى حرب بين جبهتين وفى كل جبهة ملك ووزير وبعض القواد وبياذق أو عسكر وطبية للدفاع عنها، وتحاول كل جبهة التغلب على مقابلتها، ويكتب النصر لإحداهما كما فى الحرب تماما. أما النرد فتدل خطوطه الأربعة والعشرون على عدد ساعات اليوم ونصف الخطوط تدل على عدد شهور السنة، وحجارته السود والبيض هى الليالى والأيام، وتدل قطعتا الزهر على حظوظ الناس فى دنياهم. وأنشأ ملوك فاس وسلاطينها لأهلها مسرحا لصراع الأسود، وكان يصيدهم للسلطان قنّاصو جبل زرهون. وكان المسرح ساحة واسعة يصطف حولها أهل فاس للفرجة، وكانت تصفّ فى الساحة عدة صناديق كبيرة يتسع داخل كل منها لرجل يقف فيه ويتحرك بسهولة، ولكل صندوق باب صغير ويجلس فيه رجل مسلح، وعندئذ يطلق الأسد-كما يقول الوزان-