الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يضرع إلى ربه قائلا أنت حمايتى فاحمنى، وأنت ملجئى من النوائب فأغثنى وجد لى بإحسان منك أزيّن به ظاهرى، وأودع بدخائلى نور المعارف، واقبل شكوى حاجتى لكرمك الفياض، وارحم ذلى وتوجعى لرأفتك، إنّي عبد سوء من عبادك المذنبين وأنا لائذ بحمى ساحتك الواسعة، وإن لم تكن لى وملجئى من هذه الذنوب الثقيلة فما أفقر مرتعى ومعيشتى. وعارض الشيخ محمد الطاهر المجذوب يائية ابن الفارض المشهورة بقصيدة استهلها بقوله (1):
زائرى فى الطيف هل من عودة
…
تحى منها مهجتى بل أصغرىّ
والأصغران: القلب واللسان. وللشيخ محمد سعيد العباسى تخميس لبيتين للشبلى الصوفى على هذا النمط:
هواى أنت وهل فى ذاك من حرج
…
أنتم ملاذى وأنتم فى الدّجى سرجى
يا سادة قويت فى حبّكم حججى
…
(لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجى
وتقبلونى على عيبى ونقصانى)
قلبى بكم يا سراة الحىّ فى شغف
…
دمعى بعهد ربوع الظاعنين وفى
بالله عطفا على صبّ لكم دنف
…
(فإن رضيتم فيا عزّى ويا شرفى
وإن أبيتم فمن أرجو لعصيانى)
والتخميس محكم، وشطور العباسى الستة متداخلة فى بيتى الشبلى بدقة، إذ كان بارعا فى صوغ شعره وأبياته.
4 -
شعراء المدائح النبوية
تغنى كثيرون من شعراء السودان بمدائح الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلهم فى ذلك مثل الشعراء فى جميع بلدان الوطن العربى، إذ هو المثل الرفيع لكل مسلم فى تقواه وعبادته لربه وورعه. وقد أخذت هذه المدائح تتكاثر بالسودان منذ القرن الثالث عشر الهجرى/التاسع عشر الميلادى حتى لينظم بعض الشعراء دواوين كاملة فى المديح النبوى مثل محمد عثمان الميرغنى وديوانه:«النور البراق فى مدح النبى المصداق» والسيد أحمد بن إدريس وديوانه: «رياض المديح» والشيخ أبى القاسم أحمد هاشم وديوانه: «روض الصفا فى مديح المصطفى» . ونلتقى عند الشيخ الأمين الضرير المتوفى سنة 1302 هـ/1885 م بمدحة نبوية ورّى فيها بسور القرآن الكريم
(1) تاريخ الثقافة العربية فى السودان ص 191.
على غرار مدحة نبوية لابن جابر الأندلسى، أنشدنا منها قطعة فى ترجمته بكتابنا عن الأندلس، ويقول الشيخ الأمين الضرير فى فواتح مدحته (1):
ما للنساء كمثل المصطفى ولد
…
إذ منه مائدة الأنعام والعقلا
أعرافه المسك والأنفال وافرة
…
لمن به توبة كى تذهب الوجلا (2)
به ليونس أنس ثم هود هدى
…
ويوسف حسنه من أجله كملا
والأبيات تذكر بالترتيب سور النساء والمائدة والأنعام فى البيت الأول وسور الأعراف والأنفال والتوبة فى البيت الثانى وسور يونس وهود ويوسف فى البيت الثالث، واسم السورة يلتحم بمعناه فى البيت، والأعراف جمع عرف بمعنى المعروف والأنفال العطايا، وهما اسما السورتين بعد الأنعام، وتتوالى السور بترتيب المصحف. ويختم القصيدة بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم. وللشيخ أبى القاسم أحمد هاشم المترجم له فى شعراء الغزل العذرى مدحة نبوية بديعة يقول فيها (3):
أمحمد ولأنت أكرم مرسل
…
وأحقّ من بمديحه يتقرّب
أمحمد ما أنت إلا رحمة
…
وبشارة، لك كلّ خير ينسب
يا بن العوالى الشّمّ من مضر ويا
…
سرّ الوجود لك الفناء الأرحب
يا سيدى يا خاتم الرسل الكرا
…
م ومن إليك الملتجا والمهرب
مدحتك آيات الكتاب ونوّهت
…
بفضائل عن درك غيرك تحجب
كلّ الكمال فأنت غاية حدّه
…
ما نال ما قد نلته متقرّب
والشيخ أبو القاسم يخاطب الرسول قائلا إنه أحق مرسل يتقرب المسلم بمديحه إلى ربه، وقد أرسله رحمة وبشرى لعباده، وإليه ينسب كل خير، إنه ابن السادة العظام من مضر، وسر الوجود جميعه، وله المجد الأرحب، إنه خاتم الرسل الكرام والملجأ لكل خائف فزع، وقد مدحته آيات القرآن بمثل (وإنك لعلى خلق عظيم) ونوهت له بفضائل دون غيره، إنه عين الكمال وغايته ومنتهاه، ولم ينل أحد من ربه ما نال من فضله. والمدحة بديعة ولم يترجم له صاحب نفثات اليراع ولم ينشد له صاحب شعراء السودان سوى هذه المدحة مع أن له ديوانا جميعه مدائح نبوية باسم «روض الصفا فى مدح المصطفى» كما أسلفنا. وكان يعاصره
(1) شعراء السودان ص 22.
(2)
الوجل: الخوف.
(3)
شعراء السودان ص 33.
الشيخ عمر الأزهرى وأنشد له صاحب الشعراء فى السودان ثلاث مدائح نبوية، وسنفرد له ترجمة. وللشيخ إبراهيم هاشم مدحتان نبويتان يقول فى إحداهما (1):
هذا محمد الذى
…
ملأ البلاد هدى وجاد
وهو الموصّل للطريق المستقيم وللسّداد
…
وهو المبشّر والمحذّر والمحرّض للجهاد
وهو الموصّل للسّلا
…
مة فى القيامة والمعاد
والله أعلى ذكره
…
وأذاعه فى كل ناد
وهو يقول إن هدى محمد صلى الله عليه وسلم ملأ البلاد وما زال يجود ويفيض، وهو الموصل لطريق السعادة فى الدنيا والآخرة، طريق الرشد والسداد، وهو المبشر بنعيم الله والمحذر من عذابه وجحيمه والمحرض للجهاد فى سبيله، وهو الموصل للأمن والسلامة يوم القيامة وفى الحياة الآخرة، وقد أعلى الله ذكره، ونشره فى كل ناد بين الناس أجمعين. ويلقانا الشيخ عبد الله عبد الرحمن، وسنترجم له عما قليل. ويقول عثمان هاشم فى الاحتفال بليلة الميلاد النبوى سنة 1339 هـ/1921 م منشدا (2):
بجلال ذكرك تفخر الأعوام
…
وبحسن يومك تزدهى الأيام
يا ليلة الميلاد حسبك مفخرا
…
نور عليه من النبىّ تمام
ضاءت به الدنيا وأزهر نورها
…
بالمسلمين وأشرق الإسلام
شرفا بأحمد خير من وطئ الثّرى
…
وله على السّبع الطّباق مقام
لولاك يا بن الأكرمين لما اهتدت
…
تلك الشعوب ولا استقام نظام
وهو يحيّى ليلة ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول لها إن الأعوام تفخر بذكرك وتتيه بيومك الأيام وحسبك مفخرا وزهوا وعظمة ما رافق الرسول فى مولده من النور العظيم. أضاءت به الدنيا وعظم نورها بالمسلمين وأشرق الإسلام وتبلّج فى الآفاق نوره، شرفا لا يماثله شرف بالرسول العظيم خير إنسان وطئ الثرى وقد صعد به ربه وأتاح له فى معراجه مقاما فوق السموات السبع، ولولاه ما اهتدت الشعوب الإسلامية ولا استقام لها ملك ولا حكم ولا نظام. ويبكى فى مدحته الإسلام مقارنا بين ماضيه وحاضره وما أصاب أقوامه وشعوبه من التخاذل. ويعود إلى تحية العام الهجرى فى قصيدة ثانية باكيا الإسلام والمسلمين وما عمّ بينهم من عداء وأحقاد، ويهتف (3):
(1) شعراء السودان ص 59.
(2)
شعراء السودان ص 217.
(3)
شعراء السودان ص 229.