الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى العودة إلى القيروان لبلوغه نبأ ثورة قبيلة هوارة بطرابلس عليه، وانتهز أبو قرة غيابه عن طبنة فهاجمها، وكان عمر بن حفص ترك بها المهنّا مع قطعة من جيشه، فاشتبك مع أبى قرة فهزمه وولّى الأدبار وأخذ المهنا عسكره بكل ما فيه. ولا نعود نسمع بثورة لأبى قرة، وتظل تلمسان خاضعة لقبيلة بنى يفرن الزناتية حتى تأخذها منهم قبيلة مغراوة سنة 170 هـ/786 م. ولما أسس إدريس الأول الحسنى دولة الأدارسة فى وليلى بإقليم فاس سنة 172 هـ/788 م ودار العام واشتدت شوكته رأى الزحف على تلمسان وما جاورها من قبيلة مغراوة، وعلم بزحفه محمد بن خزر المغراوى فخرج إليه حين اقترب من البلدة، وبايعه هو وجميع وجوه تلمسان، وعيّنه إدريس واليا عليها وأمره ببناء مسجدها وعاد إلى وليلى وتوفى سنة 175 هـ/791 م وخلفه ابنه إدريس الثانى حتى سنة 213 هـ/828 م وكان فقيها وراويا للحديث وشجاعا مقداما فى مهام الأمور، وهو الذى بنى مدينة فاس واتخذها عاصمة للدولة، ونزل تلمسان وأقام بها ثلاث سنوات نظّم فيها شئونها الإدارية والمالية ومحا منها دعوة الصفرية. ونزلها-كما يقول ابن خلدون وبعض المؤرخين-عمه سليمان بن عبد الله، ويبدو إن إدريس الثانى أو ابنه محمد تركها له فتملكها وبايعه أهلها، وتوارثها هى وإقليمها فى الجزائر عنه أبناؤه وأحفاده إلى أن أخذها منهم موسى بن أبى العافية فى القرن الرابع ثم تصير للدولة العبيدية.
4 -
الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد
(أ) الدولة العبيدية
(1)
لم يلبث أبو عبد الله الشيعى أن دخل القيروان وقضى على الدولة الأغلبية، وبذلك يكون قد قضى فى عام واحد على الدول الثلاث التى كانت تتقاسم الجزائر: دولة الأغالبة فى شرقيها ودولة الإباضيين بتاهرت فى وسطها ودولة الأدارسة من أبناء سليمان بن عبد الله فى غربيها، وبذلك دانت الجزائر للدولة العبيدية منذ أواخر القرن الثالث للهجرة فكان يديرها المهدى الفاطمى من القيروان ثم من مدينة المهدية التى بناها بجوارها عاصمة له ولمن بعده، ونالت الجزائر فى أيامه رخاء وأمنا وانتعشت التجارة بينها وبين الصحراء المدارية والسودان، وأيضا بينها وبين أوربا، وبنى عامله على الزاب على بن حمدون الزناتى بسهل الحضنة مدينة المسيلة (المحمدية) سنة 315، ويتوفى سنة 322 هـ/933 م. ويخلفه ابنه القائم وفى أيامه أخذ ثائر بربرى من الخوارج يعدّ العدة فى الجزائر للانتقاض عليه والثورة يدعى أبا يزيد مخلد بن كيداد،
(1) انظر فى الدولة العبيدية اتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا للمقريزى وكتابه الخطط والبيان المغرب لابن عذارى وأعمال الأعلام لابن الخطيب وأخبار بنى عبيد وسيرتهم لابن حماد وافتتاح الدعوة للقاضى النعمان وكتابه المجالس والمسايرات وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك بن محمد الميلى ص 502 وما بعدها.
أصله من مدينة توزر التونسية فى بلاد الجريد، وكان فى أوائل حياته يحفّظ الصبية والغلمان القرآن الكريم فى مدن مختلفة بتونس والجزائر، ونزل تاهرت فى أواخر أيام الرستميين، ويقول المؤرّخون إنه اعتنق عقيدة الإباضية النكّارية، وأخذ يجتمع إليه كثيرون من قبيلته زناتة ومن البربر الخوارج إباضيين وصفريين، وكوّن منهم جيشا لقى به قبيلة كتامة فى الأربس وغير الأربس وهزمها مرارا. وكان يبيح لجيشه نهب البلاد وحرقها وسبى النساء وقتل الأطفال مما يؤكد أنه لم يكن إباضىّ العقيدة كما يذكر المؤرخون، إذ الإباضية لا يستحلون شيئا من ذلك كله، ومن أجل ذلك نرى أنه كان على مذهب الصفرية من الخوارج لا الإباضية، ويبدو أنه قرأ عن الخوارج الأزارقة المتطرفين الذين كانوا يستحلون سبى النساء وقتل الأطفال، فاقتدى بهم، وبئس القدوة. وما توافى سنة 333 هـ/944 م حتى يحشد جيشا ضخما يستولى به على كثير من البلدان فى الجزائر والإقليم التونسى، ويتقدم بجيشه حتى مدينة رقادة بالقرب من القيروان وينهبها، ويقتل واليها العبيدى خليل بن إسحاق. ويقصد القيروان ويستولى عليها وينضم إلى جيشه أهل السنة من سكانها يريدون الانتقام من العبيديين لمحاولتهم فرض عقيدتهم الإسماعيلية عليهم ومحو مذاهب السنة من مثل مذهب مالك، وزحفوا معه إلى أسوار مدينة المهدية عاصمة العبيديين وحاصرها. وتوفّى الخليفة العبيدى القائم فى أثناء حصاره لها سنة 334 هـ/945 م وخلفه ابنه الخليفة المنصور، وظلت الحرب بينه وبين ابن كيداد سجالا، واستصرخ زيرى زعيم صنهاجة فى الجزائر، فلبى صراخه، وانهزم ابن كيداد هزيمة ساحقة، وولّى الأدبار إلى الجزائر، والخليفة المنصور من ورائه يتعقبه فى باغاية بجبال الأوراس وغير باغاية إلى أن جاءوه به مكبلا بالأغلال، ففتك به سنة 336 هـ/947 م وبالقضاء على ثورته انتهت ثورات الخوارج فى الجزائر.
(ب) الدولة (1) الصنهاجية
إذا كانت قبيلة كتامة الجزائرية هى التى لعبت الدور الأول فى نصرة أبى عبد الله الشيعى على دول الجزائر الثلاث: الأدارسة فى تلمسان والإباضيين فى تاهرت والأغالبة فى القسم الشرقى من الجزائر فإن قبيلة صنهاجة هى التى كان لها الدور الأول فى القضاء على ثورة أبى يزيد مخلد بن كيداد الصّفرى، والقبيلتان جميعا كانتا تحتلان شمالى الجزائر: كتامة إلى الشرق وصنهاجة إلى الغرب، وكانتا تأخذان بحظ من الحضارة، وهما من قبائل البرانس المتحضرة. وكانت قبيلة زناتة تحتل الجنوب الجزائرى، وهى من قبائل البتر المتبدية، وكانت شعبها
(1) انظر فى الدولة الصنهاجية الكامل لابن الأثير والبيان المغرب لابن عذارى وأعمال الأعلام لابن الخطيب والجزء السادس من تاريخ ابن خلدون وابن خلكان فى تراجم باديس والمعز وتميم وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك بن محمد الميلى ص 529 وما بعدها.
وفروعها تمتد إلى تلمسان والمغرب الأقصى غربا وإلى جنوبى الإقليم التونسى وطرابلس شرقا. وولّى الخليفة الفاطمى المنصور زيرى الصنهاجى على المنطقة الغربية فى الجزائر وحين تولى المعز الخلافة العبيدية سنة 341 هـ/952 م أبقاه عليها، وكان مثل قبيلته على حظ من الحضارة ويتضح ذلك فى بنائه مدينة أشير إلى الشمال الشرقى من تاهرت سنة 324 هـ/935 م واتخاذها عاصمة له ولقبيلته، ودفع ابنه بلكين-فيما بعد-لتأسيس مدينة الجزائر على البحر المتوسط ومدينة مليانة جنوبى شرشال على الضفة الشرقية لنهر شلف ومدينة المدية إلى الجنوب الشرقى من مليانة. وساعد زيرى جوهرا الصقلى فى سنة 347 هـ/958 م فى حملته التى استولى بها على جميع بلدان المغرب الأقصى ما عدا سبتة وطنجة اللتين كانتا تدينان بالولاء لعبد الرحمن الناصر الخليفة الأموى فى قرطبة. وكان جوهر الصقلى قد استولى على مصر للمعز سنة 359 هـ/968 م وشاع عقب ذلك أن الخليفة العبيدى المعز سيترك عاصمته المهديّة فى إفريقية التونسية إلى مصر، وسيولّى زيرى على المغرب جميعه نائبا عنه، فامتعض لذلك جعفر بن على بن حمدون الزناتى والى الزاب للمعز سنة 360 هـ/970 م وكانت بينه وبين زيرى ضغائن وأحقاد وعداوة، ولم يلبث أن جمع عسكره وسلاحه وأمواله وخرج من مدينة المسيلة عاصمة ولايته التى بناها أبوه فى ولايته عليها كما مرّ بنا، واتجه إلى قبيلته: زناتة خالعا طاعة المعز، واحتفت به قبيلته وملّكته عليها، واستطاع فى سنة 361 أن يجمع منها جيشا ضخما وزحف به على أراضى صنهاجة، وعلم زيرى فجمع رجاله بسرعة، والتقى به، واشتبك الخصمان ورجحت كفة جعفر بن على وزناتة وقتل زيرى فى المعركة. وكان ابنه بلكين فى أشير وجاءه نبأ مصرع أبيه، فأعدّ العدة سريعا للأخذ بثأر أبيه، والتقى بزناتة ومزّق جموعها ونكّل بها تنكيلا شديدا، وبلغ انتصاره عليها المعز، فأقرّه على ولاية أبيه وأضاف إليه الزاب وتاهرت وسائر أعمال المغرب. وقبل مبارحة المعز المهدية إلى مصر ولاه على إفريقية التونسية والمغرب جميعه فى ذى الحجة لسنة 361 هـ/972 م مع استثناء طرابلس وصقلية، وكان ينبغى أن يترك له صقلية لأنها بعيدة عن مصر، ولن تستطيع حمايتها عند الضرورة.
وأخذ بلكين ينهض بمسئوليات الحكم فى المغرب ويرتّب شئونه، وهو بربرى مغربى من صنهاجة، وقد مضى يعمل على تأسيس دولة صنهاجية مغربية يتوارثها أبناؤه، وهى أول مرة فى التاريخ الإسلامى تنشأ دولة مغربية إسلامية فيه، وتتوالى بعدها دول مغربية كبيرة، مما يجعل حكم بلكين للمغرب فاتحة انتقال الملك والسلطان فيه من العرب إلى البربر وبعبارة أدق إلى زعماء البربر ورؤساء قبائلهم، وهو تطور طبيعى إذ ظل البربر، وبعبارة أخرى أبناء المغرب، يتدربون قرونا-طوال الحكم العربى-على النظم الإسلامية فى إدارة الدولة وأخذوا يحكمون أقاليمها المختلفة. وآن أن تنشأ لهم دولة مغربية أو دول من ذات أنفسهم، أما ما يقوله مارسيه فى كتابه:«البربر المسلمون فى العصور الوسطى» وكتابه: «بلاد المغرب الشرقية» من أن
هذا التحول فى المغرب من حكم العرب إلى البربر كان نفورا من العرب وكرها لهم وتحقيقا لآمال البربر فى الاستقلال عن العرب ودولهم فإن ذلك كله ليس بصحيح، إنما الصحيح أنه تطور طبيعى لتمرّن البربر على أساليب الحكم وبناء الدول، وأيضا بناء المدن، ومرّ بنا آنفا بناء على بن حمدون لمدينة المسيلة وبناء زيرى لمدينة أشير وبناء بلكين لمدينتى الجزائر ومليانة.
واتخذ بلكين القيروان عاصمة له، وتوفى الخليفة العبيدى المعز سنة 365 هـ/975 م وتولّى ابنه العزيز وثبّته فى ولايته وأضاف إليه طرابلس وإقليمها. وثارت فى أوائل عهده بالجزائر تاهرت وباغاية وتلمسان واستسلمت له سريعا، وكانت الخلافة الأموية بقرطبة لا تزال توعز لزناتة وتلمسان وسجلماسة وفاس بالثورة على الخلافة العبيدية وبلكين، وقاد فى سنة 368 هـ/979 م جيشا كثيفا إلى تلك الأنحاء، واستسلمت له جميعا. وتوفى فى أثناء عودته من المغرب الأقصى سنة 373 للهجرة، وخلفه ابنه المنصور فى أوائل سنة 374 هـ/984 م فعقد لأخيه يطوفت على أشير عاصمة صنهاجة. وكان المنصور بن أبى عامر المستبد بحكم الأندلس باسم خليفته الشرعى المؤيد قد أعان زيرى ابن عطية زعيم زناتة على بسط سلطانه على سجلماسة، وبالمثل على فاس واتخذها عاصمة له، فأمر المنصور أخاه يطوفت أن يقود جيشا إلى المغرب الأقصى ليسترجعه من زيرى، وصدع بأمره، غير أن زيرى هزمه وعاد إلى أشير يجر أذيال الهزيمة. وكان المنصور رجل سلم فصمم أن تضع الحرب أوزارها بين قبيلته صنهاجة وقبيلة زيرى زناتة فلا يعودوا إلى القتال، وأعلن أن تلك آخر حرب بين القبيلتين حتى ينهى الحروب العقيمة التى أنهكت قواهما طويلا. وعرف العزيز الفاطمى فى القاهرة هذا النبأ فغضب لما يؤدى إليه من ضياع المغرب الأقصى نهائيا، فأرسل إلى كتامة فى الجزائر داعية يسمى أبا الفهم الخراسانى سنة 376 لتأليبها على المنصور، وظل سنة يثير الكتاميين ويجمعهم حوله، ولقيه المنصور هو وجموعه فى سطيف شرقى تاهرت وقضى عليه. وأدت سياسته الحكيمة مع زناتة إلى أن تنضم إليه جماعة منها سنة 379 بزعامة سعيد بن خزرون فولاّه على طبنة، وتوفى سنة 382 فولّى ابنه فلفلا مكانه. وعم الجزائر الأمن والهدوء فى بقية أيامه وتوفى سنة 386 هـ/996 م وخلفه ابنه باديس فى الثالثة عشرة من عمره فدبّر له أمور الدولة فى إفريقية التونسية والجزائر أعمامه، وخاصة يطوفت فى تاهرت وحمادا وقد ولاه على أشير سنة 387. وماتوا فى سنة 389 حتى يعد زيرى بن عطية صاحب فاس جيشا ضخما ويحاصر يطوفت فى تاهرت، وينجده سريعا حماد كما ينجده باديس بجيش يقوده محمد بن أبى العرب، ويضع القادة الثلاثة الخطط ويشنون هجوما على زنانة، وتدور عليهم الدوائر، ويولى جيشهم الأدبار تاركين وراءهم مضاربهم وما فيها من الأموال والسلاح غنيمة لزناتة وزيرى. وبلغ باديس الخبر فخرج على رأس جيش للقاء زيرى، وعلم به فعاد إلى فاس، وخرج عليه فلفل بن سعيد فظلت فرق من الجيش تطارده، وفرّ إلى طرابلس سنة 391 واستوطنها. وجاءه خبر