المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويصهرون إليهم، ولذلك يرى بعض الباحثين المعاصرين منهم أنهم ليسوا - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ويصهرون إليهم، ولذلك يرى بعض الباحثين المعاصرين منهم أنهم ليسوا

ويصهرون إليهم، ولذلك يرى بعض الباحثين المعاصرين منهم أنهم ليسوا خوارج إذ لا يخرجون على الدين الحنيف وتعاليمه إنما هم فرقة إسلامية كانت-ولا تزال-ترى أن تكون الخلافة- أو إمامة المسلمين-جمهورية، فالمسلمون يختارون لها أكفأهم وأولاهم بحكمهم وتحقيق العدل بينهم، وهم-إلى ذلك يختلفون مع أهل السنة مالكية وغير مالكية وجوها من الاختلاف، من ذلك أنهم-مثل المعتزلة-ينفون تشبيه الله بالمخلوقين نفيا مطلقا، والآيات القرآنية التى قد يفيد ظاهرها ذلك تؤوّل كما أوّلها المعتزلة، وهم مثلهم يرون أن صفات الله عين ذاته الكاملة كمالا مطلقا ويرون أن مرتكب الكبيرة إن مات على غير توبة خلد فى النار، بينما يذهب أهل السنة إلى أن أمره مفوّض إلى مشيئة ربه إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} . ويذهبون إلى أن الإيمان لا يكفى فيه القول وحده، بل لا بد من العمل معه بحيث لا يعد المسلم مؤمنا إلا إذا أدّى جميع الفروض الدينية. وكان أهل السنة يرون أن تظل الخلافة فى قريش، بينما يرى الإباضية-كما أسلفنا-أنها حق للمسلمين جميعا يتولاها أصلحهم لها. وكلها خلافات يمكن عدّها خلافات فرعية لفرقة إسلامية.

(د) المعتزلة

(1)

أخذ واصل بن عطاء إمام المعتزلة بل مؤسس مذهب الاعتزال يتألق-فى أواخر العصر الأموى-فى عملين كبيرين: وعظه المؤثر فى الناس ودعوته لهم أن يعتنقوا مذهبه فى الاعتزال ومبادئه التى كان يدعو لها، وفى مقدمتها مسألة مرتكب الكبيرة وهل يعد مؤمنا أو كافرا، وكانت المرجئة تعده مؤمنا وكان الخوارج من الصفرية والأزارقة يعدونه كافرا وكان أهل السنة يعدونه مؤمنا فاسقا، وعدّه الإباضية كافر نعمة لا كافر ملة، ونفذ واصل إلى القول بأنه فى منزلة وسطى بين منزلتى الإيمان والكفر، وأضاف إلى هذا المبدأ فى الاعتزال أربعة مبادئ أخرى هى وحدانية الله وتنزيهه عن الشبه بالمخلوقات، ومرّ بنا أن الإباضية يأخذون بهذا المبدأ الاعتزالى، ومبدأ ثان هو العدل على الله وتترتب عليه حرية الإرادة عند الإنسان بحيث يحاسب على عمله فلا جبر ولا قدر مقدور كما يرى ذلك أهل السنة والإباضية، ومبدأ ثالث انفاذ الوعد بثواب المتقين المؤمنين والوعيد بعذاب العاصين الكافرين، ومبدأ رابع هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وكان واصل ينفذ إلى القلوب بوعظه المؤثر وإلى العقول ببراهينه الساطعة لمبادئه الاعتزالية، وأعجب به فى المجالين شباب موطنه البصرة إعجابا شديدا، واتخذهم دعاة يدعون إلى نحلته الاعتزالية، فى أطراف الأرض ويصور ذلك صفوان الأنصارى فى مدحته له التى أنشدها الجاحظ فى أوائل الجزء الأول من بيانه قائلا:

(1) انظر فى مبادئ المعتزلة الملل والنحل للشهرستانى وكتابنا عن العصر العباسى الأول، وراجع فى قصيدة صفوان الجزء الأول من البيان والتبيين، وانظر فى مجادلاتهم للإمام الإباضى عبد الوهاب وعلماء الإباضية وثورة جموعهم عليه الجزء الثالث من تاريخ المغرب الكبير لدبوز.

ص: 72

له خلف شعب الصّين فى كلّ ثغرة

إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر

رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم

تهكّم جبّار ولا كيد ماكر

وأوتاد أرض الله فى كلّ بلدة

وموضع فتياها وعلم التشاجر

ويصفهم صفوان بالقدرة على التشاجر والجدال وقرع الحجة بالحجة البيّنة، ويصفهم فى أبيات تالية بروعة البيان والخطابة ويقول إنهم رسله ودعاته وحاملو مبادئة الاعتزالية إلى أطراف الأرض فى أقصى الشرق حتى الصين وفى أقصى الغرب حتى بلاد السوس وقد استطاع هؤلاء الدعاة لواصل أن يجذبوا إلى نحلته الاعتزالية جماعات فى الجزائر شمالا بين ميناءى مستغانم ووهران وجنوبا فى وادى ميزاب بمدينة العطفا، ولا تزال لهم مقبرة بها، ونجد المناظرات محتدمة فى تاهرت بين الإباضية والمعتزلة المقيمين شماليها وكانوا يبلغون ثلاثين ألفا، وهو عدد ضخم، واشتعلت هذه المناظرات فى عهد إمام الإباضية عبد الوهاب (171 - 211 هـ) ونازله هو وعلماء دعوته أحد علماء هؤلاء المعتزلة وهزمهم جميعا، واستنجد عبد الوهاب بعلماء نفوسة فى طرابلس وأرسلوا إليه شيخا منهم يسمى مهدىّ، وتناظر مع عالم المعتزلة مناظرات حادة، ولم تلبث المعتزلة أن حملت السيوف لقتال الإباضية، ولم يكتب لهم النصر كما يقول مؤرخو الإباضية، ولو كتب لهم لتكونت فى الجزائر دولة اعتزالية لأول مرة فى التاريخ العربى. ويبدو أن الدعوة الشيعية التى قضت على الدولة الإباضية فى تاهرت لأواخر القرن الثالث الهجرى قضت أيضا هناك على الدعوة الاعتزالية لا فى الجزائر وحدها بل أيضا فى المغرب الأقصى.

5 -

الزهد (1) والتصوف

أخذت تشيع فى الجزائر نزعة مبكرة للزهد فى متاع الحياة العاجل والإقبال على العبادة والنسك طلبا للثواب عند الله فى الآجل. وكان مما عمل على إشاعة الزهد والتقوى فى نفوس الجزائريين الوعّاظ فى أيام الجمع بالمساجد وفى غير أيام الجمع إذ كانوا ما يزالون ينفّرون الناس من ملذات الدنيا مذكّرين لهم بيوم القيامة وما ينتظر العصاة فيه من العذاب الأليم والتقاة من النعيم المقيم، مستشهدين لهم بآيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية التى تصور عذاب الجحيم ونعيم الفردوس، حاثين لهم على القناعة بالكفاف من العيش وطيباته فتلك هى الوجهة المفلحة

(1) تفيض تراجم الفقهاء والمحدثين الجزائريين فى كتاب عنوان الدراية للغبرينى والديباج المذهب لابن فرحون بأخبار زهد الزهاد. وفى كتاب التشوف إلى معرفة رجال التصوف لابن الزيات التادلى وكتاب البستان فى ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم تراجم عن أعلام الصوفية، وانظر فى صوفية الأندلس المذكورين كتابنا عن الأندلس وما فيه لهم من مراجع.

ص: 73

والصفقة الرابحة. لذلك لا نعجب أن يتكاثر الزهاد فى البلاد المغربية بالجزائر وغير الجزائر وأن ينعت العديد من الفقهاء والمحدّثين بالزهد فى خيرات الحياة وإيثار التقشف والرضا بالقليل.

وتظل موجة الزهد حادة فى الجزائر، وتتدافع معها موجة تصوف منذ ولاية يزيد بن حاتم المهلبى (154 - 170 هـ) وبنائه على الساحل التونسى لرباط المنستير الذى آوى إليه كثرة من العبّاد لحراسة الساحل التونسى، وأخذت تبنى رباطات أخرى على سواحل البلاد لحمايتها من قراصنة أمم البحر المتوسط الأوربية. وكان ينزلها كثير من النسّاك والفقهاء للإسهام فى هذه الحماية قياما بحقوق الدين والوطن، واستحالت هذه الرباطات قرونا إلى دور عبادة ونسك كبرى. ومنذ القرن السادس الهجرى يتخذ بعض النساك لهم فى المدن مراكز يتابعون فيها نسكهم وما قد يلقون من دروس إن كانوا فقهاء أو محدّثين، وسميت هذه المراكز رباطات وزوايا، ويتبرع كثيرون لبعض هذه المراكز، فيتضاعف حجمها ويتضاعف مريدو الشيخ الناسك وقصّاده. وأخذت هذه الزوايا والرباطات تتكاثر مع الزمن لا فى المدن فحسب، بل أيضا فى سفوح الجبال وفى الهضاب والصحارى البعيدة القاحلة.

وكانت الطرق الصوفية قد شاعت فى المشرق على نحو ما هو معروف عن الطريقة القادرية المنسوبة إلى عبد القادر الجيلانى المتوفى ببغداد سنة 561 هـ/1165 م والطريقة الرفاعية المنسوبة إلى أحمد بن على الرفاعى العراقى المتوفى سنة 587 هـ/1182 م. وأخذت هاتان الطريقتان تشيعان فى جميع البلاد الإسلامية، وكان أتباع الطريقة القادرية فى الجزائر أكثر عددا. وتصوف الطريقتين جميعا تصوف سنى. وكان يجرى بجانبهما فى المشرق تيار من التصوف الفلسفى الذى يفسح لفكرة الحلول الإلهى فى الكائنات كما يفسح لفكرة الاتحاد الصوفى مع الذات العلية، وهو تيار قديم فى التصوف منذ الحلاج مؤسسة المتوفى سنة 309 هـ/921 م وأخذ أتباع هذا التصوف الفلسفى يتكاثرون فى الأندلس منذ القرن السادس الهجرى على نحو ما بسطنا ذلك فى كتابنا عن الأندلس، وقد تحدثنا هناك عن أبى عبد الله الشوذى الإشبيلى وتلميذه إبراهيم بن دهاق المتوفى سنة 611 هـ/1214 م كما تحدثنا عن ابن عربى المتوفى سنة 638 هـ/1241 م بدمشق وابن سبعين المتوفى سنة 669 هـ/1271 م بمكة. وهم جميعا من أصحاب التصوف الفلسفى ونزلوا جميعا فى تلمسان، وبها تتلمذ ابن دهاق على أبى عبد الله الشوذى ونزل بها فترة ابن عربى وابن سبعين وتجولا فى بعض مدن الجزائر، ونزلها قبلهم جميعا الصوفى المشهور وبخاصة فى الجزائر أبو مدين شعيب وسنترجم له بين شعراء التصوف وتصوفه فلسفى، وقد استوطن بجاية وتوفى بتلمسان سنة 594 هـ/1197 م.

وهذا التصوف الفلسفى لم تتكون حول أئمته طرق صوفية، فقد ظلت تلك الطرق تخص التصوف السنى وتكونت معها فى القرن السابع الهجرى طريقة صوفية سنية مغربية هى طريقة

ص: 74

أبى الحسن على بن عبد الله الحسنى الشاذلى المتوفى سنة 656 هـ/1259 م ولم يكد يدعو إليها فى شاذلة بالقرب من تونس وفى تونس نفسها حتى تكاثر أتباعه فى البلاد المغربية ونزل القاهرة مع تلميذه أبى العباس المرسى، وكتب لطريقته أن تصبح أهم الطرق الصوفية السنية لا فى مصر وحدها، بل أيضا فى الجزائر وجميع البلاد المغربية. ويتكاثر شيوخ الصوفية وزواياهم فى الجزائر منذ القرن الثامن الهجرى ويعنى بعض المؤرخين بالترجمة لهم وفى مقدمتهم يحيى بن خلدون إذ نراه فى كتابه «بغية الرواد فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد» يسوق ترجمات لمائة وتسعة من العلماء وأهل التقوى والصلاح، ويتكاثر رجال التصوف فى القرن التاسع الهجرى ويزدادون زيادة مفرطة فى العهد العثمانى، لعنايته بالتصوف وتقريبه لهم وإغداقه الأموال على زواياهم وكان الولاة العثمانيون يزورونهم ويتبركون بهم ويزورون أضرحة المتوفّين منهم، ودخلت معهم إلى الجزائر الطرق الصوفية التى اشتهرت ببلادهم مثل البكداشية والنقشبندية والمولوية أتباع جلال الدين الرومى، ولكن الطريقتين الشاذلية والقادرية ظلتا تجذبان إليهما كثرة من الأتباع. وأخذ بعض أتباع الشاذلية يؤسس لنفسه فيها طريقة فرعية جديدة، بحيث أصبحت هى والطرق التى اشتقت منها مثل المليانية والزيانية والرحمانية والدرقاوية أهم الطرق التى استوعبت جماهير الجزائر فى المدن والقرى والهضاب والصحارى. ولا بد أن نشير إلى أن هذه الفئة من المتصوفة اندس بينها كثيرون فى الحقب الأخيرة من هذا العصر يدّعون لأنفسهم التقوى وهى منهم براء، بل لقد كانوا يدعون أنهم أولياء يكشفون الغيب وينسبون لأنفسهم الكرامات، واندس معهم كثيرون من الدراويش الجوالين والمشعوذين الدجالين، مما جعل عبد الكريم الفكون يؤلف كتابه:«منشور الهداية فى كشف حال من ادعى العلم والولاية» وهو فى ثلاثة فصول أولها فيمن لقيه من العلماء والصلحاء المقتدى بهم ومن كانوا قبل زمنهم ممن نقلت إليه أحوالهم وصفاتهم. والفصل الثانى فى المتشبهين بالعلماء والصلحاء، والفصل الثالث فى المبتدعة «الدجاجلة» الكذابين على طريقة الصوفية. والفصلان الثانى والثالث مليئان بنقد متصوفة عصره من أدعياء العلم ودجاجلة الشعوذة الصوفية الذين يتخذون الرقص الصوفى أو ما يسمى بالذكر والتغنى عليه بضاعة لهم يستغلون بها العامة مع تحالفهم عليها مع أصحاب الحكم والسلطان، ويصيح ضد البدع والخرافات، ويدعو إلى الاجتهاد واستخدام العقل والعمل بالكتاب والسنة.

ص: 75