المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فخرج إليه بجيشه من مكناسة ودارت معركة كتب فيها النصر - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: فخرج إليه بجيشه من مكناسة ودارت معركة كتب فيها النصر

فخرج إليه بجيشه من مكناسة ودارت معركة كتب فيها النصر لأبى عبد الله الشيعى وجيشه، وقتل اليسع فى المعركة واستولت كتامة على سجلماسة، وخرج المهدى ورفاقه من محبسهم، وبايعه أبو عبد الله الشيعى، وبايعه الناس وولى على سجلماسة واليا من كتامة، وانصرف مع داعيته إلى إفريقية التونسية.

ولم تلبث صفرية سجلماسة أن انتقضت على والى المهدى الكتامى وقتلته هو ومن معه من كتامة سنة 298 هـ/910 م وبايعت الفتح بن ميمون بن الرستمية، وتوفى سريعا فخلفه أخوه أحمد، واستقام أمره وحكمه إلى أن زحفت إليه كتامة بقيادة مصالة بن حبوس سنة 309 هـ/921 م فافتتح سجلماسة وقبض على أحمد وولاها ابن عمه المعتز، وتوفى سنة 321 هـ/933 م وبايعت الصفرية ابنه سمكو، وكان لا يزال فى المهد، فثار عليه ابن عمه محمد بن الفتح بن ميمون، وتلقّب بالشاكر لله، ورفض الدعوة الصفرية، وأعلن الأخذ بمذاهب أهل السنة، وكان عادلا منتهى العدل كما يقول ابن خلدون، ويقال إنه دعا لنفسه بالخلافة، ويقول ابن خلدون إنه دعا لبنى العباس، وإنه ضرب العملة باسمه. وظل يحكم سجلماسة حكما عادلا رشيدا إلى أن اكتسح جوهر الصقلى بجموعه الشيعية من كتامة وصنهاجة المغرب الأقصى، واستولى-فيما استولى-على سجلماسة، وأخذ حاكمها السنى محمد بن الفتح أسيرا إلى رقّادة بإفريقية التونسية، وتوفى بها سنة 354 هـ/965 م. وثارت الصفرية على والى جوهر الصقلّى سريعا، وبايعت أحد أبناء الشاكر لله، وارتضى ذلك المعز العبيدى، غير أن أخاله ثار عليه وقتله سنة 352 هـ/963 م. وأخذ نجم قبيلة مكناسة فى الأفول بينما أخذ نجم قبيلة زناتة فى التألق والسطوع. وكان أمويو الأندلس قد استطاعوا جذب مغراوة الزناتية إليهم، وبمساعدتهم زحف حزرون بن فلفول من أمرائها إلى سجلماسة سنة 366 هـ/976 م وبرز له المعتز مع قومه الصفريين من مكناسة، وقتل وهزم قومه هزيمة ساحقة لم تقم لهم بعدها فى سجلماسة قائمة، وأقام حزرون بها دعوة الأمويين الأندلسيين، وكانت أول دعوة أقيمت لهم فى المغرب الأقصى.

(د) الأدارسة

(1)

معروف أن الحسين بن على سليل الحسن بن على بن أبى طالب ثار على العباسيين بمكة أيام الخليفة العباسى المهدى فى ذى القعدة سنة 169 هـ/785 م وثار معه أهله وفى مقدمتهم

(1) انظر فى دولة الأدارسة كتاب المغرب للبكرى وصفة المغرب للإدريسى وروض القرطاس فى أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لابن أبى زرع (طبعة الرباط) ص 19 وما بعدها والبيان المغرب لابن عذارى 1/ 299 وما بعدها وأعلام الأعلام للسان الدين بن الخطيب 3/ 188 وتاريخ ابن خلدون 4/ 12 وما بعدها والاستقصاء فى أخبار دول المغرب الأقصى للسلاوى ودولة الأدارسة ملوك تلمسان وفاس وقرطبة لإسماعيل العربى (طبع بيروت).

ص: 269

عماه: يحيى وإدريس، وسرعان ما نازله جيش عباسى فى مكان على بعد ثلاثة أميال من مكة يقال له:«فخ» ودارت الدوائر على الحسين ومن معه فقتل فى المعركة مع جماعة من أهل بيته، وفر عمه يحيى إلى الدّيلم، أما عمه إدريس ففر إلى مصر، وكان على بريدها يومئذ شخص اسمه واضح، وكان يتشيع، فأتاه إلى مخبئه، ووجد معه مولاه راشدا فنصحهما أن يحملهما على البريد إلى المغرب الأقصى بعيدا عن المهدى وعيونه، وأخذا بنصيحته، ونزلا فى ربيع الأول سنة 172 هـ/788 م فى مدينة وليلى بجبل نزهون على إسحاق بن محمد بن عبد الحميد المعتزلى شيخ قبيلة أوربة، وعرّفه أمره، فأجاره، فبايعه وبايعته معه قبيلته، وجمع على الدعوة إليه أيضا قبائل زواغة ولواتة وغمارة ونفزة ومكناسة وكافة البرابر بالمغرب فبايعوه. ولما تمت دعوته زحف إلى جموع البربر الذين كانوا لا يزالون على دين المجوسية وإخوانهم المتهوّدين والمتنصّرين فدانوا له وأسلموا على يديه. وفى سنة 173 هـ/789 م زحف إلى تلمسان ومن بها من قبائل مغراوة الزناتية وأميرها محمد بن خزر فأعلن إليه الطاعة وبايعه هو وقبيلته مغراوة فأمّنه وأمّن سائر زناتة وبنى مسجدا بتلمسان ونظم شئونها ورجع إلى عاصمته «وليلى» ولم يلبث أن توفى سنة 175 هـ/791 م ويقال إن الرشيد أرسل إليه شخصا أظهر له الولاء، فقربه منه، وانتهز فرصة فدسّ إليه السم وكان فيه حتفه.

وكانت زوج إدريس حاملا فاتفق أنصاره على انتظار وضعها، وأنجبت ولدا سمته باسم أبيه إدريس فقام على تربيته خير قيام مولاه راشد، وتوفى راشد سنة 186 هـ/802 م فجعلوا مكانه فى الوصاية عليه ولإشرافه على تربيته يزيد بن إلياس، حتى إذا بلغ الصبى الحادية عشرة بايعوه فى جامع وليلى، وشبّ ودان له المغرب الأقصى واستوزر مصعب بن عيسى الأزدى وأخذ يستكثر فى بطانته من العرب حتى بلغوا نحو خمسمائة وبهم عظم سلطانه. وقتل إسحاق بن محمد بن عبد الحميد كبير أوربة لما علم من اتصاله بخصومه الأغالبة حكام تونس وشرقى الجزائر. ورأى أن مدينة وليلى تضيق بحاشيته وأنصاره، فصمم على بناء مدينة تسعهم، وكلف باختيار موضعها بضعة من المهندسين، وأشاروا عليه بموضع على مقربة من عاصمته، فأخذ توّا فى بناء مدينته: فاس سنة 192 هـ/807 م وتصادف أن كان فقهاء قرطبة حينئذ ثائرين على الحكم الربضى لانهماكه فى ملذاته وفى اللهو والملاهى فاجتمع أهل العلم والورع من الفقهاء وحصروه سنة 190 هـ/805 م وقاتلهم فتغلب عليهم وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس والإسكندرية. ولا ندرى هل لحقوا بفاس فى أول بناء إدريس الثانى لها أو فى أثناء بنائها، إذ نراه يتمم شطرا منها سنة 192 ويسمّى العدوة الأندلسية، إما لأن الأندلسيين ساعدوا فى بنائه وسكنوه أو لأنهم سكنوه فحسب. وفى العام التالى بنى شطرا ثانيا مقابلا للشطر الأول وسمّى عدوة القرويين أى المغاربة، وجعل فيه مسكنه وإدارة حكومته، وسمّى الشطران جميعا باسم فاس وظل يفصل بينهما طريق طويلا. وغزا إدريس الثانى قبيلة مصمودة

ص: 270

ودانت لطاعته واستولى على أغمات سنة 197 هـ/812 م ثم غزا تلمسان وجدد مسجدها ومنبره وأقام بها ثلاث سنوات يدبر شئونها، ومحا منها دعوة الصفرية، واقتطع غرب الجزائر حتى نهر شلف عن دعوة الأغالبة والعباسيين، ولم يستطع الأغالبة منازلة الأدارسة بعد هذا التاريخ وتوفى سنة 213 هـ/828 م.

وخلف إدريس الثانى ابنه محمد بعهد منه، فرأى تقسيم مملكة أبيه بينه وبين إخوته واختص نفسه بفاس وأعمالها، وأعطى القاسم إقليم الريف والهبط بما فيه من سبتة وتطوان وطنجة، وأعطى عمر بلاد صنهاجة وغمارة، وداود هوارة وتازة ومكناس، وعبد الله أغمات وبلاد المصامدة والسوس، ويحيى أصيلا والعرائش وبلاد ورغة، وحمزة وليلى وأعمالها، وعيسى أزمور وتامسنة، وأبقى تلمسان لأولاد سليمان بن عبد الله أخى جده إدريس. وخرج عيسى على أخيه محمد وطلب من القاسم حربه فامتنع وطلب ذلك من عمر فهزمه وأخذ ما فى يده وطلب إليه محمد حرب أخيهما القاسم لامتناعه عن حرب عيسى فحاربه وأخذ ما فى يده، وبذلك اتسعت ولايته فشملت إقليم الريف والهبط وتامسنة وهو جد المحموديين الإدريسيين المتملكين لقرطبة فى أوائل القرن الخامس بالأندلس، وتوفى سنة 220 هـ/834 م ولم يلبث الأمير محمد أن توفى سنة 221 هـ/835 م وخلفه ابنه على فى التاسعة من عمره، فقامت على تربيته الحاشية وظل حتى سنة 234 هـ/848 م وكانت أيامه أيام رخاء. وعهد لأخيه يحيى فاتسع سلطانه وعظمت فاس فى العمران وبنى بها كثير من الفنادق والحمامات ورحل إليها الناس من البلاد، وهاجرت إليها سيدة ثرية فاضلة من القيروان من قبيلة هوارة-هى أم البنين الفهرية-ومعها أموال كثيرة أفادتها من ذويها، واعتزمت إنفاقها فى وجوه الخير، فاختطت سنة 245 هـ/859 م المسجد الجامع المشهور بعدوة القروبين وهو المسمى باسم جامع القروبين، وتحول فيما بعد إلى اليوم جامعة كبرى فى فاس كجامعة الأزهر فى القاهرة، ويذكر لأحمد بن سعيد اليفرنى أنه بنى مئذنته على رأس قرن من اختطاطه. وولى بعد يحيى ابنه يحيى المسمى باسمه فأساء السيرة وكثر عبثه، فثارت عليه العامة، واضطر إلى الانسحاب إلى العدوة الأندلسية، وبعد ليلتين من نزوله بها وافاه أجله، وبذلك انقطع الملك فى الدولة من ذرية محمد بن إدريس الثانى.

وثارت الصفرية بجبال مديونة ودخلت عدوة الأندلس بفاس وقاومتها عدوة القرويين بقيادة يحيى بن القاسم بن إدريس وهزمتها وأخرجتها منها، وتطورت الظروف فقام بالأمر فى فاس يحيى بن إدريس ابن عمر، فملك جميع أعمال الأدارسة فى المغرب، وخطب له فى سائرها، وفيه يقول ابن خلدون:«كان أعلى بنى إدريس ملكا وأعظمهم سلطانا ولم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه فى السلطان والدولة» . وكانت الدعوة العبيدية قد نجحت واستطاعت

ص: 271

تقويض الدولة الأغلبية، واستولى على صولجان الحكم فى طرابلس وتونس والجزائر عبيد الله المهدى وطمح إلى ملك المغرب الأقصى، فعقد لمصالة بن حبوس كبير مكناسة على رأس جيش ضخم لمنازلة حكامه سنة 305 هـ/917 م ونازل مصالة يحيى بن إدريس، وارتضى إعلانه الطاعة للمهدى وخلع نفسه وإنفاذ البيعة فأبقى له مصالحه فى فاس وعقد له عمله عليها وحدها دون بقية بلاد المغرب، وعقد مصالة لابن عمه موسى بن أبى العافية أمير مكناسة يومئذ على بقية المغرب الأقصى، وعاد مصالة إلى المغرب سنة 309 هـ/921 م فأغراه ابن أبى العافية بيحيى فاستصفى أمواله، وأجلى الأدارسة إلى الريف فنزلوا مدينة البصرة واختطوا بها حصن النسر سنة 317 هـ/929 م. وبذلك انتهت دولة الأدارسة فى فاس وانتهى معهم سلطان أوربة. وتجدد لهم ملك فى سبتة وأصيلا وإقليم أو منطقة الهبط، وكانوا يختارون شخصا يقدمونه عليهم مثل قنون بن محمد بن القاسم بن إدريس، وتوفى سنة 337 هـ/948 م فاتفقوا على تقديم أبى العيش أحمد بن قنون وكان يخطب لعبد الرحمن الناصر الأموى، وارتأى أن يخرج إلى الأندلس مجاهدا سنة 346 هـ/957 م واستخلف أخاه الحسن بن قنون واتصلت مشايعته للأمويين الأندلسيين إلى أن غزا المغرب بلقين، فدخل فى دعوة العبيديين مما جعل المستنصر الأموى يعدّ جيشا لحربه، ونازله فى عهد هشام المؤيد الأموى جيش كثيف من الأندلس اضطره إلى طلب الأمان سنة 375 هـ/985 م. وبذلك انتهت دولة الأدارسة فى إقليم الهبط كما انتهت فى فاس.

وأما سليمان أخو إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة فى المغرب الأقصى فإنه نزل تلمسان وتملكها من زنانة ودانت له وتركها له إدريس الثانى-، وتملك أنحاء من المغرب الأوسط، وورث ملكه ابنه محمد واقتسمه أبناؤه، وظلوا يتوارثون تلمسان وأرشكول وجراوة وتنس واستشعر بعضهم الولاء لبنى أمية، وأخيرا ضاع ما بيدهم، جزء أخذه ابن أبى العافية وجزء استولى عليه أولياء الدعوة العبيدية.

وقبل أن نترك الدولة الإدريسية لا بد أن نشير إلى أنها أول دولة أسست فى المغرب الأقصى، وكانت دولة إسلامية عربية، وقد أسهمت بقوة فى نشر الإسلام السنى فى المغرب الأقصى وتلمسان وتطهيرهما من الصفرية والرافضة وعنيت بتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره ورواية الحديث النبوى وتفقيه الناس أمور دينهم، وأخذت تتكون فى مساجد المدن حلقات القراء والمفسرين والمحدثين والفقهاء وعنى علماؤها بتعليم المغاربة العربية وأصبح فى المغرب مؤدبون ومعلمون مختلفون. وكانت الدولة عربية وفتحت أبوابها لشخصيات عربية كثيرة جاءتها من القيروان ومن المشرق، حتى قالوا إنه كان فى بطانة إدريس الثانى-كما أسلفنا-خمسمائة عربى. وأخذوا يتكاثرون مع الزمن، ولما ثار كثيرون من الفقهاء وأهل العلم والورع بقرطبة

ص: 272

على الحكم الربضى-كما أسلفنا-سنة 190 للهجرة وقاتلهم وانتصر عليهم، هدم دورهم ومساجدهم، فلحق كثيرون منهم بفاس، وكل ذلك أسرع بعروبة المغرب الأقصى.

(هـ) فاس (1) وسجلماسة (2) بعد الأدارسة والمدراريين

انتهى حكم الأدارسة فى فاس سنة 309 هـ/921 م وتطورت بها ظروف مختلفة وجعلها العبيديون لموسى بن أبى العافية كبير مكناسة، فظل مواليا لهم حتى سنة 322 هـ/934 م إذ رأى أن يعلن ولاءه للخليفة الأموى بقرطبة عبد الرحمن الناصر. ودانت فاس بالطاعة للعبيديين سنة 333 هـ/945 م وعادت إلى الناصر سنة 341 هـ/953 م فولّى عليها محمد بن الخير المغراوى، واستدار العام فرأى أن يرحل إلى الأندلس للجهاد واستخلف عليها ابن عمه أحمد بن سعيد، وهو الذى شاد مئذنة جامع القرويين بفاس سنة 344 هـ/955 م وافتتحها جوهر الصقلى باسم المعز العبيدى سنة 349 هـ/960 م وظلت الدعوة العبيدية قائمة له فيها حتى سنة 362 هـ/973 م إذ أرسل الحكم المستنصر الخليفة الأموى فى قرطبة قائده غالبا إلى المغرب فدخل مدينة فاس وأعاد فيها الخطبة للأمويين. وفى سنة 369 هـ/979 م عادت للعبيديين، ولم تلبث أن عادت للأمويين سنة 375 هـ/985 م وولى عليها المنصور بن أبى عامر زيرى بن عطية الخزرى المغراوى الزناتى وجعلها سنة 377 هـ/988 م دار ملكه، فعلا قدره وارتفع شأنه، وملك مدينة تلمسان وبسط سلطانه على المغرب من السوس الأقصى إلى الزاب فى الجزائر، وأسكن قبيلته أنحاء فاس وبالقرب منها ورفع عن أحوازها بنى يفرن سنة 382 هـ/992 م فثاروا عليه وهزمهم وأسكنهم مدينة سلا على المحيط، وابتنى سنة 384 هـ/994 م مدينة وجدة. وفسدت العلاقات بينه وبين المنصور بن أبى عامر، ونازله ودارت الدوائر على جيشه، فأرسل إليه جيشا ثانيا بقيادة المظفر، وتغلب المظفر عليه. وفى سنة 393 هـ/1002 م أصبح المظفر حاجبا للمؤيد هشام بعد أبيه المنصور بن أبى عامر فكتب للمعز بن زيرى بالولاية على فاس وسائر أعمال المغرب، وظل المعز واليا للأمويين على فاس والمغرب حتى سنة 422 هـ/1030 م. وكانت الخلافة الأموية قد سقطت فى قرطبة فاستقل المعز بن زيرى بالمغرب وفاس حتى وفاته سنة 440 هـ/1048 م وعاشت فاس أيامه فى رخاء، وكان ممدّحا يقدر الشعر والشعراء فقصدوه من مملكته ومن الأندلس. وخلفه ابنه دوناس إلى وفاته سنة 452 هـ/1060 م وفى عهده ازدهرت الحياة فى فاس ونما بها العمران وأصبحت مدينة واحدة بعد أن كانت عدوتين متقابلتين وكثر فيها بناء المساجد والحمامات والفنادق.

(1) انظر فاس فى هذه الحقبة بكتاب البيان المغرب لابن عذارى 1/ 299 وما بعدها والأعلام لابن الخطيب 3/ 153 وما بعدها وروض القرطاس ص 83 وما بعدها.

(2)

راجع فى هذه الحقبة لسجلماسة كتاب الأعلام لابن الخطيب 3/ 150.

ص: 273