الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأوّل
الجغرافية والتاريخ
1 -
الجغرافية
(1)
تتوسط الجزائر فى الشمال الإفريقى بين المغرب الأدنى: تونس شرقا والمغرب الأقصى: مراكش غربا، ولذلك سماها جغرافيو العرب المغرب الأوسط. ويحدها شمالا البحر المتوسط ويمتد عليه ساحلها نحو 1200 كيلو مترا، وهو ساحل صخرى حجرى، ولذلك تقل عليه- بل تنعدم-الخلجان العريضة، وعلى منعطفات فيه أو خلجان صغيرة نشأت موانى الجزائر، وأهمها من الشرق إلى الغرب عنابة (بونة قديما) فإسكيكدة، فجيجل، فبجاية، فدلس، فالجزائر (المدينة) فشرشال، فتنس، فأزرو، فوهران، فالمرسى الكبير.
وتلى الساحل من الشرق إلى الغرب جبال أيدوغ المشرفة على عنابة، ثم زكار والظهرة بين مدينة الجزائر وميناء أزرو، ثم الطرارة إلى الغرب. وجنوبى تلك الجبال تمتد من الشرق إلى الغرب سلسلة جبال الأطلس التلّى بادئة بجبال مجردة، فجبال البابور، فجبال الجرجرة شمالا والبيبان جنوبا، فجبال تيطرى وشماليها جبال مدينة البليدة، ثم جبال الونشريش، فجبال سعيدة، فجبال الضاية، فجبال تلمسان. وتكتظ مناطق تلك الجبال بسهول واسعة وعيون ونهيرات وبعض أنهار، مما جعلها أوسع مناطق الجزائر عمرانا، وإذا كان ساحل الجزائر يتميز بكثرة حدائقه وبساتينه فإن تلك المناطق التلية تتميز بغاباتها وزروعها وأشجارها المثمرة ومن أهم مدنها قالمة وقسنطينة فى الشرق، ومليانة جنوبى شرشال وتلمسان فى الغرب.
وتمتد جنوب هذا الأطلس التلى هضبة كبيرة، وهى قفار واسعة ينبت بها شجر الحلفا وعشب كثير فى الربيع فتؤمها قطعان الأغنام والماشية من الجنوب للرعى حتى اقتراب زمن الشتاء، فتنسحب إلى ديارها ومواطنها جنوبا. وتطوّق الهضبة سلسلة جبال الأطلس الصحراوى، ومن أهم أجزائها شرقا جبال أوراس، وإلى الشمال من تلك الجبال جبال
(1) انظر فى جغرافية الجزائر كتاب المغرب فى ذكر بلاد إفريقية والمغرب لأبى عبيد البكرى وصفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس (مقتبس من نزهة المشتاق للإدريسى) طبع ليدن، وكتاب صورة الأرض لابن حوقل وكتاب الجزائر للأستاذ أحمد توفيق المدنى (طبع الجزائر) وكتاب تاريخ الجزائر لمبارك الميلى (طبع الجزائر) ص 27 وما بعدها ومادة الجزائر فى دائرة المعارف الإسلامية.
الحضنة، وأنشأ فى أحد سهولها الخليفة الفاطمى المهدى مدينة المسيلة (المحمدية قديما) وشرقى سهلها خرائب مدينة طبنة عاصمة الزاب أيام الدولة الأغلبية التونسية، وإلى الجنوب من المسيلة قلعة بنى حماد عاصمة دولتهم. وإذا مضينا بعد جبال الأوراس غربا فى سلسلة جبال الأطلس الصحراوية لقيتنا جبال الجلفة، فجبال عمور، فجبال القصور. وجبال هذه السلسلة أعلى وأضخم من جبال الأطلس التلّى وكثير منها جبال جرداء.
وإذا انحدرنا من هذه الجبال نحو الجنوب لقيتنا الصحراء الكبرى، ويسمى القسم الشرقى منها أرض تقرت، وبه واحات متناثرة تكتظ بالنخيل وببعض الأشجار المثمرة، وإلى الغرب من هذه القسم الصحراوى الشرقى أرض ميزاب وعاصمتها غرداية، وهى أكثر جدبا من القسم الشرقى، وإليها هاجر الإباضيون حين دالت دولتهم فى تاهرت، وقد حفروا بها آلاف الآبار، وأحالوا بقاعا منها كثيرة إلى واحات غنية بالنخيل والحدائق والبساتين، وبذلك بثوا فيها غير قليل من الحياة والحضارة والعمران.
والأمطار تبدأ فى الجزائر منذ شهر أكتوبر وتغزر فى شهر يناير بالمنطقة الساحلية ومنطقة الأطلس التلّى، وتأخذ فى القلة بالهضبة الوسطى بين سلسلتى جبال الأطلس التلية والصحراوية، وتكاد تنعدم فى أكثر أجزاء الأطلس الصحراوى وجنوبيه فى الصحراء الكبرى. ولقلة الأمطار داخل الجزائر لم تتكون بها أنهار كبيرة، إنما تكونت غالبا نهيرات ومجار للمياه قصيرة، وهى جميعا لا تجرى إلا فى الشتاء فصل الأمطار، ومنها ما يتجه إلى البحر المتوسط، وقد تتجه إلى البحيرات المالحة فى الهضبة أو إلى الصحراء حيث تغيب فى طبقات الرمال. وأهم أنهارها مجردة فى الشرق، وينبع من الجبال المتاخمة لإقليم الزاب، وهو كثير المنعرجات فى مجراه الجبلى، ويخترق شرقى الجزائر متجها إلى الديار التونسية حتى مصبه بالقرب من قرطاجة فى البحر المتوسط، ويعد نهرا تونسيا أكثر من جزائريا لمسيرته الطويلة فى الديار التونسية. وأطول أنهار الجزائر الداخلية نهر شلف وينبع من جبال عمور فى الأطلس الصحراوى، ويتجه إلى الشمال، وترفده نهيرات كثيرة، ويخترق منطقة الأطلس التلّى، ويتجه شرقا ثم يغير اتجاهه إلى الشمال، وعند مدينة مليانة جنوبى شرشال يتجه إلى الغرب حتى مدينة مستغانم ويصب فى خليج أزرو. ووراء هذين النهرين الكبيرين نهيرات كثيرة أو أنهار ومجار صغيرة منها نهير سيبوز النابع من الجبال المتاخمة لقسطنطينية ويصب فى البحر المتوسط بالقرب من عنابة، ونهير العروش ومصبه بالقرب من إسكيكدة، ونهير الرمل أو الوادى الكبير ويرفده بومرزوق المخترق لقسطنطينية ويصب شرقىّ جيجل، ونهير الصمام ومصبه بالقرب من بجاية، ونهير حميز ومصبه فى خليج مدينة الجزائر، ونهير الحراش ويخترق سهول المتيجة ومصبه قريب من مدينة الجزائر إلى غير ذلك من نهيرات، كلها غير صالحة للملاحة. والنهيرات الداخلية، منها
نهير جدى الذى يمر بمدينة الأغواط ويصب فى بحيرة ميغليغ، ونهير ميا ومصبه سبخة ورقلة إلى غير ذلك من نهيرات داخلية، وتتجه إلى الصحراء الكبرى نهيرات كثيرة، تغيب فى الرمال ومنها تنبع فى الصحراء الآبار الفوارة الارتوازية.
ووراء الموانى على الساحل سهول تعد لنمو أشجار النارنج والليمون والفواكه، وفى الأطلس التلى سهول واسعة متقطعة، تزرع بها الحبوب والغروس، وأكثر سكان الجزائر يعيشون من خيراتها. وتتسع السهول جنوبى عنابة ومدينة الجزائر وفى تلمسان، وتزرع الحبوب فى وديان الأطلس التلّى، ومن أهم مناطق زراعتها شرقى الهضبة بين ذراعى الأطلس التلّى والأطلس الصحراوى، وبالمثل منطقة وهران والقسم الغربى من الجزائر. ولاختلاف الطقس فى الجزائر تلقاك على جبالها وسفوحها أشجار مختلفات، ففى السفوح النخيل، وفوقها أشجار الفواكه من مثل التين والخوخ، وفى أعلاها أشجار الزيتون والنقل. وتشغل الغابات مساحات شتى فى الأطلس التلّى وجبال أوراس الصحراوية، وعليها جميعا فى أماكن مختلفة تتراءى أشجار القرو والأرز والصنوبر وخاصة فى جبال الأوراس والونشريس. ويكثر النخيل فى الواحات ومعه بعض الفواكه وخاصة فى بسكرة. وفى الهضبة بين ذراعى الجبال التلية والأطلسية الصحراوية بحيرات عدة، من أهمها بحيرة الحضنة.
والطقس على الساحل الجزائرى معتدل مثل سواحل البحر المتوسط عامة، والسهول الداخلية وراء وهران حارّة جافّة. وجبال الأطلس التلى معتدلة صيفا باردة. شتاء، والثلوج تتوج الجبال أحيانا فى الشتاء، وتتجمد المياه فى قسنطينة نحو شهرين كل عام. ومناخ الهضبة بين ذراعى الجبال التلّية والصحراوية قارّى، شديد البرد شتاء شديد الحر صيفا. ومناخ جبال الأطلس الصحراوية والنواحى الجنوبية المنحدرة منها والمترامية فى الصحراء شديدة البرد شتاء، وتشتد الحرارة فى الصحراء بالصيف شدة لا تطاق.
2 -
التاريخ (1) القديم
يتوغل تاريخ الجزائر فى العصور القديمة السحيقة إلى آماد بعيدة، ويأخذ هذا التاريخ فى الجلاء والوضوح مع ارتياد الفينيقيين الشاميين لسواحل إفريقيا فى القرن العاشر قبل الميلاد وقبله وبعده بحثا عن مواقع تصلح لرسو سفنهم التجارية ونزولهم بها لتبادل سلع التجارة مع
(1) انظر فى تاريخ الجزائر القديم والحديث تاريخ المغرب الكبير لمحمد على دبوز (طبع القاهرة) وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى (طبع دار المعارف بالقاهرة) وتاريخ الجزائر القديم والحديث لمبارك الميلى: الكتاب الأول فيه وأبوابه الثمانية.
السكان. وكانوا شعبا ملاحيا متحضرا عريقا يحترف التجارة، ومضوا طويلا يتعرّفون على المواقع التى تلائمهم فى سواحل إفريقيا، وبمرور الزمن ودوراته المتعاقبة أقاموا مدينة قرطاجة بالقرب من مدينة تونس الحالية، ونزلت فيها منهم جالية فينيقية كبيرة، وأداهم البحث عن أماكن صالحة مماثلة فى شمالى الجزائر لتبادل السلع مع السكان إلى موقعين مهمين هما بونة (عنابة الحالية) وجيجل، وأضافوا إليهما-فيما بعد-مواقع أو مدنا جديدة هى إسكيكدة وبجاية وشرشال، واتخذوا من سكانها جميعا إدارات تدين لهم بالولاء، واختلطوا بهم وبثوا فيهم حضارتهم الفينيقية، ونقلوا إليهم-كما نقلوا إلى قرطاجة وإقليمها-من ديارهم الأصلية فى الشام أشجارا متنوعة من الفاكهة والنقل، وعلّموا كثيرين من أهل الجزائر لغتهم وما استحدثوه من حروف الكتابة الفينيقية التى نشروها فى العالم القديم.
ولما نشبت الحرب بين قرطاجة وروما وظلت طويلا من سنة 264 حتى سنة 146 قبل الميلاد استطاعت روما أن تستميل سكان الجزائر وملكهم ماصينصا، حتى إذا علت كفّتهم فى الحرب وتغلبوا نهائيا على القرطاجيين فرضوا على الجزائر وماصينصا ملكها الولاء لهم، ورضخ إلى أن قضى نحبه، وخلفه ابن أخته يوغورطة وكان بطلا مغوارا، فأنف من التبعية للرومان ونازلهم مرارا، غير أن صهره ملك موريتانيا خانه وسلمه إليهم سنة 106 قبل الميلاد. وحكم بعده ملوك أو أمراء جزائريون كانوا يعدون موظفين رومانيين أكثر منهم حكاما جزائريين، ومن أهمهم يوبا الأول وابنه يوبا الثانى الذى نشأ فى روما حتى أصبح كأنه مواطن رومانى، وجعلوه ملكا على نوميديا أخذا من اسم كان يطلقه الجزائريون على القسم الشرقى من ديارهم أو لعله اشتق من لفظة نوماد الإغريقية وتعنى الرعاة الرحل، واتخذ شرشال عاصمة له، وضموا إليه-فيما بعد-موريتانيا الشرقية والغربية من وهران فى غربى الجزائر إلى أقصى بلاد المغرب على المحيط الأطلسى، ولم يلبث الرومان بعده أن ضمّوها إلى إمبراطوريتهم، وأخذوا يولون عليها حكاما رومانيين تابعين لروما أو لحاكم قرطاجة الكبير. وتوغلوا فى ديارها جنوبا، يدل على ذلك أكبر الدلالة ما أسسوه من مدن فى الداخل إلى مسافات بعيدة عن الساحل مثل تبسة الواقعة على بعد 150 ميلا جنوبى جيجل وبها أطلال لمبنى كان يقوم على أعمدة رخامية، ويقول الحسن الوزان: على تلك الأعمدة كتابات لاتينية، وكان اسمها الرومانى نيفسته، وفى شماليها الشرقى واحة بسكرة، واسمها الرومانى فيسيكرا وهى قرية جزائرية عتيقة. وجنوبى بسكرة نفطة وبها آثار وأطلال رومانية، وإلى الجنوب من جيجل فى الداخل قسنطينة وكان اسمها أيام الفينيقيين سرتا، وكانت بها أسرة سيفاكس التى أسست لها مملكة فى الجزائر، ومنها انحدر ماصينصا الذى وضع يده فى يد الرومان-كما أسلفنا-للقضاء على القرطاجيين، وخرّبت سرتا فى بعض ثورات الجزائريين على الرومان، وأعاد الرومان بناءها فى عهد الإمبراطور قسطنطين (306 - 337 م). وسموها قسطنطينة وسماها العرب قسنطينة،