المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 -شعراء وصف الطبيعة - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

فيه سحر العيون جميعا وسحر كل زينب وهند، ويقول إنه لا يستطيع الدنوّ أو القرب من وجنيتها فضلا عن أن يقتطف منهما شيئا، وهو لذلك يتعذب عذابا شديدا، وربما كان أهم الغزلين فى عصره.

‌2 -

شعراء وصف الطبيعة

وصف الطبيعة غرض مهم من أغراض الشعر العربى فى كل عصر وفى كل إقليم، فدائما الشعراء يتغنون بما تقع عليه أبصارهم من مشاهد الطبيعة الصامتة: من الرياض والأزهار والحدائق والجبال والأنهار والبحار، وما يروعهم من مشاهدها الحية المتحركة فى الطير والحيوان الوحشى والأليف. ونلتقى ببكر بن حماد المتوفى سنة 296 هـ/908 م ومقطوعة له فى الطبيعة الصامتة إذ يصف البرد فى بلدته تاهرت عاصمة الدولة الرستمية قائلا (1):

ما أخشن البرد وريعانه

وأطرف الشمس بتاهرت

تبدو من الغيم إذا ما بدت

كأنما تنشر من تخت

فنحن فى بحر بلا لجّة

تجرى بنا الرّيح على السّمت

نفرح بالشمس إذا ما بدت

كفرحة الذمىّ بالسّبت

وهو يقول ما أشد خشونة البرد وصعوبته فى تاهرت وما أطرف طلوع الشمس بها إذ تبدو محجبة دائما من وراء الغيم وكأنما تنشر من وراء تخت أو ستر صفيق، وإنا لنشعر لشدة البرد كأننا فى بحر بلا لجة، وما أشد فرحتنا بالشمس حين تبدو كفرحة اليهودى بيوم السبت يوم عيده الأسبوعى. ولبكر مقطوعة حزينة يبكى بها بلدته تاهرت حين خرّبها فى سنة 296 أبا عبيد الله داعية العبيديين وقضى على الدولة الرستمية بها، وفيها يقول (2):

زرنا منازل قوم لم يزورونا

إنا لفى غفلة عما يقاسونا

لو ينطقون لقالوا الزاد ويحكم

حلّ الرحيل فما يرجو المقيمونا

الموت أجحف بالدنيا فخرّبها

وفعلنا فعل قوم لا يموتونا

فالآن فابكوا فقد حقّ البكاء لكم

فالحاملون لعرش الله يبكونا

ماذا عسى تنفع الدنيا بأجمعها

لو كان جمّع فيها كنز قارونا

وهو يقول إننا زرنا منازل قوم فى قبورهم قضى عليهم أبا عبيد الله ولا نعرف ما يقاسون ولو نطقوا لقالوا لنا تزودوا للآخرة فقد حلّ بالمقيمين الرحيل عما قليل، وقد استأصل الموت أهل

(1) ديوان بكر بن حماد: نسخة مصورة طبع الجزائر ص 61.

(2)

الديوان ص 90.

ص: 183

تاهرت وخربها، ونحن لا نتعظ كأننا لن نموت، والآن فابكوا فالحاملون لعرش الله يبكون عليكم ومن أجلكم، وماذا ينفع الدنيا لو أن حكام تاهرت جمعوا فيها كنز قارون فكل شئ فيها صار إلى فناء. ولابن قاضى ميلة المترجم له بين شعراء المديح فى وصف عود وما صار إليه من التغنى عليه (1):

جاءت بعود يناغيها ويسعدها

انظر بدائع ما يأتى به الشّجر

غنّت عليه ضروب الطير ساجعة

حينا فلما ذوى غنّى به البشر

فلا يزال عليه-أو به-طرب

يهيجه الأعجمان: الطّير والوتر

فقد كانت ضروب الطير وصنوفه تغنى على هذا العود، وهو موصول بشجرته، فلما قطع منها وذوى غنى عليه البشر بما شدّوا عليه من أوتار، وكأنما يهيجه طوال حياته أعجمان: الطير قديما والوتر حديثا. ويبدو أن سمك القرش المفترس كان يتراءى أحيانا فى مياه تونس فقال ابن قاضى ميلة يصفه (2):

وأشغى بفكّيه مثل المدى

طويل القرا مدمج الأعظم (3)

تصرّفه فى ضمان المياه

ومهجته فى يد الخضرم (4)

يخاف الهواء ويخشى الضياء

وإن كان أجرأ من ضيعم (5)

له داخل اليمّ بطش الأسود

وتصحبه مشية الأرقم

وقد وصف ابن قاضى ميلة القرش وصفا دقيقا فقال إنه مختلف الأسنان وإن بفكيه مثل المدى أو السكاكين وإنه طويل الظهر مدمج العظم واللحم، ولا يعيش إلا فى الماء يخاف الهواء والضياء، وإن كان أجرأ من أسد فاتك، غير أنه لا يعلو على سطح الماء بل يظل فى داخله متلويا فى مشيته كالأفعوان. وكان يعاصر ابن قاضى ميلة عبد الله بن محمد الجراوى وسنخصه بترجمة. وأهدى نزار الخليفة الفاطمى فى القاهرة المنصور بن بلكين سنة 384 هدية فيها خيل وإبل وحمار وحشى مخطط وفيل، ووصفها جميعا عبد الكريم النهشلى، وفى الخيل يقول (6):

وبلق تقاسمن الدجنّة والضّحى

فمن هذه شطر ومن هذه شطر

وصفر كان الزعفران خضابها

وإلا فمن ماء العقيق لها قشر

وشهب من اللّجّ استعيرت متونها

ومن صور الأقمار أوجهها قمر (7)

عليها السروج المحكمات إذا مشت

بها خيلاء الخيل رنّحها كبر

والخيل بينها بلق يلتقى فيها السواد بالبياض، وكأن الظلمة والضحى اقتسما لونها فلكل

(1) ابن خلكان 5/ 348.

(2)

الأنموذج ص 213.

(3)

أشغى: متخالف الأسنان. القرا: الظهر.

(4)

الخضرم: البحر: متعاظم الموج ومتلاطمه.

(5)

ضيغم: الأسد الواسع الشدق.

(6)

الأنموذج ص 173.

(7)

قمر: مشرقة كالقمر.

ص: 184

منهما نصيب، ومنها صفر كأنما خضبت بالزعفران وإلا بقشر من ماء العقيق، ومنها شهب يختلط فيها بياض الشعر بسواده، وكأنما استعيرت ظهورها من لجّ الليل وظلمته الشديدة السواد أما أوجهها فمضيئة ضياء الأقمار الساطعة، وتمشى مزهوّة مشية خيلاء متعالية، ويقول فى الفيل الذى كان مصاحبا للهدية (1):

وأضخم هندىّ النّجار تعدّه

ملوك بنى ساسان إن رابها أمر

يجئ كطود جائل فوق أربع

مضبّرة لمّت كما لمّت الصّخر (2)

له فخذان كالكثيبين لبّدا

وصدر كما أوفى من الهضبة الصّدر

ووجه به أنف كراووق خمرة

ينال به ما تدرك الأنمل العشر (3)

والنهشلى يقول عن الفيل إنه ضخم هندى الأصل، كانت تعده ملوك الفرس حين يربيها أمر. ويشبهه بجبل يتحرّك فوق أربع مكتنزة اللحم والعظم تضامّت أجزاؤها تضامّ أجزاء الصخر، وله فخذان كأنهما كثيبان متراكمان وصدر عريض متسع، ووجه به أنف طويل طول عنق إبريق الخمر ينال به ما يناله الإنسان بأنامله العشرة. ونلتقى فى بلاط بنى حماد ببجاية بالطبيب ابن أبى المليح شاعر الأمير العزيز الحمادى (498 - 515 هـ) وله يصف خيوله وموكبه فى قصيدة عيديّة منشدا (4):

وجالت به جرد المذاكى كأنّها

عذارى ولكن نطقهنّ تحمحم

بصفراء كالتّبر العتيق صقيلة

ودهماء يتلوها كميت وأدهم

وأشقر لو يجرى وللبرق جهده

لكان له يوم الرّهان التقدّم

وجاء لواء النّصر يتبع راية

بها العزّ معقود عليها متمّم

وهو يقول: جالت بالأمير خيل كريمة مدربة كأنها لم تركب لأول مرة: صفراء كالتبر ودهماء كالليل يتلوها كميت وأسود وأشقر، ولو أن الأشقر سابق البرق لسبقه، وجاء موكب الأمير تقدمه راية العز والنصر.

وإذا اتجهنا إلى تلمسان التقينا بشاعرها فى القرن السابع الهجرى ابن خميس، وكان قد بارحها إلى الأندلس، وله قصيدة بديعة يتشوق فيها لرؤية مشاهدها ومتنزهاتها فى مثل قوله (5):

(1) الأنموذج ص 75.

(2)

مضبّرة: مكتنزة اللحم.

(3)

الراووق: إبريق الخمر.

(4)

الخريدة 1/ 184.

(5)

الديوان: النسخة المصورة ص 85.

ص: 185

تلمسان جادتها السحاب الدّوالح

وأرست بواديها الرياح اللواقح (1)

ففى كل شفر من جفونى ماتح

وفى كل شطر من فؤادى قادح (2)

كتمت هواها ثم برّح بى الأسى

وكيف أطيق الكتم والدّمع فاضح

لساقية الرومىّ عندى مزيّة

وإن رغمت تلك الرّوابى السّوانح (3)

وكم لى عليها من غدوّ وروحة

تساعدنى فيها المنى والمنائح (4)

ظباء مغانيها عواط عواطف

وطير محانيها شواد صوادح (5)

تقتّلهم فيها عيون نواظر

وتبكيهم منها عيون نواضح (6)

وإن أنس لا أنس الوريط ووقفة

أنافح فيها روضه وأفاوح (7)

مطلا على ذاك الغدير وقد بدت

لإنسان عينى من صفاه صفائح (8)

أماؤك أم دمعى عشيّة صدّقت

عليّة ما قال العذول المكاشح (9)

لئن كنت ملآنا بدمعى طافحا

فإنى سكران بحبّك طافح

وابن خميس يخلط مشاهد تلمسان بالغزل بها وبفتياتها الحسان، وهو يستهل قصيدته بالدعاء لتلمسان أن تجود عليها السحب دائما وتظل بواديها الرياح الملقحة المنتجة، ويقول إن فى كل حرف من جفونه ماتح يملأ دلاءه بدموعه شوقا إليها وفى كل شطر من فؤاده قادح لنيران الوجد والحب، وكم كتم حبه ووجده غير أن دموعه تفضحه، فلم يعد بدّ من إعلانه، ويذكر مشهد القناة المسماة بساقية الرومى وإن عتبت عليه الروابى من حولها، ويذكر كم له فيها من غدو وروحة وأبواب المنى والآمال مفتوحة فى وجهه وحسانها يبدين له العطف، والطير من حوله ترقص وتصدح وتغنى، وهنّ يقتلن بجمالهن من يطيل النظر إليهن، وينصرفون عنهن بعيون باكية ذرفت كل ما كان بها من دموع، ولا ينسى منتزه الوريط وما كان ينافحه فيه ويفاوحه من نسيم عطر، ولا ينسى جناح الغدير به، وقد بدت لرصد مياهه الصافية صفائح الدروع، ويسأله أبك ماؤك أم دمع عينى عشيّة صدّقت عليّة ما قال العذول المعادى، ولئن كنت ملآنا بدمعى طافحا به فإنى سكران طافح بحبى. ويقول الشهاب الخلوف شاعر قسنطينة فى أواخر عصر الدولة الحفصية يصف الطبيعة فى يوم ممطر (10):

(1) الدوالح: المثقلة بالأمطار. اللواقح: الملقحة بما تحمل من أمطار وغير أمطار.

(2)

الشفر: حرف الجفن. ماتح: نازع للدلو من البئر. قادح: أى للنار.

(3)

ساقية الرومى: قناة جميلة بمشاهد الزروع حولها. السوانح: المتعرضة.

(4)

المنائح جمع منيحة: العطية.

(5)

مغانيها: منازلها. عواط: لا تستصعب.

(6)

نواضح: جمع ناضح تنزف كل ما بها من دموع.

(7)

الوربط: منتزه. أنافح: أستخرج نفحه وشذاه وكذلك أفاوح.

(8)

صفاه: يريد ماءه الصافى.

(9)

المكاشح: البغيض.

(10)

مجمل تاريخ الأدب التونسى ص 227.

ص: 186

لقد بلّ أردان الثّرى دمع مزنة

تناثر فى أسلاكها فتنظّما (1)

وجرّ على هام الرّبى ذيل وبله

فدبّج أثواب الربوع وسهّما (2)

وخط بطرس الجوّ سطرا مذهبا

فنقّطه قطر الغمام وأعجما (3)

وشاب لجين الطّلّ عسجد بارق

فدنّر أزهار الربيع ودرهما

ودار بساق الغصن خلخال جدول

كما سوّر التجعيد للنهر معصما

وهو يقول إن دموع السحابة بلّت أكمام الربى وتناثرت فى أسلاكها وانتظمت، وسحب المطر على رءوس الربى ذيل وبله فزيّن ثيابها وخطّطها تخطيطا بديعا، وخط على صفحة الجو سطرا مذهبا نقّطه قطر الغمام، وشاب لجين الطل المتلألئ عسجد البرق، فاستحالت أزهار الربيع دنانير ودراهم، واستحال ما فى الجدول من تجعدات للرياح خلاخيل لسيقان الغصون على نحو ما جعلت تجعداتها للنهر أساور تزين معصمه. واشتهر إبراهيم بن عبد الجبار الفجيجى التلمسانى بأخرة من عصر الدول الحفصية بقصيدة طويلة فى مائتى بيت وأربعة عشر وصف فيها صيد الصقر، وسنخصه بكلمة. ونمضى إلى العهد العثمانى، ومن طريف ما نقرأ فيه وصف ابن أبى راشد لمدينة الجزائر فى الربيع، وفيه يقول (4):

سقى المطر الهطال أرضا تشرّفت

بمصر غدت للفضل والفخر جامعه

بمزغنّة الفيحاء تظهر من مدّى

ترى كسقيط الثّلج بيضاء ناصعه (5)

وحيث الربيع الغضّ تم شبابه

ترى أرضها تبدى النضارة يانعه

تريك احمرارا فى ابيضاض كأنها

دماء على أرض من الثلج واقعه

دواليبها تسقى الغصون فتنثنى

حمائمها تشدو على القضب ساجعه

فتبصر أغصان الحدائق سجّدا

تميد من الصوت الحنون وراكعه

وما هى إلا جنّة قد تأرّجت

مباخرها بالطيب والمسك ساطعه

وابن أبى راشد يدعو بالسّقيا لمدينة الجزائر التى أصبحت مصرا وعاصمة لقطرها فى عهد العثمانيين وغدت جامعة للفضل والفخر، ويظل المطر يهطل على مزغنة الفيحاء، وكأنه يسميها باسمها القديم، ويقول إن مبانيها جميعا بيضاء بياض الثلج المتساقط الناصع، وإنها لترى فى الربيع وقد لبست ثوبا من رفاهة العيش والنضارة، وترى ورودها الحمراء تكسو ورودها البيضاء، وسواقيها تروى بساتينها والحمام يشدو على الغصون مبتهجا، وكأنما الأغصان تستمع إلى صوتها الحنون الشجى، فما تزال بفعل الرياح ساجدة راكعة، وما مدينة الجزائر

(1) اردان جمع ردن: كم.

(2)

دبج: زين ونقش. سهّم: خطط.

(3)

طرس: صفحة. أعجمه: أزال عجمته بنقطه.

(4)

تاريخ الجزائر الثقافى للدكتور أبى القاسم سعد الله 2/ 307.

(5)

مزغنة: القبيلة التى بنت مدينة الجزائر وقد تسمى باسمها.

ص: 187