الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الآستانة ببشرى فتح تونس للدولة العثمانية طالبة جزاء حمل تلك البشارة مساعدة ابنها عبد الملك بكتيبة عثمانية من الجزائر فى استعادة ملك والده وأجابتها الدولة العثمانية، واستولى على صولجان الملك. وأبدت أخته مريم بسالة عظيمة فى قيادتها بقصبة مراكش لثلاثة آلاف جندى من الرماة تحقق بهم النصر لأخيها عبد الملك. واشتهرت مسعودة الوزكيتية والدة المنصور الذهبى بأعمال خيرية كثيرة، ومن منشآتها الخالدة بمراكش المسجد الجامع بباب دكالة، واشتهرت بالعلم والتقوى عائشة بنت أحمد بن عمران والدة ابن عسكر المؤرخ المعروف. ومن السيدات الفضليات فى عهد السعديين العريفة بنت خجوّ ولها فضل فى تعليم الأسرة السعدية الصورة الحضارية للملابس والطعام والتعامل مع النساء إذ كانوا قد جاءوا إلى فاس من البدو. ومن السيدات الفضليات فى عصر العلويين السيدة خناثة بنت بكار زوجة السلطان إسماعيل، وكانت فقيهة عالمة وأديبة بارعة، وكانت حصيفة تحسن إبداء الرأى وعرضه، وكانت نعم الوزير لزوجها تشير عليه دائما بالرأى الصائب، وحجت وأكثرت فى حجها من الصدقات وأعمال البر والخير، توفيت سنة 1159 هـ/1746 م. ومن السيدات الفقيهات العالمات زوجة المختار الكنتى المتوفاة سنة 1224 هـ/1810 م وكانت تدرس للنساء مختصر خليل بن إسحاق المصرى فى الفقه المالكى بينما كان زوجها المختار بن أبى بكر الكنتى يدرسه للرجال، وترجم لهما فى كتاب واحد ابنهما محمد، وسمى كتابه: الطارفة والتالدة فى مناقب الشيخ الوالد والشيخة الوالدة. ويذكر الأستاذ عبد الله كنون أنه كان هناك دائما معلمات فى مجال التعليم الأولى يعلمن البنات والأولاد الصغار الكتابة والقراءة والقرآن الكريم ومبادئ العلوم الضرورية، ولم يكن يخلوحى فى المدن من دار فقيهة تنهض بهذا التعليم مما يدل على الدور العظيم الذى كانت تقوم به المرأة المغربية فى تعليم النّشء ونشر المعرفة.
4 -
المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية
(أ) المالكية
كان المغرب الأقصى يقتدى بإفريقية التونسية طوال القرون الإسلامية الثلاثة الأولى، إذ كانت تعتبر الرائد للمغرب جميعه، وكان علماؤها فى القرن الهجرى الثانى يرحلون فى كل عام لأداء فريضة الحج، وكانت المدينة حتى زمن مالك تعد دار الفقه، وكان مالك نفسه إماما كبيرا من أئمته، يلقى فيه دروسه ويؤلف فيه كتابه الموطأ، فكان علماء إفريقية يقصدونه لأخذ الفقه عنه وأخذ كتابه الموطأ، وخلفه تلاميذه المصريون-وفى مقدمتهم عبد الرحمن
ابن القاسم-فكان الطلاب يرحلون إليه ويتلمذون عليه كما رحلوا وتتلمذوا على أئمة الفقه المالكى بعده فى مصر. فكان ذلك سبب ازدهار المذهب المالكى فى إفريقية التونسية، وكان كتاب الموطأ قد حمل إليها فكان يدرس فيها ويدرس معه كتاب فى المذهب لتلميذه عبد الرحمن بن القاسم الذى فرّع فيه فروعا كثيرة. سماه المدونة وحملها عنه سحنون إلى تلاميذه فى موطنه ونسبت إليه باسم مدوّنة سحنون. وأخذ التلامذة من تونس إلى المحيط الأطلسى يقدمون إلى القيروان للتلمذة على سحنون وأضرابه من حملة الفقه المالكى بعد وفاته سنة 240 هـ/854 م. وكانوا يعودون إلى مواطنهم فى المغرب الأقصى فيدرسون للطلاب المذهب المالكى ويشيعونه بين الناس فى بلدانهم، وأظن ظنا أن إدريس منشئ الدولة الإدريسية ومن خلفه من أبنائه وأحفاده كانوا يدفعون رعاياهم فى المغرب الأقصى بفاس وغير فاس إلى التفقه بمذهب مالك دون غيره من المذاهب لموقفه المعروف مع محمد النفس الزكية حين أعلن بمكة الثورة على المنصور، إذ أفتى الناس بالتحلل من بيعة الخليفة المنصور ومبايعة النفس الزكية محمد بن عبد الله سليل الحسن بن على بن أبى طالب سنة 145 هـ/762 م وفى السنة التالية بعد القضاء على ثورة النفس الزكية استدعى جعفر بن سليمان والى المدينة مالكا وجرّده من ثيابه، وضربه بالسياط عقابا على فتواه. وفرّ عقب إخفاق ثورة النفس الزكية عمه إدريس إلى المغرب الأقصى واستطاع تأسيس الدولة الإدريسية، فكان طبيعيا أن يرعى لمالك الفقيه الكبير فتواه لابن أخيه، وأن يدفع الناس والعلماء والطلاب إلى التفقه بمذهبه، مما جعل المذهب المالكى يشيع هناك بقوة منذ القرن الثالث الهجرى.
ونحن لا نصل إلى القرن الرابع الهجرى حتى يصبح للمغرب الأقصى أعلامه فى الفقه المالكى الذى يدرسونه فى المدن وفى القبائل المختلفة، ومنهم أبو هارون البصرى الذى أدخل كتاب ابن المواز الفقيه المالكى المصرى إلى المغرب الأقصى لأول مرة وأيوب بن محمد فقيه المصامدة وأبى القاسم بن محرز فقيه الملثمين وعثمان بن مالك فقيه فاس، وله تعليق على مدونة سحنون، ودراس بن إسماعيل الفاسى تلميذ أبى بكر بن اللباد شيخ فقهاء المالكية بالقيروان فى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى، وله رحلة إلى المشرق حمل فيها من الإسكندرية كتاب ابن المواز، وعبد الرحيم الكتامى تلميذ فقيه القيروان فى النصف الثانى من القرن الرابع: ابن أبى زيد وأخذ عنه كتابيه: النوادر والمختصر. وينشط المغرب الأقصى فى دارسة الفقه المالكى لعهد المرابطين، وكانوا يعينون فقيها مالكيا مع كل وال لملاءمة الأحكام فى عهده للشرع. وسنعود للحديث عن نشاط الفقه المالكى لهذا العهد فى الفصل المقبل، ويضعف هذا النشاط فى عصر الموحدين لعنايتهم بنشر المذهب الظاهرى، وسنخص هذه العناية بحديث فى غير هذا الموضع، ويعود إلى المذهب المالكى نشاطه وازدهاره فى العصور التالية حتى العصر الحديث.