المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رحلة ابن رشيد - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١٠

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌1 - [الجزائر]

- ‌2 - [المغرب الأقصى]

- ‌3 - [موريتانيا]

- ‌4 - [السودان]

- ‌القسم الأولالجزائر

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-الأغالبة-الإباضية-تلمسان

- ‌(ب) الأغالبة

- ‌(ج) الإباضيون

- ‌(د) تلمسان

- ‌4 -الدولة العبيدية-الدولة الصنهاجية-بنو حماد

- ‌(أ) الدولة العبيدية

- ‌(ج) بنو حماد

- ‌5 -دولة الموحدين-الدولة الحفصية-بنو عبد الواد

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع الجزائرى

- ‌2 -المعيشة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌4 -الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة

- ‌(أ) الدين

- ‌(د) المعتزلة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌(ب) دور العلم:‌‌ الكتاتيب-‌‌المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌ الكتاتيب

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -كثرة الشعراء

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ عبد الكريم النهشلى

- ‌ ابن خميس

- ‌ الشهاب بن الخلوف

- ‌ محمد القوجيلى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌ بكر بن حماد التاهرتى

- ‌ سعيد المنداسى

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد الرحمن الأخضرى

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ ابن على

- ‌2 -شعراء وصف الطبيعة

- ‌ عبد الله بن محمد الجراوى

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ إبراهيم التازى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌الفصل السّادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والوصايا

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات

- ‌5 -كبار الكتاب

- ‌[(ب)] الوهرانى

- ‌القسم الثانىالمغرب الأقصى

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌3 -الفتح والولاة-ثورة الصفرية-بنو مدرار-الأدارسة-بعد الأدارسة والمدراريين

- ‌(ب) ثورة الصفرية

- ‌(د) الأدارسة

- ‌4 -المرابطون-الموحدون-بنومرين

- ‌(أ) المرابطون

- ‌(ب) الموحدون

- ‌5 -السعديون-الطرق الصوفية-العلويون

- ‌(أ) السعديون

- ‌(ج) العلويون

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع المغربى

- ‌1 -عناصر السكان

- ‌2 -المعيشة

- ‌3 -الثراء-الرّفة-الموسيقى-المرأة

- ‌(أ) الثراء

- ‌(ب) الرّفة

- ‌(ج) الموسيقى

- ‌(د) المرأة

- ‌4 -المالكية-الصفرية-المعتزلة-الظاهرية

- ‌(أ) المالكية

- ‌(ب) الصفرية

- ‌(ج) المعتزلة

- ‌(د) الظاهرية

- ‌5 -الزهاد-المتصوفة

- ‌(أ) الزهاد

- ‌(ب) المتصوفة

- ‌الفصل الثالثالثقافة

- ‌1 -الحركة العلمية

- ‌(أ) فاتحون ناشرون للإسلام ومعلمون

- ‌ الكتاتيب

- ‌(ب) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-المدارس-الزوايا-المكتبات

- ‌المساجد

- ‌المدارس

- ‌الزوايا

- ‌المكتبات

- ‌(ج) نمو الحركة العلمية

- ‌2 -علوم الأوائل

- ‌3 -علوم اللغة والنحو والعروض والبلاغة

- ‌5 -التاريخ

- ‌الفصل الرّابعنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرب المغرب الأقصى-كثرة الشعراء

- ‌(أ) تعرب المغرب الأقصى

- ‌(ب) كثرة الشعراء

- ‌2 -شعراء الموشحات والأزجال

- ‌(أ) شعراء الموشحات

- ‌ ابن غرلة

- ‌ ابن الصباغ

- ‌ ابن زاكور

- ‌(ب) شعراء الأزجال

- ‌ابن عمير

- ‌3 -شعراء المديح

- ‌ ابن زنباع

- ‌ ابن حبوس

- ‌الجراوى

- ‌ ابن عبد المنان

- ‌الهوزالى

- ‌الدغوغى

- ‌البوعنانى

- ‌4 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) الفخر

- ‌ الشاذلى

- ‌(ب) الهجاء

- ‌5 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌ عبد العزيز الملزوزى

- ‌ابن الونان

- ‌الفصل الخامسطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ أبو الربيع الموحدى

- ‌ عمر السلمى

- ‌2 -شعراء الوصف

- ‌3 -شعراء الرثاء

- ‌ ابن شعيب الجزنائى

- ‌4 -شعراء الزهد والتصوف

- ‌(أ) شعراء الزهد

- ‌(ب) شعراء التصوف

- ‌ ابن المحلى

- ‌5 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ميمون بن خبازة

- ‌ مالك بن المرحل

- ‌الفصل السادسالنثر وكتّابه

- ‌1 -الخطب والمواعظ

- ‌2 -الرسائل الديوانية

- ‌3 -الرسائل الشخصية

- ‌4 -المقامات والرحلات

- ‌(أ) المقامات

- ‌(ب) الرحلات

- ‌ رحلة ابن رشيد

- ‌ رحلة العياشى

- ‌ رحلة ابن ناصر

- ‌5 -كبار الكتّاب

- ‌(أ) القاضى عياض

- ‌القسم الثالثموريتانيا

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع والثقافة

- ‌1 -المجتمع

- ‌(أ) صنهاجة وقبائل المعقل العربية

- ‌(ب) الزروع والمراعى

- ‌(ج) التجارة

- ‌(د) حياة يدوية

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) نشاط دينى تعليمى كبير

- ‌(ب) التعليم والطلاب والشيوخ

- ‌(ج) أمهات الكتب والمتون والشروح المتداولة

- ‌(د) أعلام العلماء فى موريتانيا

- ‌(هـ) القراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء

- ‌(و) أعلام النحاة والمتكلمين

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 -تعرّب موريتانيا

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ ابن رازكة

- ‌3 -شعراء الفخر والهجاء

- ‌(أ) شعراء الفخر

- ‌ المختار بن بون

- ‌(ب) شعراء الهجاء

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل

- ‌ الأحول الحسنى

- ‌ يقوى الفاضلى

- ‌2 -شعراء التصوف

- ‌ المختار الكنتى

- ‌الشيخ سيديّا

- ‌3 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ محمد بن محمد العلوى

- ‌4 -الشعراء والشعر التعليمى

- ‌القسم الرابعالسودان

- ‌الفصل الأوّلالجغرافية والتاريخ

- ‌1 -الجغرافية

- ‌2 -التاريخ

- ‌3 -(ج) دولة الفونج

- ‌4 -محمد على والسودان-عهد إسماعيل

- ‌5 -حركة المهدى-خليفته عبد الله التعايشى

- ‌الفصل الثّانىالمجتمع السودانى-الثقافة

- ‌(أ) نزعة صوفية عامة

- ‌(ب) المرأة ومكانتها فى التصوف

- ‌(ج) التصوف والتربية الخلقية والدينية

- ‌(د) طرق صوفية جديدة

- ‌(هـ) دعوة المهدى ومبادئها الستة

- ‌2 -الثقافة

- ‌(أ) كتاتيب-زوايا-مساجد

- ‌(ب) حركة علمية نشيطة فى عهد الفونج

- ‌(ج) سودانيون أزهريون وعلماء مصريون

- ‌(د) التعليم المدنى الحديث وتوقفه

- ‌(هـ) إنشاء معهد دينى وعودة التعليم المدنى الحديث

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌2 -شعراء المديح

- ‌ الشيخ حسين زهراء

- ‌ الشيخ محمد عمر البناء

- ‌3 -شعراء الفخر والحماسة

- ‌ الشيخ يحيى السلاوى السودانى

- ‌ عثمان هاشم

- ‌4 -شعراء الرثاء

- ‌(أ) رثاء الأفراد

- ‌ الشيخ محمد سعيد العباسى

- ‌(ب) رثاء المدن

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 -شعراء الغزل العفيف

- ‌2 -شعراء النقد العنيف والشكوى من الزمن

- ‌الشيخ عبد الله البناء

- ‌ صالح عبد القادر

- ‌3 -شعراء التصوف

- ‌4 -شعراء المدائح النبوية

- ‌ الشيخ عمر الأزهرى

- ‌ الشيخ عبد الله عبد الرحمن

الفصل: ‌ رحلة ابن رشيد

رحلة (1) ابن رشيد

من أقدم الرحلات المغربية وأهمها‌

‌ رحلة ابن رشيد

محمد بن عمر الفهرى، وحدثنا عنها وعن مؤلفها الأستاذ محمد بن تاويت فى الجزء الثانى من كتابه «الوافى» ونقل عن ابن خلدون أنه كبير مشيخة المغرب وسيد أهله كما نقل عن أبى البركات البلفيقى أنه من أهل المعرفة يعلم القراءات السبع وصناعة العربية وعلم البيان والآداب والعروض والقوافى مشاركا فى غير ذلك من الفنون أديبا خطيبا بليغا، ينظم الشعر على تكلفه ويجوّد النثر، ولد سنة 657 هـ/1259 م وتوفى حوالى سنة 721 هـ/1322 م بدأ رحلته فى الخامسة والعشرين من عمره، سنة 683 وسجل فيها كل ما شاهده من البلدان والشيوخ ومجالسهم وأخذه عنهم، وسماها:«ملء العيبة (الحقيبة) فيما جمع بطول الغيبة، فى الوجهة الوجيهة إلى الحرمين: مكة والمدينة» . وتعد مرجعا مهما لعلماء مصر والبلدان المغربية فى أواخر القرن السابع الهجرى، إذ امتدت رحلته أربع سنوات، وهى فى خمس مجلدات ولا تزال مخطوطة وربما كان طولها هو الذى منع حتى الآن من طبعها، وأسلوبه فيها-كما يقول الأستاذ ابن تاويت-مرسل إلا فى وصفه لبعض الشخصيات العلمية أو لبقعة طيبة فإنه يصوغها سجعا خالصا كقوله عن حازم القرطاجنى:

«حبر البلغاء، وبحر الأدباء، ذو اختيارات فائقة، واختراعات رائقة، لا نعلم أحدا ممن لقيناهم جمع، من علم اللسان ما جمع، ولا أحكم من معاقل البيان ما أحكم من منقول ومبتدع، وأما البلاغة فهو بحرها العذب، والمنفرد بحمل رايتها أميرا فى الشرق والغرب، وأما حفظ لغات العرب وأشعارها وأخبارها، فهو حمّاد (2) راويتها وحمّال أوقارها» (3).

ويخص مصر بالجزء الثالث من رحلته، ونسوق منه وصفه لمجلس لعالم مصر فى العربية لزمنه: بهاء الدين بن النحاس الحلبى الأصل تلميذ ابن مالك وأستاذ أبى حيان، يقول:

إنه «حضر درسا له، فسأله ابن النحاس بعد تدخله فى مسألة نحوية: من أين قدومك، قال ابن رشيد: قلت: من المغرب. قال: من الإسكندرية؟ قلت: من أبعد؟ قال: من تونس؟ قلت: من أبعد، قال: إذن من جوّا (من داخل) المغرب؟ قلت: نعم، فقال من أى بلاده؟ قلت: من «سبتة» فكان أول ما فاتحنى به أن قال: أيعيش سيدنا أبو الحسين بن أبى الربيع قلت: نعم، فقال: ذاك شيخنا، إفادة بوصول كتابه اليتيم إلىّ، يريد شرحه

(1) انظرها فى الوافى 2/ 385 وما بعدها. وتوسع المقرى فى الحديث عنه وعن رحلته وشمائله وشيوخه غربا وشرقا وتآليفه ويقول إنه كان ظاهريا ثم يعلق على ذلك بأن المعروف أنه كان مالكيا ويذكر عنايته بالحديث النبوى. انظر أزهار الرياض 2/ 347.

(2)

حماد هو حماد راوية الكوفة المشهور.

(3)

أوقار جمع وقر: حمل.

ص: 511

لكتاب الإيضاح للفارسى. . ثم قال لى: أقرأت عليه، قلت نعم قرأت: الجمل (للزجاجى) والإيضاح والكتاب (لسيبويه) فلما ذكرت الكتاب قال: فاعبر (أى الحلقة يريد انتقاله إلى جواره) وتلكأت فى هذا العبور واستحييت منه، ولكنه أصرّ على أن أعبر إليه، وعبرت، فأقعدنى إلى جانبه، فجلست مغضيا (منكمشا) حياء منه، فقال: اجلس متسعا، فجلست وتمادى فى الإقراء، فاختلست الكلام-أثناء إقباله على من بين يديه من التلاميذ للإلقاء عليهم-مع الذى كان عن يمينى اختلاسا، وسألته من الشيخ؟ فقال: بهاء الدين بن النحاس، والتفت الشيخ إذ رآنى وثبت بين يديه، فقال: لم؟ ارجع إلى موضعك، فقلت: يا مولانا لم يعرف المملوك من أنت؟ ولو علم ما جلس هذا المجلس (أى بجوارك) وما تكلم، فعزم علىّ فى العود إلى مجلسى، فعدت، وأشار بالاطمئنان فاطمأننت».

ولوصف ابن رشيد لهذا المجلس دلالات، فقد كان شابا فى نحو الخامسة والعشرين من عمره، وابن النحاس شيخ كبير، بل علم النحاة فى عصره، وحين عرف فيه بعض الفضل العلمى فى العلم الذى يلقيه: علم العربية، طلب إليه أن يعبر الحلقة ويجلس بجواره رغم صغر سنه. وكان علماء القاهرة والإسكندرية دائما يكرمون من يفد على مجالسهم من المغرب الأقصى شبانا أو شيوخا، وكانوا يتلمذون لهم، ويطلبون منهم إجازات فى قراءة بعض مؤلفاتهم. ومن يرجع إلى ما كان يقرأ هناك من هذه المؤلفات سيجد كثرة غامرة من كتابات العلماء المصريين ومؤلفاتهم تقرأ هناك وقد تشرح مرارا، وممن يتردد اسمه هناك فى الفقه المالكى والأصول ابن الحاجب وابن دقيق العبد والشيخ خليل والقرافى وغيرهم من جلة العلماء المصريين فى كل علم وفن. وبالمثل كانت مصر تتداول بعض المتون والمؤلفات المغربية. وهذا بهاء الدين بن النحاس يقرأ لمعاصره ابن أبى الربيع عبيد الله بن أحمد العالم النحوى الكبير الذى هاجر من إشبيلية حين استولى عليها الإسبان سنة 646 للهجرة إلى سبتة وأقرأ بها العربية طوال حياته إلى أن توفى سنة 688 للهجرة. ونرى ابن النحاس وقد قرأ له شرحه على كتاب الإيضاح لأبى على الفارسى يتلطف فى السؤال عنه فيقول:«أيعيش سيدنا» ثم يعود فيقول لابن رشيد: ذلك شيخنا، وقد جعله شيخه، لا لأنه تتلمذ عليه مثل ابن رشيد، ولكن لأنه قرأ له شرحه للإيضاح، وفى ذلك ما يدل على مقدار إجلال أسلافنا من العلماء لمن يقرءون لهم بعض مؤلفاتهم فينعتونهم بأنهم شيوخهم، وإن لم يلقوهم، ولا حضروا لهم درسا فى مجالسهم العلمية. ويذكر الأستاذ ابن تاويت لابن رشيد نادرة حدثت له فى مدينة رابغ بالحجاز، يقول:

«غريبة عنّت لنا فى رابغ، بل أغنت فى معنى قوله تعالى وأقنت:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ} وذلك أنه

ص: 512

صحبنى فى الطريق من المدينة، على ساكنها الصلاة والسلام، إلى البيت الحرام، أحد الشيوخ من شرفاء المدينة، فلما وافينا رابغ، رأيت عجبا من تخلل الوحوش والغزال والأرانب، بين الجمال والرحال، بحيث ينالها الناس بأيديهم، والناس ينادون: حرام، حرام، والجوارح قد سلست. . فقال لى ذلك الشيخ تأمل تر عجبا! هكذا جرت عادتنا فى هذا الطريق، إذا مررنا به ونحن محرمون نجد به من الوحش ما ترى، فإذا عدنا محلّين لم نجد شيئا. فلما عدنا كان كما قال، فبان لى من معنى الآية ما لم يكن عندى بالمشاهدة.

وينثر ابن رشيد فى رحلته، بعض أبيات له، تدل على أنه كان ينظم الشعر، وهو شعر متوسط، أما نثره سواء سجع أو استرسل طليقا من السجع نثر جيد. والرحلة تكتظ بمعارف كثيرة عن الحركة العلمية فى البلدان العربية وشيوخها لزمنه.

(ج) رحلة (1) العبدرى

هو أبو عبد الله بن محمد العبدرى، أصله من منطقة حاحة إحدى مناطق إقليم مراكش، وهى منطقة وعرة تمتلئ-كما يقول الحسن الوزان-بالجبال العالية الصخرية وبالغابات والأودية المائية الصغيرة. ويبدو أنه نشأ فى حاحة وأكمل تعلمه على شيوخ مراكش، وكان أديبا يحسن نظم الشعر وصوغ النثر، ولم يلتزم السجع دائما فى رحلته، وقد بدأها-كما يظن- فى العقد الثالث من حياته سنة 688 هـ/1290 م وقد استغرقت منه عامين طويلين، وبدأها من حاحة موليا وجهه نحو شمالى الجزائر حتى مدينة مليانة، ومرّ منها بالمدن فى الشمال حتى تونس، ومنها إلى طرابلس فالقطر المصرى بادئا منه بالإسكندرية وأعجبته فأقام بها فترة، ثم تركها إلى القاهرة وحمل عليها، كما حمل على طرابلس من قبل، واتجه منها إلى العقبة فإقليم الحجاز حيث أدّى فريضة الحج، وزار قبر الرسول العطر، وعاد من طريق فلسطين إلى مصر فالبلدان الإفريقية حتى بلدته، ونراه أحيانا فى وصفه للبلدان يبالغ فى الثناء تارة، وتارة ثانية يبالغ فى الذم والقدح، وقد أضفى ثناءه على مدينة مليانة فى الجزائر، وفيها يقول:

«مدينة مجموعة مختصرة، وليست بذلك عن أمهات المدن مقصّرة، أشرفت من كثب على وادى (نهر) شلف، واستشرفت نسيم طرفها من شرف، فى روضة جمة الأزهار والطّرف. فرعت (امتدت) فى سفح جبل حمى حماها أن يرام، وشرعت فى أصل نهر يشفى المقيم من الهيام، شاق منظرا، وراق مخبرا، وشفى الظمأ موردا ومصدرا، يشتهى الناظر إليه وهو ريان الشروع، ويقول: لورشّ به-لأفاق-المصروع، وكأن حصباءه

(1) انظر فى رحلة العبدرى كتاب الوافى 2/ 393 وقد نشر الرحلة وحققها الأستاذ محمد الفاسى وهى مطبوعة فى الرباط.

ص: 513

جمان والماء من فوقه دموع». ومليانة من المدن التى بناها الرومان قديما، وهى على قمة جبل، وبينها وبين شرشال على البحر المتوسط أربعون ميلا، والجبل المشيدة عليه ملئ بالينابيع ومغطى بأشجار الجوز». ويقول الحسن الوزان إن بيوتها متقنة وبداخلها فستقيات جميلة، وسكانها فى زمنه من الصناع والحاكة والخراطين، وتشتهر بصنع أوان لطيفة من الخشب، وكثيرون من أهلها يزرعون الأرض. وإذا كانت القاهرة لم تعجب العبدرى فإن الإسكندرية أعجبته وفيها يقول:

«مدينة الحصانة والوثاقة، وبلد الإشراق اللامع والطلاقة، وطلاوة النظر وحلاوة المذاقة، كلّ عنها ظفر الزمان ونابه، وفلّ منها جيش الحدثان وأحزابه، فلم تبد عليها للزمان ضراعة، ولا وكست لها فى معاملاته سلعة ولا بضاعة، ولا وقفت له موقف ذل يوما ولا ساعة، بل ثبتت لحزبه ثبوت البطل، وصابرت كيده حتى اضمحلّ سحره وبطل، فلم تصغ أذنا إلى ما يوعد به من الخنا والخطل، فهى واقفة وقوف الأطواد سامية بطرف غير كليل وجيد غير منآد (1)، آخذة من الكفر وأهله بالمخنّق (2)، حتى أبدلتهم من الصافى المروّق الكدر المرنّق (3)، فسامروا الأسف مسامرة الندى للمحلّق (4)، ودجا عليهم ليل هم ادلهمّ بعد نهار سرور تألق، واضطرم عليهم الأسى واحتدم، فحالفوا الندم. . مدينة فسيحة الميدان، صحيحة الأركان، مليحة البنيان، تسفر عن محيّا جميل المنظر، وترنو بطرف ساج (5) أحور، تبسم عن ثغر كالأقحوان إذا نوّر، كأنه لم يغب عنها شخص الإسكندر (6)، بما ساس فيها من عجائب مبانيها ودبّر، ناهيك بمدينة كلها عجب، قد ستر حسنها حسن غيرها وحجب، ووفّى فيها الإتقان حقه كما وجب، وقد أغنى عن تسطير وصفها ما سطّره الأعلام، وصرّت (7) به على المهرق الأقلام» .

وكان العبدرى يتخفف أحيانا من السجع ويرسل الكلام إرسالا، ويمثل الأستاذ ابن تاويت لذلك بقوله فى عمود السوارى بالإسكندرية:

«هو حجر واحد مستدير عال جدا، على قدر الصومعة (المأذنة) المرتفعة، وهو يبدو من بعيد بارزا فى غابة النخيل مرتفعا عنها، وقد أقيم على حجارة منحوتة مرتفعة، على قدر الدكاكين العظام، علوها أزيد من قامتين، ولا يعلم كيف أقيم عليها، ولا كيف ثبت هنالك مع الرياح والعواصف، وهو مما لا يمكن تحريكه البتة، فضلا عن إقامته هنالك» .

(1) غير منآد: مستقيم.

(2)

المخنق: موضع الحبل فى العنق للخنق.

(3)

المرنق: المزداد الكدر.

(4)

كريم جاهلى مدحه الأعشى بأن الكرم يبيت معه.

(5)

ساج: ساكن.

(6)

الإسكندر هو الإسكندر المقدونى مؤسس الإسكندرية.

(7)

صرّت: صوتت. المهرق: الصحيفة يكتب فيها.

ص: 514