الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يضرع إلى ركب صاحبته الذى سار بها سحرا أن يتوقف ساعة ليزور ركابها ويملأ عينه من محاسن وجهها، ويشكو إليها طول عتابها، فإن هى نعمت بالوصال فبها وإلا فحسبه أن رأى قبابها وخيامها، ويقول إنه وقف بها يشكو ويسكب عبراته التى لا يسكبها فى غير بين، وكأنما عطفت عليه فأومت ببنان غضّ مخضب وقد وضعت نقابها على وجهها المنير كالبدر فى اكتماله، وعاتبته قائلة أتبكى من البين وأنت الذى أردته وتشكو النوى والفراق وأنت الذى أثرت غرابه. وواضح أنه يتميز بموسيقى عذبة وقلما يضنى فى شعره أو فى حبه، لأنه أمير مترف، وشعره لذلك ليس فيه تعمق فى وصف دقائق الحب ومعانيه.
عمر (1) السلمى
هو أبو حفص عمر بن
عمر السلمى
، ولد بأغمات سنة 530 هـ/1136 م، وعنى به أبوه، وصحبه معه وهو قاض بفاس فأكبّ بها على حلقات الفقهاء والأدباء، وأعدّه إكبابه على الفقه والحديث النبوى ليتولى منصب القضاء فى تلمسان وفاس وإشبيلية. وكان مع إحسانه للفقه والفتاوى الدينية شاعرا مجيدا، وله مدائح فى يوسف بن عبد المؤمن وابنه يعقوب، واشتهر فى البيئتين: المغربية والأندلسية بشعره فى الغزل، وأخذه عليه بعض المتزمتين ولم يصغ لهم، ويقول مترجموه إنه كان يعنى بمسكنه وملبسه وزينته عناية الشعراء الفنانين من أمثاله، ومن غزلياته قوله:
أعيذك يا سليمى من سليم
…
قتلت فتاهم وهو الزعيم
قتيل الحبّ لا يودى وعاني
…
هـ لا يفدى ولا فيه الخصوم (2)
ومالى طالب بترات قتلى
…
إذا قتل الغرام فلا غريم
فؤادى سار نحوك عن ضلوع
…
بها يا ريم حبّك لا يريم (3)
ودادك صحّ فى قلب سقيم
…
كطرفك صحّ ناظره السقيم
إذا أعرضت تسودّ الأمانى
…
وإن أقبلت تبيضّ الهموم
وما حبّى لها إلا عذاب
…
عليه من نضارتها نعيم
وقد اختار لصاحبته اسم سليمى ليجانس بينها وبين اسم قبيلته سليم وفى ذلك تكلف واضح، ويلقب نفسه بالزعيم فخرا لا يستحب فى الغزل، ويقول لها إن قتيل الحب لا يؤخذ بثأره ولا يفدّى، وإنه ليس له طالب بثأره إذا قتله الغرام، وحبها مستقر بين ضلوعه لا يبرحها.
(1) نظر فى ترجمة السلمى وأشعاره أزهار الرياض 2/ 361 وما بعدها والذيل والتكملة لابن عبد الملك فى 8/ 1/222 والغصون اليانعة لابن سعيد والوافى بالأدب العربى فى المغرب الأقصى 1/ 168 وما بعدها والنبوع المغربى 3/ 62 وما بعدها.
(2)
لا يودى: لا يؤخذ بثأره.
(3)
لا يريم: لا يبرح.
وإنما سماها فى البيت الرابع ريما ليجانس بين اسمها والفعل فى آخر البيت، ويقول إن قلبه سقيم مثل طرفها، ويعنى فى البيت السادس بالطباق بين اسوداد الأمانى وابيضاض الهموم، ويقول إن عذابه فى حبها عليه أثارة من نضارتها. وفى رأيى أن السلمى لم يكن على طبيعته حين نظم هذه المقطوعة، ولذلك تكلف فيها ألوانا من التكلف. ويقول:
أغار على الصبّ من أنّبه
…
هو الحبّ من يطفه ألهبه
نأى القلب عنى وشوقى معى
…
فلله أمرى ما أعجبه
يحنّ فؤادى إلى قاتلى
…
كذاك الهوى عند من جرّبه
يجود لمسخطه بالرضا
…
ويطلب راحة من أتعبه
إذا شفّ قلبى غرام الهوى
…
دعا بالنعيم لمن عذّبه
وهو يقول إن شخصا نزل بالمحب أنّبه، وكأنه لا يعرف أن من يريد أن يطفئ الحب بالتأنيب أو باللوم يشعله، ويعجب أن قلبه رحل مع صاحبته ولا يزال ما كان يختلج فيه من أشواقه معه، وإن فؤاده يحنّ دائما إلى رؤية صاحبته قاتلته شأن المحبّين جميعا. ويجود المحبوب بالرضا لمن أسخطه، ويطلب الراحة لمن أتعبه، ويقول إن الغرام كلما أضنى قلبه وشفّه دعا بالنعيم لمن عذبه. وهى رقة واضحة فى الغزل. ومن قوله فى جمال الأعرابيات بالقياس إلى الحضريات مستلهما المتنبى وإعجابه المعروف بالبدويات:
مها القفر لا دمية المرمر
…
وفى العرب لا فى بنى الأصفر (1)
بنفسى يعافير تلك الخيام
…
ومسرحها فى النّقا الأعفر (2)
ملاعب يصبو إليها الحكيم
…
ويسلب فيها فؤاد الجرى
وفيها الظباء بنات الأسود
…
غيارى متى بغمت تزأر (3)
فخيس الهزبر كناس الغزال
…
به الشّبل ناش مع الجؤذر (4)
يخالسها نظرا تحته
…
غرام به الحىّ لم يشعر
وباللحظ يقدح زند الهوى
…
فطرف غر وفؤاد برى
وهو يفضل جميلة القفر البدوية على دمية المرمر الحضرية، ويكفى أن يسميها دمية فليس فيها حيوية البدوية ولا نضرتها، ويقول إنه يفدى بنفسه وروحه ظباء تلك الخيام وملاعبها فى الرمل المغبر. ويقول إنها ملاعب تجذب الرجل الحكيم وتسلب فؤاد الجريء الشجاع، فيها الظباء كريمات الرجال الأسود اللائى إذا صحن ظننت أنهن يزأرن، وكأنما بيت هذا
(1) بنو الأصفر: الروم وأمثالهم من الإسبان.
(2)
اليعافير جمع يعفور: الظبى وولد البقرة الوحشية. النقا: الرمل. الأعفر: المشوب بالعفر والتراب.
(3)
بغمت: صاحت.
(4)
خيس الهزبر: أجمة الأسد. الكناس: بيت الغزال. الجؤذر: ولد البقرة الوحشية.