الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غدت ملّة الإسلام تبكى تأسّفا
…
كأن لم يكن فوق البسيطة مسلم
تنوح على أيامها وشبابها
…
فيبكى لها البيت العتيق وزمزم
لقد عمل الأعداء كيدا لسحقها
…
فها هى بين القوم نهب مقسّم
تذكّرت الصّدّيق إبّان مجدها
…
فبلّلها سحّ من الدمع مسجم (1)
تنادى بصوت يقطع القلب حسرة
…
دراك أبا حفص فقد كدت أعدم
وملة الإسلام تبكى متحسرة، كأن لم يبق فوق الأرض مسلم، تنوح على أيامها الماضية وشباب مجدها الغابر، ويبكى لها المسجد الحرام وبئر زمزم، فقد اجتمع أعداؤها على الكيد لها، وتلك ديارها نهب مقسم بينهم. وتذكرت أبا بكر الصديق العظيم فى أوائل مجدها وعزتها وذرفت الدمع مدرارا، وتعول بصوت محزون منادية الفاروق عمر بن الخطاب أدركنى قبل أن يفتك بى الأعداء. وللشيخ مدّثّر البوشى المولود سنة 1903 للميلاد مدحة نبوية بديعة، استهلها بنقد عنيف لشعبه السودانى، يريد أن يدفعه إلى العمل والعلم على هدى الشريعة المحمدية، وينشد (2):
الله أكبر هذا يوم مولده
…
فالكون مبتهج من نوره الحسن
حيّيت يا ليلة الميلاد مشرقة
…
على الربوع بوجه ساطع الزّين
حيّيت يا ليلة الميلاد جالبة
…
للبشر مذهبة للهمّ والحزن
حيّيت يا ليلة الميلاد كم رقصت
…
فيك النفوس فحاكت مائس الغصن
حييت يا ليلة الميلاد إن لنا
…
فخرا بتجديد ذكرى خير مؤتمن
هو النبىّ الذى عمّت فواضله
…
كلّ الوجود كصوب العارض الهتن
والشيخ مدثر يكبّر معظما يوم مولد الرسول الذى عمت الكون بهجته من نوره الوضاء، ويحيّى ليلة ميلاده التى استحالت على الآفاق ليلة مضيئة بوجه مشرق مزدان بالأضواء والأنوار، وقد جلبت البشر والسرور ومحت الهم والحزن، ويقول كم رقصت فيها النفوس طربا محاكية الغصون المختالة، وإن لنا فيها لفخرا عظيما بتمجيد ذكرى خير الرسل، إنه النبى الذى عمّت أفضاله كل الوجود كما يعم مطر السحاب الهاطل أطباق الأرض. وللشيخ مدثر همزية اختصر بها السيرة النبوية فى 123 بيتا (3).
الشيخ عمر (4) الأزهرى
هو الشيخ عمر بن عبد الله الأزهرى، من ذرية عقيل بن أبى طالب، ولد سنة 1270 هـ/ 1853 م وتوفى سنة 1333 هـ/1915 م رزق به أبوه الصوفى من أعمال القطارف جنوبى
(1) سح: سيل. مسجم دائم السيلان.
(2)
شعراء السودان ص 336.
(3)
أنشد هذه الهمزية صاحب نفثات اليراع ص 175.
(4)
انظر فى ترجمة
الشيخ عمر الأزهرى
ومدائحه النبوية كتاب الشعراء فى السودان ص 249 وراجع نفثات البراع ص 98 وكتاب الشعر الحديث فى السودان للدكتور الشوش فى حديثه عن المديح النبوى وشعراء الوطنية فى السودان ص 310 وما بعدها.
نهر عطبرة رافد النيل، وعنى به أبوه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد حفظه درس على شيوخ مختلفين علوم الفقه واللغة العربية. وفى سن العشرين رحل إلى القاهرة واختلف إلى حلقات شيوخ الأزهر ينهل منها ما شاء، حتى ثقف العلوم الدينية وعلوم العربية ثقافة جيدة، وعاد إلى موطنه وفيه عنى بتدريس الفقه والنحو وعلوم البلاغة، وتقلد منصب القضاء فى عهد الدعوة المهدية وأقرّته دولة الحكم الثنائى فى منصبه. وكان عالما جليلا وشاعرا مجيد، وأنشد له صاحب الشعراء فى السودان ثلاث مدائح نبوية، وفى إحداها يقول عن الرسول منوها به ومشيدا:
المنتقى المبعوث من بين الورى
…
للخلق طرّا إنسه أوجانه
لولاه ما كان الوجود ولم يكن
…
ملك ولا ملك ولا أعوانه
حتى ولم يك آدم كلاّ ولا
…
شيث ولا نوح ولا طوفانه
ونجا الخليل بجاهه من نار نم
…
رود لعمرى إذ جفا خلاّنه
وهو يصف الرسول بأنه المختار المبعوث لهداية الخلق جميعا من الإنس والجنّ، ويستضئ بشعاع ممن نوّهوا قبله بالحقيقة المحمدية وأن الرسول علة الوجود، فيقول لولاه ما كان الوجود ولا دول ولا ملوك ولا كان آدم ولا شيث ولا نوح وطوفانه. وبجاهه نجا إبراهيم الخليل من نار نمرود واستحالت بردا وسلاما. ويمضى فى القصيدة قائلا: بجاهه نجا كليم الله موسى من فرعون وهامانه، وباسمه دعا ذو النون ربه فى ظلمات البحار فاستجاب له، وبالمثل استجاب لأيوب وكشف عنه ما به من ضرّ، فهو سرّ الوجود الذى لولاه ما خرجت الدنيا من العدم، وهو مبدأ الأنبياء والرسل ومنتهاهم وكل ما حدث لهم من معجزات فبفضله الأزلى، ويقول الشيخ عمر فى نفس القصيدة:
جمعت خصال المرسلين له كما
…
جمع الذى فى كتبهم فرقانه
كم قد عفا عمّن أساء وكم هدى
…
من ضلّ عن طرق الهدى تبيانه
يمشى وبكنس داره ويخيط ثو
…
با قد عفا والصفح ذلك شأنه
يا من علا فوق الطباق ومن علا ال
…
رّسل الكرام هو المكين مكانه
يا سيد الثّقلين يا مجلى الصّدا
…
يا عين هذا الكون بل إنسانه
وهو يقول إن كل الخصال الفاضلة للرسل جمعت له كما جمع قرآنه كل ما فى الكتب السماوية قبله. ومن صفاته الكبرى العفو وكم هدى أناسا كانوا ضالين ببيانه الرائع، وإنه مثال للتواضع كما حكى كتّاب السيرة وقالوا إنه كان أحيانا يكنس داره ويخيط ثوبه، وكان دأبه الصفح والعفو والغفران، ويقول إنه علا فى معراجه فوق السموات السبع وعلا الرسل وسما فوقهم، إنه سيد الإنس من الجن، وإنه يجلو الصّدا وكل غشاوة، وهو عين الكون