الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رأي الصحابة خير من رأينا لأنفسنا]
وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيرًا من رأينا [لأنفسنا، وكيف لا](1)، وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا وحكمةً وعلمًا ومعرفةً وفهمًا عن اللَّه ورسوله ونصيحةً للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم (2)، ولا واسطة بينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غَضًّا طريًا لم يَشُبْه إشكالٌ، ولم يَشُبه خلافٌ (3)، ولم تدنسه (4) معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم (5) من أفسد القياس.
فصل النوع الثاني من الرأي المحمود
الرأي الذي يفسر النصوص، ويبيّن وجه الدلالة منها، ويقررها ويوضح محاسنها، ويُسهِّل طريق الاستنباط منها، كما قال عَبْدَان: سمعت عبد اللَّه بن المبارك يقول: "ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث"(6).
وهذا هو الفهم الذي [يختص اللَّه سبحانه به](7) من يشاء من عباده.
ومثال هذا رأي الصحابة [رضي الله عنهم](8) في العَوْل (9) في الفرائض عند تزاحم الفروض، ورأيهم في مسألة زوج وأبوين وامرأة وأبوين أن للأم ثلث ما بقي بعد فرض الزوجين، ورأيهم في توريث المَبْتُوتَة في مرض الموت، ورأيهم في مسألة جَرِّ الولاء، ورأيهم في المُحْرم يقع على أهله بفساد حجه ووجوب المُضيّ فيه
(1) في (ق): "خيرًا من رأينا فكيف لا".
(2)
في (ق) بعدها: "صلى الله عليه وسلم".
(3)
في (ك) و (ق): "اختلاف".
(4)
في (ق): "يدنسه".
(5)
في (ق) و (ك): "بقياس آرائهم".
(6)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 168)، وابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1457)، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام"(2/ 268 رقم 343) عن عبدان بن عثمان به.
(7)
في (ق): "يخص اللَّه به".
(8)
سقط من (ق).
(9)
"عالة الفريضة": إذا ارتفعت، وزادت سهامها على أصل حساب الموجب عن عدد وارثيها، كمن مات وخلف ابن تين وأبوين وزوجة، فللابنتين الثلثان، وللأبوين السدسان، وهما الثلث، وللزوجة الثمن، فمجموع السهام واحد، وثمن واحد، فأصلها ثمانية، والسهام تسعة" لابن الأثير (و).
والقضاء والهَدْي من قابل، ورأيهم في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا لكل يوم مسكينًا، ورأيهم في الحائض تَطْهُرُ قبل طلوع الفجر تصلي المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل الغروب صلت الظهر والعصر، ورأيهم في الكلالة، وغير ذلك.
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون: أنا عاصم الأحول، عن الشعبي قال: سُئل أبو بكر عن الكلالة، فقال: إني سأقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللَّه، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد (1).
فإن قيل: كيف يجتمع هذا مع ما صح عنه من قوله: "أَيُّ سَمَاء تُظِلُّني؟ وأي أرض تُقِلُّني إن قلت في كتاب اللَّه برأيي"(2)، وكيف يجامع هذا الحديث الذي تقدم:"من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار"؟ (3).
فالجواب أن الرأي نوعان:
أحدهما: رأي مجرد لا دليل عليه، بل هو خَرْص وتخمين، فهذا الذي أعاذ اللَّه الصديق والصحابة منه.
والثاني: رأي مستندٌ إلى [استدلال واستنباط](4) من النص وحده، أو من نص آخر معه، فهذا من ألطف فَهْمِ النصوص وأدقه، ومنه رأيه في الكلالة أنها ما عدا الوالد والولد، فإن اللَّه سبحانه ذكر الكلالة في موضعين من القرآن، ففي أحد الموضعين (5) وَرَّثَ معها الأخَ والأختَ من الأم، ولا ريب أن هذه الكلالة ما عد الوالد والولد، والموضع الثاني (6) وَرَّث معها ولد الأبو ين أو (7) الأب النصف أو (7) الثلثين، فاختلف الناس في هذه الكلالة، والصحيح فيها قول الصديق الذي
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
مضى تخريجه.
(3)
مضى تخريجه.
(4)
في (ك): "الاستدلال والاستنباط".
(5)
يعني قوله -سبحانه-: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12]، (و)، (ط).
(6)
يعنى قوله -سبحانه-: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]، (و): ونحوه في (ط) و (ح).
(7)
في (ن) و (ك): "و" ووقع في (ق): "والثلثين".