الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك يستلزم أن يكون عدلًا في نفسه؛ فأبو حنيفة لا يعتبر إلا العدالة، والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد يعتبرون معها الاجتهاد.
[يجب تولية الأصلح للمسلمين]
وأحمد يوجب تولية الأصلح فالأصلح من الموجودين، وكل زمان بحسبه، فيُقدَّم الأدْيَنُ العَدْل على الأَعلم الفاجر، وقضاة السنة على قضاة الجهمية، وإن كان الجهميُّ أفْقَه، ولما سأله المتوكل عن القضاة أرسل إليه درجًا (1) مع وزيره، يذكر فيه تولية أناس [وعزل أناس](2)، وأمسك عن أناس، وقال: لا أعرفهم، وروجع في بعض مَنْ سَمَّى لقلَّة علمه، فقال: لو لم يولوه لولّوا فلانًا، وفي توليته مضرة على المسلمين؛ ولذلك (3) أمر أن يُوَلَّى على الأموال الدَّيِّنُ السُّنِّي دون الدَّاعي إلى التَّعطيل؛ لأنَّه يضرُّ النَّاسَ في دينهم، وسئل عن رجلين أحدهما أنكى للعدو (4) مع شربه الخمر والآخر أَدْيَن، فقال: يُغْزى مع الأَنكى (5) في العدو؛ لأنه أنفع للمسلمين.
[تولية الرسول صلى الله عليه وسلم الأنفع على من هو أفضل منه]
وبهذا مضتْ سَنّةُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإنه كان يُوَلّي (6) الأنفع للمسلمين على من هو أفضل منه، كما وَلَّى خالد بن الوليد من حين أسلم على حروبه لنكايته في العدو، وقَدَّمه على بعض السابقين من المهاجرين والأنصار مثل عبد الرحمن بن عوف، وسالم مولى أَبى حُذيفة، وعبد اللَّه بن عمر (7)؛ وهؤلاء ممن أنفق [من](8) قبل الفتح وقاتل، وهم أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا؛ وخالد كان (9)
(1)"الدرج": الذي يكتب فيه، وكذلك الدرج بالتحريك، يقال: أنفذته في درج الكتاب: أي في طيه (د) و (ح) و-أيضًا- "لسان العرب"(3/ 1353) لابن منظور، ونحوه باختصار في (ط).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(3)
في المطبوع و (ق): "وكذلك".
(4)
في المطبوع و (ك): "في العدو".
(5)
"أنكى العدو، وفيه نكاية: قتل وجرح"(د)، ونحوه في (ط) ونحو ما قرره المصنف في "السياسة الشرعية". (ص 21) لابن تيمية.
(6)
في (ن): "فإنه مرات يولي".
(7)
في (ك) و (ق): "عبد اللَّه بن عَمرو".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
(د) و (ط): "وخالد وكان" بزيادة "و".
ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، فإنه أسلم بعد صلح الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحَجَبي (1)، ثم إنه فعل مع بني جذيمة ما [تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منه](2)، حين رفع يديه إلى السماء، وقال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"(3) ومع هذا فلم يعزله، وكان أبو ذر من أسبق السابقين وقال له (4):"يا أبا ذر إنِّي أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّيَنَّ مال يتيم. قال نعم"(5) وأمّر عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل (6)؛ لأنه كان يقصد أخواله بني عذرة؛ فعلم أنهم يطيعونه مَا لَا يطيعون غيره للقرابة؛ وأيضًا فلِحُسن سياسة عمرو وخبرته وذكائه ودهائه (7)، فإنه كان من أدهى العرب؛ ودهاة العرب أربعة هو أحدهم، ثم أردفه بأبي عبيدة، وقال:"تَطَاوعا ولا تَخْتلفا" فلما تنازعا فيمن يُصلِّي سَلَّم أبو عبيدة لعمرو؛ فكان (8) يصلي بالطائفتين وفيهم أبو بكر (9)؛ وأمَّر أسامة بن زيد مكان أبيه لأنه -مع كونه خليقًا للإمارة- أحرص على
(1)"نسبة إلى حجابة البيت الحرام"(و) وفي (ك): "الجمحي".
(2)
في (ق): "تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم".
(3)
أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب الأحكام): باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم؛ فهو رد، (9/ 91)، قال (و):". . . وكان خالد قد دعا بني جذيمة إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر" اهـ. وسقطت "إني" من (ك).
(4)
في (ق) بعدها: "النبي صلى الله عليه وسلم".
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الإمارة): باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (3/ 1457 - 1458/ رقم 1826)، وأبو داود في "السنن" (كتاب الوصايا): باب ما جاء في الدخول في الوصايا (رقم 2868)، والنسائي في "المجتبى" (كتاب الوصايا): باب النهي عن الولاية على مال اليتيم (6/ 255)، والبيهقي في "الكبرى"(3/ 129 و 6/ 283) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(6)
تأمير عمرو بن العاص على غزوة ذات السلاسل: أخرجه البخاري (3662) في (فضائل الصحابة): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلًا، و (4358) في (المغازي): باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384) في (فضائل الصحابة): باب من فضائل أبي بكر.
وانظر مفصلًا: "طبقات ابن سعد"(2/ 131)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (4/ 397).
(7)
"الدهاء: جودة الرأي [والأدب] "(د) و (ط)، وما بين المعقوفتين زيادة (د) على (ط).
(8)
في (ق): "وكان".
(9)
أما قوله لأبي عبيدة، وعمرو بن العاص "تطاوعا. . . "؛ فرواه أحمد في "مسنده" (1/ 196) من طريق عامر بن شراحيل قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جيش ذات السلاسل فذكره.
قال الهيثمي في "المجمع"(6/ 206): رواه أحمد، وهو مرسل ورجاله رجال الصحيح؛ لأن الشعبي لم يدرك القصة. =
طلب ثأر أبيه من غيره (1)، وقَدَّم أباه زَيدًا في الولاية على جعفر ابن عمه مع أنه مولى (2)، ولكنه من أسبق الناس إسلامًا قبل جعفر، ولم يلتفت (3) إلى طَعْن الناس في إمارة أسامة وزيد، وقال:"إن تطعنوا في إمارة أسامة فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيْم اللَّه! إنه (4) خليقًا للإمارة، ومن أحبِّ الناس إليَّ"(5) وأَمَّر خالد بن
= وروى القصة -أيضًا- وفيها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلاف، البيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 398) من حديث موسى بن عقبة مرسلًا، و (4/ 399) من حديث محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحصين مرسلًا -أيضًا-، ومحمد هذا ترجمه ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وأخرجها أبو داود في "الزهد"(رقم 25)، والخطيب في "الموضح"(2/ 98) موصولًا بإسناد صحيح.
وذكر القصة ابن هشام في "السيرة النبوية"(4/ 299) عن ابن إسحاق دون إسناد، وكذا ذكرها ابن سعد في "الطبقات"(2/ 131)، والمحب الطبري في "الرياض النضرة"(1/ 253 - 254) دون إسناد أيضًا.
وأما تسليم أبي عبيدة الإمارة لعمرو وصلاته بهم؛ فمذكور في المصادر التي ذكرت.
وأما كون أبي بكر كان تحت إمرته فمذكور فيها أيضًا.
وروى البخاري (3662 و 4358)، ومسلم (2384) من حديث عمرو بن العاص أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها
…
؛ وأخرجه البيهقي في "الدلائل"(4/ 401) من نفس الطريق قال: بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر.
(1)
تأميره لأسامة وكونه خليقًا بالإمارة: أخرجه البخاري (3730) في (فضائل الصحابة): باب مناقب زيد بن حارثة، و (4250) في (المغازي): باب غزوة زيد بن حارثة، و (4468) في بَعْث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه، و (4469) باب رقم (86)، و (6627) في (الأيمان والنذور): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم) وأيم اللَّه، و (7187) في (الأحكام): باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثًا، ومسلم (2426) في (فضائل الصحابة): باب فضائل زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد من حديث ابن عمر.
(2)
أخرجه البخاري في "الصحيح"(رقم 4251)(كتاب المغازي): باب عمرة القضاء عن البراء قوله صلى الله عليه وسلم لزيد: "أنت أخونا ومولانا" ضمن حديث طويل.
(3)
في المطبوع: "يلفت".
(4)
في المطبوع و (ك): "إن كان".
(5)
أخرجه البخاري (3730) في (فضائل الصحابة): باب مناقب زيد بن حارثة، و (4250) في (المغازي): باب غزوة زيد بن حارثة، و (4468) في (المغازي): باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه، و (6627) في (الأيمان والنذور): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأَيْم اللَّه"، ومسلم (2426) في (فضائل الصحابة): باب فضائل زيد بن حارثة، من حديث ابن عمر. ووقع في (ق):"إنه لخليق للإمارة".