الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال علي بن شقيق: قيل لابن المبارك: متى يفتي الرجل؛ قال: إذا كان عالمًا بالأثر، بصيرًا بالرأي (1).
وقيل ليحيى بن أكثم: متى يجب للرجل أن يفتي؟ فقال: إذا كان بصيرًا بالرأي بصيرًا بالأثر (2).
قلت: يريدان بالرأي القياسَ الصحيح والمعانيَ والعللَ الصحيحة التي عَلّق الشارع بها الأحكام وجعلها مؤثرة فيها طَرْدًا وعكسًا (3).
فصل في تحريم الإفتاء في دين اللَّه بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص والرأي الذي لم تشهد له النصوص بالقبول
قال اللَّه (4): {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5)[القصص: 50] فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما: إمَّا الاستجابة للَّه والرسول وما جاء به، وإما اتباع الهوى، فكُلُّ ما لم يأتِ به الرسول فهو من الهوى.
[(6) وقال تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ]} (7)[ص: 26] فقسَّم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحقِّ، وهو الوحي الذي أنزله اللَّه على رسوله (8)، وإلى الهَوَى، وهو ما خالفه.
وقال تعالى لنبيه [صلى الله عليه وسلم](7): {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ
(1) رواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 332/ 1050)، بسند جيد.
وأخرجه البيهقي في "المدخل"(187)، وابن عبد البر في "الجامع"(1532).
(2)
علقه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 333/ 1051) عن أبي نعيم عن إبراهيم بن محمد بن حاتم الزاهد عن الفضل بن محمد الشعراني عنه.
(3)
من قوله: "وقال في رواية أبي إلى هنا بدله في (ن): "إلى أن قال رحمه الله".
ووقع في (ق): "يريد".
(4)
في (ق): "اللَّه سبحانه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
من هنا إلى قوله (ص 92): "وإن عاقبته أحسن عاقبة" بدله في (ن): "إلى أن قال رحمه الله".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
في (ق): "رسله".
أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)[إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ](1) وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18، 19] فقسَّم الأمر بين الشريعة التي جَعَله [هو](2) سبحانه عليها وأوحى إليه العملَ (3) بها، وأمَرَ الأمة بها، وبين اتِّباع أهواء الذين لا يعلمون؛ فأمر بالأول، ونهى عن الثاني.
وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]، فأمر باتِّباع المنزِّل منه خاصة، وأعْلَمَ أن من اتَّبع غيره فقد اتبع من دونه أولياء.
قال (4) تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، فأمر تعالى (5) بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالًا من غير عَرْضِ ما أمر به [على الكتاب، بل إذا أمر وجَبَتْ طاعتُه مطلقًا، سواء (6) كان ما أمر به](7) في الكتاب أو لم يكن [فيه](8)، فإنه أوتي الكتاب ومثلَه معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالًا، بل حذف الفعلَ، وجعل طاعَتَهم في ضمن طاعة الرسول؛ إيذانًا بأنهم إنما يُطَاعون تَبَعًا لطاعة الرسول، فَمَنْ أمَرَ منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومَنْ أمَر (9) بخلاف ما جاء به الرسولُ فلا سَمْع [له] ولا طاعة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا طاعَةَ لمخلوق في معصية الخالق"(10) وقال: "إنما الطَّاعة في
(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ق): "بالعمل".
(4)
في (ق): "وقال".
(5)
في (ق): "اللَّه".
(6)
في نسخة (د): "سواه"!.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) وفي الهامش: "لعله ما أمر به الكتاب وسواء كان" وبدل ما بين الهلالين في (ق): "و".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
زاد في (ك) و (ق) هنا: "منهم".
(10)
ورد بهذا اللفظ من حديث عمران بن حصين، أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(873)، وعلقه الخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 145) من طريق محمد بن جعفر الوركاني حدثنا يحيى الأبح عن محمد ابن سيرين عنه.
وإسناده جيد لكن في سماع محمد ابن سيرين من عمران نظر، وفي بعض طرق الحديث سماعه منه، وهذا بحاجة إلى بحث.
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 381) من طريق يحيى بن سليم، عن =
المَعْرُوف" (1)، وقال في ولاة الأمور: "مَنْ أمركم منهم بمعصية اللَّه فلا سَمْعَ [له] ولا طاعة" (2)، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخولَ النار لمَّا أمرهم أميرُهم بدخولها: "أنّهُمْ لو دَخَلُوا لما خَرَجُوا منها" (3) مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعةً لأميرهم، وظنًا أن ذلك واجب عليهم، ولكن لما قَصَّرُوا في الاجتهاد، وبادَرُوا إلى [طاعة (4) مَنْ أمَرَ بـ] معصية اللَّه، وحَمَلُوا عموم الأمر بالطاعة بما (5) لم يُرِدْه الآمر [صلى الله عليه وسلم](6)، وما قد عُلِمَ من دينه [إرادةُ](6) خلافِهِ،
= هشام بن حسان، عن الحسن عن عمران، ويحيى بن سليم -هو الطائفي- فيه كلام، والحسن مدلس، وقد عنعن، وفي سماعه من عمران نظر أيضًا.
ورواه ابن أبي شيبة (12/ 546) من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
واعلم أن حديث عمران بن حصين هذا ثابت من طرق عنه بلفظ: "لا طاعة لمخلوق في معصية اللَّه"، رواه أحمد (4/ 426 و 432 و 436 و 5/ 66 و 67)، والطيالسي (856)، وعبد الرزاق (25700)، والبزار (1613 و 1614 و 1615 و 1616)، والطبراني في "الكبير"(3159 و 3160 و 18/ 324 و 367 و 381 و 385 و 407 و 432 - 438).
(1)
هو جزء من حديث رواه البخاري (4340) في (المغازي): باب سرية عبد اللَّه بن حُذافة السهمي، و (7145) في (الأحكام): باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن في معصية، و (7257) في (أخبار الآحاد): باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، ومسلم (1840) في (الإمارة): باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، من حديث علي بن أبي طالب.
(2)
الحديث رواه أحمد (3/ 67)، وابن أبي شيبة (12/ 543 و 14/ 341)، وابن ماجه (2863) في (الجهاد): باب لا طاعة في معصية اللَّه، وأبو يعلى (1349)، ومن طريقه ابن حبان (4558)، جميعهم من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعًا بلفظ:"من أمركم بمعصية فلا تطيعوه"، وهو جزء من حديث طويل، ورجاله رجال الصحيح عدا محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 123): هذا إسناد صحيح.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
رواه البخاري (4340) في (المغازي): باب سرية عبد للَّه بن حذافة السهمي، و (7145) في (الأحكام): باب السمع والطاعة للحكام ما لم تكن معصية، و (7257) في (أخبار الآحاد): باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، ومسلم (1840) في (الإمارة) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، من حديث علي بن أبي طالب.
ووقع في (ك) و (ق): "أنهم لو دخلوها".
(4)
في (ك) و (ق): "طاعته في".
(5)
في (ق) و (ك): "فيما".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).