الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]، فما لم يَقُلْه [سبحانه](1)، ولا هَدَى إليه فليس من الحق، وقال [تعالى] (1):{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: 50]، فقسم الأمور قسمين (2) لا ثالث لهما: اتِّباعٌ لِما دعا إليه الرسول، واتباع الْهَوَى.
فصل [لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس بل نهى عنه]
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يَدْعُ أمته إلى القياس قط، بل قد صحَّ عنه أنه أنكر على عمر وأسامة محض القياس في شأن الحُلَّتين اللتين أرسل بهما إليهما فلبسها أسامة قياسًا للبس على التَّملُّك والانتفاع [والبيع](3) وكسوتها لغيره، وردها عمر قياسًا لتملكها على لبسها، فأسامة أباح، وعمر حَرَّم [قياسًا](1)، فأبطل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كل واحد من القياسين، وقال لعمر:"إنما بعثت بها إليك لتسْتَمتِعَ بها"، وقال لأسامة:"إني لم أبعثها إليك لتلبَسَها، ولكن بعثت بها إليك (4) لتُشقِّقها خُمْرًا لنسائك"(5)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنَّما تقدَّم إليهم في الحرير بالنَّص على تحريم لبسه فقط (6)، فقاسا قياسًا أخطآ فيه، فأحدهما قاس اللبس على الملك، وعمر قاس التملك على اللبس، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن ما حرَّمه من اللبس لا يتعدى إلى غيره، وما أباحه من التملك لا يتعدى إلى اللبس، وهذا عينُ إبطال القياس.
وصح عنه [صلى الله عليه وسلم](7) ما رواه أبو ثعلبة الخُشَنيُّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إن اللَّه فرض فرائض فلا تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
في المطبوع و (ن): "إلى قسمين".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في المطبوع و (ن): "ولكن بعثها إليك".
(5)
رواه أحمد (2/ 39 - 40)، والبخاري (2104) في (البيوع): باب التجارة فيما يُكره لبسه للرجال والنساء، و (5841) في (اللباس): باب الحرير للنساء، و (6081) في (الأدب): باب من تجمل للوفود، ومسلم (2067 بعد 7) في (اللباس والزينة): باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، من حديث ابن عمر.
وفي (ق) و (ك): "بين نسائك".
(6)
روى البخاري (5832) في (اللباس): باب في لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه، ومسلم (2073) في (اللباس): باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحرير:"من لبسه في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة".
والأحاديث في الباب كثيرة.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نَسْيان فلا تبحثوا عنها" (1)، وهذا الخطاب كما يعمّ أَوَّلُه للصحابة ولمن بعدهم فهكذا آخره؛ فلا يجوز أن نبحث
(1) رواه الطبراني في "الكبير"(22/ 589)، والدارقطني في "سننه"(4/ 183 - 184)، وأبو نعيم في "الحلية"(17/ 9)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(9/ 2)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(10/ 12 - 13)، وابن بطة في "الإبانة"(رقم 314)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 1045/ رقم 2012)، وأبو الفتوح الطائي في "الأربعين"(رقم 16) -ومن طريقه الذهبي في "السير"(17/ 625) - من طرق عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني.
والحديث له علتان كما ذكر الحافظ ابن رجب في "شرحه على الأربعين النووية" وهما:
الأولى: أن مكحولًا لم يصح له سماع من أبي ثعلبة، كما قال أبو مسهر الدمشقي، وأبو نعيم الحافظ، ثم هو مدلس، وقد عنعن.
الثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه، فقد رواه البيهقي (10/ 12) من طريق حفص عن داود موقوفًا.
وروي عن مكحول قوله -أيضًا -كما قال الحافظ الدارقطني في "العلل"(1170) ثم قال: "والأشبه بالصواب مرفوعًا وهو أشهر"، وقد حسن الحديث النووي، وأبو بكر السمعاني في "أماليه" كما قال ابن رجب، وأبو الفتوح الطائي، قال في "أربعينه" (ص 108):"هذا حديث كبير عال حسن، من حديث مكحول الشامي عن أبي ثعلبة الخشني. تفرد به داود بن أبي هند عن مكحول"، وقال الهيثمي (1/ 117):"ورجاله رجال الصحيح".
لكن تبقى فيه علة الانقطاع بين مكحول وأبي ثعلبة.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء بلفظ: "ما أحل اللَّه في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو. . . ".
رواه الدارقطني (2/ 137)، والبزار (123)، و (2231)، و (2855)، والحاكم (2/ 375)، وعنه البيهقي (10/ 12)، وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه -كما في "الدر المنثور"(5/ 531) - من طريق عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء مرفوعًا، قال البزار: وإسناده صالح. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 121):"وإسناده حسن، ورجاله موثقون".
قلت: عاصم بن رجاء فيه كلام، فلا يرقى حديثه للصحيح. وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله في "غاية المرام"(رقم 2).
فتصحيح المصنف لحديث أبي ثعلبة فيه نظر، نعم، قد يكون صحيحًا لغيره لشواهده، انظرها مع تخريجها في تعليقي على "تحقيق البرهان"(ص 137/ ط الثانية)، والتعليق على "سنن سعيد بن منصور"(2/ 320 - 330).
عما سكت عنه ليحرمه أو يوجبه (1).
وقال عبد اللَّه بن المبارك: ثنا عيسى بن يونس، عن حَرِيز بن عثمان (2)، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعيِّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على بِضْع وسبعين فِرْقة، أعظمها فتنة على أمتي قومٌ يقيسون الأمور برأيهم، فيحِلُّون الحرام، ويحرِّمون الحلال"(3).
قال قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي: ثنا نُعيم بن حَمَّاد: ثنا عبد اللَّه، فذكره.
وهؤلاء كلهم أئمةٌ ثقات حُفاظ إلا حَريز (4) بن عثمان فإنه كان منحرفًا عن علي [رضي الله عنه](5)، ومع هذا فاحتج به البخاري في "صحيحه"، [وقد رُوي عنه أنَّه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف عن علي، ونُعيم بن حماد إمام جليل، وكان سيفًا على الجهمية، روى عنه البخاري في "صحيحه"](6).
وقد صح عنه صحة (7) تقرب من التواتر أنه قال: "ذروني ما تركتم، فإنما هلك الذين مِنْ قَبْلكم بكثرة مسائِلِهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتُكُم عنه فاجتنبوه، وما أمرتُكُم به فأتوا منه ما استطعتم"(8) فتضمن هذا الحديث أنَّ ما أَمر به [أَمْر](9) إيجابٍ فهو واجبٌ، وما نَهَى عنه فهو حرام، وما سكت عنه فهو [عَفْو](10) مباحٌ، فبطل ما سوى ذلك، والقياسُ خارجٌ عن هذه الوجوه الثلاثة؛ فيكون باطلًا، والمقيسُ مسكوتٌ عنه بلا ريب؛ فيكون عفوًا بلا ريب، فإلحاقه
(1) في (ق): "لنحرمه أو نوجبه".
(2)
وقع في المطبوع و (ك) و (ق): "جرير بن عثمان" وهو خطأ، وصوابه "حريز بن عثمان"، وهو مترجم في "تهذيب التهذيب"(2/ 207)، و"ميزان الاعتدال"(1/ 475)، و"ضعفاء العقيلي"(1/ 321).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في المطبوع و (ك) و (ق): "جرير"! وصوابه "حريز" كما قدمناه آنفًا.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ن).
(6)
نعيم بن حماد روى له البخاري مقرونًا بغيره، وهو مترجم في "التاريخ الكبير"(8/ 100)، و"الجرح والتعديل"(8/ 463) لابن أبي حاتم، و"الكامل"(7/ 2482) لابن عدي، و"تهذيب الكمال"(29/ 466)، و"الميزان"(4/ 267) وغيرها.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(7)
في (ق) و (ك): "بصحة".
(8)
تقدم تخريجه.
(9)
في (ق) و (ك): "من".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
بالمحرم [تحريمٌ لما](1) عفا اللَّه عنه، وفي قوله:"ذروني ما تركتكم" بيانٌ جليٌّ أَنَّ مَا لَا نصَّ فيه فليس بحرام ولا واجب.
ودل الحديث على أن أوامره على الوجوب حتى يجيء ما يرفع ذلك، أو يُبيّن أن مراده الندب، وأن ما لا نستطيعه فساقط (2) عنا.
وقد روى ابنُ المُغَلِّس: ثنا عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن: ثنا أبو قِلابة الرَّقاشِيُّ: ثنا أبو الربيع الزَّهرانيُّ: ثنا سيف بن هارون البُرْجُميُّ، عن سليمان التَّيميُّ، عن أبي عثمان النَّهديِّ، عن سلمان [رضي الله عنه] (3) قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، فقال:"الحلال ما أحل اللَّه، والحرام ما حرم اللَّه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه"(4) وهذا إسناد جيدٌ مرفوع، واللَّه المستعان، وعليه التُّكْلَان.
(1) في (ق) و (ك): "يحرم ما".
(2)
في (ق): "ساقط".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
أخرجه الترمذي في اللباس: باب ما جاء في لبس الفراء (4/ 220)(رقم: 1726)، وابن ماجه في الأطعمة: باب أكل الجبن والسمن (2/ 1117)(رقم: 3367) من طريق سيف بن هارون البرجميّ عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي به.
وقال الترمذي في "جامعه":
"وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكان الحديث موقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: ما أراه -أي: أظنه- محفوظًا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفًا، قال البخاري: وسيف بن هارون مقارب الحديث، وسيف بن محمد عن عاصم ذاهب الحديث".
ومن هذا الطريق أخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 115)، والطبراني في "الكبير"(6124)، وابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 10 رقم 1503)، -وقال:"هذا خطأ، رواه الثقات عن التيمي عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه سلمان وهو الصحيح"- وبيبي الهرثمية في "جزئها"(رقم 85)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 212)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 346)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"(3/ 1267)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 174)، والبيهقي في "السنن"(10/ 12)، والمزي في "تهذيب الكمال"(12/ 335)، وقال الحاكم:"هذا حديث مفسر في الباب، وسيف بن هارون لم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" فقال:"قلت: ضعفه جماعة" يعني سيفًا هذا، ونقل العقيلي عن يحيى بن معين، أنَّه قال فيه، "ليس سيف بشيء"، ثم قال عقب روايته لهذا الحديث:"ولا يحفظ إلا عنه بهذا الإسناد". قلت: فقول المصنف: "هذا إسناد جيد" قول غريب. ويغني عن هذا الحديث حديث أبي الدرداء السابق واللَّه الموفق.