الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطول الكتاب بذكره] (1)، وقال عَمَّن (2) أعسَرَ بما بقي عليه من الربا:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فدخل في ذلك كلُّ مُعسِرٍ بدَيْنٍ [حلالٍ](3)، وثبت ذلك قياسًا [واللَّه أعلم](4).
ومن هذا الباب توريثُ الذَّكَر ضِعْفي ميراث الأنثى منفردًا، وإنما ورد النص في اجتماعهما بقوله:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وقال:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]، ومن هذا الباب أيضًا قياسُ التظاهر بالبنت على التظاهر بالأم، [لأن العلة أن يكون المتظاهر بها رحمًا محرمًا](5)، وقياس الرقبة في الظِّهار على الرقبة في القتل بشرط الإيمان، وقياس تحريم الأختين وسائر القرابات من الإماء على الحرائر في الجمع [بينهن](6) في التَّسرِّي [والنكاح](7)، قال (8): وهذا لو تَقَضَيتُه (9) لطال به الكتاب [واللَّه الموفق للصواب](10).
قلت: بعض هذه المسائل فيها نزاع، وبعضها لا يعرف فيها نزاع بين السلف.
[جواب نفاة القياس، ورده]
وقد رام بعض نُفَاة القياس إدخال هذه المسائل المجمع عليها في العمومات اللفظية؛ فأدخل قذف الرجال في قذف المحصنات، وجعل المحصنات صفةً للفروج لا للنساء، وأدخل صيدَ الجوارح كلها في قوله:[{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]، وقوله:] (11){مُكَلِّبِينَ} وإن كان من لفظ الكلب فمعناه مُغْرِين لها
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك) و (ق).
(2)
في "الجامع": "فيمن".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين من "الجامع"، وانظر:"الطرق الحكمية"(ص 94).
(5)
ما بين المعقوفتين في إحدى نسختي "الجامع"؛ كما قال محققه.
(6)
ما بين المعقوفتين في إحدى نسختي "الجامع"؛ كما قال محققه.
(7)
ما بين المعقوفتين من "الجامع".
(8)
أي: ابن عبد البر رحمه الله، ووقع في (ق):"وقال".
(9)
في "الجامع": "تقصيانه".
(10)
ما بين المعقوفتين من "جامع بيان العلم" وإلى هنا انتهى كلام ابن عبد البر.
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
على الصيد، قاله مجاهد والحسن، وهو رواية عن ابن عباس (1)، وقال أبو سليمان الدمشقي: مكلبين معناه معلِّمين، وإنما قيل لهم مكلبين لأنّ الغالب من صيدهم إنما يكون بالكلاب.
وهؤلاء وإنْ أمكنهم ذلك، في بعض المسائل، كما جزموا بتحريم [أجزاء] (2) الخنزير لدخوله في قوله:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، وأعادوا الضمير إلى المضاف إليه [دون المضاف](3)، فلا يمكنهم ذلك في كثير من المواضع، وهم مضطرون فيها -ولا بد- إلى القياس، أو القول بما لم يَقُلْ به غيرُهم ممن تقدَّمهم، فلا نعلم أحدًا من أئمة الفتوى يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن فأرة وقعت في سَمْن:"ألقوها وما حولها وكُلُوه"(4) إن ذلك مختصٌّ بالسَّمن دونَ سائرِ الأَدهان والمائعات، هذا مما يقطعُ بأنَّ الصَّحابة والتابعين وأئمة الفتوى (5) لا يُفَرِّقون فيه بين السَّمن والزيت والشيرج والدِّبْس (6) كما لا يفرق بين الفأرة والهرة في ذلك (7)، وكذلك نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطُّب بالتمر (8)، لا
(1) نقله المصنف عن ابن الجوزي في "زاد المسير"(2/ 242)، وتحرف في مطبوعه "مغرين" إلى "مصرين"!! فلتصوب، وعند ابن الجوزي أيضًا كلام أبي سليمان الدمشقي الآتي.
وانظر كلامًا لابن عباس في الآية عند البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 235)، و"صحيفة علي بن أبي طلحة"(رقم 291)، و"تفسير ابن عباس"(1/ 316 - 318) للدكتور عبد العزيز الحميدي.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك). وانظر: "تفسير القرطبي"(2/ 222)، و"أحكام القرآن"(1/ 54) لابن العربي و"الموافقات"(4/ 228 - بتحقيقي)، و"الإعتصام"(1/ 302 - بتحقيقي).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(4)
رواه البخاري (235 و 236) في (الوضوء): باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، و (5538 و 5539 و 5540) في (الذبائح والصيد): باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب، من حديث ميمونة بنت الحارث.
(5)
في المطبوع: "الفتيا".
(6)
"الدبس -[بالكسر وبالكسرتين] بوزن حمل وإبل-: عسل التمر، وعسل النحل، ويصنع أحيانًا [-الآن- في بلاد الشام] من زبيب العنب"، كذا في (د)، وما بين المعقوفتين زيادة من (ح) على (د)، وفي (ط) نحو ما في (د)، ووقع في (ق):"لا يفرقون".
(7)
انظر: "تهذيب السنن"(5/ 336 - 341).
(8)
رواه مالك في "الموطأ"(2/ 624)، والطيالسي (214)، وعبد الرزاق (14185 و 14186)، والحميدي (75)، وأحمد (1/ 179)، وأبو داود (3359) في (البيوع): باب في التمر بالتمر، والترمذي (1225) في (البيوع): باب في النهي عن المحاقلة والمزابنة، =
يفرِّق عالمٌ يفهم عن اللَّه ورسوله بين ذلك وبين بيع العنب بالزبيب.
ومن هذا أن اللَّه سبحانه قال في المطلقة ثلاثًا: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي فإن طلقها الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا، والمراد به تجديد العقد، وليس ذلك مختصًا بالصورة التي يطلق فيها الثاني فقط، بل متى تفارقا بموت أو خُلْع أو فَسْخ أو طلاق حَلَّت للأول، قياسًا على الطلاق.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تشربوا في صِحافِها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة"(1)، وقوله:"الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يُجرجر في بطنه نارَ جهنم"(2) وهذا التحريم لا يختصُّ بالأكل والشرب، بل يعمّ سائرَ وجوهِ الانتفاع؛ فلا يحلُّ له أن يغتسل بها، ولا يتوضَّأ بها، ولا يَدّهن فيها، ولا يكتحل منها، وهذا أمر لا يشك فيه عالم (3).
ومن ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحْرِم عن لبس القميص والسراويل والعمامة
= والنسائي (7/ 269) في (البيوع): باب اشتراء الرطب بالتمر، وابن ماجه (2284) في التجارات باب بيع الرطب بالتمر، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 6)، والدارقطني (3/ 49)، والحاكم (2/ 38 و 43)، والبيهقي (5/ 294) من طريق زيد بن عياش أبو عياش عن سعد.
وزيد هذا ذكره ابن حبان في "الثقات" ووثقه الدارقطني.
قال الحاكم: هذا إسناد صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح خصوصًا في حديث أهل المدينة.
وانظر: "تهذيب السنن"(5/ 32 - 33) لابن القيم.
(1)
رواه البخاري (5426) في (الأطعمة): باب الأكل في إناء مفضّض، و (5632) في (الأشربة): باب الشرب في آنية الذهب، و (5633) في الشرب في آنية الفضة، و (5831) في (اللباس): باب لبس الحرير للرجال، و (5837) في باب افتراش الحرير، ومسلم (2067) في (اللباس والزينة): باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، من حديث حذيفة بن اليمان.
(2)
رواه البخاري (5634) في (الأشربة): باب آنية الفضة، ومسلم (2065) في (اللباس والزينة): باب استعمال أواني الذهب والفضة، من حديث أم سلمة، وانظر تخريجًا مسهبًا له في تعليقي على "الخلافيات"(رقم 100، 101)، وهو عند البخاري دون ذكر الذهب.
(3)
انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(21/ 84)، و"المغني"(1/ 77 - 78)، و"الكافي"(1/ 17 - 18)، و"الإنصاف"(1/ 81 - 82).
والخفين (1)، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النَّهيُ إلى الجباب والدُّلوق والمُبَطَّنات والفَرَاجِي والأقْبِيَة والعرقشينات (2)، وإلى [القبع](3) والطاقية والكوفية والكلوتة والطيلسان والقلنسوة، وإلى الجَوْرَبَيْنِ والجُرْمُوقَيْنِ والزربول ذي الساق، وإلى التُّبَّانِ ونحوه (4).
(1) رواه البخاري (134) في (العلم): باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله، و (366) في (الصلاة): باب الصلاة في القميص، و (1542) في (الحج): باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، و (1838) في جزاء الصيد: باب ما يُنهى من الطيب للمحرم، و (1842) باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، و (5794) في (اللباس): باب لبس القميص، و (5803) باب البرانس، و (5805) باب السراويل، و (5806) باب العمائم، ومسلم (1177) في (الحج): باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، من حديث ابن عمر، ووقع في (ق):"عن لبس المحرم القميص".
(2)
في (ق): "بالسين المهملة".
(3)
في (ق): "القناع".
(4)
انظر: "تهذيب السنن"(2/ 344 - 352) لابن القيم -رحمه اللَّه تعالى-.
وهذا تعريف بأهم الملابس المذكورة عند المصنف:
- (الجباب) جمع (جُبّة)، وهي رداء مفتوح، يوضع فوق الرداء الأول، وهو (القفطان)، وردنا الجبة قصيران بالنسية لردني (القفطان)، وتبطن الجبة في الشتاء، ببطانة من الفرو، انظر:"معجم بأسماء ملابس العرب"(94) لدوزي.
- (المبطنات) جمع (مبطنة) وهو لباس للرجال، وهو عبارة عن ضرب من الأردية يلبس فوق الثياب له بطانة قوية ثخينة.
- (الدّلوق) جبة فراء طويلة الكمين.
- (الفَراجي) جمع (فرجية) نوع من الأقبية، التي تتالف من ثوب واسع له كمان، وفيه شق من خلفه، وهي بهذا تختلف عن (القباء) نفسه، حيث أن الأخير تكون فتحته من الأمام.
و (العرقشينات) هي شبه كلوتة يلبسها البدو، وهي نفس (العرقية السورية)، ولكن (المعرقة) معمولة من وبر الجمل، أفاده صاحب "رحلات في كردستان وبلاد ما بين النهرين"(1/ 228) بواسطة "تكملة المعاجم العربية"(7/ 193)، وانظر بشأن ما سبق "الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي من المصادر التاريخية والأثرية"(ص 290، 278، 280) للدكتور صلاح العُبَيدي.
وأما ملابس الرأس، فهذا تعريف بها أيضًا:
(القلنسوة) لباس الرأس المشتركة بين الرجال والنساء، وهي: ما يلاث على الرأس تكويرًا، كما في "المخصص"(4/ 92).
و (الطاقية) نوع من القلانس، اكتسبتها من شكلها العام الذي يشبه (الطاق).
و (الكوفية) لباس يتخذ للرأس، وصفها دوزي في "معجمه" (315) بقوله: "إنها منديل مربع، يلبس فوق الرأس، وله من الطول ذراع ومثله من العرض، وهو من ألوان مختلفة،=
ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدكم إلى الغَائط فليذهب معه بثلاثة أحجار"(1) فلو ذهب معه بخرقة وتنظِّف (2) أكثرَ من الأحجار أو قطن أو صوف أو خَزٍّ أو نحو ذلك جاز، وليس للشارع غَرضٌ في غير التنظيف (3) والإزالة، فما كان أبلغ في ذلك كان مثل الأحجار في الجواز [بل](4) أولى؛ ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
= ولونه أحمر غامق، أو ضارب إلى الدكنة، أو من اللون الأخضر الزاهي، ومن الأصفر أحيانًا ترقيطات واسعة، وأحيانًا ضيقة وعلى طول النهايتين المتقابلتين لها أهداب كثيرة مؤلفة من شرائط" وزاد:"وتطوى هذه الطرحة -أي المنديل- بصورة منحرفة وتوضع على الطاقية بهيئة تتدلى منها على الظهر الزاويتان المثنيتان، والزاويتان الأخريان على الجهة الأخرى، وهناك قطعة من الصوف أو عمامة (قلت: هي العقال) تلف على العموم حول الطرحة" والظاهر أن اسمها اتخذ نسبة إلى مدينة (الكوفة).
انظر: "الملابس العربية"(136، 147، 153)، "ألبسة على مشجب التراث"(42، 93).
(1)
رواه أحمد في "مسنده"(6/ 108 و 133)، والدارمي (1/ 171 - 172)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 271)، وأبو داود (40) في (الطهارة): باب الاستنجاء بالحجارة، والنسائي (1/ 41 - 42) في (الطهارة): باب الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها، وفي "الكبرى"(1/ 13/ رقم 42)، وأبو يعلى (4376)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 121)، والدارقطني (1/ 54 - 55)، والبيهقي (1/ 103)، و"الخلافيات"(رقم 359 - بتحقيقي)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 310، 311)، والمزي في "تهذيب الكمال"(529/ 27) من طريق مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة به.
قال الدارقطني في "السنن": إسناده صحيح، وكذا نقله الحافظ في "التلخيص" و"التهذيب"(10/ 122) من كتابه (العلل)، لكن محقق "سنن الدارقطني" نقل العبارة عنه:"إسناده حسن".
ونقلها النووي في "المجموع"(93/ 2، 96) عنه هكذا: "إسناده حسن صحيح".
أقول: في تحسين هذا الإسناد نظر؛ لأن مسلم بن قرط هذا ذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 447)، وقال: يخطئ، قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (10/ 121 - 122): هو مقل جدًّا. وإذا كان مع قلة حديثه يخطئ فهو ضعيف، وقال الذهبي في "الكاشف" (رقم 5517): نكرة، وفي "الميزان" (رقم 81503): لا يعرف. وانظر "تهذيب الكمال"(27/ 529).
وهذا الحديث عزاه الحافظ في "التلخيص"(1/ 109) لابن ماجه، وليس هو فيه، وفي الباب عن سلمان، رواه مسلم (262) في (الطهارة): باب الاستطابة وفيه: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار"، وانظر مفصلًا:"نصب الراية"(1/ 214 - 216)، و"الخلافيات"(مسألة رقم 15).
(2)
في (ق): "تنظف".
(3)
في (ق): "التنظف".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "و".
نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبته (1)، ومعلوم أن المفسدة التي نهى عنها في البيع والخطبة موجودة في الإجارة، فلا يحل له أن يُؤجِّر على إجارته، وإنْ قُدِّر دخول الإجارة في لفظ البيع العام، وهو بيع المنافع، فحقيقتها غير حقيقة البيع، وأحكامها غير أحكامه.
ومن ذلك قوله سبحانه في آية التيمم: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]، فألحقت الأمةُ أنواعَ الحدث الأصغر على اختلافها في نقضها بالغائط، والآية لم تنص من أنواع الحدث الأصغر إلا عليه أو على اللَّمْس على قول مَنْ فسَّره بما دون الجماع، وألحقتِ الاحتلامَ بملامسة النساء، وألحقت واجَد ثمن الماء بواجده، وألحقت مَنْ خاف على نفسه أو بهائِمه من العطش إذا توضَّأ بالعادم؛ فجوَّزت له التَّيممَ وهو واجدٌ للماء، وألحقت مَنْ خشيَ المرض من شدة برد الماء (2) بالمريض في العدول عنه إلى البدل؛ وإدخال هذه الأحكام وأمثالها في العمومات المعنوية التي لا يستريب مَنْ له فهمٌ عن اللَّه ورسوله في قَصْدِ عمومها وتعليق الحكم به وكونه متعلقًا بمصلحة العبد أولى من إدخالها في عموماتٍ لفظية بعيدةٍ التناول لها ليست بحرية (3) الفهم مما لا ينكر تناول العمومين لها؛ فمن الناس من يتنبَّه لهذا، ومنهم من يتنبَّه لهذا، ومنهم من يتفطَّن لتناول العمومين لها.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وقاست الأمةُ الرَّهنَ في الحضر على الرهن في السفر، والرهن مع وجود الكاتب على الرهن مع عدمه، فإن استُدل على ذلك بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَه في الحضر (4)؛ فلا عمومَ في ذلك، فإنَّما رهنها على شعير استقرضه من
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
انظر في المسألة "الخلافيات"(2/ 477 رقم 31) وتعليقي عليه.
(3)
أشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة: "تجربة"، وهي كذا في (ك) وسقطت:"لها" من (ك) و (ق)!!
(4)
رواه البخاري (2069) في (البيوع): باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، و (2508) في (الرهن): باب في الرهن في الحضر، من حديث أنس بن مالك.
ورواه البخاري (2068) في (البيوع): باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، و (2096) باب شراء الإمام الحوائج بنفسه، و (2252) في (السلم): باب الرهن في السلم، و (2386) =
يهودي، فلا بُدَّ من القياس إما على الآية وإما على السنة؛ ومن ذلك أن سمرة بن جندب لما باع خمرَ أهلِ الذمة وأخذه في العشور التي عليهم، فبلغ عمر فقال: قاتل اللَّه سمرة، أما علم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لَعَنَ اللَّه اليهود، حُرِّمَتْ عليهم الشحوم فجَمَلوها (1) وباعوها وأكلوا أثمانها"(2) وهذا محض القياس من عمر [رضي الله عنه](3)؛ فإن تحريم الشحوم على اليهود كتحريم الخمر على المسلمين، وكما يحرم ثمن الشحوم المحرَّمة فكذلك يحرم ثمن الخمر الحرام.
ومن ذلك أن الصحابة [رضي الله عنه](4) جعلوا العبد على النصف من الحر في النكاح والطلاق والعِدَّةِ، قياسًا على ما نص اللَّه عليه من قوله:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، قال عبد الرزاق: أنا سفيان بن عُيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن سليمان بن يَسار، عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (4) قال: يَنْكِحُ العبد اثنتين (5).
وقال عبد الرزاق: أنبأنا سفيان الثوري وابن جريج قالا: ثنا جعفر بن
= في الاستقراض: باب من اشترى بالدَّين، وليس عنده ثمنه، و (2509) في (الرهن) باب من رهن درعه، ومسلم (1603 بعد 163) في (المساقاة)؛ باب الرهن وجوازه في السفر والحضر، من حديث عائشة.
(1)
"أذابوها"(و).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع): باب بيع الميتة والأصنام (4/ 424/ رقم 2236)، و (كتاب التفسير):{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} (8/ 295/ رقم 4633)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة): باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (3/ 1207/ رقم 1581) عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.
وحديث عمر، أخرجه البخاري (2223، 3460) ومسلم (1582).
وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب البيوع): باب في ثمن الخمر والميتة، (3/ 280/ رقم 3488)، وأحمد في "المسند"(1/ 242، 293، 322)، والطبراني في "الكبير"(رقم 12887)، وابن حبان في "الصحيح"(11/ 313/ رقم 4938 - الإحسان)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 13 - 14).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 1281 و 7/ 13134) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(9/ 444) -، وأخرجه الشافعي في "مسنده"(2/ 57)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 158 و 425) وإسناده صحيح.
محمد، عن أبيه أن علي بن أبي طالب [كرم اللَّه وجهه في الجنة] (1) قال: ينكحُ العبد اثنتين (2).
وذكر الإمام أحمد عن محمد بن سيرين قال: سأل عمر بن الخطاب الناسَ: كم يتزوج العبد؟ فقال (3) عبد الرحمن بن عوف: "ثنتين، وطلاقه ثنتان"(4)، وهذا كان بمَحْضَر من الصحابة فلم ينكره أحد.
وقال محمد بن عبد السلام الخُشَني (5): حدثنا محمد بن المثنى: ثنا عبد الرحمن بن محمد (6) المحاربي، عن ليث بن أبي سُلَيم، عن عطاء قال: أجمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن العبد لا يجمع بين النساء فوق اثنتين (7).
وروى حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس أن عمر قال: لو استطعت (8) أن أجعل عِدَّةَ الأمَةِ حَيْضَةً ونصفًا لفعلت، فقال رجل: يا أمير المؤمنين فاجعلها شهرًا ونصفًا، فسكت (9).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(13133) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(9/ 444) - ورواه ابن أبي شيبة (3/ 284 - الفكر) والبيهقي 7/ 158 من طريقين عن جعفر به. وإسناده ضعيف محمد هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يدرك عليًا.
(3)
في (ق): "قال".
(4)
رواه عبد الرزاق (13135) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب، وليس فيه:"وطلاقه ثنتان".
وروى ابن أبي شببة (3/ 285)، والبيهقي (7/ 158) من طريقين عن ابن سيرين عن عمر. . . قال: فقام إليه رجل. . . هكذا مبهم وابن سيرين لم يدرك عمر.
ووقع في (ق): "وطلاقه ثنتين".
(5)
قال في هامش (ق): "هو من رهط أبي ثعلبة الخشني".
(6)
في (ق) و (ك): "مخلد".
(7)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(9/ 444) من طريق قاسم بن أصبغ في "مصنفه" قال: نا محمد بن عبد السلام الخشني به، وعنده "من" بدل "بين"، وهذا الأثر وما قبله نقله المصنف من ابن حزم.
وروى هذا الإجماع: ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 285)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 158) عن الليث عن الحكم. وليث بن أبي سُليم ضعيف، ووقع في (ك) اسمه:"ليث بن أبي سليمان".
(8)
في المطبوع: "أستطيع".
(9)
رواه عبد الرزاق (12874) من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن رجل من ثقيف عن عمر. =