الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سَلَفِنا، ولا أدركت أحدًا أقْتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا (1) يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنًا؛ ونتقي هذا (2)، ولا نرى هذا (3). ورواه عنه عتيق بن يعقوب، وزاد: ولا يقولون: حلال ولا حرام، أما سمعت قول اللَّه [-تعالى- {قُلْ] أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59]، الحلالُ، ما أحلّه اللَّه ورسوله، والحرام ما حرمه اللَّه ورسوله (4).
[لفظ الكراهة يطلق على المحرم ودليله، وغلط المتأخرين في ذلك وسببه]
قلت: وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورَّع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فَنَفَى المتأخرون التحريمَ عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سَهُل عليهم لفظ (5) الكراهة وخَفّتْ مؤنته عليهم؛ فحمَله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير [جدًّا](6) في تصرفاتهم؛ فحصل بسببه (7) غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة (8)، و [قد] (9) قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام، ومذهبه تحريمه، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان (10).
(1) في المطبوع: "وما كانوا".
(2)
في المطبوع: "فينبغي هذا".
(3)
علقه عنه ابن عبد البر في "الجامع"(2091)، والقاضي عياض في "ترتيب المدارك"(1/ 145)، والشاطبي في "الموافقات"(5/ 324 - 325 - بتحقيقي).
(4)
تابع لما قبله، وجزء منه، وبدل ما بين المعقوفتين في (ق):"سبحانه".
(5)
في (ن): "أمر".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(7)
في (ن): "بسببهم".
(8)
انظر: "بدائع الفوائد"(4/ 6)، و"المسودة في أصول الفقه" (ص: 529 - 530).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(10)
أخرج مالك في "الموطأ"(2/ 538)، ومن طريقه الشافعي في "الأم"(5/ 3)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 163) عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلًا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمن، فقال عثمان: أحلتها آية، وحَرَّمتها آية، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. . . وإسناده صحيح، ورواه البيهقي من طريق آخر عن ابن شهاب به.
وقال أبو القاسم [عمر بن الحسين] الخِرَقي (1) فيما نقله عن أبي عبد اللَّه: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة (2). ومذهبه أنه لا يجوز، وقال في رواية أبي داود: ويستحب أن لا يدخل الحمام إلا بمئزر (3). وهذا استحبابُ وجوبٍ، وقال في رواية إسحاق بن منصور: إذا كان أكثر مال الرجل حرامًا فلا يعجبني أن يؤكل ماله (4)، وهذا على سبيل التحريم.
وقال في رواية ابنه عبد اللَّه: لا يعجبني أكلُ ما ذُبح للزهرة ولا الكواكب (5) ولا الكنيسة، وكل شيء ذبِح لغير اللَّه، قال اللَّه [عز وجل]:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (6)[المائدة: 3]. فتأمَّل كيف قال: "لا يعجبني" فيما نَصَّ اللَّه [-سبحانه-](7) على تحريمه، واحتج [هو](8) أيضًا بتحريم اللَّه له في كتابه، وقال في رواية الأثرم: أكره لحومَ الجلَّالة وألبانَها (9)، وقد صَرَّح بالتحريم في رواية حَنْبل وغيره، وقال في رواية ابنه عبد اللَّه: أكره [(أكل) لحمِ] الحيَّةِ والعقرب؛ لأن الحية لها ناب والعقرب له حُمة (10)، ولا يختلف مذهبه في تحريمه، وقال في رواية حَرْب: إذا صاد الكلبُ من غير أن
(1) ما بين المعقوفتين من نسخة (و)، وقال في (ح): بالخاء المعجمة، والراء المهملة، شيخ الحنابلة اهـ.
وقال (و): شيخ الحنابلة، وصاحب "المختصر"، كانت له تصانيف كثيرة، أودعها بغداد، وسافر، فاحترقت اهـ.
(2)
انظر: "مختصر الخرقي"(1/ 58/ 87 مع "المغني") لابن قدامة رحمه الله، وفي (ن):"من آنية الذهب والفضة".
(3)
انظر: "مسائل أبي داود"(ص: 20)، وفي المطبوع:"إلا بمئزر له".
(4)
بنصه في "مسائل ابن منصور"(216/ 54).
(5)
وفي (ك) و (ق): "ولا للكواكب ولا للكنيسة".
(6)
تصرف المؤلف رحمه الله في اللفظ شيئًا ما، انظر:"مسائل عبد اللَّه"(226/ 984، 985). وبدل ما بين المعقوفتين في (ق): "سبحانه".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(9)
الجلَّالة: "البقرة تتبع النجاسات"(و).
(10)
انظر: "مسائل عبد اللَّه"(272/ 1017)، وما بين المعقوفتين سقط منها، ولفظ تعليله هناك:"وذلك أن العقرب لها حمة، والحية لها ناب".
وقال (د)، و (ح):"الحمة": كثبة السم، أو الإبرة يضرب بها الزنبور، والحية وغير ذلك، ويلدغ بها، وأصلها: حمو أو حمى، والهاء عوض عن الواو أو عن الياء. اهـ، وبنحو الشطر الأول في (و) و (ط)، وما بين الهلالين سقط من (ق).
يُرْسَل فلا يعجبني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وسَمَّيْتَ"(1) فقد أطلق لفظة: "لا يعجبني" على ما هو حرام عنده، وقال في رواية جعفر بن محمد النَّسائي: لا يعجبني المُكْحُلة والمِرْوَد (2)، يعني من الفضة، وقد صرح بالتحريم في عدة مواضع، وهو مذهبه بلا خلاف؛ وقال جعفر بن محمد -أيضًا-: سمعت أبا عبد اللَّه سُئل عن رجل قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها أو جاريةٍ أشتريها للوَطْء وأنت حية؛ فالجارية حرة والمرأة طالق، قال: إن تزوَّجَ لم آمُرْهُ أن يفارقها، والعتقُ أخشى أن يلزمه؛ لأنه مخالف للطلاق، قيل له: يَهَبُ له رجل جارية، قال: هذا طريق الحيل (3)، وكرهه، مع أن مذهبه تحريم الحِيَلِ وأنها لا تخلِّصُ من الأيمان، ونص على كراهة البطة (4) من جلود الحمر، وقال:[لا](5) تكون ذَكِية، ولا يختلف مذهبه في التحريم، وسئل عن شعر الخنزير، فقال: لا يعجبني، وهذا على التحريم (6)، وقال: يكره القِدُّ (7) من جلود الحمير (8)، ذَكِيًّا وغير ذكي؛ [و](9) لا يكون ذكيًا، وأكرهه لمن يعمل وللمستعمل؛ وسئل عن رجل
(1) رواه البخاري (175) في (الوضوء): باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان، و (2054) في (البيوع): باب تفسير المشبهات، و (5475) في (الذبائح): باب التسمية على الصيد، و (5476) باب صيد المعراض، و (5483): باب إذا أكل الكلب، و (5484) باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، و (5486) باب إذا وجد مع الصيد كلبًا آخر، و (5487) باب ما جاء في التصيّد، و (7397) في (التوحيد): باب السؤال باسماء اللَّه -تعالى- والاستعاذة بها، ومسلم (1929) في الصيد: باب الصيد بالكلاب المعلمة من حديث عدي بن حاتم، وفي الباب عن أبي ثعلبة الخشني، رواه البخاري (5478)، و (5488)، و (5496)، ومسلم (1930).
(2)
المرود -بكسر الميم-: الميل الذي يكتحل به، وحديدة تدور في اللجام، ومحور البكرة إذا كان من حديد، انظر:"لسان العرب"(3/ 1774).
وقال في (ق): "لا تعجبني".
(3)
في المطبوع: "الحيلة".
(4)
"البطة [هي] رأس الخف بلا ساق"(د) و (ط) و (ح) و (و)، وما بين المعقوفتين زيادة الأخيرة عليهم.
(5)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).
(6)
في (ن) و (ك) و (ق): "على سبيل التحريم".
(7)
"القد" -[بالكسر]: السير يقد من جلد غير مدبوغ (و) و (ط) و (ح) و (د)، وما بين المعقوفتين زيادة الأخير عليهم.
(8)
في (ن) و (ق) و (ك): "الحُمُر".
(9)
بدلها في (ن) والمطبوع: "لأنه" وسقطت من (ك) و (ق).