الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة (1)، وقبل خبر تميم وحده وهو خبر عن أمر حسي شاهده ورآه فقبله ورواه عنه (2)، ولا فرق بينه وبين الشهادة؛ فإن كلًا منهما [خبر](3) عن أمر مستند إلى الحِسِّ والمشاهدة، فتميم شهد بما رآه وعاينه، وأخبر به النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فصدَّقه وقَبِل خَبَرَه، فأيُّ فرق بين أن يشهد العدل الواحد على أمر رآه وعَاينه يتعلق بمشهود له وعليه وبين أن يخبر بما رآه وعاينه مما يتعلق بالعموم؟. وقد أجمع المسلمون على قبول أذان المُؤذن الواحد، وهو شهادة منه بدخول الوقت، وخبر عنه يتعلق بالمخبر وغيره، وكذلك أجمعوا على قبول فتوى المفتي الواحد، وهي خبر عن حكم شرعي يعم المستفتي وغيره.
[جانب التحمل غير جانب الثبوت]
وسر المسألة أنه (4) لا يلزم من الأمر بالتعدد في (5) جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد في جانب الحكم والثبوت؛ فالخبر الصادق (6) لا تأتي الشريعة بردِّه أبدًا، وقد ذمَّ اللَّه في كتابه من [كذَّب بالحقِّ، و](7) رَدُّ الخَبرِ الصَّادقِ تكذيبٌ بالحق (8)، وكذلك الدلالة الظاهرة لا ترد إلا بما هو مثلها أو أقوى منها، واللَّه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق، بل أمر بالتثبت والتبين (9)، فإن ظهرت
= (2/ 187) نقلًا عن النسائي زيادةً على ما قال: "إن سماكًا إذا تفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن فيتلَقَّن".
وفي الباب عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال، فرأيتُه فأخبرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصام، وأمر الناس بصيامه، رواه الدارمي (2/ 4)، وأبو داود (2342)، وابن حبان (3447)، والدارقطني (2/ 156)، والحاكم (1/ 423)، والبيهقي (4/ 212) وإسناده صحيح، صححه الدارقطني، والحاكم، وابن حبان، والنووي، والذهبي، وغيرهم.
(1)
رواه البخاري (88) في (العلم): باب الرحلة في المسألة النازلة، وتعليم أهله، و (2052) في (البيوع): باب تفسير المشبهات، و (2640) في (الشهادات): باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء، و (2659) باب شهادة الإماء والعبيد، و (2660) باب شهادة المرضعة، و (5104) في (النكاح): باب شهادة المرضعة، من حديث عقبة بن الحارث.
(2)
هو حديث تميم الداري في قصة الدجال، رواه مسلم (2942) في (الفتن وأشراط الساعة): باب قصة الجَسَّاسة، من حديث فاطمة بنت قيس.
(3)
ما بين المعقوفتين من (ك) وحدها.
(4)
في المطبوع: "أن".
(5)
في (ن): "من".
(6)
في (ق): "فخبر الصادق".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
في (ق): "تكذيبًا بالحق".
(9)
في المطبوع: "بل بالتثبيت والتبيين".
الأدلة على صدقه قُبِل خبرهُ، وإنْ ظهرت الأدلة على كذبه رُد خبره، وإن (1) لم يتبين واحد من الأمرين وُقف خبره؛ وقد قَبِلَ النبي صلى الله عليه وسلم خبر الدليل المشرك الذي استأجره ليدله على طريق المدينة في هجرته لما ظهر له صدقه وأمانته (2)؛ فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الحق، ممن جاء به، من وليٍّ وعدو، وحبيب وبغيض، وبَرٍّ وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنًا من كان، قال عبد اللَّه بن صالح: ثنا الليث بن سَعْد، عن ابن عَجْلان، عن ابن شِهَاب أن معاذ بن جبل كان يقول في مجلسه كل يوم قَلَّما يخطئه أن يقول ذلك:"اللَّه حكم قِسْط (3)، هلك المرتابون، إن وراءكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن، حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي والأسود والأحمر، فيوشك أحدهم أن يقول: [قد] (4) قرأت القرآن، فما أظنُّ أن يتبعوني حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة، وإياكم وزيغة الحكيم؛ فإنَّ الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، وإنَّ المنافق قد يقول كلمة الحق، فتَلَقُّوا الحقَّ عن من جاء به، فإنَّ على الحق نورًا، قالوا: وكيف زَيْغة الحكيم؟ قال: هي الكلمة [تروعكم] (5) وتنكرونها وتقولون: ما هذا؟! فاحذروا زيغته، ولا يصدَّنَّكم عنه، فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق، وإن العلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة"(6).
(1) في (ق): "فإن".
(2)
أخرج خبر الدليل: البخاري (2263) في (الإجارة): باب استئجار المشركين عند الضرورة، و (2264) في باب إذا استأجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيام، و (3905) في (مناقب الأنصار): باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، من حديث عائشة.
(3)
"حكم قسط: حكم عدل (ط)، وقال (ح): "القسط -بالكسر-: العدل، من المصادر الموصوف بها كالعدل، يستوي فيه الواحد والجمع".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(6)
علقه بن عبد البر في "الجامع"(1871) من هذا الطريق، وابن شهاب لم يسمع من معاذ.
وقد روي من طريق الزهري موصولًا، فقد رواه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 232) من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا ابن عجلان، عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني حدثه عن معاذ.
لكن رواه أبو داود (4611) في (السنة) باب لزوم السنة، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 233) -ومن طريقه الذهبي في "السير"(1/ 456) - والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(2/ 321) -ومن طريقهما البيهقي في "المدخل"(834) - والفريابي في "صفة المنافق" =