الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأموال وحدها، فإنه لم يخبر عن شرع عام شَرَعَه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الأموال، وكذلك سائر ما رُوي من حكمه بذلك، إنما هو في قضايا معينة قضى فيها بشاهد ويمين، وهذا كما لا يدل على اختصاص حكمه بتلك القضايا لا يقتضي اختصاص حكمه (1) بالأموال، كما أنه إذا حكم بذلك في الديون لم يدلَّ على أنَّ الأعيان ليست كذلك، بل هذا يحتاج إلى تنقيح المَنَاط، فيُنظر ما حكم لأجله إن وُجد في غير محل حكمه عُدِّيَ إليه.
وفي حديث عَمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أن المرأة إذا أقامت شاهدًا واحدًا على الطلاق، فإن حَلَف الزوج أنه لم يُطلِّق لم يُقضَ عليه، وإن لم يَحْلف حَلَفت المرأة، ويُقضى عليه"(2).
[الاحتجاج بصحيفة عمرو بن شعيب]
وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ولا يُعْرَف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتجَّ بها (3)، وإنما طعن فيها من [لم](4) يتحمَّل (5) أعباء الفقه والفتوى، كأبي حاتم البُسْتي (6) وابن حزم (7) وغيرهما (8)؛ وفي هذه الحكومة أن يُقضى في الطلاق بشاهد وما يقوم
(1) في المطبوع و (ق) و (ك): "لا يقتضي اختصاصه".
(2)
رواه ابن ماجه (2038)، والدارقطني (4/ 64)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 45) من طريق عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن زهير، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب به.
وفيه علل: زهير بن أبي سلمة، قال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام، وزهير بن محمد ثقة لكن في رواية أهل الشام عنه مناكير -وهذه منها-، وابن جريج مدلس، وقد عنعن.
أما البوصيري فقال (1/ 352): "إسناد حسن رجاله ثقات"!.
(3)
انظر تفصيل هذا الاحتجاج في دراسة الأخ أحمد عبد اللَّه أحمد بعنوان: "رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في الكتب التسعة"(ص 63 - 74)، وهي أطروحة للماجستير، مرقومة على الآلة الكاتبة.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (و).
(5)
في (ق) و (ك): "يحتمل".
(6)
انظر له "الثقات"(4/ 357 و 6/ 437)، و"المجروحين"(2/ 71، 73).
(7)
انظر له "المحلى"(8/ 270، 317).
(8)
مثل: الشافعي، فيما نقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 396)، وأيوب السختياني، كما في "الجرح والتعديل"(6/ 238)، و"الضعفاء الكبير"(3/ 273)، وأبو داود السجستاني كما في "السير"(5/ 169)، و"الميزان"(3/ 264)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1767).
مقام شاهد آخر من النكول ويمين المرأة، بخلاف ما إذا أقامت شاهدًا واحدًا وحلف الزوج أنه لم يُطَلِّق، فيمينُ الزوج عارَضَتْ شهادةَ الشاهد، وترجح جانبه بكون الأصل معه؛ وأما إذا نكل الزوج فإنه يُجعل نكوله مع يمين المرأة كشاهد آخر، ولكن هنا لم يُقض بالشاهد ويمين المرأة ابتداءً؛ لأن الرجل أعلم بنفسه هل طلّق أم لا، وهو أحفظ [لما وقع منه](1)، فإذا نكَلَ وقام الشاهد الواحد، وحلفت المرأة كان ذلك دليلًا ظاهرًا [جدًّا](1) على صدق المرأة أفلم يقضي عليه بالنكول وحده، ولا بيمين المرأة، وإنما قضى بالشاهد المقوى بالنكول ويمين المرأة] (2).
فإن قيل: ففي الأموال إذا أقام شاهدًا (3) وحلف (4) المدَّعِي حُكم له، ولا تُعْرَض اليمين على المُدَّعى عليه؛ وفي حديث عمرو بن شعيب:"إذا شهد الشاهد الواحد، وحلف الزوج أنه لم يُطَلِّق لم يُحكم عليه"(5).
قيل: هذا من تمام حكمة هذه الشريعة وجَلالَتها، أن (6) الزوج لما كان أعْلَم بنفسه هل طلَّق أم لا، وكان أحفظ لما وقع منه وأعْقَل له وأعلم بنيَّته، وقد يكون [قد](7) تكلم بلفظ مجمل أو بلفظ يظنه الشاهد طلاقًا وليس بطلاق، والشاهد يشهد بما سمع، والزوج أعلم بقصده ومراده، جعل الشارعُ يمين الزوج معارضةً لشهادة الشاهد الواحد، ويُقويّ جانبه الأصلُ واستصحابُ النكاح، فكان الظن المستفاد من ذلك أقوى من الظن المستفاد من مجرد الشاهد الواحد، فإذا نكَلَ قوي الأصلُ (8) في صدق الشاهد، فقاوم ما في جانب الزوج، فَقوَّاه الشارع بيمين المرأة، فإذا حلفت مع شاهدها ونكول الزوج قوي جانبها جدًّا، فلا شيء أحسن ولا أَبْيَن ولا أَعْدَل من هذه الحكومة، وأما المال المشهود به فإن المُدَّعي إذا قال: أقرضتُه أو بِعْتُه أو أعَرتُه، أو قال: غَصَبني أو نحو ذلك، فهذا الأمر لا يختص بمعرفته المطلوب (9)، ولا يتعلق بن يته وقصده، وليس مع المُدَّعى عليه من شواهد صدقه ما مع الزوج من بقاء عصمة النكاح، وإنما معه مجرد براءة الذمة، وقد عُهد كثرة اشتغالها بالمعاملات، فقويَ الشاهد الواحد والنكول أو يمين
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(2)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).
(3)
في المطبوع: "إذا قام شاهد".
(4)
في (ق): "أو حلف".
(5)
تقدم تخريجه قريبًا.
(6)
في (ك) و (ق): "لأن".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
في (ن) و (ك): "قويَ الأمر".
(9)
في (ن): "فهذا أمر لا يختص بمعرفة المطلوب" ووقع في (ق): "ونحو ذلك فهذا أمر لا يختص بمعرفته".