الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} يعني بالشجرة الطيبة المؤمن، ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء، يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض (1)، وقال عطية العَوْفي في قوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قال: ذلك مثل المؤمن، لا يزال يخرُجُ منه كلامٌ طيب وعمل صالح يصعد إلى اللَّه (2)، وقال الربيع بن أنس:{أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} قال: ذلك المؤمن، ضُرب مثلُه في الإخلاص للَّه وحده وعبادته وَحْدَه لا شريكَ له، أصلها ثابت، قال: أصل عمله ثابت في الأرض، وفرعها في السماء، قال: ذِكرُه في السماء (3)، ولا اختلاف (4) بين القولين.
[من المقصود بالمَثَل؟ وأسرار المَثَل]
فإن المقصود (5) بالمَثَل المؤمن، والنخلة مُشبَّهةٌ به وهو مُشبَّه بها، وإذا كانت النخلة شجرةً طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك، ومن قال من السلف: إنها شجرة في الجنة، فالنخلة من أشرف أشجار الجنة.
[بعض أسرار تشبيه المؤمن بالشجرة]
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به، ويقتضيه علمُ الذي تكلم به وحكمته.
= رقم 131)، و (كتاب الأدب): باب ما لا يستحى من الحق للتفقه في الدين، (10/ 523 - 524/ رقم 6122)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب صفات المنافقين): باب مثل المؤمن مثل النخلة، (4/ 2164 - 2165/ رقم 2811)، وأحمد في "المسند"(2/ 31، 61، 115) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(1)
أخرجه الطبري في "التفسير"(13/ 204)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(7/ 2242، رقم 12250) بهذا الإسناد، ومحمد بن سعد هذا هو ابن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيكون الإسناد هكذا: محمد يروي عن أبيه سعد بن محمد وسعد يرويه عن عمه الحسن بن الحسن بن عطية العوفي والحسن يرويه عن أبيه الحسن بن عطية والحسن يرويه عن أبيه عطية العوفي وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء والمجاهيل!، وعزاه لهما في "الدر المنثور"(4/ 142).
(2)
أخرجه الطبري في "التفسير"(13/ 204) من طريق فضيل بن مرزوق عنه.
(3)
أخرجه الطبري في "التفسير"(13/ 204) من طريق أبي جعفر عنه.
(4)
في (ك) و (ق): "خلاف".
(5)
في المطبوع: "والمقصود" وفي (ك) و (ق): "فالمقصود".
فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق [وساقٍ وفروع](1) وورق وثمر، فكذلك شجرة الإيمان والإسلام؛ ليطابق المُشَبَّه المشبَّه به؛ فعروقها العلم والمعرفة واليقين، وساقها الإخلاص، وفروعُها الأعمال، وثمرتُها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصِّفات الممدوحة والأخلاق الزكيَّة والسَّمْتِ الصالح والهَدْي والدَّلِّ المرضِيِّ، فيُستدل على غَرْسِ هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور، فإذا كان العلمُ صحيحًا مطابقًا لمعلومه الذي أنزل اللَّه كتابه به، والاعتقادُ مطابقًا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسُلُه، والإخلاصُ قائم في القلب، والأعمال موافقة للأمر، والهدْي والدَّلُّ والسَّمْت مُشَابه لهذه الأصول مناسبة (2) لها، عُلِمَ أن شَجرةَ الإيمان في القلب أصلُها ثابت وفرعها في السماء، وإذا كان الأمر بالعكس عُلِم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجْتُثَّتْ من فوق الأرض ما لها من قَرار.
ومنها: أن الشجرة لا تَبْقَى حيةً إلا بمادة تَسْقيها وتُنْميها، فإذا قُطِعَ (3) عنها السقي أوشَكَ (4) أن تيبس، فهكذا شجرة الإسلام في القلب إنْ لم يتعاهَدْهَا صاحبُها بسَقْيِها كلَّ وقت بالعلم النافع (5) والعمل الصالح والعَوْد بالتّذكُّرِ على التَّفكُّر والتَّفكُّر على التذَّكُّر، إلا أوشَكَ (4) أن تَيْبس، وفي "مسند الإمام أحمد" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان يَخْلَقُ في القلب كما يَخْلَقُ الثَّوبُ، فجدِّدُوا إيمانكم"(6)، وبالجملة فالغَرْسُ إن لم يتعاهده صاحبه
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
في (ك) و (ق): "مناسب".
(3)
في (ن): "انقطع".
(4)
لعلها أوشكت.
(5)
في (ق): "بالتذكير على التفكير والتذكر على التفكر وإلا أوشك أن تيبس".
(6)
رواه الحاكم في "مستدركه"(1/ 4) من طريق ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي هانئ الخولاني حميد بن هاني عن أبي عبد الرحمن عن الحبلي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص مرفوعًا، وقال: رواته مصريون ثقاث، ووافقه الذهبي.
قال شيخنا في "اللسلة الصحيحة"(1585): "رجاله كلهم رجال مسلم، غير عبد الرحمن بن ميسرة. . . لم يوثقه أحد غير الحاكم كما رأيت، ولكن روى عنه جمع غير ابن وهب، وقال أبو عمر الكندي: كان فقيهًا عفيفًا. فهو حسن الحديث إن شاء اللَّه تعالى"، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 52)، وقال:"رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن".
وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول اللَّه! كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا اللَّه".
رواه أحمد (2/ 359)، وعبد بن حميد (1422 - "المنتخب")، وابن عدي =
أوشَكَ أن يهلك، ومن هنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر اللَّه به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظَّفَها عليهم (1)، وجعلها مادةً لسَقْي غراس التوحيد الذي غَرَسَه في قلوبهم.
ومنها: أن الغرس والزرع النافع قد أجرى اللَّه [سبحانه](2) العادةَ [أنه](2) لا بُدَّ أن يُخَالطه دَغَل ونَبْتٌ غريب ليس من جنسه، فإنْ تَعَاهده رَبُّه ونَقَّاه وقَلَعه كمل (3) الغرس والزرع، واستوى، وتَمَّ نباتُه، وكان أوْفَرَ لثمرته، وأطيَبَ وأزكى، وإنْ تركه أوشَكَ أن يغلب على الغرس والزرع، ويكون الحكم له، أو يضعف الأصل ويجعل الثمرة ذميمة (4) ناقصة بحسب كثرته وقلَّته، ومَنْ لم يكن له فِقْهُ نفسٍ في هذا ومعرفة به، فاته (5) ربْحٌ كبير (6) وهو لا يشعر؛ فالمؤمن دائمًا سعيُه في شيئين: سَقْي هذه الشجرة، وتنقية ما حولها، [فبسقيها تبقى](7) وتدوم، [وبتنقية ما حولها](8) تكمل (9) وتتم، واللَّه المستعان وعليه التُّكْلَان. [ولا حول ولا قوة إلا به](10).
فهذا بعض ما تَضَمَّنه هذا المثلُ العظيم الجليل من الأسرار والحِكم، ولعلها
= (4/ 1394)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 357) والحاكم (4/ 356)، وابن البناء في "فضل التهليل" (رقم 21) من طريق صدقة بن موسى: حدثنا محمد بن واسع عن شُتير بن نهار عنه به مرفوعًا، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد"، ورده الذهبي بقوله:"صدقة ضعفوه".
أما الهيثمي فقال في "المجمع"(1/ 52): "رواه أحمد وإسناده جيد، وفيه سمير بن نهار، وثقه ابن حبان [4/ 346، 370] "!!! وقال: في موضع آخر (10/ 82)"رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات"!!.
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس رفعه: "جددوا إيمانكم، يقول: لا إله إلا اللَّه، فإنها تطفئ غضب الرب" أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 277 - 278)، وفي إسناده الحسين بن عبد اللَّه بن حمران، قال أبو نعيم:"فيه ضعف"، وساق له خبرًا باطلًا.
(1)
في المطبوع: "عليها"!! ووقع في (ق) بعدها: "مادة تسقي غراس".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(3)
في (ق): "ونفاه وقلعه محمل".
(4)
في (ن) و (ق): "دميمة" بالدال المهملة.
(5)
في المطبوع: "فإنه يفوته".
(6)
في (ق) و (ك): "كثير".
(7)
في (ق): "لتبقى".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك):"وتنقية ما حولها".
(9)
في (ق): "وتكمل".
(10)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).