الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العاقلة" (1) و [إن] (2) كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد (3)، لكن لما تلقتها (4) الكافة عن الكافة غنُوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديثُ معاذ لما احتجوا به جميعًا غَنُوا عن طلب الإسناد له" انتهى كلامه.
وقد جَوَّز النبي [صلى الله عليه وسلم](5) للحاكم أن يَجتَهِدَ رأيهُ وجعل له على خطئِه في اجتهاد الرأي أجرًا واحدًا إذا كان قصدُه معرفة الحقَ وأتباعَهُ (6).
فصل [كان أصحاب النبي يجتهدون ويقيسون]
وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النَّوَازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعضِ، ويعتبرون النَّظيرَ بالنظير.
قال أسد بن موسى: ثنا شعبة، عن زُبيد اليامي (7)، عن طلحة بن
= أما محمد بن عبد الهادي فقال في "التنقيح"(2/ 561): "والذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب حسن بمجموع طرقه، وله أصل، قالوا: حديث حسن يحتج به، لكن في لفظه اختلاف". وصححه ابن السكن -كما في "التلخيص الحبير"(3/ 31) - وابن عبد البر في "التمهيد"(24/ 290).
وقواه شيخنا الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 166).
وقوله في الحديث: "تحالفا أو ترادا"؛ فذكر التحالف فيه لا أصل له؛ كما في "التلخيص الحبير"(3/ 31)، وانظر تعليقي على "الإشراف"(2/ 532 - 534) للقاضي عبد الوهاب وتعليقي على "سنن الدارقطني"(رقم 2816 - 2828).
(1)
هو جزء من حديث رواه البخاري (5758 و 5759 و 5760 و 6740 و 6904 و 6909 و 6910)، ومسلم (1681 بعد 34 و 35 و 36) من حديث أبي هريرة.
ورواه البخاري (6905 و 6906 و 6907 و 6908 و 7317 و 7318)، ومسلم (1682 بعد 37 و 38) من حديث المغيرة بن شعبة.
وفيه كذلك: "فقضى على عاقلتها بالدية".
و"العاقلة": هي العصبة والأقارب من الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة. (و).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
ثبت بعضها، ولبعضها شواهد في "الصحيحين"؛ كما قدمناه، واللَّه الموفق.
(4)
في (ك): "نقلها" وفي (ق): "نقلتها".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
ورد في "الصحيحين" عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ؛ فله أجر".
أخرجه البخاري (برقم 7352)، ومسلم (رقم 1716).
(7)
"يقال: الإيامي -أيضًا-؛ كما في "خلاصة التذهيب"، و"لباب الأنساب" (و).
مُصَرِّف (1)، عن مرَّة [الطَّيَّب](2)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3):"كلُّ قومٍ على بينة [من أمرهم] ومصلحة من أنفسهم يُزرُون (4) على مَن سواهم، ويُعرفَ الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب"(5)، وقد رَوَاه الخطيبُ وغيره مرفوعًا، ورفعهُ غير صحيح.
وقد اجتهد الصحابةُ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنِّفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يُصفوا العصر في بني قريظة (6)، فاجتهد بعضُهم وصلَّاها في الطَّريق، وقال: لم يُرِدْ منا التأخير، وإنما أراد سُرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخّرُوها إلى بني قريظة فَصَلّوْها ليلًا، نَظَروا إلى اللفظ، وأولئك (7) سَلَفُ أهل الظاهر، وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس (8).
ولمّا كان علي [رضي الله عنه](9) باليمين أتاه ثلاثة نفرٍ يختصمون في غلَامٍ، فقال
(1) في (ق) و (ك): "مطرف".
(2)
وقع في النسخ المطبوعة: "الطبيب"، وهو خطأ، والتصويب من (ن) و (ك) و (ق)، واسمه:"مرة بن شرحبيل الهمداني الطيب"؛ كما في كتب الرجال.
(3)
ساقطه في (ك) و (ق) بدلها في (د): "كرم اللَّه وجهه في الجنة".
(4)
"يزرون": أي: يحملون، والمراد: يقيسون، وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة:"ويعرفون"، وفي (ك):"يرون"، وما بين المعقوفتين سقط في (ك) و (ق).
(5)
رواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 191) من طريق الأزدي، عن علي بن إبراهيم بن الهيثم، عن أحمد بن محمد الكندي، عن أسد بن موسى، عن شعبة، عن زبيد اليامي، عن طلحة بن مُصرِّف، عن مرة، عن علي مرفوعًا به.
أقول: فيه علي بن إبراهيم بن الهيثم ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 238)، ثم ذكر له حديثًا وقال:"هذا الحديث منكر جدًّا ورجال إسناده كلهم مشهورون بالثقة سوى أبي الحسن البلدي"، (وهو علي هذا)؛ لذلك قال الذهبي في "الميزان": اتهمه الخطيب. ولم أجده موقوفًا.
(6)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الخوف): باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء (2/ 436/ 946، وكتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، 7/ 407 - 408/ رقم 4119)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الجهاد والسير): باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين (3/ 1391/ رقم 1770)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظ مسلم:"أن لا يصلين أحدٌ الظهر. . . ".
وانظر في فقه الحديث تعليقنا على "الموافقات"(3/ 407 - 409)، فإنه هام.
(7)
في (ك) و (ق): "وهؤلاء".
(8)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 72 - 73)، و"مدارج السالكين"(1/ 385 - 386).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
كلٌّ منهم: هو ابني، فأقرع علي بينهم، فجعل الولد للقارع (1)، وجعل عليه للرجلين ثلثي الدية، فبَلَغَ النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نوَاجِذُه من قضاء علي [رضي الله عنه](2).
واجتهد سعد بن معاذ في بني قُرَيظة وحكم فيهم باجتهاده، فصوَّبه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"لَقَدْ حَكَمتَ فيهم بحكم اللَّه من فوق سبع سموات"(3).
واجتهد الصحابيان اللذان خَرَجا في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماءٌ فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فَأعاد أحدُهما ولم يعد الآخر، فصوَّبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للذي لم يعد:"أصَبْتَ السنةَ، وأجزأتْكَ صلاتك" وقال للآخر: "لك الأجْرُ مرتين"(4).
(1)"القارع": أصله الذي غلب في المقارعة، وأراد الذي خرجت له القرعة. (د)، ونحوه باختصار في (ط).
(2)
سيأتي تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
رواه البخاري (3043) في (الجهاد): باب إذا نزل العدو على حكم رجل، و (3804) في (مناقب الأنصار): باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، و (4121) في (المغازي): باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، و (6262) في (الاستئذان): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم"، ومسلم (1768) في (الجهاد): باب جواز قتال من نقض العهد، من حديث أبي سعيد الخدري.
قال (و): "الذي يوازن بين حكم سعد وبين ما في (الإصحاح المتمم العشرين) من (سفر التثنية) أحد أسفار اليهود، أو العهد القديم، أو كما يقولون: التوراة، يجد حكم سعد مطابقًا كل المطابقة له، أفكان سعد رضي الله عنه على بينة منه؟ يجوز؛ فقد كان رضي الله عنه يعلم شرعتهم في الحرب، فحكم بنفس ما كانوا يدينون ويحكمون به في شرعتهم، وتصويب الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد في حكمه يدل على أن ذلك كان حكم اللَّه في شريعة بني إسرائيل، فلتراجع من أول الفقرة (10 إلى الفقرة 20) من الاصحاح المتمم العشرين) من سفر التثنية، ولقد أشرت إلى هذا في تعليقاتي على "الروض الأنف" الذي أخرجته دار الكتب الحديثة" اهـ.
قلت: والكلام المشار إليه في التوراة -آنفًا- هو في كتابهم "الكتاب المقدس"(ص 215 - ط: المطبعة الأميركانية في بيروت سنة 1913)، ونصه الآتي:"حين تقترب من مدينة كي تحاربها فاستدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح، وفتحت لك؛ فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك، إن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا؛ فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك؛ فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها؛ فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا نفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا".
(4)
رواه الدارمي (1/ 190)، وأبو داود (338) في (الطهارة): باب في المتيمم يجد الماء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بعدما يصلي في الوقت، والنسائي في (الغسل): باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة (1/ 213)، والدارقطني (1/ 189)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 178)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(1/ 231) من طريق عبد اللَّه بن نافع، عن الليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، به.
وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ لذلك قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين فإن عبد اللَّه بن نافع ثقة.
لكن أعله غير واحد؛ فقال أبو داود بعد إخراجه: وكير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود: وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وهو مرسل.
وقد أعله -أيضًا- النسائي، والدارقطني حيث قال بعد روايته: وخالفه ابن المبارك وغيره؛ ثم رواه من طريق ابن المبارك عن ليث عن بكر عن عطاء مرسلًا.
أقول: والطريق الذي ذكره أبو داود رواه الحاكم (1/ 179)، والبيهقي (1/ 231) من طريق يحيى بن بكير عن الليث بن سعد.
ويحيى بن بكير هذا من ثقات أصحاب الليث، وأما عبد اللَّه بن نافع الذي عليه مدار الحديث فهو عبد اللَّه بن نافع الصائغ، وقد تكلم في حفظه غير واحد منهم أحمد، وأبو حاتم، والبخاري، وابن حبان، وقد خالفه فيما وقفنا عليه اثنان يحيى بن بكير، وابن المبارك، وهما أوثق منه بدرجات.
ثم وجدت ابن القطان يفيد في "الوهم والإيهام"(2/ 432 - 434 رقم 440) أن الذي أسنده أسقط في الإسناد رجلًا، وهو عميرة فيصير منقطعًا، والذي يرسله فيه مع الإرسال عميرة، وهو مجهول الحال، لكن رواه أبو علي بن السكن: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الواسطي حدثنا عباس بن محمد حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبي سعيد. . . قال: فوصله ما بين الليث وبكر بعمرو بن الحارث وهو ثقة. وقد ذكر نحو كلامه هذا الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 160) وابن حجر في "التلخيص"(1/ 155).
أقول: لكن رواه النسائي في "سننه"(1/ 213) من طريق سويد بن نصر (وهو راوية ابن المبارك) عن ابن المبارك عن الليث عن عميرة عن بكر عن عطاء مرسلًا!
وعميرة بن أبي ناجية هذا ليس مجهولًا؛ كما قال ابن القطان بل وثقه النسائي وابن حبان؛ لكن رجع الحديث إلى الإرسال؛ فينظر في رواية ابن السكن تلك.
قال البيهقي: وفيه اختلاف ثالث؛ ثم رواه من طريق أبي داود، وهذا في "سننه" (339) عن القعنبي عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد اللَّه مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار مرسلًا. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (2/ 434) بعد هذا الطريق:"أليس هذا يعطي انقطاعًا آخر فيما بين بكر وعطاء برجل مجهول، وهو أبو عبد اللَّه مولى إسماعيل؟ قلنا: هذا لا يلتفت إليه لضعف رواية ابن لهيعة".
ولما قاس مُجزَّز المدلجي وقافَ (1)، وحكم بقياسه وقيافته على أنَّ أقدام زيدٍ وأسامة ابنه بعضها من بعض سُرَّ بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى برقت أساربرُ وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق (2)، وكان زيدٌ أبيضَ وابنه أسامة أسود، فأَلحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله، وألغى وصفَ السواد والبياض الذي لا تأثيرَ له في الحكم.
وقد تقدّم قولُ الصديق [رضي الله عنه] في الكلالة: "أقولُ فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللَّه، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد"(3) فلما اسْتُخْلِف عمر قال: "إني لأستحي من اللَّه أن أردَّ شيئًا قاله أبو بكر"(4) وقال الشعبي، عن شُريح قال: قال لي عمر: اقضِ بما استبانَ لك من كتاب اللَّه، فإنْ لم تعلم كلَّ كتاب اللَّه فاقض بما استبان لك من قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فإنْ لم تعلم كلَّ أقْضِيَةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاقْضِ بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإنْ لم تعلم كل ما قَضَتْ به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك، واستشرْ أهل العلم والصلاح (5). وقد اجتهد ابن مسعود في المفَوِّضة وقال: أقول فيها برأيي (6)، ووفقه اللَّه للصواب، وقال سفيان، عن (7) عبد الرحمن الأصبهاني، عن عكرمة
(1)"القائف": الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل باخيه وأبيه، يقال: قاف فلان يقوف. (و).
(2)
سيأتي تخريجه.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 304 رقم 19191)، وابن أبي شيبة (11/ 415 - 416) في "مصنفيهما"، والدارمي (2/ 365)، وسعيد بن منصور (3/ 1185 رقم 591)، والبيهقي (6/ 224)، وابن جرير في "التفسير"(4/ 283، 284) من طريق عاصم بن سليمان الأحول عن الشعبي به.
وأورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 911/ رقم 1712) عن ابن مسعود، ولم يسنده، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
قاله في تفسير أبي بكر للكلالة الذي تقدم: رواه الدارمي في "سننه"(2/ 365)، وابن جرير في "التفسير"(4/ 284).
(5)
وجدت قريبًا من هذا اللفظ ما رواه النسائي (8/ 231)، وابن أبي شيبة (7/ 240)، والدارمي (1/ 60)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 99)، وابن عبد البر (1595 و 1596)، ووكيع في "أخبار القضاة"(2/ 189 - 190، 190) والبيهقي (10/ 115)، وابن حزم في "الإحكام"(5/ 206) من طرق عن الشعبي به، وإسناده صحيح.
ووقع في (ك): "كل قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في (ق) و (ك): "بن".