الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر: 15]] (1)، وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا]} (2)[الشورى: 52]؛ فجعل وحيه روحًا ونورًا، فمن لم يُحيه بهذا (3) الروح فهو ميت، ومن لم يجعل له نورًا فهو في الظلمات ما له من نور (4).
فصل [تمثيل الكفار بالأنعام]
ومنها قوله: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 44]؛ فشَبَّه أكثر الناس بالأنعام، والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له، وجعل الأكثرين أضل سبيلًا من الأنعام؛ لأن البهيمة يهديها سائقُها فتهتدي وتتبع الطَّريقَ، فلا تحيد عنها يمينًا ولا شمالًا، والأكثرون يدعوهم الرسلُ (5) ويهدونهم السَّبيلَ فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرُّهم وبين ما ينفعهم، والأنعام تُفَرِّق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه وما ينفعها فتؤثره، واللَّه تعالى لم يخلق للأنعام قلوبًا تعقل بها، ولا ألسنةً تنطق بها، وأعطى اللَّه ذلك لهؤلاء، ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار، فهم أضلُّ من البهائم، فإنَّ من لا يهتدي (6) إلى الرُّشْدِ وإلى الطريق -مع الدليل إليه- أضلُّ وأسوأ حالًا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه.
فصل [ضرب لكم مثلًا من أنفسكم]
ومنها قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الآية".
(3)
في (ك): "هذه".
(4)
أسهب ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآيات هنا، وكذلك في كتابه الفذ "اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص 6 - 12) فراجعه؛ وانظر له -أيضًا- "الجواب الكافي"(ص 269)، و"مفتاح دار السعادة" (ص 59). ووقع في (ق):" {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} ".
(5)
في (ن) و (ق) و (ك): "يدعونهم الرسل".
(6)
في (ق): "فإن من لم يهتد".
مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ](1) كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)} [الروم: 28]، وهذا دليل قياس (2) احتج اللَّه سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عَبيده ومُلْكه شركاء، فأقام عليهم حُجة يعرفون صحتها من نفوسهم، لا (3) يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحِجَاج أن يُؤخذ (4) الإنسان من نفسه، ويُحتج عليه بما هو في نفسه، مُقَرَّرٌ عندها، معلومٌ لها، فقال: هل لكم مما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائِكم شُركاءَ في المال والأهل؟ أي: هل يُشارككم عَبيدُكُم في أَموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء تخافون أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها، ويستأثرون ببعضها عليكم، كما يخافُ الشَّريكُ شَريكَه؟ وقال (5) ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضُكم بعضًا (6)، والمعنى هل يرضى أحد منكم أن يكون عبدُه شَريكَه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو (7) يخاف أن ينفرد في ماله بأمرٍ يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشُّركاءِ الأَحرار؟ فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي؟ فإن كان هذا الحكم باطلًا في فطركم وعقولكم -مع أنه جائز عليكم ممن في حقكم؛ إذ ليس عبيدكم ملكًا لكم حقيقة، وإنما هم إخوانكم جعلهم اللَّه تحت أيديكم، وأنتم وهم عبيد لي (8) - فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي، مع أنّ مَنْ جعلتموهم (9) لي شُركاءَ عَبيدي ومُلْكي وخَلْقي؟ فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول (10).
(1) بدلها في (ق): "إلى قوله".
(2)
في (ق): "دليل قياسي" وسقطت لفظة "سبحانه" من (ق).
(3)
في (ك) و (ق): "ولا".
(4)
في المطبوع و (ك): "يأخذ".
(5)
في (ق): "قال".
(6)
أخرجه الطبري في "التفسير"(21/ 39)، قال: حُدِّثْتُ عن حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه راو مبهم. ولم يعزه في "الدر المنثور"(6/ 492) إلا لابن جرير.
(7)
في (ق): "فهل".
(8)
في (ك): "عبيدي".
(9)
في (ق): "جعلتموه".
(10)
انظر تفسير ابن القيم رحمه الله لهذه الآيات -أيضًا- في "الجواب الكافي"(ص 207)، و"مدارج السالكين"(1/ 240).