الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[نصاب الشهادة في القرآن]
وقد ذكر اللَّه [سبحانه](1) نصاب الشهادة في القرآن في خمسة مواضع؛ فذكر نصاب شهادة الزنا أربعة في سورة النساء وسورة النور، وأما في غير الزنا فذكر شهادة الرجلين، والرجل والمرأتين في الأموال؛ فقال في آية الدَّيْن:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]، فهذا في التحمل والوثيقة التي يحفظ بها صاحب المال حَقَّه، لا في طريق الحكم وما (2) يحكم به الحاكم؛ فإن هذا شيءٌ وهذا شيءٌ، وأمر في الرجعة بشاهدين عَدْلين، وأمر في الشهادة على الوصية في السفر [باستشهاد عدلين من المسلمين أو آخرين (3) من غيرهم، وغير المؤمنين هم الكفار، والآية صريحةٌ في قبول شهادة الكافرين على الوصية في السفر](4) عند عدم الشاهدين المسلمين، وقد حكم بها (5) النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده ولم يجئ بعدها ما يَنْسَخُها، فإن المائدة من آخر القرآن نزولًا، وليس فيها منسوخ، وليس لهذه الآية مُعَارِضٌ ألبتة، ولا يصح أن يكون المراد بقوله:{مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير قبيلتكم، فإن اللَّه [سبحانه] (1) خاطب بها المؤمنين كافة بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106][ولم يخاطب بذلك قبيلة معينة حتى يكون قوله: "من غيركم"](6) أيتها القبيلة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَفْهَم هذا من الآية بل إنما فهم [منها](7) ما هي صريحة فيه، وكذلك أصحابه (8) من بعده، وهو سبحانه ذَكَر ما تُحفظ به الحقوق من الشهود، ولم يذكر أن الحكام [لا يحكمون](9) إلا بذلك، فليس في القرآن نَفْي الحكم بشاهد ويمين (10)، ولا بالنُّكُولِ ولا باليمين المردودة، ولا بأَيْمان القَسَامة، ولا بأَيْمان اللِّعان، وغير ذلك مما يُبيّن الحق ويُظهره ويدل عليه.
وقد أجمع (11) المسلمون على أنه يقبل في الأموال رجل وامرأتان، وكذلك
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ك): "ولا ما".
(3)
في (ق): "آخران".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
في المطبوع: "وقد حكم به" وفي (ق): "بشاهدين من غير المسلمين وقد حكم بها".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(8)
في (ك): "الصحابة".
(9)
في (ك): "لم يحكموا".
(10)
في (ق) و (ك): "بالشاهد واليمين".
(11)
في المطبوع و (ن) و (ك): "وقد اتفق".
توابعها من البيع، [والأجل فيه](1) والخِيار فيه، والرَّهْن، والوصية للمُعَيَّن، وهبته، والوقف عليه، وضمان المال وإتلافه، ودَعْوى رق مجهول النسب، وتسمية المهر، وتسمية عِوَض الخلع، و [يقبل في ذلك (كله) رجل وامرأتان](2).
وتنازعوا في العتق، والوكالة في المال، والإيصاء إليه [فيه](3)، ودعوى قَتْل الكافر لاستحقاق سَلَبه، ودَعْوى الأسير الإسلامَ [السابق](4) لمنع رقه، وجناية الخطأ والعَمْد التي لا قَوَد فيها، والنكاح، والرَّجْعة، هل يقبل فيها رجل وامرأتان أم لا بد من رجلين؟ (5) على قولين، وهما روايتان عن أحمد، فالأول قولُ أبي حنيفة، والثاني قول مالك والشافعي، والذين قالوا لا يقبل إلا رجلان قالوا: إنما ذكر اللَّه الرجل والمرأتين في الأموال، دون الرجعة والوصية وما معهما، [فقال لهم الآخرون] (6): ولم يذكر [سبحانه](3) وصف الإيمان (7) في الرَّقبة إلا في كفارة القَتْل، ولم يذكر فيها إطعام ستين مسكينًا، وقلتم: نحمل (8) المطلق على المقيد إما بيانًا وإما قياسًا، وقالوا أيضًا (9): فإنه سبحانه إنما قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2][وفي الآية الأخرى](10): {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] بخلاف آية الدَّيْن فإنه قال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وفي الموضعين الآخرين لمّا لم يَقُل: {رَجُلَانِ} لم يَقُل: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} .
[فإن قيل: اللفظ مذكر؛ فلا يتناول الإناث](11).
قيل: قد استقرَّ في عُرْف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكَّرين إذا أُطْلِقَت ولم تقترن بالمؤنث فإنها تتناول (12) الرجال والنساء؛ لأنه يُغلَّب المذكر عند الاجتماع كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقوله: {وَلَا
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق) و (ك).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "الإيصال"، وما بين الهلالين سقط من المطبوع.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(5)
انظر: "الطرق الحكمية"(ص 149، 159، 161 - 170 الطريق الثامن).
(6)
في (ق): "وقال الآخرون".
(7)
في (ق) بعدها: "إلا".
(8)
في (ك): "يُحمل".
(9)
في (ق): "قالا وأيضًا".
(10)
في (ق): "وقال".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(12)
في (ق): "فإنه يتناول".
يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (1)} [البقرة: 183] وأمثال ذلك، وعلى هذا فقوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] يتناول الصنفين، لكن قد استقرت (2) الشريعة على أن شهادة المرأة نصفُ شهادة الرجل، فالمرأتان في الشهادة كالرجل الواحد، بل هذا أولى؛ فإن حضور النساء عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق بالديون، [وكذلك حضورهن عند الوصية وقت الموت](3)، فإذا جَوَّز الشارعُ استشهاد النساء في وثائق الديون (4) التي يكتبها الرجال مع أنها إنما تكتب غالبًا في مَجَامع الرجال فلأن يسوغ (5) ذلك فيما تشهده (6) النساء كثيرًا كالوصية والرَّجْعَة أولى.
يوضِّحه: أنه قد شَرَعَ في الوصية استشهادَ آخرين من غير المسلمين عند الحاجة؛ فلأن يجوز استشهاد رجل وامرأتين بطريق الأولى والأحرى، بخلاف الديون فإنه لم يامر فيها باستشهاد آخرين من غيرنا؛ إذ كانت (7) مُدَاينة المسلمين تكون بينهم وشهودهم حاضرون، والوصية في السفر قد لا يشهدها إلا أهل الذمة، وكذلك الميت قد لا يَشهَدُه إلا النساء. وأيضًا فإنما أمر في الرَّجْعَة باستشهاد ذَوَي عَدْلٍ؛ لأن المستشهد هو المشهود عليه بالرجعة، وهو الزوج؛ لئلا يكتمها، فأمر بأن يستشهد أكمل النصاب، ولا يلزم إذا لم يشهد (8) هذا الأكمل أن لا (9) يقبل عليه شهادة النصاب الأنقص، فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق (10)، وقد أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الملتقطَ أن يُشهد عليه ذَوَي عدل، ولا يكتم، ولا يغيب (11)، ولو شهد عليه باللقطة رجل وامرأتان قُبِلتْ بالاتفاق، بل يحكم عليه بمجرد وصف صاحبها لها.
(1) في (ق) بعدها: "كما كُتب على الذين من قبلكم".
(2)
في (ق): "استقر في".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في (ن) و (ك) و (ق): "الدين".
(5)
في (ق) و (ن) و (ك): "يشرع".
(6)
في (ق): "يشهده".
(7)
في (ق): "إذا كانت".
(8)
في (ن): "يستشهد".
(9)
في (ق): "ألّا".
(10)
انظر: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية"(ص 67، 161)، و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (5/ 54 مسألة 1817) وتعليقي عليه.
(11)
رواه أحمد (4/ 161 - 162)، و"الطيالسي"(رقم 1801)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 456)، وأبو داود (1709) في (اللقطة)، وابن ماجة (2505) في (اللقطة): باب اللقطة، والطبراني في "الكبير"(17/ 985، 986، 988، 989)، وابن حبان في "صحيحه"(رقم 4894 "الإحسان")، والبيهقي (6/ 187 و 193)، والنسائي في "الكبرى" =
وقال تعالى في شهادة المال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وقال في الوصية والرَّجْعَة: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لأن المستشهد [هناك صاحب الحق فهو يأتي بمن يرضاه لحفظ حقه، فإن لم يكن عدلًا كان هو المضيَّع لحقه، وهذا المستشهد يستشهد](1) بحق ثابت عنده، فلا يكفي رضاه به، بل لا بُدَّ أن يكون عَدْلًا في نفسه، وأيضًا فإن اللَّه سبحانه [وتعالى] (1) قال هناك:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] لأن صاحب الحق هو الذي يحفظ [حقه فيحفظه](2) بمن يرضاه، وإذا قال مَنْ عليه الحق: أنا راض (3) بشهادة هذا عليَّ، ففي قَبُوله نزاع، والآية تدل على أنه يقبل، بخلاف الرجعة والطلاق فإن فيهما حقًا للَّه، وكذلك الوصية فيها حقٌّ لغائب.
ومما يوضح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة: " [أليست] (1) شهادتها نصف شهادة الرجل؟ "(4) فأطلق ولم يقيد، ويوضحه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمُدَّعي لمَّا قال: هذا غَصَبني أرضي، فقال:"شَاهِداكَ أو يَمينه"(5)، وقد عَرَف أنه لو أتى برجل وامرأتين حكم له، فعلم أن هذا يقوم مقام الشاهدين، وأن قوله: "شاهداك
= (رقم 5808/ 1)(اللقطة): باب الإشهاد على كتاب اللقطة. وابن الجارود (رقم 671) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 136)، و"شرح مشكل الآثار"(رقم 4916)، كلهم من طريق يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير، عن أخيه مُطَرِّف، عن عياض بن حمار، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ثم لا يغيّره ولا يكتم، فإن جاء ربها فهو أحق بها وإلا فهو مال اللَّه يؤتيه من يشاء"، وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات من رجال الصحيح.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ماله".
(3)
في (ن): "أنا أرض" وفي (ق): "أنا أرضى".
(4)
هو جزء من حديث رواه مطولًا: البخاري في (الحيض): باب ترك الحائض الصوم رقم (304)، وفي (الشهادات): باب شهادة النساء (2658)، ومسلم في (الإيمان) باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (80)، وابن حبان في "صحيحه"(5744)، والبيهقي في "سننه الكبرى" (1/ 308 و 4/ 235 - 236) من حديث أبي سعيد الخدري. ووقع في (ن):"أليست شهادتها نصف الرجل".
(5)
رواه البخاري (2357) في (المساقاة): باب الخصومة في البئر، و (2516) باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، و (2670) في (الشهادات): باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود، و (4550) في (التفسير): باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .} ، ومسلم (138) (221) في (الأيمان): باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، من حديث الأشعث بن قيس.
أو يمينه" إشارة إلى الحجة الشرعية (1) التي شعارها الشاهدان، فإما أن يُقال: لفظ "شاهدان" معناه دَليلان يَشْهدان، وإما أن يُقال: رجلان أو ما يقوم مقامهما والمرأتان دليل بمنزلة الشاهد.
يوضحه أيضًا: أنه لو لم يأت المُدَّعي بحجة حَلَف المُدَّعى عليه، فيمينهُ كشهادة آخر (2)؛ فصار معه دليلان شاهدان، أحدهما: البراءة، والثاني: اليمين، وإن نَكَل (3) عن اليمين فمن قضى عليه بالنُّكُول؛ قال: النكول إقرار أو بدل (4)، وهذا جيد إذا كان المدعَّى عليه هو الذي يعرف الحق دون المدَّعي، [كما] (5) قال عثمان لابن عمر: تحلف أنك بعته وما به عَيْب تعلمه، فلما لم يحلف قَضَى عليه (6)، وأما الأكثرون فيقولون: إذا نكل [تُرد اليمين](7) على المُدَّعي فيكون نكول الناكل دليلًا (8)، ويمين المُدَّعي دليلًا ثانيًا، فصار الحكم بدليلين: شاهد ويمين، والشارع إنما جعل الحكم في الخصومة بشاهدين؛ لأنَّ المُدَّعي لا يحكم له بمجرد قوله، والخصم منكر، وقد يحلف أيضًا، فكان أحدُ الشاهدين يقاومُ
(1) في (ن): "إشارة إلى حجة الشريعة التي. . ."، وفي (ق):"إلى أن الحجة الشرعية. . ." دون "إشارة"، واحتملها في الهامش.
(2)
في (ن) و (ق): "بيمينه كشاهد آخر".
(3)
في "الصحاح": "نكل عن العدو، وعن اليمين ينكل بالضم: أي جبن"، وفي "القاموس":"نكل عنه -كضرب، ونصر، وعلم- نكولًا نكص وجبن". اهـ. (د) و (ح)، وفي (طـ) باخنصار. وانظر في الحكم بالنكول:"الإشراف"(5/ 47 مسألة 1810، 1811 - بتحقيقي)، و"الذخيرة"(11/ 58)، و"روضة الطالبين"(11/ 20)، و"حلية العلماء"، (8/ 283). و"مختصر الخلافيات" (5/ 172) ووقع في (ق):"فإن نكل".
(4)
في (ن): "إقرار وبدل"، وفي (ق) و (ك):"إقرار أو بذل".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(6)
أخرجه مالك في "الموطأ"(3/ 612)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 330)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 163)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 328)، و"المعرفة"(8/ 132) و"السنن الصغير"(2/ 264)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 42). من طريق يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر باع غلامه بثمان مئة درهم وباعه بالبراءة -فذكر قصةً وفيها قول عثمان هذا وصورته صورة الإرسال لأن سالمًا لم يدرك القصة إلا أن يكون أخذها عن أبيه.
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "فرد" وفي (ك): "فرد اليمين" وفي (ق): "ردت اليمين".
(8)
في (ق) و (ك): "فيكون نكوله إن نكل دليلًا".
الخصم المنكر؛ فإن إنكاره ويمينه كشاهد، ويبقى الشاهد الآخر خبرَ عدلٍ لا مُعارضَ له؛ فهو حجة شرعية لا معارض لها.
وفي (1) الرواية إنما يُقْبَل خبر الواحد إذا لم يعارضه أقْوَى منه، فاطَّرد القياس والاعتبار في الحكم والرواية.
يوضحه أيضًا: أن [المقصود](2) بالشهادة أن يُعلم بها ثبوت المَشْهودِ به، وأنه حقٌّ وصدق، فإنها خبر عنه، وهذا لا يختلف بكون المشهود به مالًا، أو طلاقًا، أو عتقًا، أو وصية، بل من صُدِّق في هذا صُدِّق في هذا، فإذا (3) كان الرجل مع المرأتين كالرجلين يُصدَّقان في الأموال، فكذلك صِدْقهما في هذا؛ وقد ذكر اللَّه [سبحانه] حكمة تَعَدُّد الأنثيين (4) في الشهادة، وهي أن المرأة قد تنسى الشهادة وتضل عنها فتذكِّرَها الأخرى، ومعلوم أن تذكيرها لها بالرجعة (5) والطلاق والوصية مثل تذكيرها لها بالدَّين وأولى، وهو سبحانه أمر بإشهاد امرأتين لتوكيد الحفظ؛ لأن عَقْلَ المرأتين وحفظهما يقوم مقام عقل رجل وحفظه، ولهذا جعلت على النصف من الرجل في الميراث والدِّية والعقيقة والعِتْق؛ فعتق امرأتين يقوم مقام عتق رجل، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أعْتَقَ أمرأً مسلمًا أعتَقَ اللَّه بكل عضوٍ منه عضوًا [منه] (6) من النار، ومن أعتق امرأتين مسلمتين أعتَقَ اللَّه بكل عضو منهما عضوًا [منه] (7) من النار"(8) ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدُّد هي
(1) في (ك): "وقال في".
(2)
في (د): "المقصوء" ولعله خطأ مطبعي.
(3)
في (ق): "لماذا".
(4)
في المطبوع و (ن): "الاثنين" وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ن): "أن تذكرها الرجعة" وفي (ك): "أن تذكرها بالرجعة" وفي (ق): "أن تذكيرها بالرجعة".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(8)
رواه أبو داود الطيالسي (1197)، وأحمد في "مسنده"(4/ 235)، وأبو داود (3967) في (العتق): باب أي الرقاب أفضل؟ وابن ماجه (2522) في (العتق): باب العتق، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1408)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(725 و 726)، والطبراني في "الكبير"(20/ 755 و 756)، والبيهقي (10/ 272) من طرق عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شُرحبيل بن السِّمْط قال: قلنا لكعب بن مرة. . فذكره وفيه زيادة.
قال أبو داود بعده: سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفين.
أقول: سالم بن أبي الجعد مات في حدود المئة، وقد ذكروا أنه لم يسمع من جماعة من الصحابة ممن مات بعد شرحبيل بن السمط، فهو لم يسمع من عائشة، وأم سلمة. =
عند التحمل (1)، فأما إذا عَقَلت المرأة وحَفِظت وكانت ممن يوثق بدينها فإنَّ المقصود حاصلٌ بخبرها، كما يحصل بأخبار الديانات، ولهذا تقبل شهادتها وَحْدَها في مواضع، ويحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين، وهو قول مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد (2).
قال شيخنا [-قدس اللَّه روحه-](3): لو قيل يحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب لكان متوجهًا، قال: لأن المرأتين إنما أقيمتا مقام الرجل في التحمل لئلا
= والصحابي راوي الحديث هو: كعب بن مرة، وقيل: مرة بن كعب، ورجح غير واحد أنه كعب بن مرة، ورواه أحمد (4/ 321) من طريق سالم عن رجل عن كعب.
ورواه النسائي في "السنن الكبرى"(4881، 4882)، ومن طريقه الطحاوي (730/ 731) من طريقين عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كعب، فأسقط شرحبيل، ثم رواه منصور على الصواب فقال: حُدِّثت عن كعب بن مرة.
رواه النسائي في "الكبرى"(4880)، والطحاوي في "المشكل"(128 و 729) من طريقين عن زائدة عنه به.
وقد وجدت ابن عبد البر في "الاستيعاب" يقول في ترجمة كعب بن مرة (3/ 278): "وله أحاديث مخرجها عن أهل الكوفة يروونها عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة السلمي البهزي، وأهل الشام يروون تلك الأحاديث بأعيانها عن شرحبيل بن السمط، عن عمرو بن عَبَسَة".
قلت: وهذا الحديث وجدته من طريق شرحبيل بن السمط عن عمرو بن عَبَسة عند الطحاوي في "المشكل"(732) من طريق أيوب، عن أبي قلابة عنه به ولفظه:"من أعتق رقبة مسلمة. . . ومن أعتق رقبتين مسلمتين فهما فداؤه. . ."، قال أيوب: فحسبته يعني: امرأتين.
وإسناده صحيح؛ لكن وقع في سند الطحاوي: شرحبيل بن حسنة وهو خطأ.
وأصل الحديث في إعتاق الرقبة دون ذكر: "ومن أعتق امرأتين" ثابت في "صحيح البخاري"(2517 و 6715)، ومسلم (1509) عن أبي هريرة.
وانظر -لزامًا- "فضل الرمي في سبيل اللَّه" للقراب (رقم 17، 26) وتعليقي عليه و"فوائد الشاشي"(رقم 1) والتعليق عليه.
(1)
في المطبوع: "هي في التحمل".
(2)
انظر "الطرق الحكمية"(ص 174 - 177، الطريق العاشر، و"المدونة" (4/ 90)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 393)، و"المنتقى"(5/ 214)، و"تبصرة الحكام"(1/ 271)، و"المعونة"، (3/ 1548)، و"الإشراف"(5/ 46 مسألة 1809 - بتحقيقي) كلاهما للقاضي عبد الوهاب، و"جامع الأمهات"(ص 477)، و"شرح الزركشي"(7/ 313 - 314)، و"المحلى" (9/ 405) وفي (ق):"في مذهب أحمد".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) والعبارة بعدها في (ق): "ولو قيل بحكم. . .".