المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كلمة المركز

- ‌تقديم

- ‌تنبيه ونصيحة

- ‌اعتقاد الفضل لبقعة بغير دليل افتراء وضلال وقول عليل

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌منهج جمع الموسوعة

- ‌فريق العمل

- ‌كلمة شكر

- ‌ثبت أهم المصادر المتخصصة التي اعتمدنا عليها

- ‌صور المخطوطات

- ‌كِتَابُ الشَّامِ

- ‌حُدُودُ الشَّامِ

- ‌فَضَائِلُ الشَّامِ

- ‌الشَّامُ أَرْضٌ مُبَارَكَةٌ

- ‌دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلشَّامِ بِالبَرَكَةِ

- ‌اسْتِقْرَارُ الإِيمَانِ بِالشَّامِ عِنْدَ نُزُولِ الفِتَنِ

- ‌بَابُ اجْتِمَاعِ خَيْرِ السَّمَاءِ بَيْنَ العَرِيشِ وَالفُرَاتِ

- ‌رُجُوعُ الماءِ إِلَى عُنْصُرِهِ بِالشَّامِ

- ‌الشَّامُ أَرْضُ السَّعَةِ وَالدَّعَةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ أَصْلَ النُّبُوَّةِ مِنَ الشَّامِ

- ‌بَيَانُ أَنَّ الشَّامَ مِنَ الأَمْكِنَةِ الَّتِي نَزَلَ بهَا القُرْآنُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ الطَّائِفَةَ المنْصُورَةَ بِالشَّامِ وَأَنَّهُمْ جُنْدُ اللَّهِ المِقْدَامُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الشَّام مُجْتَمِعِينَ عَلَى الحقِّ

- ‌بَابُ العِلْمِ الصَّحِيحِ وَالفِقْهِ فِي أَهْلِ الشَّامِ

- ‌مَا جَاءَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ الإِيمَانُ مِنَ الأَرْضِ وُجِدَ فِي الشَّامِ

- ‌الأَمْرُ بِسُكْنَى الشَّام

- ‌بَابُ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ

- ‌فَضْلُ فِلِسْطِينَ

- ‌فَضْلُ عَسْقَلَان

- ‌ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الغُوطَةِ(142)ودِمَشْقَ وَجَامِعِهَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ البِنَاءِ بِدِمشْقَ

- ‌بَابُ الجِبَالِ المقَدَّسَةِ بِالشَّامِ

- ‌غَزْو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْضَ الشَّامِ

- ‌بُعُوثُ وَرُسُلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الشَّام

- ‌التَّبْشِيرُ بِفَتْحِ الشَّامِ

- ‌فَتْحُ الشَّامِ

- ‌إِرْسَالُ عُثْمَانَ مُصْحَفًا إِلَى الشَّامِ

- ‌عُقْرُ دَارِ الإِسْلَامِ الشَّامُ

- ‌مَا وَرَدَ أَنَّ مُلْكَ المُسْلِمينَ يَكُونُ بِالشَّامِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ وَذَمُّ مَنْ قَاتَلَهُمْ

- ‌النَّهْيُ عَنْ سَبِّ أَهْلِ الشَّامِ وَأَنَّ فِيهِمُ الأَبْدَالَ

- ‌الشَّامُ أَرْضُ المحْشَرِ وَالمنْشَرِ

- ‌كِتَابُ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نَزَلُوا الشَّامَ

- ‌إِبْرَاهِيمُ وَلُوطُ عليهما السلام

- ‌مَسْجِدُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌مُوسَى وَهَارُون وَيَوسُف عليهم السلام

- ‌إليَاسُ وَاليَسَعُ

- ‌يَحْيَى عليه السلام

- ‌عِيسَى وَأُمُّهُ عليهما السلام

- ‌نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَالشَّامُ

- ‌قُبُورُ عَدَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام بِالشَّام وَدِمَشْقَ

- ‌مَنْ نَزَلَ الشَّامَ مِنَ التَّابِعِينَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ قُبِرَ بِدِمَشْقَ

- ‌مَنْ نَزَلَ الشَّامَ مِنَ المبْتَدِعِينَ وَأَهْلِ الضَّلَالَ الحَارِثُ الكَذَّابُ

- ‌مَا جَاءَ فِي خَرَابِ الشَّامِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مَثَالِبِ أَهْلِ الشَّامِ

- ‌كِتَابُ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌أَسْمَاءُ المَسْجِدِ الْأَقْصَى

- ‌فَضَائِلُ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الْأَرْضُ المقَدَّسَةُ والجهَادُ

- ‌تَقْدِيسُ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الْقُرْبُ مِنَ السَّمَاءِ

- ‌نُزُولُ المَلَائِكَةِ عَلَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌وُجُودُ الملَائِكَةِ عَلَى بَابِهِ

- ‌تَسبِيحُ الملَائِكَةِ فِي بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الْأَرْوَاحُ تُهْدَى إِلَيْهِ

- ‌بَيْتُ المقْدِسِ كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ

- ‌مَا جَاءَ أَنّ بَيْتَ المقدِس بَلَدٌ مَحْفُوظٌ

- ‌الجنَّةُ عَلَى أَجَاجِير(42)بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الجنَّةُ تَحِنُّ شَوْقًا إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌بَيْتُ المقْدِسِ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ

- ‌نُزُولُ النُّورِ وَالحنَانِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌تُضَاعَفُ الحسَناتُ وَالسَّيئاتُ فِيه

- ‌مَا جَاءَ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مَنْ أَتَى بَيْتَ المقْدِسِ

- ‌سُكْنَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ الْكَعْبَةَ تُحْشَرُ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌فَضْلُ الصَّدَقَةِ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌اسْتِحْبَابُ خَتْمِ الْقُرْآنِ فِيه

- ‌فَضْلُ الأَذَانِ بِبَيْتِ المقْدِسِ وَمُؤذِّنِيهِ ودُخُولُ مُؤذِّنِيهِ الجنَّةَ

- ‌اسْتِحْبَابُ إِهْدَاءِ الزَّيْتِ إِلَيْهِ

- ‌فَضْلُ زِيَارَةِ الْقُدْسِ

- ‌ثَوَابُ الْاِسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ المقْدِسِ وَثَوَابُ عِمَارَتهِ

- ‌ذِكْرُ الْعَجَائِبِ الَّتِي كَانَتْ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌طَوَافُ السَّفِينَةِ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌سِعَةُ الحوْضِ كَمَا بَيْنَ الشَّامِ وَصَنْعَاءَ الْيَمَنِ

- ‌التَّبْشِيرُ بِفَتْح بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌فْتَحُ بَيْتُ المقْدِسِ

- ‌فَتْحُ عُمَر بَيْتِ المقْدِسِ وَوثِيقَتُهُ العُمَرِيةُ

- ‌ذِكْرُ تَارِيخِ فَتْحِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا كَانَ بِبَيْتِ المقْدِسِ عِنْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ وَوَلَدِهِ عليهما السلام

- ‌نُزُولُ الخلَافَةِ الْأَرْضَ المقَدَّسَةَ

- ‌عُقْرُ دَارِ الخلَافَةِ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌لَا يُعَدُّ مِنَ الخلَفَاءِ إِلَّا مَنْ مَلَكَ المسْجِدَيْنِ

- ‌رِبَاطُ أَهْلِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌تَفْضِيلُ أَعْمَالٍ عَلَى الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَعَالم بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الرَّبْوَة

- ‌الجبَالُ

- ‌فَضْلُ مَاءِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الْآبَارُ

- ‌الْعُيونْ

- ‌عَيْنُ سلْوَانْ

- ‌ذِكْرُ الْبِرَكِ الَّتِي كَانَتْ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الْأَبوابْ

- ‌ذِكْرُ بَابِ حِطَّةَ

- ‌ذِكْرُ بَابِ التَّوْبَةِ

- ‌ذِكْرُ بَابِ الْفَرَادِيسِ

- ‌ذِكْرُ بَابِ السَّاعَاتِ

- ‌المسَاجِدُ

- ‌مَسْجِدُ سُلَيْمَانَ عليه السلام

- ‌بِنَاءُ المَسْجِدِ

- ‌بِنَاءُ عُمَرُ رضي الله عنه المسْجِدَ الشَّرِيفَ

- ‌بِنَاءُ عَبْدِ الملِكِ المسْجِدَ

- ‌المحَارِيبُ

- ‌مِحْرَابُ مُعَاوِيَةَ

- ‌مِحْرَابُ دَاوُدَ وَقَبْرُ مَرْيَمَ عليهما السلام

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْتِ لحمٍ

- ‌صُخُورُ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا جَاءَ فِي الصَّخْرَةِ(249)وفَضْلِهَا

- ‌مَا جَاءَ أَنَّ الصَّخْرَةَ تُحَوَّلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُرْجَانَةً بَيْضَاءَ

- ‌مَا جَاءَ فِي حَشْرِ الْكَعْبَةِ إِلَى الصَّخْرَةِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيم صَخْرَةِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌اسْتِقْبَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَخْرَةِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَالْقُبَّةِ

- ‌الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِ الصَّخْرَةِ وَشِمَالِهَا

- ‌مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّخْرَةِ

- ‌الْيَمِينُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ

- ‌البَلَاطَةُ السَّودَاءُ

- ‌سُورُ بَيْتِ المقْدِسِ وَوَادِي جَهَنَّمَ وَالْكَنِيسَة

- ‌عَدَمُ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ كَنِيسَةِ مَرْيَم

- ‌بَابُ النَّهْي عَنْ دُخُولِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي وَادِي جَهَنَّم

- ‌المجَاوَرَةُ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌بَيْتُ المقْدِسِ مَسْكَنُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُقَامُ الملَائِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْأَنْبَياءِ الَّذِينَ نَزَلُوا بَيْتَ المقْدِسِ

- ‌آدَمُ عليه السلام وأبِنَاءُهُ

- ‌إِبْرَاهِيم عليه السلام

- ‌يَعْقُوبْ عليه السلام

- ‌أَيُّوبْ عليه السلام

- ‌يُوشَعُ وَمُوسَى وَهَارُونُ عليهم السلام

- ‌إِلْيَاسُ وَالْيَسَعُ وَالخضِرُ

- ‌دَاودُ وَسُلَيْمَانُ عليهما السلام

- ‌أَرْمِيَا وَدَانْيَالُ

- ‌يَحْيَى عليه السلام

- ‌عِيسَى وَأُمُّهُ عليهما السلام

- ‌أعْيَانُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ نَزَلَ بَيْتَ المقْدِسِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

- ‌ذِكْرُ التَّابِعِينَ مِمَّنْ نَزَلَ بَيْتَ المقْدِسِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ

- ‌بَابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ في الأَرْضِ المقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا

- ‌فَضْلُ مَنْ دُفِنَ فِي بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌فَضْلُ مَنْ مَاتَ في زَيْتُونِ الملَّةِ

- ‌فَضْلُ مَنْ مَاتَ بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَنْ رَغِبَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا جَاءَ فِي خَرَابِ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَنْ كانَ بِبَيْتِ المقْدِسِ مِنَ المبْتَدِعِينَ وَأَهْلِ الضَّلَالِ

- ‌كتاب الإسراء والمعراج

- ‌كِتَابُ الإِسْرَاءِ

- ‌فَائِدَةٌ:

- ‌مُسْنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ

- ‌مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ

- ‌مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

- ‌مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

- ‌مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي ذَرٍّ

- ‌مُسْنَدُ حُذَيْفَةَ

- ‌مُسْنَدُ بُرَيْدَةَ

- ‌مُسْنَدُ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ

- ‌مُسْنَدُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ

- ‌مُسْنَدُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ

- ‌مُسْنَدُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ

- ‌مُسْنَدُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ

- ‌مُسْنَدُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ

- ‌مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي المخَارِقِ

- ‌مُسْنَدُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ

- ‌مُسْنَدُ سلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ

- ‌مُسْنَدُ عَطَاءٍ

- ‌مُسْنَدُ الحَسَنِ بْنِ يَحْيَى

- ‌مُسْنَدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ

- ‌مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ

- ‌مُسْنَدُ جَعفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَن أبِيهِ عن جَدِّهِ

- ‌مُسْنَدُ عَائِشَةَ

- ‌مُسْنَدُ أُمِّ هَانِئٍ

- ‌كِتَابُ الْفِقْهِ

- ‌النَّهْيُ عَنِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ المقْدِسِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ

- ‌فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ المقدِسِ

- ‌شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا جَاءَ مِنْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى فِي بَيْتِ المقْدِسِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ السُّنَّةَ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ المَسْجِدَ الأَقْصَى أُولَى الْقِبْلَتَيْنِ وَتَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ

- ‌مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ المَسْجِدَ الأَقْصَى أَوَّلُ بَيتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ

- ‌الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌بَابْ فِيمَنْ صَلَّى فَوْقَ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌أَحْكَامُ المسَاجِدِ

- ‌بَابُ الزِّيَادَةِ فِي المَسْجِدِ

- ‌مَسْجِدُ قُبَاءٍ وَبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الصِّيَامُ

- ‌الاعْتِكَافُ مَنْ قَالَ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي المسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ

- ‌الحَجُّ بَابْ مَهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ

- ‌فَضْلُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌ذِكْرُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ وَالصَّخْرَةِ وَالشَّامِ

- ‌مَا جَاءَ فِيمَنْ لَبَّى بِبَيْتِ المقْدِسِ

- ‌مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الدُّعَاءِ فِي مَقَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌مَنْ رَأَى أَنْ يَدُورَ فِي بَيْتِ المقْدِسِ وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ

- ‌النَّذْرُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِ المقْدِسِ

- ‌الحُدُود (القِصَاص)

- ‌الزِّينَةُ

- ‌لبسُ الثَّوْب المعَصْفَرِ

- ‌كتَابُ التَّفْسِيرِ

- ‌سُورَة البَقَرَةِ

- ‌سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ

- ‌سُورَةُ النِّسَاءِ

- ‌سُورَةُ المائِدَةُ

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌سُورَةُ يُونُس

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌سُورَةُ يُوسُفْ

- ‌سورة الإسراء

- ‌سُورَةُ مَرْيَمْ

- ‌سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ

- ‌سُورَةُ المُؤْمِنَونَ

- ‌سُورَةُ النُّورِ

- ‌سُورَةُ القَصَصِ

- ‌سُورَةُ الرُّومِ

- ‌سُورَةُ سَبَأْ

- ‌سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌سُورَةُ ص

- ‌سُورَةُ ق

- ‌سُورَةُ الرَّحْمَنِ

- ‌سُورَةُ الحَدِيدِ

- ‌سُورَةُ الحَشْرِ

- ‌سُورَةُ المعَارِجِ

- ‌سُورَةُ الجِنِّ

- ‌سُورَةُ المُرْسَلَاتِ

- ‌سُورَةُ النَّازِعَاتِ

- ‌سُورَةُ الفَجْرِ

- ‌سُورَةُ التِّينِ

- ‌كِتَابُ الفِتَنِ فِي الشَّامِ

- ‌بُدُوُّ الفِتْنَةِ بِالشَّامِ

- ‌تَسْمِيَةُ الفِتَنِ الَّتِي هِيَ كَائِنَةٌ وَعَدَدُهَا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي المَلَاحِمِ

- ‌بَابُ المَعْقِلِ مِنَ الفِتَنِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ فَسَادِ البَرْبَرِ وَقِتَالِهِمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي غَزْوَةِ الرُّومِ

- ‌مَا بَقِيَ مِنَ الأَعْمَاقِ وَفَتْحُ القُسْطَنْطِينِيَّةِ

- ‌بَابُ غَزْوَةِ الهِنْدِ

- ‌أَوَّلُ عَلَامَةٍ تَكُونُ فِي انْقِطَاعِ مُدَّةِ بَنِي العَبَّاسِ

- ‌مَا يُذْكَرُ مِنَ عَلَامَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا انْقِطَاعُ مُلْكِ بَنِي العَبَّاسِ

- ‌بَابُ صِفَةِ السُّفْيَانِي وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ

- ‌الرَّايَاتُ الَّتِي تَفْتَرِقُ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا وَالسُّفْيَانِيُّ وَظُهُورُهُ عَلَيْهِمْ

- ‌بَابٌ آخَرٌ مِنْ عَلَامَاتِ المَهْدِيِّ فِي خُرُوجِهِ

- ‌بَابُ اجْتِمَاع النَّاسِ بِمَكَّةَ وَبَيْعَتِهِمْ لِلْمَهْدِيِّ فِيهَا

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ بَعْدَ المَهْدِيِّ

- ‌بَابُ صِفَةِ مَا يُضْرَبُ عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ مِنَ الأَسْوَارِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَعِمَارَتِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ العَلَامَةِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ دُخُولِ بَيْتِ المَقْدِسِ عَلَى الدَّجَّالِ

- ‌ذِكْرُ نُزُولِ عِيسَى عليه السلام عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشْقَ وَقَتْلِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ خُرُوجِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوج

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌مسند ابن عباس

الملْحِدُونَ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} .

(9)

‌مُسْنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ

666 -

قَالَ البُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ":

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}

(10)

قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، قَالَ: وَالشَّجَرَةَ الملْعُونَةَ فِي القُرْآنِ، قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.

(11)

667 -

قَالَ البُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ":

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ (ح) وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا

(12)

، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعًا مَرْبُوعَ الخلْقِ إِلَى الحمْرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ". قَالَ أَنَسٌ

(9)

"تفسير ابن كثير"(8/ 430 - 435).

(10)

الإسراء: 60.

(11)

"صحيح"

"صحيح البخاري"(3888)، وأخرجه الترمذي (3134)، وقال: حسن صحيح.

(12)

الجعد من الشعر خلاف السبط، وقيل هو القصير عن كراع شعر، جعد بَيِّنُ الجعودة، والجعد من الرجال المجتمع بعضه إلى بعض والسبط الذي ليس بمجتمع. "لسان العرب": جعد.

ص: 606

وَأَبُو بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "تَحْرُسُ الملَائِكَةُ المدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ".

(13)

668 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَرَوْحٌ المعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظِعْتُ

(14)

بِأَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ ". فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالمسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "إِنَّهُ أسْرِيَ بِي الليْلَةَ". قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: "إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ". قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الحَدِيثَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ دَعَوْتَ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ المجَالِسُ وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُسْرِيَ بِي الليْلَةَ". قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قُلْتُ: "إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ". قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا! قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ؛ زَعَمَ قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا المَسْجِدَ؟ وَفِي القَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ البَلَدِ وَرَأَى المَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى التَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ". قَالَ:"فَجِيءَ بِالمسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ"، قَالَ: "وَكَانَ مَعَ هَذَا

(13)

"صحيح"

"صحيح البخاري"(3239)، وأخرجه مسلم (267)، وأحمد (1/ 259، 245) بنحوه.

(14)

فَظُعَ الأَمرُ بالضم يفظع فظاعة فهو فظيع، وأفظع الأمر: اشتد وشنع وجاوز المقدار وبرح فهو مفظع، فظعت بأمري أي اشتد عليَّ وهبته. "لسان العرب": فظع.

ص: 607

نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ". قَالَ: "فَقَالَ القَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ".

(15)

669 -

قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "سُنَنِهِ":

حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَمُرُّ بِالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَمَعَهُمُ القَوْمُ، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَمَعَهُمْ الرَّهْطُ

(16)

، وَالنَّبِيِّ وَالنَّبِيَّيْنِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ، حَتَّى مَرَّ بِسَوَادٍ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ:"مَنْ هَذَا؟ " قِيلَ: مُوسَى وَقَوْمُهُ وَلَكَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ، قَالَ:"فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ مِنْ ذَا الجانِبِ وَمِنْ ذَا الجانِبِ". فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ

(15)

"صحيح"

"مسند أحمد"(1/ 309)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8/ 445)، والنسائي في "الكبرى"(11285)، والبزار في "كشف الأستار"(56)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 167 - 168 رقم 12782)، وفي "الأوسط"(2447)، والحارث في "مسنده"(1/ 165)، والبيهقي في "الدلائل"(2/ 363)، وإسماعيل الأصبهاني في "الدلائل"(ص 84)، والآجري في "الشريعة"(1029)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 235)، والمقدسي في "فضائل بيت المقدس"(ص 73)، وابن المرجا في "فضائل بيت المقدس"(ص 158)، والفاكهي في "أخبار مكة"(3/ 267)، جميعهم عن عوف، عن زرارة به.

وقال الطبراني في "الأوسط"(2447): لا يروى هذا الحديث عن عبد اللَّه بن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به عوف.

وعوف هو ابن أبي جميلة العبدي أبو سهل البصري المعروف بالأعرابي، قال ابن حجر: ثقة رمي بالقدر والتشيع. وزرارة بن أوفى ثقة، وقد أثبت أبو حاتم سماعه من ابن عباس، وانظر "المراسيل"(221).

وقال ابن حجر في "الفتح"(7/ 239): حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 70): رجال أحمد رجال الصحيح. وصحح الألباني الحديث في "الصحيحة"(3021).

(16)

الرَّهْطُ: عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة، وبعضهم يقول: من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر، وقيل: الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. "لسان العرب": رهط.

ص: 608

وَسِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ لَهُمْ، فَقَالُوا: نَحْنُ هُمْ، وَقَالَ قَائِلُونَ: هُمْ أَبْنَاؤُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الفِطْرَةِ وَالإِسْلَامِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ ابْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ".

(17)

(17)

"إسناده صحيح وذكر الإسراء فيه شاذ"

"سنن الترمذي"(2446)، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(7604) عن أبي حصين، والبيهقي في "الآداب"(2/ 489)، عن عبد اللَّه بن العجلي، كلاهما عن عبثر، وعزاه السيوطي في "التفسير"(5/ 211) لابن مردويه فقط، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وإسناده صحيح، إلا أن عبثر بن القاسم انفرد بذكر الإسراء في روايته، وخالف جماعة من الأثبات فلم يذكروا الإسراء، وإليك رواية البخاري بتمامها ليتبين الفارق.

قال الإمام البخاري (5752): حدثنا مسدد، حدثنا حصين بن نمير، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال:"عُرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب". فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا باللَّه ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة بن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم". فقام آخر، فقال: أمنهم أنا؟ فقال: "سبقك بها عكاشة".

وأخرجه مسلم (220)، بنحوه.

وتابع حصين بن نمير جماعة من الأثبات، وهم:

1 -

شعبة: عند البخاري (6472)، وأحمد (1/ 321).

2 -

هشيم: عند البخاري (6472)، ومسلم (220/ 374)، وأحمد (1/ 271)، وابن حبان (6430)، =

ص: 609

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وابن منده في "الإيمان"(982)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1163)، وأبو عوانة في "صحيحه"(243).

3 -

محمد بن فضيل: أخرجه البخاري (7505)، ومسلم (220/ 375)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 452)، وأبو عوانة في "صحيحه"(244).

4 -

سليمان بن كثير: كما عند أبي عوانة (245).

كل هؤلاء لم يذكروا الإسراء في رواياتهم، فلو كان اللفظ ثابتًا ما أهملوه. وتدبر ما قاله أحمد كما نقل ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (5/ 561): وقال أحمد في رواية الأثرم: هشيم لا يكاد يسقط عليه شيء من حديث حصين، ولا يكاد يدلس عن حصين.

وقال الألباني في "الإسراء والمعراج"(ص 84): وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي حصين هذا، وهو ثقة إلا أنه يبدو أنه وهم هو أو شيخه عبثر في ذكر الإسراء في هذا الحديث فقد رواه جمع من الثقات عن حصين بن عبد الرحمن به دون الإسراء.

وقد حاول الحافظ رحمه الله الجمع بين الروايتين ليدفع التعارض فقال في "فتح الباري"(11/ 415) عن زيادة "لمَّا أسري. . . . ": فإن كان ذلك محفوظًا كانت فيه قوة لمن ذهب إلى تعدد الإسراء، وأنه وقع بالمدينة أيضًا غير الذي وقع بمكة، فقد وقع عند أحمد (1/ 420)، والبزار (1441)، بسند صحيح قال: أكثرنا الحديث عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم عدنا إليه فقال: "عرضت علي الأنبياء الليلة بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي يمر ومعه العصابة. . . " فذكر الحديث. وفي حديث جابر عند البزار: "أبطأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صلاة العشاء حتى نام بعض من كان في المسجد. . . " الحديث، والذي يتحرر من هذه المسألة أن الإسراء الذي وقع بالمدينة ليس فيه ما وقع بمكة من استفتاح أبواب السماوات بابًا بابًا، ولا من التقاء الأنبياء كل واحد في سماء، ولا المراجعة معهم، ولا المراجعة مع موسى فيما يتعلق بفرض الصلوات، ولا في طلب تخفيفها، وسائر ما يتعلق بذلك، وإنما تكررت قضايا كثيرة سوى ذلك رآها النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها بمكة البعض، ومنها بالمدينة بعد الهجرة البعض، ومعظمها في المنام، واللَّه أعلم.

والحديث جاء من طريق أخر عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود بلفظ:"عرضت على الأمم بالموسم. . . ". أخرجه أحمد (1/ 403، 454)، والطيالسي (352)، وابن حبان (6084)، والحاكم (4/ 415).

قال الألباني في "الإسراء والمعراج"(86)، عن حديث ابن مسعود: وإسناده حسن، وهو صريح أن العرض لم يكن ليلة الإسراء، وإنما في موسم الحج، والجمع الذي ذهب إليه الحافظ جيد لو كانت تلك الزيادة محفوظة، أما وهي شاذة فلا داعي حينئذ للجمع. واللَّه أعلم.

ص: 610

670 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَحَسَنٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: حَسَنٌ أَبُو زَيْدٍ قَالَ: عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ المقْدِسِ، وَبعِيرِهِمْ، فَقَالَ نَاسٌ: -قَالَ حَسَنٌ- نَحْنُ نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ، فَارْتَدُّوا كُفَّارًا فَضَرَبَ اللَّهُ أَعْنَاقَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ أَبُو جَهْل: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ

(18)

، هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا، وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ لَيْسَ رُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّجَّالِ.

فَقَالَ: "أَقْمَرُ هِجَانًا

(19)

-قَالَ حَسَن قَالَ: رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا

(20)

أَقْمَرَ

(21)

هِجَانًا- إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ

(22)

كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ، وَرَأَيْتُ عِيسَى شَابًّا أَبْيَضَ جَعْدَ الرَّأْسِ حَدِيدَ البَصَرِ مُبَطَّنَ

(23)

الخلْقِ، وَرَأَيْتُ مُوسَى أَسْحَمَ

(18)

الزقوم: فعول من الزقم، أي اللقم الشديد والشرب المفرط. وقوله:"تزقموا" أي كلوا، وقيل: أكل الزبد والتمر، بلغة إفريقية: الزقوم. انظر "النهاية": زقم.

(19)

الهِجان: البِيضُ، وهو أحسن البياض، وأعتقه في الإبل والرجال والنساء. "لسان العرب": هجن.

(20)

الفَيْلَمُ: العظيم الضخم الجثة من الرجال، ويقال: رأيت رجلًا فيلمًا أي عظيمًا، ورأيت فيلمًا من الأمر أي عظيمًا، والفيلماني منسوب إليه بزيادة الألف والنون للمبالغة. "لسان العرب": فلم.

(21)

الأقمر: الأبيض الشديد البياض، والأنثى قمراء، ويقال للسحاب الذي يشتد ضوءه لكثرة مائه: سحاب أقمر، وأتان قمراء: أي بيضاء. "لسان العرب": قمر.

(22)

العين القائمة: هي الباقية في موضعها صحيحة، وإنما ذهب نظرها وإبصارها. "النهاية": قوم.

(23)

المبطن: ضامر البطن، خميصه، وهذا على السلب كأنه سلب بطنه فأعدمه، والأنثى مبطنة. "لسان العرب": بطن.

ص: 611

آدَمَ

(24)

كَثِيرَ الشَّعرِ -قَالَ حَسَن: الشَّعَرَةِ- شَدِيدَ الخلْقِ، وَنَظَرْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَلَا أَنْظُرُ إلَى إِرْبٍ

(25)

مِنْ آرَابهِ إِلَّا نَظَرْتُ إلَيْهِ مِنِّي، كَأَنَّهُ صَاحِبُكُمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام: سَلِّمْ عَلَى مَالِكٍ

(26)

، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ".

(27)

(24)

الأسحم: الأسود، ومن ذلك قول أعشى بني قيس بن ثعلبة:

إذا بذلت من دنها فاح ريحها

وقد أخرجت من أسحم الجوفي أدهما

يعني بأسحم الجوف، أسوده، ومنه قيل لابن السحماء:(ابن السحماء) لسواد أمه فنسب إليها.

وآدم: يعني بالآدم في لونه، وأنه يضرب إلى البياض، وكذلك كل لون ضرب إلى البياض من أي لون كان أحمر أو غيره، ولذلك قيل للظباء:(أُدْمٌ) لميل حمرتها إلى البياض.

وغنمًا وصفه صلى الله عليه وسلم بالسحمة وقد وصفه بالأدمة، مريدا بوصفه إياه بالسحمة سحمة شعره إن شاء اللَّه، وبوصفه بالأدمة أدمة بشرة جسده.

ذكر ذلك الطبري في "تهذيب الآثار"(462) مسند ابن عباس، وبتفصيل أكثر.

(25)

الإرب: العضو من أعضائه، وهو من قولهم: قطعه إِرْبًا إِرْبًا، إذا قطعه عضو عضو، وفي الحديث: يسجد على سبعة آراب. وانظر "تهذيب الآثار"(462).

(26)

كذا لفظه في "المسند"، وبنفس اللفظ ورد عند الحارث في "مسنده"، وذكرها ابن كثير في "تفسيره"، وأتى بلفظ:"سلم على أبيك" عند الطبري في "تهذيب الآثار"، وأبي يعلى في "مسنده"، ونقله الهيثمي في "المجمع".

وردَّ الشيخ محمود شاكر على أخيه أحمد شاكر إثباته للفظة: "سلم على مالك"، وقال كما في حاشية "تهذيب الآثار" للطبري: غير أخي رحمه الله قوله في آخر الخبر: "سلم على أبيك". وجعلها: "سلم على مالك". يعني مالكًا خازن النار، اعتمادًا على النسخ الصحاح من "المسند" ولكن ما هنا يؤيد الأول، ويجعل ما في النسخ الصحاح تصحيفًا لا أكثر ولا أقل، وساق الخبر يصحح ما هاهنا. اهـ.

قلت: وهو مقتضى السياق.

(27)

"إسناده حسن وهو صحيح بشواهده"

"مسند أحمد"(1/ 374)، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(11283) مختصرًا، وأبو يعلى (2/ 556)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(408) مسند ابن عباس، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(1/ 167)، جميعهم عن ثابت بن يزيد أبي زيد، عن هلال بن خباب به.

قلت: رجاله ثقات، إلا أن هلال بن خباب ثقة تغير بأخرة. قال أبو حاتم: ثقة صدوق، وكان يقال: تغير قبل موته من كبر السن، وقال يحيى القطان: أتيت هلال بن خباب وكان قد تغير قبل موته من كبر =

ص: 612

671 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، أخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لمَّا كَانَتِ الليْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟. قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتْ المِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْم اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا؛ وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أَخْبِرُهُ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ:

= السن "الجرح والتعديل"(9/ 75)، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 435): كان ممن اختلط في آخر عمره؛ فكان يحدث بالشيء على التوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأما إذا وافق الثقات فإن احتج به محتج أرجو أنه لم يجرح في فعله ذلك.

قلت: وهذا تعنت من ابن حبان ظاهر، والتغير الذي فيه لم يكن بالفاحش، وقد وقع له قبل موته، وقد نفى ابن معين وقوع التغير في حديثه. قال ابن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب، وقلت: إن يحيى القطان يزعم أنه تغير قبل أن يموت واختلط، فقال يحيى: لا ما اختلط ولا تغير، قلت ليحيى: فثقة هو؟ قال: ثقة مأمون. انظر "تهذيب المزي"(7211).

وهذا يدل على أنه لم يكن مشهورًا بالاختلاط، فما وقع له منه كان في فترة زمنية يسيرة، وهي قبيل وفاته؛ فإن وجدنا حديثه موافقًا لرواية الثقات فهي قرينة على حفظه وثباته، والحال ههنا يدل على ذلك؛ لذا صحح إسناده جماعة من العلماء منهم الطبري في "تهذيب الآثار"(409)، وابن كثير في "تفسيره" وقال: إسناده صحيح.

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 72): رواه أحمد ورجاله ثقات، إلا أن هلال بن خباب قال يحيى القطان: أنه تغير قبل موته، وقال يحيى بن معين: لم يتغير ولم يختلط ثقة مأمون، ورواه أبو يعلى.

وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة"(4/ 439): أخرجه أحمد بسند حسن، وقال في "الإسراء والمعراج" (76) ردًّا على قول ابن كثير (وهو إسناد صحيح): كذا قال! وإنما هو حسن فقط؛ لأن ابن خباب فيه كلام.

قال الشيخ أحمد شاكر في "المسند"(5/ 182): إسناده صحيح.

ص: 613

نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ ببَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الحقِّ. قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ، اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ". قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ.

(28)

(28)

"حسن"

"مسند أحمد"(1/ 309)، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2903، 2904)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 496)، وأبو يعلى في "مسنده"(2511)، والبزار في "البحر الزخار"(5067)، والطبراني في "الكبير"(11/ 450 - 451 رقم 12279)، (25/ 286 - 287 رقم 42)، وفي "الأحاديث الطوال"(44)، وابن منيع في "مسنده" كما ذكر البوصيري في "الإتحاف"(6352/ 1)، والبيهقي في "الدلائل"(2/ 398)، وفي "شعب الإيمان"(2/ 243)، وعثمان الدارمي في "الرد على الجهمية"(27)، والبغوي في "تفسيره"(2/ 421) مختصرًا، والذهبي عن أبي يعلى في "السير"(6/ 113)، وفي "العلو للعلي الغفار"(84)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 212) لابن مردويه، جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء به.

قلت: مدار الحديث على حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، ومحل الاختلاف في هذا الإسناد في سماع حماد من عطاء هل هو قبل اختلاط عطاء أو بعده؟ وقد تنازع الأئمة في ذلك، والذي ذهب إليه جماعة من أهل العلم أن حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط.

قال ابن معين كما في "تاريخ الدوري"(3/ 309): حديث سفيان وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة، عن عطاء مستقيم، وحديث جرير وأشباه جرير ليس بذاك لتغير عطاء في آخر عمره، وانظر "سؤالات ابن الجنيد"(882)، و"الكامل" لابن عدي (5/ 361).

وقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة"(3/ 177): عطاء ثقة، حديثه حجة، ما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة، وسماع هؤلاء سماع قديم، وكان عطاء تغير بأخرة.

ص: 614

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال ابن حجر في "التهذيب": قال ابن الجارود في "الضعفاء": حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد، وحديث جرير وأشباه جرير ليس بذاك.

قال الدارقطني في "سؤالات السلمي"(5/ 89): دخل عطاء البصرة مرتين، فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى صحيح.

وقال الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 55): الذين يعدونهم الحجة في عطاء بن السائب أهل العلم بالإسناد إنما هم أربعة دون من سواهم: شعبة، والثوري، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة.

وقال الإمام الذهبي في "تاريخ الإسلام"(3/ 11) في ترجمة عطاء: روى عنه سفيان وشعبة وحماد ابن سلمة هؤلاء حديثهم عنه صحيح على ذكر بعض الحفاظ.

وممن نصَّ على سماعه منه في القدم أيضًا ابن رجب كما في "شرح العلل"(2/ 557)، وحمزة الكتاني في "أماليه" كما نقل العراقي، والعراقي في "التقييد"(443)، وابن الكيال والحافظ في مواضع من "التلخيص" وسيأتي نقلها كما في "الكواكب النيرات"، والمباركفوري في "التحفة"(3/ 526)، وأحمد شاكر في تحقيقه "للمسند"(2/ 100).

ونص آخرون على أنه سمع منه بعد اختلاطه، قال العقيلي في "الضعفاء" (3/ 1094) قال علي: قلت ليحيى: وكأن أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط؟ فقال: كان لا يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة، وكان يحيى لا يروي حديث عطاء بن السائب إلا عن شعبة وسفيان.

وجزم ابن رجب في "شرحه لعلل الترمذي"(2/ 557): أن قوله: وكذلك حماد بن سلمة هي من قول يحيى، فالجملة فيها لبس فقال: ونقل ابن المديني عن يحيى بن سعيد: أن أبا عوانة، وحماد بن سلمة سمعا منه قبل الاختلاط وبعده، وكانا لا يفصلان هذا من هذا، خرجه العقيلي.

وقال الحافظ في "التهذيب" في ترجمة عطاء: وقال العقيلي: وسماع حماد بن سلمة بعد الاختلاط، كذا نقله عنه ابن القطان.

ولخص الحافظ القول فيه في آخر ترجمته لعطاء، فقال: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهيرًا وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه إلا حماد ابن سلمة، فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، مرة مع أيوب كما يومئ إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لمَّا دخل إليهم البصرة وسمع منه مع جرير وذويه واللَّه أعلم.

وأما اختيار الحافظ فهو تصحيح حديث عطاء من رواية حماد لترجيحه الرواية عنه قبل الاختلاط وإليك بعض الأمثلة.

1 -

في "تغليق التعليق"(3/ 470): حديث حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط. =

ص: 615

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 2 - وفي "تلخيص الحبير"(1/ 142): وعن علي مرفوعًا: "من ترك موضع شعرة من جنابة. . . " الحديث، وإسناده صحيح فإنه من رواية عطاء بن السائب، وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط.

3 -

وفي "تعجيل المنفعة"(ص 612): حماد بن سلمة سمعه من عطاء بن السائب قبل اختلاطه، فروايته قوية.

4 -

وفي "الفتح"(3/ 540): في صدد تصحيح حديث "الحجر الأسود من الجنة": حماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط.

5 -

وفي "الفتح"(3/ 85): والزيادة المذكورة من رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وقد سمع منه قبل الاختلاط في قول يحيى بن معين وأبي داود والطحاوي وغيرهم.

والحديث قد صححه جماعة من العلماء:

فقد أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، والضياء في "مختارته"، وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/ 73): حديث حسن، وقال في "العلو للعلي الغفار" (1/ 461): هذا حديث حسن الإسناد.

وقال ابن كثير في "تفسير الإسراء": إسناد لا بأس به، ولم يخرجوه. اهـ.

وقال السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 212)، وفي "الخصائص الكبرى" (1/ 265): وأخرج أحمد. . . . بسند صحيح.

وقال الشيخ أحمد شاكر في "تحقيقه للمسند"(4/ 295): إسناده صحيح، وفات الحافظ الهيثمي أن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل اختلاطه. اهـ.

قلت: ولم ينفرد حماد بروايته فقد تابعه أسباط بن نصر، أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 420) من طريق عامر بن الفرات، عن أسباط، عن عطاء بنحوه.

وإسناده ضعيف، أسباط ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي، وقال الحافظ: صدوق كثير الخطأ يغرب. اهـ.

والراوي عنه عامر بن الفرات مجهول ترجم له ابن حبان في "الثقات"(8/ 501)، فقال: روى عنه عمار بن الحسن الهمداني.

وللحديث شواهد من حديث أُبي بن كعب وأبي هريرة:

أما حديث أُبي فقد أخرجه ابن ماجه (4030)، قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه ليلة أسري به وجد ريحًا طيبة، فقال:"يا جبريل، ما هذه الريح الطيبة؟ " قال: هذه ريح قبر الماشطة =

ص: 616

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وابنيها وزوجها، قال: وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته فيطلع عليه الراهب فيعلمه الإسلام، فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الخضر، وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدًا، وكان لا يقرب النساء، فطلقها، ثم زوجه أبوه أخرى فعلمها وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدًا، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الأخرى، فانطلق هاربًا حتى أتى جزيرة في البحر، فأقبل رجلان يحتطبان فرأياه فكتم أحدهما وأفشى الآخر، وقال: قد رأيت الخضر، فقيل: ومن رآه معك؟ قال: فلان، فسئل فكتم، وكان في دينهم أن من كذب قتل، قال: فتزوج المرأة الكاتمة فبينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط، فقالت: تعس فرعون، فأخبرت أباها، وكان للمرأة ابنان وزوج فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال: إني قاتلكما، فقالا: إحسانًا منك إلينا إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت، ففعل، فلما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وجد ريحًا طيبة، فسأل جبريل فأخبره.

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(2733)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 371)، والخرائطي في "اعتلال القلوب"(688)، جميعهم عن هشام بن عمار به.

وقال البوصيري في "الزوائد على سنن ابن ماجه": في إسناده سعيد بن بشير، قال فيه البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة، قالا: محله الصدق عندنا. قلت: يحتج به؟ قالا: لا. وضعفه غيرهم.

قلت: والوليد بن مسلم يدلس التسوية، ولم يصرح في باقي السند.

وحديث أبي هريرة عند الحاكم (2/ 595) قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن محمد الشعيري، ثنا السري بن خزيمة، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، ثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة بنت فرعون".

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

قلت: إسناده ضعيف؛ محمد بن محمد الشعيري لم نقف له على ترجمة، وأما السري بن خزيمة فقد وثقه ابن حبان في "ثقاته"(8/ 302)، وقال: مستقيم الحديث. ثم إن الحديث فيه نكارة، فقد أخرجه البخاري (3436)، ومسلم (2550)، من طريق مسلم بن إبراهيم، عن جرير بنفس إسناد الحاكم بلفظ:"لم يتكلم في المهد إلا ثلاث. . . " الحديث، فهنا خالفت رواية الحاكم رواية "الصحيحين" في ذكر الثلاثة كذلك فإن الحصر كان ثلاثة، ولما فصل ذكر أربعة، وهذا يدل على اضطراب راويه وضعفه.

وانظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (880)، وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره" تحت سورة التحريم بعض الشواهد المقطوعة على أبي العالية، والبغوي في "تفسيره"(4/ 483)، عن ابن عباس موقوفًا. وانظر "فتح =

ص: 617

672 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"خَيْرُ يَوْمٍ تَحتَجِمونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَالَ: وَمَا مَرَرْتُ بمَلَإٍ مِنْ الملَائِكَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَّا قَالُوا: عَلَيْكَ بالحِجَامَةِ يَا مُحَمَّدُ".

(29)

= القدير" للشوكاني (1/ 511).

(29)

"حسن بشواهده"

"مسند أحمد"(1/ 354)، وأخرجه الترمذي (2053) بقصة، وابن ماجه (3477)، وعبد بن حميد (572)، وابن أبي شيبة (5/ 459)، والطيالسي (2666)، والحاكم (4/ 209)، والطبري في "تهذيب الآثار" مسند ابن عباس (488)، والبيهقي في "الكبرى"(9/ 430)، والطبراني في "الكبير"(11/ 325 رقم 11887)، والعقيلي (3/ 136)، وابن عساكر (41/ 74)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"(1/ 323)، والبغوي في "شرح السنة"(3235)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 393)، جميعهم عن عباد بن منصور، عن عكرمة به.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور. اهـ.

قلت: وآفة هذه الطريق في عباد بن منصور فهو ضعيف عند جمهور النقاد، ورمي بالتدليس والبدعة، وكان قدريًا، ثم إنه لم يسمع من عكرمة، يروي عنه بواسطة إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين عنه.

وضعفه يحيى بن سعيد، وابن المديني، وأبو زرعة، والنسائي، وابن عدي، وابن سعد، ووهب بن جرير، والجوزجاني، والدارقطني، وابن الجنيد. قال يحيى بن معين: ليس بشيء ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: في روايته عن عكرمة وأيوب ضعف، كان ضعيف الحديث يكتب حديثه، ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، وليس بقوي الحديث. وقال أبو داود: كان كثير الصلاة، فجاء رجل إلى سفيان فسأله عن عباد فقال: اذهب فأنظر إلى صلاته، ليس بذاك، عنده أحاديث فيها نكارة وقالوا: تغير، كان قد تغير، سئل سمع عباد عن عكرمة؟ قال: شيئًا والبقية لم يسمعها. وقال ابن أبي شيبة: هذا رجل ليس بالقوي في الحديث، روى عن أيوب وعكرمة أحاديث مناكير. وقال أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريًا، وكان يدلس. قال الحاكم (4/ 408) بعد حديث المكحلة: عباد لم يتكلم فيه بحجة، قال الذهبي: ولا هو بحجة. وقال البزار: =

ص: 618

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= روى عن عكرمة أحاديث ولم يسمع منه، عباد لم يسمع من عكرمة. وقال ابن حبان: كان قدريًا داعيًا إلى القدر، وكان على قضاء البصرة، وكل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين فدلسها عن عكرمة، منها: وذكر له حديث "له مكحلة".

ثم ساق بإسناده قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قالا: حدثنا محمد بن سليمان الباغندي، قال: سمعت أحمد بن داود الحداد، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: قلت لعباد بن منصور: عمن سمعت: "ما مررت بملإ من الملائكة. . . " و"أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكتحل ثلاثًا"؟ فقال: حدثني أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال ابن القطان الفاسي في "بيان الوهم"(3/ 163): قد ذكروا من أمر عباد بن منصور التدليس ونكارة الحديث، والقول بالقدر والدعاء إليه.

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"(2/ 772): ضعفوه، وأضعف رواياته عن عكرمة، يقال إنه أخذها، عن ابن أبي يحيى، عن داود بن حصين عنه.

قلت: وصرح عباد بالسماع من عكرمة عند الترمذي، وهذا ليس بمعتمد قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (2/ 227): وأما تصريح عباد بن منصور بسماعه لهذا الحديث عند الترمذي فهو إن كان محفوظًا عنه غير شاذ مما لا يفرح به؛ لأن تصريح المدلس بالتحديث إنما ينفع إذا كان حافظًا ضابطًا، وعباد ليس كذلك، فلعله وهم فيه بسبب سوء حفظه، أو تغيره في آخر أمره. اهـ.

وقد ضعف هذه الطريق جماعة من العلماء:

قال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 260): سألت أبي عن حديث رواه زياد بن الربيع، عن عباد بن منصور، عن عكرمة الحديث، فقال أبي: هذا حديث منكر. قال أبي: يقال إن عباد بن منصور أخذ جزءًا من إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، فما كان من المناكير فهو من ذاك، وقال في "الجرح والتعديل": في روايته عن عكرمة وأيوب ضعف. وقال الذهبي في "السير"(5/ 35): تفرد به عباد، وفيه ضعف.

وقال البزار في "كشف الأستار"(3/ 389): بعد أن ذكر حديثًا موقوفًا بإسناده، عن يعقوب القمي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس "احتجموا السبع عشرة"، قال البزار: لا نعلم يروى هذا الحديث إلا عن ابن عباس، وروي عن عباد، عن عكرمة، عن ابن عباس، ويعقوب، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس أحسن؛ لأن عبادًا لم يسمع عكرمة.

وذكر ابن حبان في "المجروحين"(2/ 166)، والعقيلي في "الضعفاء"(3/ 136)، وعنه المزي (14/ 159)، =

ص: 619

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بإسنادهما، عن علي بن المديني أنه سمع يحيى بن سعيد القطان أنه قال: قلت لعباد بن منصور: عمن سمعت "ما مررت بملإ من الملائكة"، "وأنه كان يكتحل ثلاثًا"؟ قال: حدثني إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال ابن عساكر (41/ 74): هذا حديث له علة ثم ذكر بإسناده للعقيلي القصة السابقة.

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"(2/ 693 - 697): نذكر بعض الأسانيد التي كان رواتها يسقطون منها الضعيف غالبًا، ومنها رواية عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقد قيل: إنها كلها مأخوذة عن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، وله حديث في اللعان عن عكرمة.

قال أحمد: إنما رواه عن أبي يحيى، وقد ذكرناه في أبواب اللعان، وله حديث آخر في الحجامة، وحديث في الاكتحال، وقد سئل عنها عباد فقال: حدثنيهما ابن أبي يحيى، عن داود، عن عكرمة.

وقال ابن حجر في "الفتح"(10/ 158): أثنا ذكر أحاديث تحديد أيام الحجامة: حديث ابن عباس. . . رجاله ثقات لكنه معلول. . . ثم قال ابن حجر: ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء.

وقال الألباني في "الصحيحة"(1847): قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وليس كما قالا، فإن عباد بن منصور هذا مدلس. . . وأما قول الترمذي: هذا حديث حسن، فلعله من أجل شواهده.

وقال في "صحيح الجامع"(3332): حسن. وقال في "صحيح الترغيب"(3462): صحيح لغيره. وقال في "الصحيحة"(2/ 611): تأييدًا لقول الذهبي: وهذا هو الصواب، لأن عبادًا هذا فيه ضعف لتغيره وتدليسه.

ولم ينفرد عباد بن منصور بروايته فقد تابعه عليه نافع أبو هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس به.

أخرجه الطبراني في "الكبير"(11/ 621 - 163 رقم 11367)، وابن حبان في "المجروحين"(3/ 59)، لكنها متابعة لا يفرح بها، فنافع متروك الرواية.

وللحديث شواهد:

منها ما هو شاهد لنصف الحديث الأول عن أيام الحجامة، ومنها ما هو شاهد لنصفه الثاني عن أمر الملائكة بها ليلة الإسراء.

ومما يشهد لأيام الحجامة:

1 -

ما أخرجه الترمذي (2051) من طريق همام وجرير بن حازم، قالا: حدثنا قتادة، عن أنس قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين".

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه الحاكم (4/ 210)، وقال: صحيح على شرط =

ص: 620

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في "الصحيحة"(908): وهو كما قالا، وقال في "صحيح الجامع" (4927): حسن.

2 -

ما أخرجه ابن ماجه (3486): عن زكريا بن ميسرة، عن النهاس بن قهم، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر، أو تسعة عشر، أو إحدى وعشرين، ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله".

قال البوصيري: هذا إسناد فيه النهاس وهو ضعيف، وقال ابن حجر عن النهاس: ضعيف. وقال ابن حجر في "الفتح"(10/ 158) عن هذا الحديث: سنده ضعيف. وقال الألباني في "الضعيفة"(1864): هذا إسناد ضعيف جدًّا، كل من دون أنس ضعيف، وبعضهم أضد ضعفًا من بعض. . .، واقتصار البوصيري في "الزوائد" على إعلال الحديث بالنهاس فقط فيه قصورٌ شديد. اهـ بتصرف.

3 -

ما أخرجه أبو داود (3861): عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن سهيل، عن أمية، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء".

أخرجه الحاكم (4/ 210) وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال البوصيري في "رسالته في الحجامة"(67): هذا الحديث رواه أبو داود وسكت عليه، فهو عنده صالح.

قلت: وسكوته لا يعد تحسينا كما هو المقرر عند النقاد. وقال ابن حجر في "الفتح"(10/ 158): هو من رواية سعيد، عن سهيل بن أبي صالح، وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوق له أوهام. وقال الألباني في "صحيح الترغيب"(3/ 353): حسن.

4 -

ما أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار"(516)، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن يعقوب -يعني القمي- عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احتجموا في خمس عشرة، أو سبع عشرة، أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين، لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله".

أخرجه الطبراني في "الكبير"(11/ 70 - 71 رقم 11076)، وحمزة الجرجاني في "تاريخ جرجان"(ص 326) مرفوعًا، وأخرجه البزار في "كشف الأستار"(3023) موقوفًا، كلهم عن يعقوب القمي، عن ليث به، وهو ليث بن أبي سليم.

قلت: وليث ضعيف، قال ابن حجر: صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك. وقال الألباني في "الإرواء" (3/ 58): ضعيف لاختلاطه. ويعقوب القمي قال فيه الحافظ: صدوق يهم.

5 -

ما أخرجه الحارث في "مسنده"(525) قال: حدثنا محمد بن عمر، ثنا ابن أبي طوالة، عن عبد اللَّه =

ص: 621

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن أبي بكر بن حزم، عن عمرو بن سليم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لمَّا عرج بي إلى السماء لم أمر بملإ من الملائكة إلا قالوا: عليك يا محمد بالحجامة".

قلت: وفيه محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.

6 -

ما أخرجه ابن عدي في "كامله"(6/ 24): قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علي الوزان، ثنا الفضل ابن يعقوب، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا الفرات أبو المعلى الجزري، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: أنه لمَّا عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء مع جبريل عليه السلام، أمره المقربون أهل كل سماء بالحجامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن في الحجامة لشفاء من كل داء إلا البأس". قيل: يا رسول اللَّه وما البأس؟ قال: "الموت".

قلت: وإسناده ضعيف جدا؛ فيه أبو المعلى الجزري، وهو فرات بن السائب متروك الحديث، وكذبه بعضهم.

ومما يشهد لليلة الإسراء:

1 -

ما أخرجه الترمذي (2052): عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن هو ابن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: حدث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به "أنه لم يمر على ملإ من الملائكة إلا أمروه أن مر أمتك بالحجامة". قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود.

قلت: وعبد الرحمن في سماعه من أبيه نظر، وحديثه يصلح في الشواهد، قال ابن حجر: قد سمع من أبيه لكن شيئًا يسيرًا. "التقريب". قال الألباني في "صحيح الترغيب"(3462): صحيح لغيره.

2 -

ما أخرجه ابن ماجه (3479): قال: حدثنا جبارة بن المغلس، ثنا كثير بن سليم، سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا: يا محمد، مر أمتك بالحجامة".

قلت: وجبارة، وكثير ضعيفان كما قال ابن حجر، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة": هذا إسناد ضعيف لضعف كثير وجبارة. وقال الألباني في "الصحيحة"(5/ 335): وهذا إسناد ثلاثي من ثلاثيات ابن ماجه القليلة، ولكنه ضعيف.

3 -

ما أخرجه البزار في "كشف الأستار"(3020): حدثنا عمر بن الخطاب، ثنا عبد اللَّه بن صالح، ثنا عطاف، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ما مررت بسماء من السماوات إلا قالت الملائكة: يا محمد، مُر أمتك بالحجامة، فإن خير ما تداويتم به الحجامة، والكست، والشونيز".

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 94): وفيه عطاف بن خالد وهو ثقة وتكلم فيه، ثم عبد اللَّه بن صالح هو كاتب الليث.

ص: 622

673 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي عُلْوَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: فُرِضَ عَلَى نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم خَمْسُونَ صَلَاةً، فَسَأَلَ رَبَّهُ عز وجل، فَجَعَلَهَا خَمْسًا

(30)

.

= قلت: عطاف بن خالد قال فيه الحافظ: صدوق يهم، وعبد اللَّه بن صالح قال فيه: صدوق كثير الغلط. فالإسناد ضعيف وهو يصلح كشاهد. قال الألباني في "الصحيحة"(5/ 335): هو شاهد لا بأس به.

4 -

ما أخرجه الطبراني فى "الكبير"(19/ 274 رقم 600)، وفي "الأوسط" (2081): عن عمرو ابن عاصم الكلابي، عن قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي ما مررت على ملك من الملائكة إلا أمروني بالحجم".

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 94): رجاله رجال الصحيح.

قلت: الرواية منكرة بهذا اللفظ، فقد انفرد عمرو بن عاصم بذكر الحجامة في الحديث، وخالفه أصحاب قتادة الأثبات ومنهم سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي وهمام بن يحيى وغيرهم فلم يذكروا هذا اللفظ. انظر:"صحيح البخاري"(3207)، ومسلم (164).

وعمرو بن عاصم قال فيه الحافظ: صدوق في حفظه شيء.

وللحديث شواهد أخرى ضعيفة جدًّا لا ينتفع بها لما فيها من المتروكين منها: حديث أنس عند ابن سعد في "الطبقات"(1/ 346).

وحديث عطاء، عن ابن عباس عند الطبراني في "الكبير"(11/ 621 - 163 رقم 11367)، وعند ابن حبان في "المجروحين"(3/ 59).

وحديثان عن علي في "الكامل" لابن عدي (3/ 351، 5/ 243).

وحديث لأبي سعيد الخدري في "مسند الحارث"، انظر "اتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (5/ 521).

(30)

"إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده"

"مسند أحمد"(1/ 315)، وأخرجه أحمد من وجه آخر (1/ 315)، وابن ماجه (1400)، والطبراني في "الأوسط"(6109)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 206)، والمزي في "التهذيب"(15/ 307)، كلهم عن شريك به.

قلت: وإسناده ضعيف. شريك هو القاضي: سيئ الحفظ.

وأبو علوان هو: عبد اللَّه بن عصم الحنفي العجلي، وقد سمي عند أحمد في الرواية الثانية وابن ماجه وغيرهما، وهو مختلف فيه، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: ثقة، وقال أبو زرعة: ليس به بأس، وقال =

ص: 623

674 -

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْهُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الجَنَّةَ فَسَمعَ مِنْ جَانِبِهَا وَجْسًا

(31)

، قَالَ:"يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ " قَالَ: هَذَا بِلَالٌ المؤَذِّنُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَ إِلَى النَّاسِ:"قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا". قَالَ: فَلَقِيَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الأُمِّيِّ، قَالَ: فَقَالَ: "وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ سَبْطٌ شَعَرُهُ مَعَ أُذُنَيْهِ أَوْ فَوْقَهُمَا"، فَقَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ "

= البخاري: هو مقارب الحديث. انظر "العلل الكبير" للترمذي (ص 193)، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، وفي "الثقات" أنكرت أحاديثه، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، أفرط ابن حبان فيه وتناقض.

وخولف شريك في روايته، فرواه أيوب بن جابر، عن عبد اللَّه بن عصم، عن ابن عمر بلفظ:"كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة".

أخرجه أبو داود (247)، وأيوب بن جابر ضعيف، وليس بمعتمد، وأعل هذه الرواية ابن الجوزي فقال في "العلل المتناهية" (1/ 333): هذا حديث لا يصح، وأيوب قال يحيى فيه: ليس بشيء. وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(1400): الصواب، عن ابن عمر كما في أبي داود، وإسناد حديث ابن عباس واهٍ لقصور عبد اللَّه بن عصم وأبي الوليد عن درجة أهل الحفظ والإتقان. وقال ابن حجر في "التقريب": أيوب بن جابر ضعيف، وقال في "النكت الظراف" (5/ 47): راويه كذلك عن عبد اللَّه ابن عصم أيوب بن جابر، وشريك أقوى منه.

وضعف الألباني طريق ابن عمر كما في "ضعيف أبي داود". وقال عن حديث ابن عباس كما في "صحيح ابن ماجه": صحيح بما قبله. وقال في "الإسراء والمعراج"(ص 86): إسناده حسن في الشواهد. اهـ.

وللحديث شواهد: كحديث مالك بن صعصعة عند البخاري (3207)، ومسلم (164)، وحديث أبي ذر عند البخاري (349)، ومسلم (163)، وتقدم تخريجهما.

(31)

الوَجْس: الصوت الخفي، وتَوَجَّسَ بالشيء أحس به فتسمَّع له. "لسان العرب": وجس.

ص: 624

قَالَ هَذَا مُوسَى عليه السلام، قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ عِيسَى فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْريلُ؟ " قَالَ: هَذَا عِيسَى، قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخٌ جَلِيلٌ مَهِيبٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا أبُوكَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: فَنَظَرَ فِي النَّارِ، فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الجِيَفَ، فَقَالَ:"مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْدًا شَعِثًا إِذَا رَأَيْتَهُ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ الأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي، فَالتَفَتَ ثُمَّ التَفَتَ، فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ اليَمِينِ وَالآخَرُ عَنْ الشِّمَالِ، فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ عَسَلٌ، فَأَخَذَ اللبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ القَدَحُ: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ.

(32)

(32)

"ضعيف"

"مسند أحمد"(1/ 257)، وأخرجه البيهقي في "البعث والنشور"(178)، وابن عساكر في "تاريخه"(10/ 457)، من طريق أحمد، ثلاثتهم عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه به.

وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى"(1/ 264) إلى أبي نعيم في "الدلائل"، والضياء في "المختارة"، وعزاه في "الدر المنثور"(5/ 214) إلى ابن مردويه.

قلت: وإسناده ضعيف؛ آفته قابوس بن أبي ظبيان سيئ الحفظ، وقد انفرد بروايته. قال عنه جرير بن عبد الحميد: لم يكن من النقد الجيد، نفق قابوس، أتيناه بعد فساد. والحديث هنا من طريق جريرٍ عنه.

وقال أحمد بن حنبل: لم يكن من النقد الجيد، وليس بذاك، وقد روى الناس عنه. وقال ابن معين: ثقة جائز الحديث إلا أن ابن أبي ليلى جلده الحد، ضعيف الحديث، وليس به بأس. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، ضعيف الحديث لين. وقال النسائي: ليس بالقوي، ضعيف، وفي "ضعفائه" (495): ليس بالقوي.

وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، أحاديثه متقاربة. وقال ابن سعد: فيه ضعف لا يحتج به. وقال يعقوب بن سفيان: ثقة. وقال الدارقطني: ضعيف ولكن لا يترك. وقال الساجي: ليس بثبت يقدم عليًّا على عثمان. وقال ابن حبان في "المجروحين": كان رديء الحفظ، يتفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل وأسند الموقوف. وقال الذهبي: كان ابن معين شديد الحط عليه، على أنه وثقه.

ص: 625

675 -

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "المعْجَمِ الكَبِيرِ":

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ المِصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لمَّا أُسْرِيَ بِيَ انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ المنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا أَمْثَالُ القِلَالِ".

(33)

676 -

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "المعْجَمِ الكَبِيرِ":

حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْلَةَ أُسْرِي بِي: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يُشْبِهُنِي، وَرَأَيْتُ مُوسَى طُوَالٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى أَحْمَرُ رَبْعَةٌ سَبطٌ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ الدُّهْنَ".

(34)

= وقد تساهل بعض أهل العلم في روايته وقبلوها وليس هذا بمعتمد، قال ابن كثير في "التفسير": إسناد صحيح ولم يخرجوه. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(4/ 14): رواه أحمد ورواته ثقات خلا قابومى. وقال الهيثمي في "المجمع"(8/ 95): فيه قابوس وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال السيوطي في "الخصائص الكبرى" (1/ 264): سند صحيح.

وضعفه المتقي الهندي في "الكنز"(35449) وقال: فيه قابوس ضعيف. وقال الألباني في "الإسراء"(74): ردًا على تصحيح ابن كثير وتصحيح السيوطي: وهو تساهل واضح، فإن قابوس فيه لين كما قال في "التقريب".

وقال الألباني في "ضعيف الترغيب"(1687): ضعيف.

(33)

"ضعيف"

"المعجم الكبير"(10/ 287 رقم 10683).

قلت: وإسناده ضعيف؛ زينب بنت سليمان لا يعلم حالها في الحديث، وقد ترجم لها الخطيب في "تاريخه" (4/ 434) وقال: كانت من أفاضل النساء، وأبوها هو سليمان بن علي الأمير أيضًا لا يعرف حاله في الحديث، وهو من رجال "التهذيب"، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول.

(34)

"ضعيف"

"المعجم الكبير"(11/ 73 رقم 11086).

ص: 626

677 -

قَالَ ابْنُ المرَجَّا فِي "فَضَائِلِ بَيْتِ المقْدِسِ":

أخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: أَبَنَا عُمَرُ، قَالَ: أبَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا الوَلِيدُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ ابنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: ثَنَا القَاسِمُ بْنُ يَزِيدٍ، عَنْ عرانةَ الكَلْبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ البَصْريِّ، عَنِ الكَلْبِي، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَّيْتُ فِي المَسْجِدِ -يَعْنِي المَسْجِدَ الحرَامَ- فَوَضَعْتُ رَأْسِي فَأتَانِي آتٍ فَحَرَّكَنِي، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ثُم حَرَكَنِي الثَّانِية، فَقُمْتُ فَأَتَيتُ بَابَ المَسْجِدِ وَإِذَا بِدَابَّةٍ فَوْقَ الحِمَارِ، وَدُونَ البَغْلِ، مُضْطَرِبُ الأُذُنَينِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ بَصَرِهِ، إِذَا أَخَذَ فِي هُبُوطٍ طَالَتْ يَدَاهُ، وَقَصُرَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا أَخَذَ فِي صُعُودٍ طَالَتْ رِجْلَاهُ، وَقَصُرَتْ يَدَاهُ، وَصَاحِبِي مَعِي لَا يُفَارِقُنِي -يَعْنِي جِبْرِيلَ- حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُهُ فِي الحلْقَةِ الَّتِي يُوثِقُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَصَلَّيْتُ بِهِمْ، وَأُتِيتُ بإناءَينِ: إِنَاءُ لَبَنٍ، وَإِنَاءُ خَمْرٍ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَيُّهُمَا شِئْتَ خُذْ، فَأَخَذْتُ اللبَنَ، فَقَالَ لِي: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ. فَرَجَعْتُ، فَصَلَّيْتُ فِي هَذَا المَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الحرَامِ- فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قُلتُ لِأمِّ هَانِئ". قَالَتْ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا ابْنَ عَمِّي أَنْ

(35)

تُحَدِّثَ بهذا قُرَشِيَّا؛ فيُكَذِّبَ بِكَ مَن قَدْ صَدَّقَكَ. قَالَتْ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ رِدَاءَهُ مِنْ يَدِي، فَسَلَّهُ فَارْتَفَع رِدَاؤُه عن بَطْنِهِ، فَنَظَرْتُ إلَى عُكَنِهِ فَوْقَ إِزَارِهِ كَأنَّهَا طَيُّ القَرَاطِيسِ، فَدَعَوْتُ جَارِيةً لِي، فَقُلْتُ: اتْبَعيِه فَانْظُرِي مَاذَا يَقُولُ، وَمَا يُقَالُ لَهُ، فَانْتَهَى إِلَى المَلأِ مِن قُرَيشٍ، فَقَالَ: "إِنِّي صَلَّيْتُ البَارِحَةَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، وَصَلَّيْتُ بِهِ الفَجْرَ، وَأَتَيْتُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَيْتَ المقْدِسِ فَأَعْظَمُوا

= قلت: وإسناده ضعيف؛ وسلمة شيخ الطبراني هو: سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة ابن كهيل، وأبوه إبراهيم ضعيف كما قال الحافظ، وإسماعيل بن يحيى بن سلمة متروك كما قال الحافظ في "التقريب"، وأخرجه بدون ذكر الإسراء في أوله البخاري (3438) بإسناد آخر عن مجاهد.

(35)

كذا في المطبوع، وأشار إليها المحقق، ولعل الصواب: ألا.

ص: 627

ذَلِكَ وَضَجُّوا"، وَقَالَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ: كُلُّ أَمْرِكَ قَبْلَ اليَوْم كَانَ بنَا عِنْدَ قَوْلِكَ اليَوْم، نَحْنُ نَضْرِبُ أَكْبَادَ الإِبِل مَصْعَد شَهْرًا، وَأَنْتَ تَزْعُم أَنَّكَ أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ، وَاللَّهِ لَا نُصَدِّقُكَ، وَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ فِيكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بِئْسَ مَا قُلْتَ لِابْنِ أَخِيكَ، جَبَّهْتَهُ وَكَذَّبْتَهُ. قَالُوا: فَصِفْ لَنَا بَيْتَ المقْدِسِ. قَالَ: "دَخَلْتُ لَيْلًا وَخَرَجْتُ لَيْلًا" فَأَتَاهُ جِثرِيلُ بِصُوْرَتِهِ فِي جَنَاحِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ. فَجَعَلَ يَقُولُ: بَابُ كَذَا فِي مَوْضِع كَذَا وَكَذَا، وَأبُو بَكْرٍ يَقُولُ: صَدَقْتَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصِّدِّيق. قَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، دَعْنَا فَلَسْتَ بِأَعْلَمِنَا بِبَيْتِ المقْدِسِ، فنَسْألهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى بِنَا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مُنْذُ اليَوْمِ، أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا، قَالَ: "نَعَمْ، أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ فَكَانَ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، فَانْطَلَقُوا يَطْلُبُونَهُ، فَأَتَيْتُ إِلَى مَاءٍ فِي قَدَحٍ فَشَرِبْتُ فَاسَأَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأتَيْتُ عَلَىِ عِيرِ بَنِي فُلَانٍ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ، هَا هِيَ ذِهْ تَطْلُعُ منَ الثَّنِيَّةِ". فَانْطَلَقُوا فَسَألُوهُ فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}

(36)

.

(37)

678 -

قَالَ الخطِيبُ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ":

أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العَتِيقِي، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ

(36)

الإسراء: 60.

(37)

"ضعيف"

"فضائل بيت المقدس"(ص 153 - 155).

قلت: وفي إسناده أبو صالح باذام، قال ابن معين: ليس به بأس، وإذا حدث عنه الكلبي فليس بشيء. وضعفه الحافظ في "التقريب"، وقد حدث عنه الكلبي هنا، والكلبي كذبه بعضهم وتركه بعضهم. وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، ثم إن أبا صالح اضطرب في روايته؛ فقد أخرجه أبو يعلى في "معجم شيوخه"(10)، من طريق ضمرة بن ربيعة، عن السيباني، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنحوه، فأسقط ابن عباس هنا، وأبو صالح معلوم بالتدليس.

ص: 628

البَيِّعِ، قَالَا: حَدَّثَنَا المعَافَى بْنُ زَكَريَّا الجَرِيرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ الصَّيدَلَانِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الوَاسِطِي، حَدَّثَنَا يَزيدُ بْنُ هَارُون، حَدَّثَنَا خَالِدُ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ المرْسَلِينَ عَلَى المقَرَّبِينَ، فَلَمَّا بَلَغَتُ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ نُورٍ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ نُورٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يُسَلِّمُ عَلَيْكَ صَفِيِّي وَنَبِيِّي فَلَمْ تَقُمْ إِلَيْهِ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَتَقُومَنَّ فَلَا تَقعُدُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ".

(38)

679 -

قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "المجْرُوحِينَ":

أخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَسْدَوَسْتَ النَّسَوِيُّ فِي قَرْيَةِ الحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي خِدَاشٍ المُوصِلِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لمَّا أُسْرِيَ

(38)

"موضوع"

"تاريخ بغداد"(3/ 306 - 307)، وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 292) من طريق الخطيب.

وفيه محمد بن مسلمة، قال الخطيب (3/ 307): هذا الحديث باطل موضوع، ورجاله كلهم ثقات، رأيت هبة اللَّه بن الحسن الطبري يُضَعِّفُ محمد بن مسلمة، وسمعت الحسن بن محمد الخلال يقول: محمد بن مسلمة ضعيف جدًّا. وقال الذهبي: أتى بخبر باطل اتهم به، وقال أبو القاسم اللالكائي: ضعيف.

قلت: وقد حكم عليه بالوضع جماعة من العلماء منهم ابن الجوزي في "الموضوعات"، والذهبي في "الميزان"(4/ 42)، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(1/ 275)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 326).

وقال الألباني: في "السلسلة الضعيفة"(846): موضوع.

ص: 629

بِي إِلَى السَّمَاءِ أُرِيتُ فِيْهَا عَجَائِبَ مِن خَلقٍ، وَمِنْ ذَلِكَ الَّذِى رَأَيْتُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا دِيكًا لَهُ زَغَبٌ

(39)

أَخْضَرُ وَرِيشٌ أبْيَضُ، بَيَاضُ رِيشِهِ كَأشَدَّ بَيَاضٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ، وَزَغَبُهُ أَحْمَرُ كَأَشَدِّ حُمْرَةٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ، وَإِذَا رِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى وَرَأْسُهُ عِنْدَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ ثَنَى عُنُقَهُ تَحْتَ العَرْشِ وَلَهُ جَنَاحَانِ فِي مَنْكِبَيْهِ إِذَا نَشَرَهُمَا جَاوَزَ المشْرِقَ (وَالمغْرِبَ)

(40)

فَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الليْلِ نَشَرَ جَنَاحَهُ وَخَفَقَ بِهِمَا وَصَرَخَ بِالتَّسْبِيحِ لِلَّهِ يَقُولُ: سُبْحَانَ الملِكِ القُدُّوسِ سُبْحَانَ اللَّهِ الكَرِيمِ المتَعَالِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه الحيُّ القَيُّومْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَبَّحَتْ دِيكَةُ الأَرْضِ وَخَفَّقَتْ أَجْنِحَتَهَا وَأَخَذَتْ فِي الصُّرَاخِ، فَإِذَا سَكَنَ ذَلِكَ الدِّيكُ فِي السَّمَاءِ سَكَتَتِ الدِّيَكَةُ فِي الأَرْضِ".

(41)

فذكر حديثًا طويلًا في قصة المعراج

(39)

الزَّغَبُ: الشعيرات الصفر على ريش الفرخ، وقيل: هو صغار الشعر والريش ولينه، وقيل: هو دقاق الريش الذي لا يطول ولا يجود، والزغب ما يعلو ريش الفرخ. "لسان العرب": زغب.

(40)

من "الموضوعات" لابن الجوزي.

(41)

"موضوع"

"المجروحين"(3/ 12)، وأخرجه أبو سعيد النقاش في "فنون العجائب"(77)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 7)، وابن مردويه كما ذكر السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(1/ 81)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 169)، جميعهم عن ميسرة بن عبد ربه به.

قلت: وإسناده موضوع؛ فيه عمر بن سليمان، قال عنه الذهبي في "الميزان": ذكر حديث الإسراء بلفظ موضوع. وفيه ميسرة بن عبد ربه: كذاب. والحديث قال فيه ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 8): موضوع؛ والمتهم به ميسرة كذاب وضاع. وقال السيوطي في "اللآلئ"(1/ 81): بعد ذكر قول ابن الجوزي، قلت: وكذا قال ابن عياش، والذهبي في "الميزان"، وابن حجر في "لسان الميزان". وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/ 12): أكره ذكره لشهرته عند من كتب الحديث وطلبه. وقال ابن القيم في "المنار المنيف"(ص 56): كل أحاديث الديك كذب إلا حديثًا واحدًا: "إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا اللَّه. . . ".

والحديث ذكره ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 169)، وابن القيسراني في "تذكرة الموضوعات"(624). وهو حديث لا يُشَكُّ في وضعه، وبلغ خمسة وسبعين وثلاثمئة سطر.

ص: 630

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال السيوطي في "اللآلئ"(1/ 74 - 75): قد أخرجه بطوله ابن مردويه في "التفسير"، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد البلخي، حدثنا إسحاق بن الهياج بن مربون أبو يعقوب البلخي، حدثنا محمد بن حفص الجوزجاني، حدثنا العلاء بن الحكم البصري، عن ميسرة بن عبد ربه، عن عمر بن سليمان الدمشقي، عن الضحاك وعكرمة، عن ابن عباس (ح) قال: وحدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد اللَّه بن أسيد الأصبهاني، حدثنا محمد بن عيسى بن يزيد السعدي، حدثنا سليمان بن عمر بن سيار التميمي، حدثني أبي، حدثنا سعيد بن رزين، عن عمر بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم وعكرمة، عن ابن عباس به، وكتب الذهبي بخطه عليه في الحاشية أنه موضوع، وهذا الطريق الثاني يدل على أن الآفة من غير ميسرة، وقد قال الذهبي: في "الميزان" في ترجمة عمر بن سليمان أتى عن الضحاك بحديث الإسراء بلفظ موضوع، وتبعه ابن حجر في "اللسان" مع ذكرهما له في ترجمة ميسرة فإنه المتهم به، لكنهما تبعا هناك ابن حبان، والأشبه ما ذكراه هنا أن الآفة من عمر بن سليمان، واللَّه أعلم.

وتتمة الحديث عند ابن مردويه في "تفسيره"، كما ذكر السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(1/ 63 - 81)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 155 - 169): عن ابن عباس مرفوعًا: "لمَّا أسري بي إلى السماء رأيت فيها أعاجيب من عباد اللَّه وخلقه، ومن ذلك الذي رأيت في السماء ديك له زغب أخضر، وريش أبيض، بياض ريشه كأشد بياض رأيته قط، وزغبه تحت ريشه أخضر كأشد خضرة رأيتها قط، وإذا رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى، ورأسه تحت عرش الرحمن، ثاني عنقه تحت العرش، له جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب، فإذا كان في بعض الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح للَّه يقول: سبحان الملك القدوس، سبحان اللَّه الكبير المتعال، لا إله إلا هو الحي القيوم، فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها، وأخذت في الصراخ، فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الأرض".

قال ابن حبان: وذكر حديثًا طويلًا في قصة المعراج شبيهًا بعشرين ورقة.

قلت: وتمامه: "ثم إذا كان في بعض الليل نشر جناحيه في آفاق المشرق والمغرب فخفق بهما، وصرخ بالتسبيح للَّه تعالى ويقول: سبحان اللَّه العلي العظيم، سبحان اللَّه العزيز القهار، سبحان اللَّه ذي العرش المجيد الرفيع، فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها عند قوله، وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصريخ، فإذا سكن ذلك الديك سكنت الديكة في الأرض، ثم إذا هاج ذلك الديك هاجت الديكة في الأرض إذ يجاوبنه بالتسبيح للَّه تعالى تعلن مثل قوله، فلم أزل منذ رأيت ذلك الديك مشتاقًا إلى أن أراه الثانية، ثم مررت بخلق عجب من العجب من الملائكة، نصف جسده مما يلي رأسه ثلج، والآخر =

ص: 631

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= نار، ما بينهما رتق، فلا النار تذيب الثلج، ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له رفيع جدًّا يقول: سبحان ربي الذي كف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، سبحان ربي الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج، اللهم مؤلفًا بي الثلج والنار ألف بي قلوب عبادك المؤمنين. فقلت: من هذا يا جبريل؟ ". فقال: ملك من الملائكة وصله اللَّه بأكناف السموات وأطراف الأرضين، وهو من أنصح الملائكة لأهل الأرض من المؤمنين يدعو لهم بما تسمع، فهذا قوله منذ خلق. "ثم مررت بملك آخر جالس على كرسي، فإذا جميع الدنيا ومن فيها بين ركبتيه، وبيده لوح من نور مكتوب ينظر فيه لا يلتفت عنه يمينًا ولا شمالًا مقبل عليه. فقلت له: من هذا يا جبريل؟ " قال: هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح، وهو أشد الملائكة عملًا. فقلت: "يا جبريل، إن كل من مات من ذوي الأرواح أو هو ميت فيما بعد أهذا يقبض روحه؟ " قال: نعم. قلت: "أفيراهم أينما كانوا ويشهدهم بنفسه؟ " قال: نعم. فقلت: "كفى بالموت طامة". فقال جبريل: إن ما بعد الموت أطم وأعظم. فقلت: "وما ذاك يا جبريل؟ " قال: منكر ونكير يأتيان كل إنسان من البشر حين يوضع في قبره ويترك وحيدًا. فقلت: "أرنيهما يا جبريل". قال: لا تفعل يا محمد فإني أرهب أن تفزع منهما وتهال أشد الهول، ولا يراهما أحد من ولد آدم إلا بعد الموت، ولا يراهما أحد من البشر إلا مات فزعًا منهما، وهما أعظم شأنًا مما تظن. قلت:"يا جبريل صفهما لي". قال: نعم من غير ان أذكر لك طولهما ذكر ذلك منهما أفظع غير أن أصواتهما كالرعد القاصف، وأعينهما كالبرق الخاطف، وأنيابهما كصياصي البقرة، يخرج لهب النار من أفواههما ومناخرهما ومسامعهما، يكسحان الأرض بأشعارهما، ويحقران الأرض بأظفارهما، مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه جميع من في الأرض ما حركوه، يأتيان الإنسان إذا وضع في قبره وترك وحيدًا، يسلطان عليه فترد روحه في جسده بإذن اللَّه تعالى، ثم يقعدانه في قبره وينتهرانه انتهارًا تتقعقع منه عظامه، وتزول أعضاؤه من مفاصله، فيخر مغشيًا عليه، ثم يقعدانه في قبره فيقولان: يا هذا إنك في البرزخ فاعقل ذلك واعرف مكانك، وينتهرانه ثانيًا ويقولان: يا هذا قد ذهبت من الدنيا وأفضيت إلى معادك أخبرنا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن كان مؤمنًا لقنه اللَّه تعالى حجته فيقول: ربي اللَّه، ونبيي محمد، وديني الإسلام، فينتهرانه عند ذلك انتهارًا يرى أن أوصاله قد تفرقت، وعروقه قد تقطعت فيقولان: تثبت يا هذا وانظر ما تقول، فيثبت اللَّه عبده المؤمن بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويلقيه الأمن ويدرأ عنه الفزع حتى لا يخافهما، فإذا فعل اللَّه ذلك بعبده المؤمن استأنس إليهما وأقبل عليهما ويقول: تهدداني كيما أشك في ديني، أتريدان أن أتخذ غيره وليًا فاشهد أن لا إله إلا هو ربي وربكما ورب كل شيء، ونبيي محمد، وديني الإسلام. فينتهرانه ويسألانه الثالثة فيقول: ربي اللَّه فاطر السموات والأرض فإياه كنت أعبد لم أشرك به شيئًا، ولم أتخذ =

ص: 632

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= غيره وليَّا أتريدان أن ترداني عن معرفة ربي وعبادتي إياه هو اللَّه لا إله إلا هو ربي وربكما ورب كل شيء، ونبيي محمد، وديني الإسلام. فإذا قال ذلك ثلاث مرات مجاوبة لهما تواضعا حتى يستأنس إليهما أحسن ما يكون في الدنيا إلى أهل وده وقرابته فيقولان: صدقت وبررت، وفقك اللَّه وثبتك، أبشر بالجنة وكرامة اللَّه، ثم يدفعان قبره فيتسع عليه مد البصر، ويفتحان له بابًا إلى الجنة، فيدخل عليه من ريح الجنة وطيب نسيمها ونورها ما يعرف به كرامة اللَّه، فإذا رأى ذلك استيقن الفوز وحمد اللَّه، فيفرشان له فراشًا من استبرق الجنة، ويضعان له مصباحًا من نور عند رأسه، ومصباحًا من نور عند رجليه يزهران له في قبره بأضوأ من الشمس لا يطفئان عنه إلى يوم القيامة حتى يبعث من قبره، ثم يدخل عليه من الجنة ريح فحين يشمها يغشاه النعاس وينام ويقولان له: ارقد رقدة العروس، قرير العين، لا خوف عليك ولا حزن، ثم يمثلان له عمله الصالح في أحسن صورة وأطيب ريح فيكون عند رأسه ويقولان: هذا عملك الصالح، وكلامك الطيب قد مثله اللَّه في أحسن ما ترى من صورة يريك في قبرك فلا تكون وحيدًا ويدرأ عنك هوام الأرض وكل أذى، ولا يخذلك في قبرك، ولا في شيء من مواطن القيامة حتى يدخلك الجنة برحمة ربك، فنم سعيدًا طوبى لك وحسن مآب، ثم يسلمان عليه وينصرفان عنه. قلت:"يا جبريل لقد شوقتني إلى الموت من حسن حديثك فأدنني من ملك الموت، فأدناني فسلمت عليه". وقال له جبريل: هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله اللَّه في العرب رسولًا نبيًا، فرحب بي وحياني بالسلام، وأنعم بشاشتي، وأحسن بشراي ثم قال: أبشر يا محمد فإن إليك الخير كله في أمتك. فقلت: "الحمد للَّه المنان بالنعم، ذلك من رحمة ربي لي ونعمته علي. قلت: ما هذا اللوح الذي بين يديك يا ملك الموت؟ " قال: مكتوب فيه آجال الخلق. قلت: "أفلا تخبرني عمن قبضت روحه في الدهور الخالية". قال: تلك الأرواح في ألواح أخرى قد علمت عليها، وكذلك أصنع بكل ذي روح إذا قبضت روحه علمت عليه. فقلت:"يا ملك الموت فكيف تقدر على قبض أرواح جميع من في الأرض أهل بلادها وكورها وما بي مشارقها ومغاربها؟ " قال: ألا ترى أن الدنيا كلها بين ركبتي، وجميع الخلائق بي عيني ويداي يبلغان المشرق والمغرب وخلفهما بعيدًا، فإذا نفذ أجل عبد نظرت إليه فإذا أبصر أعواني من الملائكة نظري إلى عبد من عبيد اللَّه عرفوا أنه مقبوض، فعمدوا إليه فبطشوا به يعالجون من نزع روحه، فإذا بلغت الروح الحلقوم علمت ذلك، ولا يخفى علي من أمره شيء، مددت يدي إليه فانتزعت روحه من جسده وأقبضه، فذلك أمري وأمر ذوي الأرواح من عباد اللَّه. "فأبكاني حديثه ثم جاورناه فمررت بملك عظيم ما رأيت من الملائكة خلقًا مثله، كالح الوجه، كريه المنظر، شديد البطش، ظاهر الغضب، فلما نظرت إليه رعبت فقلت: يا جبريل من هذا فإني قد رعبت منه رعبًا شديدًا؟ " قال: لا تعجب أن ترعب منه يا محمد، فكلنا بمنزلتك من الرعب منه، هذا =

ص: 633

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مالك خازن جهنم، لم يتبسم قط، ولم يزل منذ ولاه اللَّه جهنم يزداد كل يوم غضبًا وغيظًا على أعداء اللَّه وأهل معصيته لينتقم اللَّه به منهم. "فسلمت عليه، فرد علي وكلمته فأجابني وبشرني بالجنة، قلت له: مذ كم أنت واقد على جهنم؟ " قال: منذ خلقت حتى الآن، وكذلك حتى الساعة. قلت:"يا جبريل، مره فليفتح بابًا منها". فأمره بذلك ففعل "فخرج منها لهب ساطع أسود معه دخان كدر مظلم امتلأت منه الآفاق وسطع اللهب في السماء له قصيف ومعمعة، فرأيت منه هولًا فظيعًا وأمرًا عظيمًا أعجز عن صفته، فكاد يغشى علي وتزهق نفسي فقلت: يا جبريل، مره فليردده". فأمره بذلك ففعل "ثم جاوزناه ومررت بملائكة كثيرة لا يحصى عددهم إلا اللَّه الواحد الملك القهار، منهم من له وجوه كثيرة بين كتفيه اللَّه أعلم بعدها، ثم وجوه كثيرة في صدره، وفي كل وجه من تلك الوجوه أفواه وألسن وهم يحمدون اللَّه ويسبحونه بتلك الألسن كلها، فرأيت من خلقهم وعبادتهم للَّه أمرًا عظيمًا، فجاوزناهم من سماء إلى سماء حتى بلغنا بقوة اللَّه إلى السماء السادسة، فإذا خلق كثير فوق وصف الواصفين يموج بعضهم في بعضى كثرة، وإذا كل ملك منهم ممتلئ ما بين رأسه ورجليه وجوه وأجنحة، وليس من فم ولا رأس ولا وجه ولا عين ولا لسان ولا أذن ولا جناح ولا يد ولا رجل ولا عضو ولا شعر إلا يسبح اللَّه بحمده، ويذكر من آلائه وثنائه بكلام لا يذكره العضو الآخر رافعين أصواتهم بالبكاء من خشية اللَّه والتحميد له وعبادته، لو سمع أهل الأرض صوت ملك منهم لماتوا كلهم فزعًا من شدة هوله قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ " قال: سبحان اللَّه العظيم هؤلاء الكروبيون عن عبادتهم لثه وتسبيحهم له وبكائهم من خشيته، خلقوا كما ترى لم يكلم واحد منهم صاحبه إلى جنبه قط، ولم ير وجهه، ولم يرفعوا رووسهم إلى السماء السابعة منذ خلقوا، ولم ينظروا إلى ما تحتهم من السموات والأرضين خشوعًا في جسمهم، وخوفًا من ربهم. "فأقبلت عليهم بالسلام فجعلوا يردون علي إيماء ولا يكلموني ولا ينظرون إلي من الخشوع" فلما رأى ذلك جبريل قال: هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله اللَّه في العرب نبيًا، وهو خاتم الأنبياء وسيد البشر أفلا تكلمونه. "فلما سمعوا ذلك من جبريل وذكره أمري بما ذكر أقبلوا علي بالتحية والسلام فأحسنوا بشارتي وكلموني وبشروني بالخير لأمتي، ثم أقبلوا على عبادتهم كما كانوا، فأطلقت المكث عندهم والنظر إليهم تعجبًا منهم لعظم خلقهم وفضل عبادتهم، ثم جاوزناهم فحملني جبريل فأدخلني السماء السابعة، فأبصرت فيها خلقًا وملائكة من خلق ربهم لم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم ولا أصفهم لكم، ثم أخبركم إن اللَّه أعطاني عند ذلك مثل قوة أهل الأرض، وزادني من عنده ما هو أعلم به، ومن عليَّ بالثبات، وحدد بصري لرؤية نورهم، ولولا ذلك ما استطعت النظر فقلت: سبحان اللَّه العظيم الذي خلق مثل هؤلاء، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فأخبرني وقص علي من شأنهم العجب، ولم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم، ثم جاوزناهم فأخذ =

ص: 634

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= جبريل بيدي فرفعني إلى عليين حتى انتهى بي إلى أشراف الملائكة وعظمائهم وروسائهم، فنظرت إلى سبعين صفًا من الملائكة، صفًا خلف صف، وقد افترقت أقدامهم تخوم الأرض السابعة وجاوزت حيث لا يعلمه إلا اللَّه حتى استقرت على السهوم -يعني حجابًا في الظلمة- وامترقت رووسهم السماء السابعة العليا، ونفذت في عليين حيث شاء اللَّه في الهواء، وإذا من وسط رؤوسهم إلى منتهى أقدامهم وجوه ونور أجنحة، ووجوه شتى لا يشبه بعضها بعضًا، وأنوارهم شتى لا يشبه بعضها بعضًا، وأجنحتهم شتى لا يشبه بعضها بعضًا، تحار أبصار الناظرين دونهم، فنبت عيناي عنهم لمَّا نظرت من عجائب خلقهم وشدة هولهم وتلألؤ نورهم، فخالطني منهم فزع شديد حتى استعلتني الرعدة، فنظرت إلى جبريل" فقال: لا تخف يا محمد، فإن اللَّه عز وجل قد أكرمك بكرامة لم يكرم بها أحد قبلك، وبلغ بك مكانًا لم يبلغ إليه أحد قبلك، وإنك سترى أمرًا عظيمًا وخلقًا عجيبًا من خلق رب العزة، فتثبت يقوك اللَّه، وتجلد فإنك سترى أعجب من الذي رأيته وأعظم أضعافًا كثيرة. "ثم جاوزناهم بإذن اللَّه تعالى يتصعد بي إلى عليين حتى ارتفعنا فوقهم مسيرة خمسين ألف سنة لغيرنا، ولكن اللَّه قدر لنا سرعة جوازه في ساعة من الليل، فانتهينا أيضًا إلى سبعين صفًا من الملائكة، صفًا خلف صف، قد ضاق كل صف منهم بالصف الذي يليه، فرأيت من خلقهم العجب العجيب من تلألؤ نورهم وكثرة وجوههم وأجنحتهم وشدة هولهم ودوي أصواتهم بالتسبيح للَّه والثناء عليه، فنظرت إليهم فحمدت اللَّه على ما رأيت من قدرته وكثرة عجائب خلقه، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى أشرفنا فوقهم، فوقهم مسيرة خمسين ألف سنة بقوة اللَّه وإسرائه بنا في ساعة حتى انتهينا إلى سبعين صفًا من الملائكة، صفًا خلف صف، ثم كذلك إلى سبع صفوف ما بين كل صفين من الصفوف السبعة مسيرة خمسين ألف سنة للراكب المسرع، قد ماج بعضهم في بعض، وقد ضاق كل صف منهم بالصف الذي يليه، فهم طبق واحد متراصون بعضهم إلى بعض، وبعضهم خلف بعض، فلقد خيل إلي أني قد نسيت كل ما رأيت من عجائب خلق اللَّه الذي دونهم، ولم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم، ولو كان أذن لي في ذلك لم أستطع أن أصفهم لكم، ولكن أخبركم أن لو كنت ميتًا قبل أجلي فزعًا من شيء لمت عند رؤيتهم، وعجائب خلقهم، ودوي أصواتهم، وشعاع نورهم، ولكن اللَّه تعالى قواني لذلك برحمته وتمام نعمته، ومن عليَّ بالثبات عند ما رأيت من شعاع نورهم، وسمعت دوي أصواتهم بالتسبيح، وحدد بصري لرؤيتهم كي لا يخطف من نورهم، وهم الصافون حول عرش الرحمن، والذين دونهم المسبحون في السماوات، فحمدت اللَّه على ما رأيت من العجب في خلقهم، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى أشرفنا فوقهم فوقهم مسيرة خمسين ألف سنة بقوة اللَّه وإسرائه بنا في ساعة حتى انتهينا إلى سبعين صفًا من الملائكة، صفًا خلف صف، ثم كذلك إلى =

ص: 635

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سبع صفوف ما بين كل صفين من الصفوف السبعة مسيرة خمسين ألف سنة للراكب المسرع، قد ماج بعضهم في بعض، وقد ضاق كل صف منهم بالصف الذي يليه فهم طبق واحد متراصون بعضهم إلى بعض، وبعضهم خلف بعض، فلقد خيل إلي أني قد نسيت كل ما رأيت من عجائب خلق اللَّه الذي دونهم ولم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم، ولو كان أذن لي في ذلك لم أستطع أن أصفهم لكم، ولكن أخبركم أن لو كنت ميتًا قبل أجلي فزعًا من شيء لمت عند رؤيتهم، وعجائب خلقهم، ودوي أصواتهم، وشعاع نورهم، ولكن اللَّه تعالى قواني لذلك برحمته وتمام نعمته، ومن عليَّ بالثبات عند ما رأيت من شعاع نورهم، وسمعت دوي أصواتهم بالتسبيح، وحدد بصري لرؤيتهم كي لا يخطف من نورهم، وهم الصافون حول عرش الرحمن، والذين دونهم المسبحون في السماوات، فحمدت اللَّه على ما رأيت من العجب في خلقهم، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى ارتفعنا فوق ذلك، فانتهينا إلى بحر من نور يتلألأ لا يرى له طرف ولا منتهى، فلما نظرت إليه حار بصري دونه حتى ظننت أن كل شيء من خلق ربي قد امتلأ نورًا والتهب نارًا، فكاد بصري يذهب من شدة نور ذلك البحر، وتعاظمني ما رأيت من تلألؤه، وأفظعني حتى فزعت منه جدًّا، فحمدت اللَّه تعالى على ما رأيت من هول ذلك البحر وعجائبه، ثم جاوزناه بإذن اللَّه تعالى متصعدين إلى عليين حتى انتهينا إلى بحر أسود، فنظرت فإذا ظلمات متراكبة بعضها فوق بعض في كثافة لا يعلمها إلا اللَّه، ولا أرى لذلك البحر منتهى ولا طرفًا، فلما نظرت إليه اسود بصري وغشي علي حتى ظننت أن خلق ربي قد اسود وأعتمت في الظلام فلم أر شيئًا، وظننت أن جبريل قد فاتني وفزعت وتعاظمني جدًّا" فلما رأى جبريل ما بي أخذ بيدي وأنشأ يؤنسني ويكلمني ويقول: لا تخف يا محمد، أبشر بكرامة اللَّه واقبلها بقبولها هل تدري ما ترى وأين يذهب بك؟ إنك ذاهب إلى ربك رب العزة فتثبت لما ترى من عجائب خلقه يثيبك اللَّه. "فحمدت اللَّه على ما بشرني به جبريل، وعلى ما رأيت من عجائب ذلك البحر، ثم جاوزنا بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى انتهينا إلى بحر من نار يتلظى نارًا ويستعر استعارًا، ويموج موجًا ويأكل بعضه بعضًا، ولناره شعاع ولهب ساطع، وفيه دوي ومعمعة وهو هائل، فلما نظرت إليه وامتلأت خوفًا ورعبًا، وظننت أن كل شيء من خلق اللَّه قد التهب نارًا وغشي بصري حتى رددت يدي على عيني لما رأيت من هول تلك النار، فنظرت إلى جبريل فعرف ما بي من الخوف" فقال لي: يا محمد لا تخف، تثبت وتجلد بقوة اللَّه تعالى، واعرف فضل ما أنت فيه، وإلى ما أنت سائر، وخذ ما يريك اللَّه من آياته وعجائب خلقه بشكر. "فحمدت اللَّه على ما رأيت من عجائب تلك النار، ثم جاوزناها بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى انتهينا إلى جبال الثلج، بعضها خلف بعض لا يحصيها إلا اللَّه شوامخ منيعة الذرى في الهواء، وثلجها شديد البياض له شعاع كشعاع الشمس، فنظرت فإذا =

ص: 636

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هو يرعد كأنه ماء يجري، فحار بصري من ضدة بياضه وتعاظمني ما رأيت من كثرة الجبال وارتفاع ذراها في الهواء حتى ثبت عيناي عنها" فقال لي جبريل: لا تخف يا محمد وتثبت لما يريك اللَّه من عجائب خلقه. "فحمدت اللَّه على ما رأيت من عظم تلك الجبال، ثم جاوزناها بإذن اللَّه متصعدين إلى عليين حتى انتهينا إلى بحر آخر من نار تزيد ناره أضعافًا لهبًا وتلظيًا واستعارًا وأمواجًا ودويًا ومعمعةً وهولًا، وإذا جبال الثلج بين النار ولا تطفئها، فلما وقف بي على ذلك وهول تلك النار استحملني من الخوف والفزع أمر عظيم واستقبلتني الرعدة حتى ظننت أن كل شيء من خلق ربي قد التهب نارًا لمَّا تفاقم أمرها عندي، ورأيت من فظاعة هولها" فنظر إليَّ جبريل فدما رأى ما بي من الخوف والرعدة قال: سبحان اللَّه يا محمد مالك؟ أأنت مواقع هذه النار؟! فما كل هذا الخوف، إنما أنت في كرامة اللَّه، والصعود إليه ليريك من عجائب خلقه وآياته الكبرى، فاطمئن برحمة ربك، واقبل ما أكرمك به، فإنك في مكان لم يصل إليه آدمي قبلك قط، فخذ ما أنت فيه بشكرك، وتثبت لما ترى من خلق ربك، ودع عنك من خوفك، فإنك آمن مما تخاف، وإن كنت تعجب مما ترى فما أنت راء بعد هذا أعجب مما رأيت قبل ذلك. "فأفرغ روعي، وهدأت نفسي، فحمدت اللَّه على ما رأيت من عجائب آلائه، ثم جاوزنا تلك النار متصعدين حتى انتهينا إلى بحر من ماء، وهو بحر البحور لا أطيق أصفه لكم غير أني لم آت على موطن من تلك المواطن التي حدثتكم كنت فيه أضد فزعًا ولا هولًا مني حين وقف بي على ذلك البحر من ضدة هوله وكثرة أمواجه وتراكب أواذيه -والأذي هو الموج العظيم- كالجبال الرواسي بعضها فوق بعض، محبوك بغوارب -يعني طرائق وهي الأمواج الصغار- فتعاظمني ما رأيت من ذلك البحر حتى ظننت أنه لم يبق شيء من خلق اللَّه إلا قد غمره ذلك الماء" فنظر إليَّ جبريل فقال: يا محمد لا تخف من هذا، فإنك إن رعبت من هذا فما بعد هذا أروع وأعظم، هذا خلق، وإنما نذهب إلى الخالق ربي وربك ورب كل شيء. "فجلا عني ما كان يستحملني من الخوف، واطمأننت برحمة ربي، فنظرت في ذلك البحر فرأيت خلقًا عجبًا فوق وصف الواصفين، قلت: يا جبريل أين منتهى هذا البحر وأين قعره؟ " قال: جاوز قعره الأرض السابعة السفلى إلى حيث شاء اللَّه هيهات هيهات، شأن هذا البحر وما فيه من خلق ربك أعظم وأعجب مما ترى يا محمد. "فرميت ببصري في نواحيه فإذا أنا فيه بملائكة قيام قد غمروا بخلقهم خلق جميع الملائكة، وبذوا بنورهم نور جميع الملائكة لعظم أنوارهم وكثرة أجنحتهم في اختلاف خلقها ناشرة خلف أطراف السموات والأرضين خارجة في الهواء تخفق بالتسبيح للَّه تعالى، قد جاوزت الهواء حيث شاء اللَّه لهم من نورهم وهج من تلألؤ نورهم كوهج النار، فلولا أن اللَّه تعالى أيدني بقوته، ومن عليَّ بالثبات، وألبسني جنة من رحمته فكلأني بها لتخطف نورهم بصري، ولأحرقت وجوههم جسدي، ولكن برحمة اللَّه وتمام نعمته عليَّ درأ عني وهج =

ص: 637

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= نورهم، وحدد بصري لرؤيتهم، فنظرت إليهم في مقامهم فإذا ماء البحر وهو بحر البحور في كثافته وكثرة أمواجه وأمواج أواذيه لم يجاوز ركبهم، قلت: يا جبريل ما هذا البحر الذي قد غمر البحور كلها، وقد كدت أنسى من شدة هوله وكثرة مائه كل عجب رأيت من خلق اللَّه، ومع بعد قعره لم يجاوز ركبهم فأين منتهى أقدامهم؟ " قال: يا محمد قد أخبرتك عن شأن هذا البحر، وعن عجائب هذا الخلق الذي فيه، منتهى أقدامهم عند أصل هذا الماء الذي في قعر هذا البحر، ومنتهى رؤوسهم عند عرش رب العزة. "وإذا لهم دوي بالتسبيح لو سمع أهل الأرض صوت ملك واحد منهم لصعقوا أجمعون وماتوا، وإذا هم يقولون: سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم الحي القيوم، سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم، سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه القدوس، فحمدت اللَّه عليَّ ما رأيت من عجائب ذلك البحر ومن فيه، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه إلى عليين حتى انتهينا إلى بحر من نور قد علا نوره وسطع في عليين، فرأيت من شعاع تلألؤه أمرًا عظيمًا لو جهدت أن أصفه لكم ما استطعت ذلك غير أن نوره ذب كل نور، وغمر كل نار، وعلا كل شعاع رأيته قبل ذلك مما حدثتكم، فلما نظرت إليه كاد شعاعه يخطف بصري، ولقد كَلَّ وعشى دونه حتى جعلت لا أبصر شيئًا كأني إنما أنظر إلى ظلمة لا إلى نور" فلما رأى جبريل ما بي قال: اللهم ثبته برحمتك، وأيده بقوتك، وأتمم عليه نعمتك. "فلما دعا لي بذلك جلى عن بصري وحدده اللَّه لروية شعاع ذلك النور، ومن عليَّ بالثبات لذلك، فنظرت إليه وقلبت بصري في نواحي ذلك البحر، فلما امتلأت عيني ظننت أن السموات السبع والأرضين وكل شيء متلألأ نورًا ومتأجج نارًا، ثم حار بصري حتى ظننت أن نوره يتلون علي ما بين الحمرة والصفرة، والبياض والخضرة، ثم اختلطن والتبسن جميعًا حتى ظننت أنه قد أظلم من شدة وهجه وشعاع تلألؤه وإضاءة نوره، فنظرت إلى جبريل فعرف ما بي فأنشأ يدعو لي الثانية بنحو من دعائه الأول، فرد اللَّه إلي بصري برحمته وحدده لرؤية ذلك، وأيدني بقوته حتى ثبت وقمت له، وهون ذلك عليَّ بمنه حتى جعلت أقلب بصري في أواذي نور ذلك البحر، فإذا فيه ملائكة قيام صفًا واحدًا متراصين كلهم متضايقين بعضهم في بعض، قد أحاطوا بالعرش واستداروا حوله، فلما نظرت إليهم ورأيت عجائب خلقهم كأني أنسيت كل شيء كان قبلهم مما رأيت من الملائكة، وما وصفت لكم قبلهم، حتى ظننت أني حين رأيت عجائب خلقهم كأني نسيت كل شيء كان قبلهم مما رأيت من الملائكة لعجب خلق أولئك الملائكة، وقد نهيت أن أصفهم لكم، ولو كان أذن لي في ذلك فجهدت أن أصفهم لكم لم أطق ذلك، ولم أبلغ جزءًا واحدًا من مئة جزء، فالحمد للَّه الخلاق العليم، العظيم شأنه، فإذا هم قد أحاطوا بالعرش وغضوا أبصارهم دونه، لهم دوي بالتسبيح كأن السموات والأرضين والجبال الرؤاسي ينضم =

ص: 638

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بعضها إلى بعض بل أكثر من ذلك، وأعجب فوق وصف الواصفين، فأصغيت لتسبيحهم كي أفهمه، فإذا هم يقولون: لا إله إلا اللَّه ذو العرش الكريم، لا إله إلا اللَّه العلي العظيم، لا إله إلا اللَّه الحي القيوم، فإذا فتحوا أفواههم بالتسبيح للَّه خرج من أفواههم نور ساطع كأنه لهبان النار، لولا أنها بتقدير اللَّه تحيط بنور العرش لظننت يقينًا أن نور أفواههم كان يحرق ما دونهم من خلق اللَّه كلهم، فلو أمر اللَّه واحدًا منهم أن يلتقم السموات السبع والأرضين السبع ومن فيهن من الخلائق بلقمة واحدة لفعل ذلك، ولهان عليه لما شرفهم وعظم من خلقهم، وما يوصفون بشيء إلا هم أعجب، وأمرهم أعظم من ذلك، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ " قال: سبحان اللَّه القهار فوق عباده يا محمد، ما ينبغي لك أن تعلم من هؤلاء، أرأيت أهل السماء السادسة وما فوق ذلك إلى هؤلاء، وما رأيت فيما بين ذلك، وما لم تر أعظم وأعجب، فهم الكروبيون أصناف شتى، وقد جعل اللَّه تعالى في جلاله وتقدس في أفعاله ما ترى، وفضلهم في مكانهم وخلقهم، وجعلهم في درجاتهم وصورهم ونورهم كما رأيت، وما لم تر أكثر وأعجب. "فحمدت اللَّه على ما رأيت من شأنهم، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه متصعدين في جو عليين أسرع من السهم والريح بإذن اللَّه وقدرته حتى وصل بي إلى العرش ذي العزة العزيز الواحد القهار، فلما نظرت إلى العرش فإذا ما رأيته من الخلق كله قد تصاغر ذكره، وتهاون أمره، واتضع خطره عند العرش، وإذا السموات السبع، والأرضون السبع، وأطباق جهنم، ودرجات الجنة، وستور الحجب، والنار، والبحار، والجبال التي في عليين، وجميع الخلق والخليقة إلى عرش الرحمن كحلقة صغيرة من حلق الدرع في أرض فلاة واسعة تيماء لا يعرف أطرافها من أطرافها، وهكذا ينبغي لمقام رب العزة أن يكون عظيمًا لعظم ربوبيته، وهو كذلك وأعظم وأجل وأعز وأكرم وأفضل، وأمره فوق وصف الواصفين، وما تلهج به ألسن الناطقين، فلما أصرى بي إلى العرش وحاذيته دلى لي رفرف أخضر لا أطيق صفته لكم، فأهوى بي جبريل فأقعدني عليه، ثم قصر دوني ورد يديه على عينيه مخافة على بصره أن يلتمع من تلألؤ نور العرش، وأنشأ يبكي بصوت رفيع ويسبح اللَّه تعالى ويحمده ويثني عليه، فرفعني ذلك الرفرف بإذن اللَّه ورحمته إياي، وتمام نعمته عليَّ إلى سيد العرش، إلى أمر عظيم لا تناله الألسن، ولا تبلغه الأوهام، فحار بصري دونه حتى خفت العمى، فغمضت عيني وكان توفيقًا من اللَّه، فلما غمضت بصري رد إلهي بصري في قلبي، فجعلت أنظر بقلبي نحو ما كنت أنظر بعيني نورًا يتلألأ نهيت أن أصف لكم ما رأيت من جلاله، فسألت ربي أن يكرمني بالثبات لرويته بقلبي كي أستتم نعمته، ففعل ذلك ربي وأكرمني به، فنظرت إليه بقلبي حتى أثبته، وأثبت رويته، فإذا هو حين كشف عنه حجبه مستو على عرشه في وقاره وعزه ومجده وعلوه، ولم يؤذن لي في غير ذلك من صفته لكم سبحانه بجلاله وكرم فعاله في مكانه العلي، ونوره المتلالئ، فمال إلي من وقاره بعض الميل فأدناني منه، فذلك =

ص: 639

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قوله في كتابه يخبركم فعاله بي وإكرامه إياي {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} يعني حيث مال إلي فقربني منه قدر ما بين طرفي القوس بل أدنى من الكبد إلى السية {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} يعني ما قضى من أمره الذي عهد إلي {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يعني رؤيتي إياه بقلبي {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فلما مال إلي من وقاره سبحانه وضع إحدى يديه بين كتفي، فلقد وجدت برد أنامله على فؤادي حينًا، ووجدت عند ذلك حلاوته، وطيب ريحه، وبرد لذاذته، وكرامة رويته، فاضمحل كل هول كنت لقيت، وتجلت عني روعاتي، واطمأن قلبي، وامتلأت فرحًا، وقرت عيناي، ووقع الاستبشار والطرب عليَّ حتى جعلت أميل وأتكفا يمينًا وشمالًا، ويأخذني مثل السبات، وظننت أن من في الأرض والسموات ماتوا كلهم؛ لأني لا أسمع شيئًا من أصوات الملائكة، ولم أر عند رؤية ربي أجرام ظلمة، فتركني إلهي كذلك إلى ما شاء اللَّه، ثم رد إلي ذهني فكأني كنت مستوسنًا وأفقت، فثاب إليَّ عقلي، واطمأننت بمعرفة مكاني، وما أنا فيه من الكرامة الفائقة، والإيثار البين، فكلمني ربي سبحانه وبحمده فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يا رب أنت أعلم بذلك، وبكل شيء، وأنت علام الغيوب. قال: اختصموا في الدرجات والحسنات، هل تدري يا محمد ما الدرجات والحسنات؟ قلت: يا رب أنت أعلم وأحكم. فقال: الدرجات: إسباغ الوضوء في المكروهات، والمشي على الأقدام إلى الجمعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والحسنات: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والتهجد بالليل والناس نيام، فما سمعت شيئًا قط ألذ ولا أحلى من نغمة كلامه، فاستأنست إليه من لذاذة نغمته حتى كلمته بحاجتي فقلت: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلًا، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليًا، وآتيت سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتيت داود زبورًا، فما لي يا رب؟ قال: يا محمد اتخذتك خليلًا كما اتخذت إبراهيم خليلًا، وكلمتك كما كلمت موسى تكليمًا، وأعطيتك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، وكانتا من كنوز عرشي، ولم أعطهما نبيًا قبلك، وأرسلتك إلى أبيض أهل الأرض وأسودهم وأحمرهم، وجنهم وإنسهم، ولم أرسل إلى جماعتهم نبيًا قبلك، وجعلت الأرض برها وبحرها لك ولأمتك طهورًا ومسجدًا، وأطعمت أمتك الفيء ولم أطعمه أمة قبلها، ونصرتك بالرعب حتى إن عدوك ليفر منك وبينك وينه مسيرة شهر، وأنزلت عليك سيد الكتب كلها ومهيمنًا عليها قرآنًا فرقناه، ورفعت لك ذكرك حتى قرنته بذكري فلا أذكر بشيء من شراخ ديني إلا ذكرتك معي، ثم أفضى إليَّ من بعد هذا أمور لم يؤذن لي أن أحدثكم بها، فلما عهد إلى عهده وتركني ما شاء، ثم استوى على عرشه سبحانه بجلاله ووقاره وعزه، نظرت وإذا قد حيل بيني وبينه، وإذا دونه حجاب من نور يلتهب التهابًا لا يعلم مسافته إلا اللَّه، لو هتك في موضع لأحرق =

ص: 640

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= خلق اللَّه كلهم، ودلاني الرفرف الأخضر الذي أنا عليه فجعل يخفضني ويرفعني في عليين، فجعلت أرتفع مرة كأنه يطار بي، ويخفضني مرة كأنه يخفض بي إلى ما هو أسفل مني، فظننت أني أهوي في جو عليين، فلم يزل ذلك الرفرف يفعل ذلك بي خفضًا ورفعًا حتى أهوى بي إلى جبريل، فتناولني منه وارتفع الرفرف حتى توارى عن بصري، فإذا إلهي قد ثبت بصري في قلبي، وإذا أنا أبصر بقلبي ما خلفي كما أبصر بعيني ما أمامي، فلما أكرمني ربي برويته أحد بصري". فنظر إلي جبريل فلما رأى ما بي قال: لا تخف يا محمد، وتثبت بقوة اللَّه، أيدك اللَّه بالثبات لروية نور العرش، ونور الحجب، ونور البحار والجبال التي في عليين، ونور الكروبيين، وما تحت ذلك من عجائب خلق ربي إلى منتهى الأرض أرى ذاك كله بعضه من تحت بعض بعدما كان يشق عليك رؤية واحد منهم ويحار بصرك دونه. "فسمعت فإذا أصوات الكروبيين وما فوقهم وصوت العرش وأصوات الحجب قد ارتفعت حولي بالتسبيح للَّه والتقديس للَّه والثناء على اللَّه، فسمعت أصواتا شتى منها صرير ومنها زجل ومنها هدير ومنها دوي ومنها قصيف مختلفة بعضها فوق بعض فروعت لذلك روعًا لما سمعت من العجائب" فقال لي جبريل: لم تفزع يا رسول اللَّه، أبشر فإن اللَّه تعالى قد درأ عنك الروعات والمخاوف كلها، واعلم علمًا يقينًا أنك خيرته من خلقه وصفوته من البشر، حباك بما لم يحبه أحدًا من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولقد قربك الرحمن عز وجل إليه قريبًا من عرشه مكانًا لم يصل إليه ولا قرب منه أحد من خلقه قط لا من أهل السموات ولا من أهل الأرض، فهنأك اللَّه بكرامته واجتباك به، وأنزلك من المنزلة الأثيرة والكرامة الفائقة، فجدد لربك بشكره فإنه يحب الشاكرين، ويستوجب لك المزيد منه عند الشكر منك. "فحمدت اللَّه على ما اصطفاني به وأكرمني" ثم قال جبريل: يا رسول اللَّه انظر إلى الجنة حتى أريك ما لك فيها، وما أعد اللَّه لك فيها، فتعرف ما يكون معادك بعد الموت، فتزداد في الدنيا زهادة إلى زهادتك فيها، وتزداد في الآخرة رغبة إلى رغبتك فيها. قلت:"نعم فسرت مع جبريل بحمد ربي من عليين يهوي منقضًا أسرع من السهم والريح، فذهب روعي الذي كان قد استحملني بعد سماع المسبحين حول العرش، وثاب إلى فؤادي فكلمت جبريل وأنشأت أسأله عما كنت رأيت في عليين، قلت: يا جبريل ما تلك البحور التي رأيت من النور والظلمة والنار والماء والدر والثلج والنور؟ " قال: سبحان اللَّه، تلك سرادقات رب العزة التي أحاط بها عرشه، فهي ستره دون الحجب السبعين التي احتجب بها الرحمن من خلقه، وتلك السرادقات ستور للخلائق من نور الحجب، وما تحت ذلك كله من خلق اللَّه، وما عسى أن يكون ما رأيت من ذلك يا رسول اللَّه إلى ما غاب مما لم تره من عجائب خلق ربك في عليين. فقلت: "سبحان اللَّه العظيم ما أكثر عجائب خلقه، ولا أعجب من قدرته عند عظم ربوبيته، ثم قلت: يا جبريل من الملائكة الذين رأيت في البحور وما =

ص: 641

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بين بحر النار إلى بحر الماء الصافين والصفوف بعد الصفوف كأنهم بنيان مرصوص متضايقين بعضهم في بعض، ثم ما رأيت خلفهم نحوهم مصطفون صفوفًا بعد صفوف، وفيما بينهم وبين الآخرين من البعد والأمد والنأي؟ " فقال: يا رسول اللَّه أما تسمع ربك يقول في بعض ما نزل عليك {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} وأخبرك عن الملائكة أنهم قالوا: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} فالذين رأيت في بحور عليين هم الصافون حول العرش إلى منتهى السماء السادسة، وما دون ذلك هم المسبحون في السموات، والروح رئيسهم الأعظم كلهم، ثم إسرافيل بعد ذلك فقلت:"يا جبريل فمن الصف الأعلى الذي في البحر الأعلى فوق الصفوف كلها الذين أحاطوا بالعرش واستداروا حوله؟ " فقال جبريل: يا رسول اللَّه إن الكروبيين هم أشرف الملائكة وعظماؤهم ورؤساؤهم، وما يجترئ أحد من الملائكة أن ينظر إلى ملك من الكروبيين، ولو نظرت الملائكة الذين في السموات والأرض إلى ملك واحد من الكروبيين لخطف وهج نورهم أبصارهم، ولا يجترئ ملك واحد من الكروبيين أن ينظر إلى ملك واحد من أهل الصف الأعلى الذين هم أشراف الكروبيين وعظماؤهم، وهم أعظم شأنًا من أن أطيق صفتهم لك، وكفى بما رأيت فيهم. "ثم سألت جبريل عن الحجب، وما كنت أسمع من تسبيحها وتمجيدها وتقديسها للَّه تعالى فأخبرني عنها حجابًا حجابًا، وبحرًا بحرًا، وأصناف تسبيحها بكلام كثير فيه العجب كل العجب من الثناء على اللَّه والتمجيد له، ثم طاف بي جبريل في الجنة بإذن اللَّه فما ترك مكانًا إلا أرانيه وأخبرني عنه، فلأنا أعرف بكل درجة وقصر وبيت وغرفة وخيمة وشجرة ونهر وعين مني بما في مسجدي هذا، فلم يزل يطوف بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى". فقال: يا محمد، هذه الشجرة التي ذكرها اللَّه تعالى فيما أنزل فقال:{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} لأنها كان ينتهي إليها كل ملك مقرب ونبي مرسل، لم يجاوزها عبد من عباد اللَّه قط غيرك، وأنا في سببك مرتي هذه، وأما قبلها فلا، وإليها ينتهي أمر الخلائق بإذن اللَّه وقدرته، ثم يقضي اللَّه فيه بعد ذلك ما يشاء. "فنظرت إليها فإذا ساقها في كثافة لا يعلمها إلا اللَّه وفرعها في جنة المأوى، وهي أعلى الجنات كلها، فنظرت إلى فرع السدرة فإذا عليها أغصان نابتة أكثر من تراب الأرض وثراها، وعلى الغصون ورق لا يحصيها إلا اللَّه، وإذا الورقة الواحدة من ورقها مغطية الدنيا كلها، وحملها من أصناف ثمار الجنة ضروب شتى، وأصناف شتى، وطعوم شتى، وعلى كل غصن منها ملك، وعلى كل ورقة منها ملك، وعلى كل ثمرة منها ملك يسبحون اللَّه بأصوات مختلفة وبكلام شتى" ثم قال جبريل: أبشر يا رسول اللَّه فإن لأزواجك ولولدك ولكثير من أمتك تحت هذه الشجرة ملكًا كبيرًا وعيشًا خطيرًا في أمان لا خوف عليكم فيه ولا تحزنون. "فنظرت فإذا نهر يجري من أصل الشجرة ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، ومجراه على رضراض در وياقوت وزبرجد حافتاه مسك =

ص: 642

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أذفر في بياض الثلج". فقال: ألا ترى يا رسول اللَّه هذا النهر الذي ذكره اللَّه فيما أنزل عليك {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وهو تسنيم، وإنما سماه اللَّه تسنيمًا؛ لأنه يتسنم على أهل الجنة من تحت العرش إلى دورهم وقصورهم وبيوتهم وغرفهم وخيمهم فيمزجون به أشربتهم من اللبن والعسل والخمر، فذلك قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} أي يقودونها قودًا إلى منازلهم، وهي من أشرف شراب في الجنة. "ثم انطلق يطوف بي في الجنة حتى انتهينا إلى شجرة لم أر في الجنة مثلها، فلما وقفت تحتها رفعت رأسي فإذا أنا لا أرى شيئًا من خلق ربي غيرها لعظمها وتفرق أغصانها، ووجدت منها ريحًا طيبة لم أشم في الجنة أطيب منها ريخا، فقلبت بصري فيها فإذا ورقها حلل من طرائف ثياب الجنة ما بين الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر، وثمارها أمثال القلال العظيم من كل ثمرة خلق اللَّه في السماء والأرض من ألوان شتى، وطعوم وريح شتى، فعجبت من تلك الشجرة وما رأيت من حسنها فقلت: يا جبريل ما هذه الشجرة؟ " قال: هذه التي ذكرها اللَّه فيما أنزل عليك وهو قوله: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فهذه طوبى يا رسول اللَّه، ولك ولكثير من أهلك وأمتك في ظلها أحسن منقلب ونعيم طويل. "ثم انطلق بي جبريل يطوف بي في الجنة حتى انتهى بي إلى قصور في الجنة من ياقوت أحمر لا آفة فيها ولا صدع في جوفها سبعون ألف قصر، في كل قصر منها سبعون ألف دار، في كل دار منها سبعون ألف بيت، في كل بيت منها سرير من درة بيضاء لها أربعة آلاف باب يرى باطن تلك الخيام من ظاهرها، وظاهرها من باطنها من شدة ضوئها، وفي أجوافها سرر من ذهب، في ذلك الذهب شعاع كشعاع الشمس تحار الأبصار دونها لولا ما قدر اللَّه لأهلها، وهي مكللة بالدر والجوهر عليها فرش بطائنها من استبرق، وظاهرها نور منضد يتلألأ فوق السرر، ورأيت على السرر حليًّا كثيرًا لا أطيق صفته لكم، فوق صفات الألسن وأماني القلوب، حلي النساء على حدة، وحلي الرجال على حدة، قد ضربت الحجال عليها دون الستور، وفي كل قصر منها وكل دار وكل بيت وكل خيمة شجر كثير، سوقها ذهب، وغصونها جوهر، وورقها حلل، وثمرها أمثال القلال العظام في ألوان شتى وريح شتى وطعوم شتى، ومن خلالها أنهار تطرد من تسنيم وخمر ورحيق وعسل مصفى ولبن كزبد، وبين ذلك عي سلسبيل، وعين كافور، وعين زنجيل، طعمها فوق وصف الواصفين، وريحها ريح المسك في كل بيت فيها خيمة لأزواج من الحور العين، لو دلت إحداهن كفًا من السماء لبذ نور كفها ضوء الشمس، فكيف وجهها، ولا يوصفن بشيء إلا هن فوق ذلك جمالًا وكمالًا، لكل واحدة منهن سبعون خادمًا وسبعون غلامًا هن خدمها خاصة سوى خدام زوجها، وأولئك الخدم في النظافة والحسن كما قال اللَّه تعالى:{إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} ثم انتهى بي إلى قصر ورأيت في ذلك =

ص: 643

شبيهًا بعشرين ورقة.

680 -

قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي "الفِتَنِ":

حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"بَعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُونِي، فَهُمْ فِي النَّارِ مَعَ مَنْ عَصَى مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَوَلَدِ إِبْلِيسَ".

(42)

= القصر من الخير والنعيم والنضارة والبهجة والسرور والنضرة والشرف والكرامة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من أصناف الخير والنعيم كل ذلك مفروغ منه ينتظر به صاحبه من أولياء اللَّه تعالى فتعاظمني ما رأيت من عجب ذلك القصر فقلت: يا جبريل هل في الجنة قصر مثل هذا؟ " قال: نعم يا رسول اللَّه كل قصور الجنة مثل هذا، وفوق هذا قصور كثيرة أفضل مما ترى، يُرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها وأكثر خيرًا. فقلت: "لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي نحو هذا فليتنافس المتنافسون، فما تركت منها مكانًا إلا رأيته بإذن اللَّه تعالى، فلأنا أعرف بكل قصر ودار وبيت وغرفة وخيمة وشجرة من الجنة مني بمسجدي هذا، ثم أخرجني من الجنة فمررنا بالسموات نتحدر من سماء إلى سماء، فرأيت أبانا آدم، ورأيت أخي نوح، ثم رأيت إبراهيم، ثم رأيت موسى، ثم رأيت أخاه هارون وإدريس في السماء الرابعة مسند ظهره إلى ديوان الخلائق الذي فيه أمورهم، ثم رأيت أخي عيسى في السماء، فسلمت عليهم كلهم، فتلقوني بالبشر والتحية وكلهم سألني ما صنعت يا نبي الرحمة، وإلى أين انتهى بك، وما صنع بك، فأخبرهم فيفرحون ويستبشرون ويحمدون اللَّه على ذلك، ويدعون ربهم ويسألون إلي المزيد والرحمه والفضل، ثم انحدرنا من السماء ومعي صاحبي وأخي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى أوردني مكاني من الأرض التي حملني منها والحمد للَّه على ذلك، هو في ليلة واحدة بإذن اللَّه وقوته {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ثم بعد ذلك حيث شاء اللَّه، فأنا بنعمة اللَّه سيد ولد آدم ولا فخر في الدنيا والآخرة، وأنا عبد مقبوض عن قليل بعد الذي رأيت من آيات ربي الكبرى، ولقيت إخواني من الأنبياء، ولقد اشتقت إلى ربي وما رأيت من ثوابه لأوليائه، وقد أحببت اللحوق بربي ولقي إخواني من الأنبياء الذين رأيت وما عند اللَّه خير وأبقى". انتهى.

(42)

"موضوع"

ص: 644

681 -

قَالَ الخطِيبُ فِي "تَارِيخ بَغْدَادَ":

أخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرٍ الحَفَّار، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ أَحْمَدَ بْنُ حَمْوَيه الحُلْوَانِي المُؤدِّب، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُقْرِي، قَالَ: نَا عَلِيُ بْنُ حَمَّادٍ الخَشَّاب، قَالَ: نَا عَلِيُّ بْنُ المدِينِي، قَالَ: نَا وَكِيعُ ابنُ الجَرَّاحِ، قَالَ: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: نَا جَابِرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبْاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْلَةَ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأيتُ عَلَى بَابِ الجنَّةِ مَكْتُوبٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، عَلِيٌّ حِبُّ اللَّهِ، وَالحسَنُ وَالحسَينُ صَفْوَةُ اللَّهِ، فَاطِمَةُ خَيْرَةُ اللَّهِ، عَلَى بَاغِضِهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ".

(43)

682 -

قَالَ الجوْزَقَانِي فِي "الأَبَاطِيلِ وَالمنَاكِيرِ":

أخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحُسَينِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ البَرْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِم نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ

= "الفتن" لنعيم بن حماد (1653)، وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة"(627) مطولًا.

والحديث ضعيف جدًّا؛ فيه نوح بن أبي مريم أبو عصمة، قال ابن المبارك: كان يضع. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال مسلم وغيره: متروك الحديث. وانظر "الميزان"(4/ 279).

(43)

"موضوع"

"تاريخ بغداد"(1/ 259)، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(14/ 170)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 257)، كلاهما بإسناد الخطيب.

وفيه محمد بن إسحاق المقرئ، يعرف بـ (شاموخ). قال الخطيب قبل إخراج الحديث: حديثه كثير المناكير، ثم قال بعد إخراجه: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، وعلي بن حماد مستقيم الروايات، لا يحتمل مثل هذا.

وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة"(6298): موضوع. . . ثم قال: ومن فوق شاموخ رجال الشيخين غير جابر، وهو ابن يزيد الجعفي، أو ابن يزيد العجلي، كلاهما روى عنه سليمان بن مهران -وهو الأعمش- فلم يتعين أيهما المراد، وإن كانت النفس تميل إلى أنه الأول؛ لأنه شيعي جلد يؤمن برجعة علي، فالحديث به ألصق، ولعله هو الواضع له؛ لأنه كان كذابًا كما قال أحمد وغيره.

ص: 645

ابْنُ الحُسَينِ المعْرُوف بِأَبِي الحَجْنَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيَّرٍ الدَّامِغَانِي بِدَيْبَلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا المسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوانَ، عَنِ الكَلْبِي، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لمَّا عُرِجَ بِالنَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ مِنَ العَجَائِبِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ مِنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ، فَكَذَّبَهُ مِنْ أَهْلِ مَكْةَ مَنْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَه مَنْ صَدَّقَه، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَّ نَجْمٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فِي دَارِ مَنْ وَقَعَ هَذَا النَّجْمُ فَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي". قَالَ: فَطَلَبُوا ذَلِكَ النَّجْمَ فَوَجَدُوهُ فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ أَهْلُ مَكْةِ: ضَلَّ مُحَمَّدٌ وَغَوَى، وَهَوَى إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَايَلَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَعِنْدَ ذَلِك نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} .

(44)

(44)

"موضوع"

"الأباطيل والمناكير"(133)، وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 372).

وهو حديث موضوع؛ فيه أبو صالح، واسمه باذام مولى أم هانئ قال ابن معين: كوفي ضعيف الحديث. وقال أبو أحمد بن عدي: يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه ولم يره.

والكلبي محمد بن السائب، كذاب. قال سفيان الثوري: قال: قال لنا الكلبي: ما حُدِّث عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس فهو كذب فلا تروه، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه، هو ذاهب الحديث لا يشتغل به.

لذا قال الجورقاني بعد إخراج الحديث (1/ 279): هذا حديث باطل وفي إسناده ظلمات.

وقال ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 373): هذا حديث موضوع لا شك فيه، وما أبرد الذي وضعه، وما أبعد ما ذكر، وفى إسناده ظلمات منها: أبو صالح باذام وهو كذاب، وكذلك الكلبي، ومحمد بن مروان السدي، والمتهم به الكلبي. والعجب من تغفيل من وضع هذا الحديث كيف رتب ما لا يصح في العقول من أن النجم يقع في دار ويثبت حتى يُرى، ومن بلهه أنه وضع هذا الحديث على ابن عباس، =

ص: 646