الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
886 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ:{وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِ المقْدِسِ.
(79)
سُورَةُ المائِدَةُ
(80)
887 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَرْضِ المقَدَّسَةِ، وَقَالَ: إِنِّي قَدْ كَتَبْتُهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا، فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنَ العَدُوِّ، فَإِنِّي نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْ قَوْمِكَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، مِن كُلِّ سِبْط نَقِيبًا يَكُونُ عَلَى قَوْمِه بالوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه يَقُولُ لَكُمْ: {إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ
= وإسناده صحيح، وهو نفسه الإسناد السابق.
(79)
"حسن"
"تفسير الطبري"(7/ 644)، وأخرجه عبد بن حميد كما بـ "الدر المنثور"(1/ 379).
ورجال إسناده ثقات، وبشر بن معاذ، قال فيه الحافظ: صدوق.
(80)
المائدة: 12.
وَآتَيْتُمُ}. . . إِلَى قَوْلِهِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} وَأَخَذَ مُوسَى مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا اخْتَارَهُمْ مِنَ الأَسْبَاطِ، كُفَلَاءُ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ عَلَى الوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقهِ، وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ خَيْرُهُمْ وَأَوْفَاهُمْ رَجُلًا، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى الأَرْضِ المقَدَّسَةِ بِأمْر اللَّهِ حَتَّى إِذَا نَزَلَ التِّيهَ
(81)
بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَهِيَ بِلَادٌ لَيْسَ فِيهَا خَمْرٌ وَلَا ظِلٌّ، دَعَا مُوسَى رَبَّهُ حِينَ آذَاهُم الحَرُّ؛ فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالغَمَامٍ، وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهم المنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَمرَ اللَّهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَرْسِلْ رِجَالًا يَتَحَسَّسُونَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ الَّتِي وَهَبْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا، فَأَرْسَلَ مُوسَى الرُّؤُوسَ كَلَّهُم الَّذِينَ فِيهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنْ بَرِيَّةِ فَارَانَ
(82)
بِكَلامِ اللَّهِ، وَهُمْ رُؤُوسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الرَّهْطِ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ فِيمَا يَذْكُرُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ لِيَجُوسُوهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: وَمِنْ سِبْطِ رُوبِيلَ: شَامُونُ بْنُ ركُونَ، وَمِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ: سَافَاطُ بْنُ حُرى، وَمِنْ سِبْطِ يَهُوذَا: كَالِبُ بْنُ يُوفنَا، وَمِنْ سِبْطِ أَبينَ: يُجَائِلُ بْنُ يُوسُفَ، وَمِنْ سِبْطِ يُوسُفَ وَهُوَ سِبْطُ أَفْرَائِيمَ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ: فَلْطُ بْنُ دَفُونَ، وَمِنْ سِبْطِ زَبَالُونَ: حُدَى بْنُ سُودَى، وَمِنْ
(81)
التيه: هو الموضع الذي ضلت فيه بنوا إسرائيل، وهي: أرض بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة من أرض الشام، ويقال: إنها أربعون فرسخًا في مثلها، والغالب على أرض التيه الرمال، وفيها مواضع صلبة، وبها نخيل وعيون مفترشة قليلة يتصل حد من حدودها بالجفار، وحد بجبل طور سيناء، وحد بأرض بيت المقدس وما اتصل به من فلسطين، وحد ينتهي إلى مفازة في ظهر ريف مصر إلى حد القلزم. "معجم البلدان"(2/ 81).
(82)
فاران: كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة، وقيل: هو اسم لجبال مكة، وقيل: فاران والطور كورتان من كور مصر القبلية. انظر "معجم البلدان"(4/ 255).
سِبْطِ يُوسُفَ وَهُوَ مَنشا بْنُ يُوسُفَ: حُدَى بْنُ سُوسَا، وَمِنْ سِبْطِ دَانٍ: حَمْلَائِلُ بْنُ حملٍ، وَمِنْ سِبْطِ أَشُرَ: سَاتُورُ بْنُ ملْكِيلَ، وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي: بَحْرُ بْنُ وَفْسِي، وَمِنْ سِبْطِ دَارٍ: حَولَايلُ بْنُ مُنْكَدَ.
فَهَذِهِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ بَعَثَهُم مُوسَى يَتَحَسَّسُمونَ لَهُ الأَرْضَ، وَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ هُوشَعُ بْنُ نُونٍ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، فَأَرْسَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: ارْتَفِعُوا قِبْلَ الشَّمْسِ فَارْقَوا الجَبَلَ، وَانْظُرُوا مَا فِي الأَرْضِ، وَمَا الشَّعْبُ الَّذِي يَسْكُنُونَهُ، أَقْوِيَاءُ هُمْ أَمْ ضُعَفَاءُ؟ أَقَلِيلٌ هُمْ أَمْ كَثِيرٌ؟ وَانْظُرُوا أَرْضَهُم الَّتِي يَسْكُنُونَ، أَسَمِينَةٌ هِيَ أَمْ هَزِيلَةٌ؟ ذَاتُ شَجَرٍ أَمْ لَا؟ اجْتَازُوا وَاحْمِلُوا إِلَيْنَا مِنْ ثَمَرَةِ تِلْكَ الأَرْضِ، وَكَانَ ذَلكَ فِى أَوَّلِ مَا سَمَّى بِكْرُ ثَمَرَةِ العِنَبِ.
(83)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}
(84)
.
(83)
"إسناده ضعيف مع إعضاله"
"تفسير الطبري"(8/ 238 - 241).
إسناده ضعيف؛ وفيه ابن حميد: هو محمد بن حميد بن حيان الرازي، قال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 69): فيه نظر. وسئل أبو عبد اللَّه عن محمد بن حميد: لماذا تُكلم فيه؟ فقال: كأنه أكثر على نفسه. اهـ.
وقال الحافظ في "التقريب"(1/ 475): حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه. اهـ.
وسلمة بن الفضل أبو عبد اللَّه الأبرش الرازي الأنصاري، قال البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 84): عنده مناكير. قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 287): يخالف ويخطئ. قال الحافظ في "التقريب"(1/ 248): صدوق كثير الخطأ.
وابن إسحاق مدلس، وهو هنا يروي عن موسى عليه السلام وهو لا شك مأخوذ عن بني إسرائيل.
(84)
المائدة: 21.
888 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: أَرِيحَا.
(85)
889 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي الحَارِثُ بْنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيز، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ:{ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} قَالَ: الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ.
(86)
(85)
"إسناده صحيح إلى زيد"
"تفسير الطبري"(8/ 285).
ابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم القرشي العدوي، مولاهم المدني، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخو عبد اللَّه بن زيد- قال ابن حجر: ضعيف. وقال الذهبي: ضعفوه. وهو هنا يقول برأيه، وهذا الرأي ضعفه بعض أهل العلم.
قال ابن كثير في "تفسيره" تحت تفسير آية المائدة (21): وفي هذا نظر؛ لأن أريحاء ليست هي المقصودة بالفتح، ولا كانت في طريقهم إلى بيت المقدس، وقد قدموا من بلاد مصر حين أهلك اللَّه عدوهم فرعون، اللهم إلا أن يكون المراد بأريحاء أرض بيت المقدس، كما قاله السدي فيما رواه ابن جرير عنه؛ لا أن المراد بها هذه البلدة المعروفة في طرف الغور شرقي دمشق.
(86)
"إسناده حسن"
"تفسير الطبري"(4/ 513).
ورجاله ثقات سوى عبد العزيز وهو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق يخطئ خاصة في حديثه عن عبيد اللَّه العمري، وهو هنا محتمل.
وورد أيضًا عن مجاهد بنحو ما قاله ابن عباس عند الطبري وغيره.
ترجيح: قال الطبري عقب هذه الروايات: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال هي الأرض المقدسة كما قال نبي اللَّه موسى صلى الله عليه وسلم؛ لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تدرك حقيقة صحتها إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر؛ لإجماع جميع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار على ذلك.
890 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي المثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: وثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الأَرْضَ المقَدَّسَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ شَكَوْا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: مَا نأْكُلُ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَأْتِيكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ. قَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَنَا إِلَّا أَنْ يُمْطَرَ عَلَيْنَا خُبْزًا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل سَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ خُبْزًا مَخْبُوزًا، فَكَانَ ينْزِلُ عَلَيْهِم المنَّ -سُئِلَ وَهْبٌ: مَا المنُّ؟ قَالَ: خُبْزُ الرِّقَاقِ مِثْلُ الذُّرَةِ أَوْ مِثْلُ النَّقي- قَالُوا: وَمَا نأْتَدِمُ وَهَلْ بُدٌّ لنَا مِنْ لَحْمِ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِيكُمْ بِهِ. فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَنَا إِلَّا أَنْ تَأْتِينَا بِهِ الرِّيحُ! قَالَ: فَإِنَّ الرِّيحَ تَأْتِيكُمْ بِهِ. فَكَانَتْ الرِّيحُ تَأْتِيهمْ بِالسَّلْوَى -فَسُئِلَ وَهْبُ: مَا السَّلْوَى؟ قَالَ: طَيْرٌ سَمِينٌ مِثْلَ الحَمَامِ، كَانَتْ تَأْتِيهمْ فِيأْخُذُونَ مِنْهُ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ- قَالُوا: فَمَا نَلْبَسُ؟ قَالَ: لَا يَخْلَقُ لِأحَدٍ مِنْكُمْ ثَوْبٌ أَرْبَعِينَ سَنَة. قَالُوا: فَمَا نَحْتَذِي؟ قَالَ: لَا يَنْقَطعُ لِأحَدِكُمْ شِسْعٌ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالُوا: فَإِنَّ فِينَا أَوْلَادًا فَمَا نَكْسُوهُمْ؟ قَالَ: ثَوْبُ الصَّغيرِ يَشُبُّ مَعَهُ. قَالُوا: فَمِنْ أَيْنَ لَنَا الماء؟ قَالَ: يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ. قَالُوا: فَمِنْ أَيْنَ؟ إِلًّا أَنْ يَخْرُجَ لَنَا مِنْ الحَجَرِ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاه الحَجَرَ، قَالُوا: فَبِمَا نُبْصِرُ تَغْشَانَا الظُّلْمَةُ؟ فَضُرِبَ لَهُمْ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي وَسَطِ عَسْكَرِهمْ أَضَاءَ عَسْكَرَهُمْ كُلَّهُ. قَالُوا: فَبِمَ نَسْتَظِلُّ؟ فَإِنَّ الشَّمْسَ عَلَيْنَا شَدِيدَةٌ! قَالَ: يُظِلُّكُمُ اللَّهُ بِالغَمَامِ.
(87)
(87)
"إسناده حسن إلى وهب، وهو من الإسرائيليات"
"تفسير الطبري"(1/ 297 - 298)، ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(987)، من طريق أحمد بن محمد بن شريح، ثنا محمد بن رافع، ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(61/ 102)، من طريق أحمد بن يوسف، ثنا خلف، كلاهما (محمد بن رافع وخلف) عن إسماعيل بن عبد الكريم به.
قلت: وإسناده إلى وهب بن منبه حسن؛ عبد الصمد بن معقل بن منبه، يروي عن عمه وهب بن منبه، وهو صدوق، وإسماعيل بن عبد الكريم، قال الحافظ: صدوق. والأثر من إسرائيليات وهب بن منبه.
891 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ":
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} قَالَ: هِيَ الشَّامُ
(88)
.
892 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي عَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ الهَيْثَمِ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عِكْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هِيَ أرِيحَا.
(89)
893 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي، قَالَ: هِيَ أَرِيحَا.
(90)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي
(88)
"رجاله ثقات"
"تفسير عبد الرزاق"(1/ 186)، وأخرجه الطبري في "تفسيره"(8/ 285)، وعبد بن حميد (3/ 47)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 151).
ومعمر ثبت، لكن في حديثه عن قتادة بعض الأخطاء والأوهام.
(89)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(8/ 285)، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخه"(1/ 151)، من قول عكرمة معلقًا.
وفي سنده أبو سعد سعيد بن المرزبان العبسي البقال الكوفي الأعور، مولى حذيفة بن اليمان، قال ابن حجر: ضعيف مدلس. قال الذهبي: قال أحمد: منكر الحديث.
(90)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(8/ 285)، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخه"(1/ 151) تعليقًا.
وفيه السدي، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن؛ مختلف فيه، والأقرب أنه صدوق كما قال الحافظ ابن حجر، وفيه أسباط بن نصر؛ ضعفه أحمد وأبو نعيم وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية، ووثقه آخرون، وقال الحافظ: صدوق كثير الخطأ يغرب.
وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}
(91)
894 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
فحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاط، عَنِ السُّدِّي: لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ مُوسَى وَأَحْيَا السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى بَعْدَ مَا أَمَاتَهُمْ، أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَا، وَهِيَ أَرْضُ بَيْتِ المقْدِسِ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَكَانَ مِنْ أمْرِهِمْ وَأَمْرِ الجبَّارِينَ وَأَمْرِ قَوْم مُوسَى مَا قَدْ قَصَّ اللَّه فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فَغَضِبَ مُوسَى فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فَكَانَتْ عَجَلَةً مِنْ مُوسَى عَجلهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ نَدِمَ مُوسَى، وَأَتَاهُ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُطِيعُونَهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِنَا يَا مُوسَى؟ فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أَيْ: لَا تَحْزَنْ عَلَى القَوْمِ الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ فَاسِقِينَ، فَلَمْ يَحْزَنْ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، فَكَيْفَ لَنَا بِمَاءٍ هَاهُنَا؟ أَيْنَ الطَّعَامُ؟ فَأَنْزَل اللَّهُ عَلَيْهِمُ المنَّ، فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى شَجَرِ التَّرَنْجَبينُ، وَالسَّلْوَى وَهُوَ: طَيْرٌ يُشْبِهُ السَّمَانِي، فَكَانَ يَأْتِي أَحَدُهُمْ فَينْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ إِنْ كَانَ سَمِينًا ذَبَحَهُ وَإِلَّا أَرْسَلَهُ، فَإِذَا سَمِنَ أَتَاهُ، فَقَالُوا: هَذَا الطَّعَامُ فَأَيْنَ الشَّرَابُ؟ فَأُمِرَ مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاه الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، فَشَرِبَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْ عَيْنٍ، فَقَالُوا: هَذَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فَأَيْنَ الظِّلُّ؟ فَظلَّلَ عَلَيْهِمُ الغَمَامُ، فَقَالُوا: هَذَا الظِّل فَأَيْنَ اللِّبَاسُ؟
(91)
المائدة: 24 - 26.
فَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ تَطُولُ مَعَهُمْ كَمَا تَطُولُ الصِّبْيَان، وَلَا يَتَخَرَّقُ لَهُمْ ثَوْبٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}
(92)
(93)
.
(94)
(95)
895 -
قَالَ الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ":
حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ الحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسَفَ العَدْلُ، مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا أَبُو بَكْر يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِب بِبَغْدَادَ، ثَنَا عَليُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حَاتِمُ بن أَبِي صَغِيرَةَ، عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ صُوحَانَ، أَنَّ رَجُلَينِ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ كَانَا صَدِيقَينِ لِزَيدِ بْنِ صُوحَانَ أَتَياهُ لِيُكَلِّمَ لَهُمَا سَلْمَانَ أَنْ يُحَدِّثهُمَا حَدِيثَهُ كَيْفَ كَانَ إِسْلَامُهُ؟ فَأَقْبَلَا مَعَهُ حَتَّى لَقُوا سَلْمَانَ وَهُوَ بِالمدَائِنِ أَمِيرًا عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ
(96)
بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَسُفُّهُ، قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ هَذِينِ لِي صَدِيقَانِ وَلَهُمَا أَخٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ كَيْفَ كَانَ بَدْؤُ إِسْلَامِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ
(92)
البقرة: 57.
(93)
البقرة: 60.
(94)
"إسناده ضعيف مع إعضال فيه"، وسبق برقم (837).
(95)
المائدة: 82.
(96)
الخُوصُ: هو ورق النخل، الواحدة خوصَةٌ، والخَوَّاصُ بائع الخوص. "الصحاح": خوص.
رَامَهُرْمُزَ
(97)
، وَكَانَ ابْنُ دَهْقَان رَامَ هُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّم يُعَلِّمَهُ، فَلَزِمْتُهُ لِأَكُونَ فِي كَنَفِهِ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرَ مِنِّي وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا بِنَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلَامًا قَصِيرًا، وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظَهُمْ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَيَضَعُ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ صَعَدَ الجَبَلَ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، فَلِمَ لَا تَذْهَبْ بِي مَعَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ غُلَامٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ. قَالَ: قُلْتُ: لَا تَخَفْ. قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلِهِمْ
(98)
لَهُمْ عِبَادَةٌ، وَلَهُمْ صَلَاحٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَذْكُرونَ الآخِرَةَ، وَيَزْعُمُونَنَا عَبَدَةَ النِّيرَانِ، وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَأَنَا عَلَى دِينِهِمْ، قَالَ: قُلْتُ فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِمْ. قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأَمِرَهُمْ، وَأَنا أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، فَيَعْلَمَ أَبِي فَيَقْتُلُ القَوْمَ، فَيكُونُ هَلَاكَهَمْ عَلَى يَدَيِّ. قَالَ: قُلْتُ: لَنْ يَظْهَرَ مِني ذَلِكَ، فَاسْتَأمَرَهُمْ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: غُلَامٌ عِنْدِي يَتِيمٌ فَأُحِبُّ أَنْ يَأَتِيَكُمْ وَيَسْمَعَ كَلَامَكُمْ. قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ. قَالَ: أَرْجُو أَنَّ لَا يَجِيءَ مِنْهُ إِلَّا مَا أُحِبُّ. قَالُوا: فَجِئْ بِهِ. فَقَالَ لِي: قَدِ اسْتَأْذَنْتُ فِي أَنْ تَجِيءَ مَعِي، فَإِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فيهَا فَأْتِنِي، وَلَا يَعْلَمْ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ تَبِعَتْهُ فَصَعَدْنَا الجَبَلَ، فَانْتَهَيْنَا إلِيْهِمْ، فَإِذَا هُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ -قَالَ عَلِيٌّ: وَأُرَاهُ، قَالَ: وَهُمْ سِتةٌ أَوْ سَبْعَةٌ- قَالَ: وَكَأنَّ الرُّوحَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنَ العِبَادَةِ، يَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيَقُومُونَ اللَّيلَ، وَيَأكُلُونَ عِنْدَ السَّحَرِ مَا وَجَدُوا، فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ، فَأَثْنَى الدُّهْقَانُ
(99)
عَلَى حَبْرٍ، فَتَكَلَّمُوا، فَحَمَدُوا اللَّهَ، وَأَثْنَوا
(97)
رامهرمز: اسم مختصر من رامهرمز أردشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان، والعامة يسمونها رامز. انظر "معجمِ البلدان"(3/ 19).
(98)
البِرْطِيل: هو حَجَر أو حَديد طويل صلب خِلْقه ليس مما يُطَوِّله الناس ولا يُحَدَّدونه تنقر به الرحى، وقد يشبه به خطم النَّجيبة، والجَمع براطيل. انظر "لسان العرب": برطل.
(99)
الدُّهقان: التاجر، فارسي معرَّب، وهم الدَّهاقنة والدَّهاقين. انظر "لسان العرب": دهقن.
عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ حَتَّى خَلَصُوا إِلَى ذِكْرِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ عليهما السلام، فَقَالُوا: بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عِيسَى عليه السلام رَسُولًا، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الموْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ، وَالأَبْرَصِ، وَالأَعْمَى، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ. قَالَ: وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ، إِنَّ لَكَ لَرَبًّا، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهَا تَصِيرُونَ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ القَوْمِ الَّذِينَ يَعْبُدونَ النَّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ لَا يَرْضَى اللَّهُ مَا يَصْنَعُونَ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الغُلَامُ انْصَرَفَ وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ، وَلَزِمْتُهُمْ فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا نَصْنَعُ فَصَلِّ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.
قَالَ: فَاطَّلَعَ الملِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ فَرَكِبَ فِي الخَيْلِ حَتَّى أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوا مِنِّي سُوءًا فَعَمَدتُّمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدتُّمُوهُ عَلَيَّ قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَدِرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا، فَالحَقُوا بِبِلَادِكُمْ، فَإَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ. قَالُوا: نَعَمْ، مَا تَعَمَّدْنَا مُسَاءتَكْ، وَلَا أَرَدْنَا إِلَّا الخَيْرَ، فَكَفَّ ابْنَهُ عَنْ إِتْيَانِهُمْ. فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللَّهِ، وَأَنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ إِنَّمَا هُمْ عَبَدَةُ النَّارِ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَلَا تَبعْ آخِرَتَكَ بِدِينِ غَيْرِكِ. قَالَ: يَا سَلْمَانُ، هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفَ عَنِ القَوْمِ بَغْيًا عَلَيْهِمْ إِنْ تَبِعْتُ القَوْمَ طَلَبَنِي أَبِي فِي الجَبَلِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي إِتْياَنِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ، وَقَدْ أَعْرِفُ أنَّ الحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ، فَأتَيْتُهُمْ فِي اليَوم الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ مَكَانَ مَا رَأيْتَ؛ فَاتَقِ اللَّه تَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، وَأَنَّ
هَؤُلَاءِ عَبَدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَذْكُرُونَهُ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ دِينِكَ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا، نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ، وَنَقُومُ اللَّيلَ، وَنَأكُلُ عِنْدَ السَّحَرِ مَا أَصَبْنَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ وَقَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا، فَإِذَا أَتَيْتَ خُذْ مِقْدَارَ حِمْلٍ يَكُونُ مَعَكَ شَيءٌّ تَأكُلُهُ، فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ مَا نَسْتَطِيعُ بِحَقٍّ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَلَقِينَا أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ فَرَزَقَ اللَّهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الموصِلَ، فَأَتَيْنَا بَيْعَةً بِالموصِلِ، فَلَمَّا دَخَلُوا احْتَفَوا بِهِمْ، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا عَبَدَةُ النِّيرَانَ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ فَطَرَدُونَا. فَقَالُوا: مَا هَذَا الغُلَامُ؟ فَطَفَقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ البِلَادِ، فَلَمْ نَرَمِنْهُ إِلَّا خَيْرًا.
قَالَ سَلْمَانُ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ إِذْ طَلعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفِ جَبَلٍ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ فَحَفَوْا بِهِ وَعَظَّمُهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ وَأَحْدَقُوا بِهِ. فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الغُلَامُ مَعَكُمْ؟ فَأَثْنَوا عَلَيَّ خَيْرًا وَأَخْبَرُوهُ باتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ إِعْظَامَهُمْ إِيَّاهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ مِنْ رُسُلِهِ وَأنْبِيَائِهِ وَمَا لَقُوا، وَمَا صُنعَ بِهِ، وَذَكَرَ مَوْلِدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام، وإِنَّهُ وُلِدَ بَغَيْرِ ذَكَرٍ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ عز وجل رَسُولًا، وَأَحْيَا عَلَى يَدَيْهِ الموتى، وإِنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيرِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيلَ وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعَثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَفَرَ به قَوْمٌ وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِي عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وإِنَّهُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عز وجل وَهُوَ يَعِظُهُمْ وَيَقُولُ: اتَّقُوا اللَّهَ وَالزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عليه السلام، وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالفُ بِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأخُذَ مِنْ
هَذَا شَيْئًا، فَلْيَأخُذْ، فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَقُومُ فَيَأخُذَ الجَرَّةَ مِنَ الماءِ وَالطَّعَامِ، فَقَامَ أَصْحَابِي الَّذِينَ جِئْتُ مَعَهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ وَقَالَ لَهُمْ: الزَمُوا هَذَا الدِّينَ، وَإيَّاكُمْ أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوصُوا بِهَذَا الغُلَامِ خَيْرًا، وَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، هَذَا دِينُ اللَّهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُولُهُ، وَمَا سِوَاهُ الكُفْرُ. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقُكَ. قَالَ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعِي، إِنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلَّا كُلُّ يَوْمِ أَحَد، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الكَيْنُونَةِ مَعِي.
قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا غُلَامُ، إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ. قُلْتُ: مَا أَنَا بمُفَارِقُكَ. قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا فَلَان، إِنَّ هَذَا غُلَامٌ وَيُخَافُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ، فَبَكَى أَصْحَابِي الأَوَّلُونَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ عِنْدَ فُرَاقِهِمْ إِيَّاي. فَقَالَ: يَا غُلَامُ، خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا تَرَى إِنَّهُ يَكْفِيكَ إِلَى الأَحَدِ الآخَرُ، وَخُذْ مِنَ الماءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ فَفَعَلْتُ، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا وَلَا طَاعِمًا إِلَّا رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الأَحَدِ الآخَرُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ لِي: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ وَانْطَلِقْ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ أَتْبَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الجِبَالِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَعَدُوا وَعَادَ فِي حَدِيثِهِ نَحْوَ المرَّةِ الأُولَى، فَقَالَ: الزَمُوا هَذَا الدِّينَ وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَنِي فَقَالُوا لَهُ: يَا فُلَانُ كَيْفَ وَجَدتَّ هَذَا الغُلَامَ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ وَقَالَ خَيْرًا، فَحَمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيرٌ، وَمَاءٌ كَثِيرٌ فَأَخَذُوا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مَا يَكْتَفِي بِهِ وَفعلت، فَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الجِبَالِ وَرَجَعَ إِلَى كَهْفِهِ وَرَجِعْتُ مَعَهُ، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّه يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَحَدٌ، وَيَخْرُجُونَ مَعَهُ، وَيَحفُونَ بِهِ وَيُوَصِّيهِمْ بِمَا كَانَ يُوَصِّيهِمْ بِهِ، فَخَرَجَ فِي أَحَدٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمَدَ اللَّه تَعَالَى وَوَعَظَهُمْ وَقَالَ: مِثْلَ مَا كَانَ يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ
آخِرُ ذَلِكَ: يَا هَؤُلَاءِ إِنَّهُ قَدْ كَبُرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَقَرُبَ أَجَلِي، وإِنَّهُ لَا عَهْدَ لِي بِهَذَا البَيْتِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيانِهِ فَاسْتَوصُوا بهَذَا الغُلَامِ خَيْرًا، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ: فَجَزَعَ القَوْمُ فَمَا رَأَيْتً مِثْلَ جَزَعِهِمْ وَقَالُوا: يَا فُلَان، أَنْتَ كَبيرٌ فَأَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَا نأْمَنُ أَنْ يُصِيبَكَ شَيْءٌ يُسَاعِدُكَ أَحْوَجَ مَا كُنَّا إِلَيْكَ. قَالَ: لَا تُرَاجِعُونِي، لَا بُدَّ مِنِ اتِّبَاعِهِ، وَلَكِنِ اسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلَامِ خَيْرًا وَافْعَلُوا وَافْعَلُوا. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَنا بمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا سَلْمَانُ، قَدْ رَأَيْتَ حَالِي وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، أَنا أَمْشِيَ أصُومُ النَّهَارَ وَأَقُومُ اللَّيلَ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَادًا وَلَا غَيْرُهُ، وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقُكَ. قَالَ: أَنْتَ أعْلَمُ، قَالَ: فَقَالُوا: يَا فُلَانُ، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَى هَذَا الغُلَامِ، قَالَ: فَهُوَ أَعْلَمُ قَدْ أَعْلَمْتُهُ الحَالَ وَقَدْ رَأَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا. قُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ. قَالَ: فَبَكُوا وَوَدَّعُوهُ وَقَالَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَكُونُوا عَلَى مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، فَإِنْ أَعِشْ فَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ مِتُّ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَقَالَ لِي: احْمِلْ مَعَكَ مِنْ هَذَا الخُبْزِ شَيْئًا تَأْكُلُهُ، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ يَذْكُرُ اللَّه تَعَالَى، وَلَا يَلْتَفِتَ وَلَا يَقِفَ عَلَى شَيءٍ حَتَّى إِذَا أَمْسَيْنَا، قَالَ: يَا سَلْمَانُ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ وَكُلْ وَاشْرَبْ، ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يُصَلِّي حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرَفَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَابِ المَسْجِدِ، وَإِذَا عَلَى البَابِ مُقْعَدٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، قَدْ تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيءٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَدَخَلَ المسْجدَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَجَعَلَ يَتِّبعْ أَمْكِنَةً مِنَ المَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهَا، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ إنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ النَّوْمِ، فَإِنْ فَعَلَتَ أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظَّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا نمت، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنامَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، وَإِلَّا لَمْ أَنَمْ، قَالَ:
قُلْتُ فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَأيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي. فَنَامَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ؛ لَأَدَعَنَّهُ يَنَامُ حَتَّى يَشْتَفِي مِنَ النَّوْمِ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ يُقْبِلُ عَلَى فَيَعِظُنِي وَيُخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُنِي نَحْوَ مَا يُذَكِّرُ القَوْمَ يَوْمَ الأَحَدِ حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُولُ: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ اللَّه عز وجل سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتُهْمَةَ -وَكَانَ رَجُلًا عَجَمِيًا لَا يُحْسِنُ القَوْلَ- عَلَامَتُهُ إِنَّهُ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانَّهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ قَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِينِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: اتْرُكْهُ فَإِنَّ الحَقَّ فِيمَا يَأمُرُ بِهِ، وَرِضَى الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ. فَلَمْ يَمْضِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعًا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ، مَضَى الفَيءُ مِنْ هَذَا المكَانِ وَلَمْ أَذْكُرُ أَيْنَ مَا كُنْتَ جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: أخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْتَفِيَ مِنَ النَّومِ، فَحَمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَامَ فَخَرَجَ وَتَبِعْتُهُ فَمَرَّ بِالمقْعَدِ، فَقَالَ المقعَدِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ دَخَلْتَ فَسَألْتُكَ فَلَمْ تَعْطنِي، وَخَرَجْتَ فَسَألْتُكَ فَلَمْ تَعْطِنِي، فَقَامَ يَنْظُرُ هَلْ يَرِى أَحَدًا فَلَمْ يَرَهُ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَامَ كَأَنَّهُ أَنْشَطَ مِنْ عَقَالٍ صَحِيحًا لَا عَيْبَ بِهِ فَخَلَا عَنْ بَعْدِهِ، فَانْطَلَقَ ذَاهِبًا فَكَانَ لَا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي المقعدُ: يَا غُلَامُ احْمِلْ عَلَى ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقُ فَأَسِيرُ إِلَى أَهْلِي، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَانْطَلَقَ لَا يَلْوِي عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ أَطْلُبُهُ، فَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ حَتَّى لَقِيَنِيَ رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَألْتُهُمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا الفَتَى أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِي بَعِيرَهُ فَحَمَلَنِي خَلْفَهُ حَتَّى أَتَوْا بِلَادَهُمْ فَبَاعُونِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ
مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لها، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ أُخْبِرْتُ بِهِ، فَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ تَمْرِ حَائِطِي فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدتُّ عِنْدَهُ نَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ:"مَا هَذَا؟ " قُلْتُ: صَدَقَةً. قَالَ لِلْقَوْمِ: "كُلُوا". وَلَمْ يَأْكُلْ، ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلْتُه عَلَى شَيءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدتُّ عِنْدَهُ نَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبَ القَوْمِ مِنْهُ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي:"مَا هَذَا؟ " قُلْتُ: هَدِيَّةً. قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ" وَأَكَلَ وَأَكَلَ القَوْمُ. قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ، كَانَ صَاحِبِي رَجُلًاَ أعْجَمِيًّا لَمْ يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ: تِهَامَةَ، فَقَالَ: تُهْمَة، وَقَالَ: اسْمُهُ أَحْمَدَ فَدُرْتُ خَلْفَة فَفَطِنَ بِي فَأَرْخَى ثَوْبًا فَإِذَا الخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ فَتَبَيَّنْتُهُ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: أَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ:"مَنْ أَنْتَ؟ " قُلْتُ: مَمْلُوكٌ. قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي وَحَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَمَا أَمَرَنِي بهِ. قَالَ: "لِمَنْ أَنْتَ؟ " قُلْتُ: لِامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ جَعَلَتْنِي فِي حَائِط لَهَا. قَالَ: "يَا أبَا بَكْرٍ". قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: "اشْتَرِهِ". فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَأَعْتَقَنِي، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلْبِثَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَعَدتُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي دِينِ النَّصَارَى؟ قَالَ:"لَا خَيْرَ فِيْهِمْ وَلَا فِي دِينِهِمْ". فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَرَأيْتُ مَا رَأيْتُه، ثُمَّ رَأيْتُهُ أَخَذَ بِيَدِ المقْعَدِ فَأَقَامَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَؤُلَاءِ وَلَا فِي دِينِهِمْ، فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} . . . إِلَى آخِرِ الآيِةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيَّ بِسَلْمَانَ". فَأَتَى الرَّسُولُ وَأَنَا خَائِفٌ، فَجِئْتُ حَتَّى قَعَدتُّ بَينَ يَدَيْهِ فَقَرَأَ:"بسم اللَّه الرحمن الرحيم" {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ}. . . -إِلَى آخِرِ الآيةِ- يَا سَلْمَانُ، إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ كُنْتَ مَعَهُمْ وَصَاحِبُكَ لَمْ يَكُونُوا نَصَارَى، إنَّمَا كَانُوا مُسْلِمينَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَهُوَ الَّذِي أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ، فَقلْتُ لَهُ: وَإِنْ أَمَرنِي بتَرْكِ دِينِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّ الحَقَّ وَمَا يَجِبُ فِيمَا يَأمُرُكَ بِهِ.
(100)
(101)
(100)
"إسناده ضعيف"
"المستدرك على الصحيحين"(599)، وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"(1/ 46)، عن محمد ابن يعقوب، عن يحيى بن أبي طالب به، وذكره السيوطي في "تفسيره"(5/ 410).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في "السير"(1/ 532): حديث جيد الإسناد، حكم الحاكم بصحته.
قلت: سماك صدوق، وحاتم بن أبي صغيرة ثقة، ويحيى بن أبي طالب هو يحيى بن جعفر ترجمه الخطيب في "تاريخه"(14/ 220)، ونقل عن أبي حاتم قوله: محله الصدق.
أما علي بن عاصم فالنزاع فيه كبير بين النقاد، وله أغلاط ومناكير، ولذا قال الحافظ في "تقريبه": صدوق يخطئ ويصر. وقال الذهبي في "الكاشف": ضعفوه، وكان عنده مئة ألف حديث.
قلت: اتهمه البعض بالكذب، وضعفه البخاري، وابن معين، والنسائي، والعقيلي، وابن حبان، وابن عدي، ومن هذا حاله لا يقبل منه هذا السياق الطويل، وفيه أشياء لم ترد في الصحيح من قصة سلمان كما رواه ابن عباس عنه، واللَّه أعلم.
(101)
المائدة: 112 - 115.
896 -
قَالَ ابْنُ المرَجَّا فِي "فَضَائِلِ بَيْتِ المقْدِسِ":
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو المعَمَّرِ مُسَدَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَمْلُوكِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْه بِدِمَشْقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الأَسَدِي، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ يَعْقُوبَ القَاضِي العَبْقَسِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى المائِدَةَ عَلَى عِيسَى عليه السلام فِي أَرْضِ بَيْتِ المقْدِسِ، قَالَ مُقَاتِلُ: وَذَلِكَ أَنَّ الحَوَارِيِّينَ قَالُوا لِعِيسَى عليه السلام: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} نُرِيدُ مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} نُرِيدُ نَزْدَادُ يَقِينًا {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} مَعَ مَا رَأَيْنَا مِنْكَ صَغِيرًا وَكَبِيرًا مِنَ الأَعَاجِيبِ {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} نُرِيدُ شُهُودًا لَكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَشْهَدُ أَنَّكَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، وَابْنُ العَذْرَاء البَتُولِ الَّذِي لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَوْلَادِ نَظِيرٌ {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا} يُرِيدُ لِمَنْ مَعَهُمْ {وَآخِرِنَا} يُرِيدُ مَنْ يَأْتِي {وَآيَةً مِنْكَ} يُرِيدُ عَلَامَةً مِنْكَ، قَالَ: فَقَامَ عِيسَى فَأَلْقَى عَنْهُ الصُّوفَ وَلَبِسَ الشَّعَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ صَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَأَلْصَقَ الكَعْبَ بِالكَعْبِ، وَسَاوَى الإِبْهَامَ بِالإِبْهَامِ وَطَأْطَأَ
(102)
خَاشِعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ يَبْكِي، فَبَكَى حَتَّى سَالَتْ الدُّمُوِعُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَجَعَلَتْ تَقْطُرُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ:{اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} يُرِيدُ وَارْزُقْنَا عَلَيْهَا طَعَامًا نَاكُلُهُ وَيَعْنِي بقَولِهِ: {عِيدًا} أَيْ عَطِيَّةً، قَالَ: فَنَزَلَتْ سُفْرَة حَمْرَاءُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ، غَمَامَةَ فَوْقَهَا وَغَمَامَةُ تَحْتَهَا، وَهُمْ يَنْظُرُونَ
(102)
طأطأ الشيء: خفضه، وطأطأ عن الشيء: خفض رأسه عنه، وكل ما حط فقد طؤطئ. انظر "اللسان": طأطأ.
إِلَيْهَا تَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ مُنْقَضَّةً، وَعِيسَى عليه السلام يَبْكِي وَيَقُولُ: إِلَهي اجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً، وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، إِلَهِي كَمْ أَسْأَلُكَ مِنَ العَجَائِبِ وَتُعْطِينِي، إِلَهِي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَنْزَلْتَهَا غَضَبًا وَرِجْزًا، اللَّهُمَّ رَبَّنَا اجْعَلْهَا عَافِيَةً وَسَلامَةً، وَلَا تَجْعَلْهَا مُثْلَةً وَلَا فِتْنَةً، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ عِيسَى عليه السلام، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَجِدُونَ رِيحًا طَيِّبَةً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَهَا قَطُّ، فَخَرَّ عِيسَى سَاجِدًا وَالحَوَارِيُّونَ مَعَهُ، وَبَلغَ اليَهُودَ ذَلِكَ فَأُمْلِئُوا غَمًّا وَكَمَدًا يَنْظُرُونَ أَمْرًا عَجِيبًا، فَإِذَا مِنْدِيلٌ مُغَطَّى عَلَى السُّفْرَةِ، وَجَاءَ عِيسَى عليه السلام فَقَالَ: مَنْ أَوْثَقُنَا بِنَفْسِهِ وَأَحْسَنُنَا يَقِينًا عِنْدَ رَبِّنَا فَلْيَكْشِفْ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْهَا، وَنأْكُلَ مِنْها، وَنُسَمِّيَ رَبَّنَا وَنَحْمَدَ إِلَهَنَا تَعَالَى. فَقَالَ الحَوَارِيُّونَ: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ يَا رُوحَ اللَّهِ.
قَالَ: فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا جَدِيدًا، وَصَلَّى صَلَاةً طَوِيلَةً، وَدَعَا دُعَاءً كَثِيرًا، وَبَكَى بُكَاءً طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ السُّفْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ. وَكَشَفَ المِنْدِيلَ، وَإِذَا هُوَ بِسَمَكَةٍ مَشْوِيَّةٍ لَيْسَ عَلَيْهَا قُشُورٌ، وَلَيْسَ لهَا شَوْكٌ، تَسِيلُ سَيْلًا مِنَ الدَّسَمِ قَدْ نُضِّدَ حَوْلَهَا البَقْلُ مَا خَلا الكُرَّاثَ، وَإِذَا خَلٌّ عِنْدَ رَأْسِهَا، وَمِلْحٌ عِنْدَ ذَنَبِهَا، وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا زَيْتُونٌ، وَعَلَى سَابِعِهَا حَبُّ رُمَّان وَتَمْر، فَقَالَ شَمْعُونُ رَأْسُ الحَوَارِيِّينَ: يا رُوحَ اللَّهِ، أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طعَام الآخِرَةِ؟ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: أَوَ مَا نُهِيتُمْ عَنْ تَغَيُّرِ المسَائِلِ، مَا أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا. قَالَ: لَا وَإِلَهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا أَرَدْتُ بِمَا سَأَلْتُ سُوءًا يَا ابْنَ الصِّدِّيقَةِ. قَالَ عِيسَى: نَزَلَتْ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا تَرَوْنَ عَلَيْهَا مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا، وَلَا مِنْ طَعَامِ الآخِرَةِ، هِيَ وَمَا عَلَيْهَا ابْتَدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالقُدْرَةِ الغَالِبَةِ. قَالَ تَعَالَى لَهَا: كُونِي. فَكَانَتْ، فَكُلُوا مِمَّا سَأَلْتُمْ وَاحْمَدُوا عَلَيْهِ رَبَّكُمْ
يُمْدِدُكُمْ وَيَزِيدُكُمْ. قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ، لَوْ أَرَيْتَنَا اليَوْمَ آيَةً مِنْ هَذِهِ الآيَةِ. قَالَ عِيسَى عليه السلام لِلسَّمَكَةِ: احْيَيْ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَاضْطَرَبَتِ السَّمَكَةُ حَيَّةً طَرِيَّةً تَدُورُ عَيْنَاهَا فِي رَأْسِهَا، وَلَهَا وَبِيصٌ تَلَمَّظُ
(103)
بِفِيهَا كَمَا يَتَلَمَّظُ الأَسَدُ، وَعَادَ عَلَيْهَا قُشُورَهَا، فَفَزِعَ القَوْمُ فَقَالَ عِيسَى: مَا لَكُمْ تَسْأَلُونَ عَنْ أَشْيَاءَ فَإِذَا أعْطِيتُمُوهُ كَرِهْتُمُوهُ، مَا أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَذَّبُوا. ثُمَّ قَالَ: عُودِي يَا سَمَكَةُ مِثْلَ مَا كُنْتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَعَادَتِ السَّمَكَةُ مَشْوِيَّةً كَمَا كَانَتْ لَيْسَ عَلَيْهَا قُشُورٌ عَلَى حَالِها. فَقَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، كُلْ مِنْهَا الَّذِي تَأْكُلُ أَوَّلًا ثُمَّ نأْكُلُ نَحْنُ. فَقَالَ عِيسَى: مَعَاذَ اللَّهِ، يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ طَلَبَهَا وَسَأَلَها. قَالَ: فَفَزِعَ الحَوَارِيُّونَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا سُخْطَةً وَمُثْلَةً؛ فَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَدَعَا عِيسَى عليه السلام عَلَيْهَا أَهْلَ الفَاقَةِ وَالزَّمَانَةِ، وَالمرْضَى مِنْ أَهْلِ العِمْيَانِ وَالمجَذَّمِينَ وَالمقْعَدِينَ، وَأَهْلِ البَلاءِ وَالماءِ الأَصْفَرِ وَالمجَانِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَادْعُوهُ يُبْرِئْكُمْ إِنَّهُ رَبُّكُمْ، وَاحْمَدُوهُ يَكُونُ المهْنَأُ لَكُمْ، وَالبَلاءُ لِغَيْرِكُمْ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُوا، فَفَعَلُوا وَصَدَرُوا عَنْ تِلْكَ السَّمَكَةَ وَالأَرْغِفَةَ وَهُمْ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِئَةٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ فَقِيرٍ وَجَائِعٍ وَصَاحِبِ عِلَّةٍ وَفَاقَةٍ، فَصَدَرُوا كُلُّهُم شِبَاعًا يَتَجَشَّؤُونَ، ثُمَّ نَظَرَ عِيسَى عليه السلام فَإِذَا مَا عَلَى المائِدَة كَهَيْئَتِهِ كَمَا أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ رُفِعَتِ السُّفْرَةُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَاسْتَغْنَى كُلُّ فَقِيرٍ أَكَلَ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ يَزَلْ غَنِيًّا حَتَّى مَاتَ، وَبَرَأَ كُلُّ زَمِنٍ مِنْ زَمَانَتِه حَتَّى مَاتَ، فَنَدِمَ الحَوَارِيُّونَ وَسَائِرُ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا وَأَبَى ذَلِكَ، وَتَحَسَّرُوا حَسْرَةً وَاشْتَدَّتْ فِيهَا أَسْقَامُهُمْ.
قَالَ: وَكَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلُوا إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ يَسْعَوْنَ، يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: الأَغْنِيَاءُ وَالفُقَرَاءُ، وَالرِّجَالُ والنِّسَاءُ، وَالكِبَارُ وَالصِّغَارُ، وَالأَصِحَّاءُ
(103)
التلمُّظُ: الأخذ باللسان ما يبقى في الفم بعد الأكل، وقيل: هو تحريك اللسان في الفم بعد الأكل؛ كأنه يتتبع بقية من الطعام بين أسنانه. انظر "اللسان": لمظ.
والمرْضَى، يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا رَأَى عِيسَى عليه السلام ذَلِكَ جَعَلَهَا بَيْنَهُمْ نَوْبَةً. قَالَ: فَكَانَتْ تَنْزِلُ غِبًّا، تَنْزِلُ يَوْمًا وَلَا تَنْزِلُ يَوْمًا كَنَاقَةِ النَّبِيِّ صَالِحٍ لَهَا شِرْبٌ؛ يَوْمٌ تَشْرَبُ جَمِيعَ الماءِ وَتَغْدُو عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهِ لَبَنًا، فَلَبِثُوا بِذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ضُحًى فَلا تَزَالُ مَوْضُوعَةً حَتَّى إِذَا قَالَ: إِلَهي طَارَتْ صُعَدًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الأَرْضِ حَتَّى تَتَوَارَى عَنْهُمْ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى عِيسَى أَنِ اجْعَلْ مَائِدَتِي وَرِزْقِي لِلْيَتَامَى وَالزَّمْنَى دُونَ الأَغْنِيَاء مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَعْظَم ذَلِكَ الأَغْنِيَاءُ، فَادَّعَوْا القَبِيحَ حَتَّى شَكُوا وَشَكَّكُوا النَّاسَ فِيهَا، فَوَقَعَتْ الفِتْنَةُ فِي قُلُوب المرْتَابِينَ -يُرِيدُ المشْرِكِينَ- حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: يَا مَسِيحَ اللَّهِ، إِنَّ المائِدَةَ لَحَقٌّ تَنْزِلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ عِيسَى: وَيْلَكُمْ أُهْلِكْتُمْ فَأَبْشِرُوا بِالعَذَابِ إِلَّا أَنْ يَرْحَمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ شَرْطِي مِنَ المكَذِّبينَ، إِنِّي قَدِ اشْتَرَطْت عَلَيْهِمْ أَنِّي أُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ. فَقَالَ عِيسَى عليه السلام:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} قَالَ: فَمَسَخَ اللَّه مِنْهُمْ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا خَنَازِيرَ مِنْ لَيْلَتِهِمْ، فَأَصْبَحُوا يَأْكُلُونَ العَذَائِرَ مِنَ الحُشُوشِ، وَيَنْبِشُونَ فِي الكُنَّاسَةِ وَالمزَابِلِ وَالطُرُقِ وَيَتَعَاوُونَ، وَقَدْ كَانُوا يَنَامُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى فُرُشِهِمْ مَعَ نِسَائِهِمْ آمِنِينَ بِأَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَوْسَعِ رِزْقٍ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِعِيسَى فَزَعًا وَرَهَبًا مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِيسَى يَبْكِي وَأَهْلِيهِمْ يَبْكُونَ مَعَهُ عَلَيْهِمْ، وَجَاءَتِ الخَنَازِيرُ تَسْعَى إِلَى عِيسَى حِينَ أَبْصَرَتْهُ فَطَافُوا بِهِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَشُمُّونَ رِيحَهُ وَيَسْجُدُونَ لَهُ، وَأَعْيُنُهُمْ تَسِيلُ دُمُوعًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الكَلَامَ، فَقَام عِيسَى يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ يَا فُلانُ، فَيُومِئُ بِرَأْسِهِ نَعَمْ، قَدْ كُنْتُ أُحَذِّرُكُمْ عَذَابَ رَبِّكُمْ، عَذَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَأنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ إِذْ مُثِّلَ بِكُمْ، وَغُيِّرَتْ صُورَتُكُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ عِيسَى عليه السلام دَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُمِيتَهُمْ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ