الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعْتِكَافُ مَنْ قَالَ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي المسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ
806 -
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْزرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَامعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ: عُكُوفٌ بَيْنَ دَاركَ وَدَارِ أَبِي مُوسَى لَا تُغَيِّرْ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا اعْتِكَافَ إلا فِي المسَاجدِ الثَّلَاثَةِ: المسْجدِ الحَرَامِ، وَمَسْجدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ".
(56)
= عبد اللَّه بن ثابت وأبوه ترجم لهما الخطيب في "تاريخ بغداد"(7/ 143، 9/ 426)، وقال في ترجمة ثابت: سكن بغداد، حدث به عن أبي صالح الهذيل بن حبيب الدنداني، عن مقاتل بن سليمان كتاب "التفسير"، رواه عنه ابنه عبد اللَّه بن ثابت.
قلت: ومقاتل غير معتمد، فقد كذبه غير واحد كالنسائي وابن حبان، ثم ما قاله لا يقال من قبيل الرأي، ولا يقبل إلا ما كان مرفوعًا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فهو من الغيب الذي لا يقال إلا بوحي.
(56)
"حسن"
"شرح مشكل الآثار"(4/ 20)، وأخرجه الإسماعيلي في "معجمه"(336)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(15/ 81) بإسناده، كلهم عن سفيان بنحوه.
وهذا إسناد حسن، لكن اختلف فيه على سفيان على الوقف والرفع، فقد رواه محمود بن آدم المروزي، ومحمد بن الفرج، وهشام بن عمار، ثلاثتهم عنه بالوجه السابق، أي على الرفع.
وخالفهم عبد الرزاق كما في "المصنف"(8016)، وعنه الطبراني في "الكبير"(9/ 302 رقم 9511)، وسعيد بن عبد الرحمن، ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة"(1334) ثلاثتهم عن سفيان، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عن حذيفة موقوفًا.
وقد رواه سعيد بن منصور، عن سفيان بالإسناد السابق إلى حذيفة، أنه قال لعبد اللَّه بن مسعود: قد علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة - أو قال: مسجد الجماعة". هكذا على الشك، ذكره ابن حزم في "المحلى"(5/ 195)، وقال ابن حزم: هذا شك من حذيفة، أو ممن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دونه.
وقد تابع أبا وائل إبراهيم على رواية الوقف، فقد أخرجه عبد الرزاق (8014)، وابن أبي شيبة (2/ 503)، والطبراني في "الكبير"(9/ 301 رقم 9510) ثلاثتهم عن الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم، عن حذيفة.
وإسناده منقطع، إبراهيم لم يدرك حذيفة، وقد روي عن إبراهيم بإسناد آخر عند الطبراني في "الكبير"(9/ 301 رقم 9510)، وهو معلول أيضًا بالعلة السابقة.
وقد صحح الطريق المرفوع الإمام الذهبي فقال في "السير" بعد سياقه الحديث: صحيح غريب عال.
وصححه أيضًا على الرفع العلامة الألباني رحمه الله كما في "السلسلة الصحيحة"(2786) وقال: واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف، وصفته كما تراه مبسوطًا في "المصنفين" و"المحلى"، وغيرهما، وليس في ذلك ما يصح الاحتجاج به سوى قوله تعالى:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} وهذا الحديث الصحيح، والآية عامة، والحديث خاص، ومقتضى الأصول أن يحمل العام على الخاص، وعليه فالحديث مخصص للآية، ومبين لها، وعليه يدل كلام حذيفة وحديثه، والآثار في ذلك مختلفة أيضًا.
قلت: لا نسلم بهذا، والحديث ليس فيه نفي أصل الاعتكاف في باقي المساجد، والنفي هنا محمول على نفي الكمال والتجويد، وليس على نفي أصله، وهذا مستفيض في السنة، ولو حملنا كل حديث على نفي أصله؛ لأخرجنا أصحاب المعاصي من الإسلام. لذا قال أبو عبيد في "الإيمان" (40 - 41): وإن الذي عندنا في هذا الباب كله أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيمانًا، ولا توجب كفرًا، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت اللَّه به أهله، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه فقال:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)} ، وقال:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} ، وقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} .
قال أبو عبيد: فهذه الآيات التي شرحت وأبانت شرائعه المفروضة على أهله، ونفت عنهم المعاصي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كلها، ثم فسرته السنة بالأحاديث التي فيها خلال الإيمان في الباب الذي في صدر هذا الكتاب، فلما خالطت هذه المعاصي هذا الإيمان المنعوت بغيرها، قيل: ليس هذا من الشرائط التي أخذها اللَّه على المؤمنين، ولا الأمانات التي يعرف بها أنه الإيمان، فنفت عنهم حينئذ حقيقته، ولم يزل عنهم اسمه، فإن قال قائل: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟ قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله، إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئًا ولا عملت عملًا. وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى، فيقال: ما هو بولد. وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ، والزوجة، والمملوك، وإنما مذهبهم في هذا: المزايلة الواجبة عليهم من الطاعة والبر، وأما النكاح والرق والأنساب، فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماوها، فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه الحكم عليهم. اهـ.
ولهذا كان مذهب الجماهير أصوب.
قال الحافظ في "الفتح"(4/ 319): وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك؛ لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك، وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقًا، وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة، وعطاء بمسجد مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة.
وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" بعد سياقه الحديث: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه إخبار حذيفة ابن مسعود أنه قد علم ما ذكره له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترك ابن مسعود إنكار ذلك عليه وجوابه إياه بما أجابه به في ذلك من قوله:"لعلهم حفظوا". نسخ ما قد ذكرته من ذلك، وأصابوا فيما قد فعلوا، وكان ظاهر القرآن يدل على ذلك وهو قوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فعم المساجد كلها بذلك، وكان المسلمون عليه من الاعتكاف في مساجد بلدانهم، إما مساجد الجماعات التي تقام فيها الجمعات، وإما هي وما سواها من المساجد التي لها الأئمة والمؤذنون على ما قاله أهل العلم في ذلك.
وقال العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع"(6/ 512): وإن صح هذا الحديث فالمراد به لا اعتكاف تام، أي ان الاعتكاف في هذه المساجد أتم وأفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، كما أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى، ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فقوله تعالى:{الْمَسَاجِدِ} =
807 -
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: إِنَّ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو
(57)
، قَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا بِبَيْتِ المَقْدِسِ. فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"كَفَى بِالمرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ".
(58)
= (الـ) هنا للعموم، فلو كان الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة لزم أن تكون (الـ) هنا للعهد الذهني، ولكن أين الدليل؟ وإذا لم يقم دليل على أن (الـ) للعهد الذهني فهي للعموم، هذا الأصل، ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب اللَّه للأمة من مشارق الأرض ومغاربها، ثم نقول: لا يصح إلا في المساجد الثلاثة؟! فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية، ثم نقول: إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة، كالطواف لا يصح إلا في المسجد الحرام، فالصواب أنه عام في كل مسجد، لكن لا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل، كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل.
(57)
عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: الإمام الحبر العابد، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، أبو محمد، أسلم قبل أبيه، وكان اسمه العاص فغيره رسول اللَّه بعبد اللَّه "سير أعلام النبلاء"(3/ 80).
(58)
"حسن"
"المسند"(2/ 195)، وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2281)، والبيهقي في "سننه"(7/ 467)، والمزي في "تهذيبه"(31/ 120)، كلهم عن شعبة بهذا، وأخرجه أحمد (2/ 165)، والنسائي في "الكبرى"(5/ 374)، وأبو داود في "سننه"(1692)، وابن حبان في "صحيحه"(4240)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 415)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 135)، كلهم عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق بنحوه مختصرًا، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووهب بن جابر من كبار تابعي الكوفة.
وأخرجه الحميدي (599)، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق به مختصرًا، وعبد الرزاق (20810)، عن معمر، عن أبي إسحاق به مطولًا، وأبو بكر القطيعي في "جزء الألف دينار"(104)، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق به مختصرًا، وابن أبي الدنيا في "العيال"(ص 98) عن محمد بن إسحاق، عن مولاتهم -كذا- عن أبي إسحاق به مطولًا، وأحمد (2/ 193)، عن الأعمش، عن أبي إسحاق به مختصرًا.