الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتَابُ التَّفْسِيرِ
سُورَة البَقَرَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}
(1)
836 -
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم فِي "تَفْسِيرِهِ":
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الفَضلِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِى بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ثَنَا أَبُو وَهْبٍ، ثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَوْلُهُ:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} . يَقُولُ: صَرْفُكَ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ إلَى الكَعْبَةِ كَبِيرٌ ذَلِكَ عَلَى المنَافِقِينَ وَاليَهُودِ
(2)
.
قَوْلهُ تَعَالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}
(3)
(1)
البقرة: 45.
(2)
"إسناده حسن"
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 103).
وإسناده يحسَّن؛ بكير بن معروف قال فيه أحمد في رواية: ما أرى به بأسًا. وقال النسائي: ليس به بأسٌ. وغمزه ابن المبارك، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جدًّا. وقال الحافظ: صدوق فيه لين.
قلت: وحديثه هنا محتمل منه، ولم يستنكر عليه.
وأبو وهب هو محمد بن مزاحم المروزي: صدوق. ومحمد بن علي بن الحسن: ثقة، كما قال الحافظ، وقد أتى الأثر من وجه آخر أخرجه البيهقي في "شعبه"(7/ 115) من طريق إسماعيل بن قتيبة عن يزيد بن صالح، عن بكير، عن مقاتل، قال: "استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها، وتلاوة القرآن فيها، وركوعها، وسجودها، وتكبيرها، والتشهد فيها، والصلاة على النبي، وإكمال طهورها؛ فذلك إقامتها وإتمامها قوله:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} يقول: صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة، كبر ذلك على المنافقين واليهود إلا على الخاشعين - يعني المتواضعين.
(3)
البقرة: 57.
وَقَولُهُ تَعَالَى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}
(4)
837 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
فحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: لمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ مُوسَى وَأَحْيَا السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى بَعْدَ مَا أَمَاتَهُمْ؛ أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَا وَهِيَ أَرْضُ بَيْتِ المقْدِسِ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ الجَّبَّارِينَ وَأَمْرِ قَوْمِ مُوسَى مَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى:{فَاذهَبْ أنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}
(5)
فَغَضِبَ مُوسَى فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:{رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)} فَكَانَتْ عَجَلَةً مِنْ مُوسَى عَجِلَهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}
(6)
فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ نَدِمَ مُوسَى، وَأَتَاهُ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُطِيعُونَهُ فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِنَا يَا مُوسَى؟ فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أَيْ: لا تَحْزَنْ عَلَى القَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتَهُمْ فَاسِقِينَ. فَلَمْ يَحْزَنْ، فَقَالُوا: يَا مُوسَى، فَكَيْفَ لَنَا بِمَاءٍ هَاهُنَا؟ أَيْنَ الطعَامُ؟ فَأَنزَل اللَّهُ عَلَيْهِمُ المنَّ
(7)
فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى شَجَرِ التَّرَنْجَبِينُ، وَالسَّلْوَى وَهُوَ طَيْرٌ يُشْبِهُ السَّمَانِي، فَكَانَ يَأتِي أَحَدُهُمْ فِينْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ إِنْ كَانَ سمِينًا ذَبَحَهُ وَإِلا أَرْسَلَهُ، فَإِذَا سَمِنَ أَتَاهُ، فَقَالُوا: هَذَا الطَّعَامُ فَأَيْنَ الشَّرَابُ؟ فَأُمِرَ مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاهُ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ
(4)
البقرة: 60.
(5)
المائدة: 24.
(6)
المائدة: 25 - 26.
(7)
المَنُّ: شيء كان يسقط على الشجر حُلْوٌ يُشرب، ويقال إنه التَّرَنْجَبينُ. انظر "لسان العرب": منن.
مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، فَشَرِبَ كُل سِبْطٍ مِنْ عَيْني، فَقَالُوا: هَذَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فَأَيْنَ الظِّلُّ؟ فَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الغَمَامَ، فَقَالُوا: هَذَا الظِّلُّ فَأَيْنَ اللِّبَاسُ؟ فَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ تَطُولُ مَعَهُمْ كَمَا تَطُولُ الصِّبْيَانُ، وَلا يَتَخَرَّقُ لَهُمْ ثَوْبٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} وَقَوْلُهُ: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} .
(8)
(9)
838 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ":
نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} قَالَ: بَيْتُ المقْدِسِ.
(10)
(8)
"إسناده ضعيف مع إعضال فيه"
"تفسير الطبري"(1/ 707).
وفيه أسباط بن نصر الهمداني: مختلف فيه. قال الحافظ في "التهذيب"(1/ 185): قال حرب: قلت لأحمد: كيف حديثه؟ قال: ما أدري. وكأنه ضعفه، وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعفه، وقال: أحاديثه عامية سقط مقلوب الأسانيد. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ثقة. وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس. اهـ. وقال في "التقريب"(1/ 98): صدوق كثير الخطأ يغرب.
قلت: والسدي هنا يقول برأيه، أو عن بني إسرائيل، والإعضال فيه ظاهر.
(9)
البقرة: 58.
(10)
"رجاله ثقات".
"تفسير عبد الرزاق"(1/ 46)، وأخرجه ابن عساكر في "الجامع المستقصى"(ق 137)، والطبري في =
839 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ -يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ قَوْلِهِ: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} قَالَ: هِيَ أَرِيحَا، وَهِيَ قَرِيبَة مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ.
(11)
840 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّي:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} أَمَّا القَرْيَةُ، فَبَيْتُ المقْدِسِ.
(12)
841 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الحَسَنِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَر، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ:
= "تفسيره"(1/ 712)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 116)، وابن المرجا في "فضائل بيت المقدس"(ص 185) من طريقه به.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(11)
"إسناده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد"
"تفسير الطبري"(1/ 713).
يونس هو ابن عبد الأعلى الصدفي، وابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف الرواية، وقال ابن كثير في "تفسيره" (1/ 273): وقال آخرون: هي أريحا، ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد، وهذا بعيد؛ لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحا، وأبعد من ذلك قول من ذهب أنها مصر، حكاه فخر الدين في "تفسيره"، والصحيح هو الأول؛ أنها بيت المقدس.
(12)
"إسناده حسن إلى السدي"
"تفسير الطبري"(1/ 712)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 116) تعليقًا.
وفيه أسباط بن نصر الهمداني؛ وثقه الفضل بن دكين، وابن معين، وابن أبي خيثمة، والبخاري، وموسى بن هارون، والذهبي، وضعفه آخرون، وقال ابن حجر: صدوق كثير الخطأ يغرب. انظر: "تهذيب الكمال"(2/ 357)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 211)، و"الجرح والتعديل"(2/ 332)، و"تاريخ الدوري" عن ابن معين (2/ 23)، و"تاريخ الدارمي" عن ابن معين (71)، و"سؤالات البرذعي لأبي زرعة"(2/ 464)، و"الكاشف"(1/ 105).
{ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} يَعْنِي بَيْتَ المقْدِسِ.
(13)
842 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو، قَالَ: ثَنَا أَسْباطُ، عَنِ السُّدِّيِّ:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} أَمَّا البَابُ فَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِ المقْدِسِ.
(14)
843 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} فَإِنَّهُ أَحَدُ أَبْوَابِ بَيْتِ المقْدِسِ، وَهُوَ يُدْعَى بَابُ حِطَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:{سُجَّدًا} فَإِنَّ ابنَ عَبَّاس كَانَ يَتَأَوَّلُهُ بِمَعْنَى الرُّكَّعِ.
(15)
(13)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(1/ 713)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 116) تعليقًا.
وإسناده ضعيف لجهالة شيخ الطبري.
(14)
"ضعيف"
"تفسير الطبري"(1/ 714).
وإسناده ضعيف؛ السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، قال الحافظ في "التقريب" (1/ 108): صدوق يهم ورمي بالتشيع. وقال الذهبي في "الكاشف"(1/ 247): حسن الحديث، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال المزي في "تهذيب الكمال"(3/ 134): قال ابن المديني، عن يحيى بن سعيد: لا بأس به، ما سمعت أحدًا يذكره إلا بخير، وما تركه أحد. وقال أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: السدي ثقة.
وأسباط: هو ابن نصر الهمداني، قال الحافظ: صدوق كثير الخطأ يغرب. وانظر "تهذيب الكمال"(321).
(15)
"ضعيف جدًّا"
"تفسير الطبري"(1/ 714).
محمد بن سعد الذي يروي عنه الطبري، هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد =
844 -
قَالَ ابْنُ المرَجَّا فِي "فَضَائِلِ بَيْتِ المقْدِسِ":
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ، قَالَ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
= ابن جنادة العوفي، من بني عوف بن سعد، فخذ من بني عمرو بن عياذ بن يشكر بن بكر بن وائل، وهو لين في الحديث، كما قال الخطيب، وقال الدارقطني: لا بأس به. مات سنة 276 هـ، وهو غير محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي، وصاحب كتاب "الطبقات الكبير"، فهذا أحد الحفاظ الكبار الثقات المتبحرين، قديم الوفاة مات في 230 هـ.
أبوه سعد بن محمد بن الحسن العوفي: ضعيف جدًّا، سئل عنه الإمام أحمد فقال: ذاك جهمي، ثم لم يره موضعًا للرواية ولو لم يكن، فقال: لو لم يكن هذا أيضًا لم يكن ممن يستأهل ان يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذاك.
عن عمه، أي: عم سعد، وهو الحسين بن الحسن بن عطية العوفي كان على قضاء بغداد، قال ابن معين: كان ضعيفًا في القضاء، ضعيفًا في الحديث، وضعفه أيضًا أبو حاتم والنسائي. وقال ابن حبان في "المجروحين": منكر الحديث. . . ولا يجوز الاحتجاج بخبره.
عن أبيه، وهو الحسن بن عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف أيضًا، قال البخاري في "الكبير": ليس بذاك. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن أبيه، روى عنه ابنه محمد بن الحسن، منكر الحديث، فلا أدري البلية في أحاديثه منه، أو من أبيه، أو منهما معًا. لأن أباه ليس بشيء في الحديث، وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره، ووجب تركه.
عن جده، وهو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، وهو ضعيف أيضًا، ولكنه مختلف فيه، فقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء اللَّه، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به. وقال أحمد: هو ضعيف الحديث، بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان الثوري وهشيم يضعفان حديث عطية. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب حديثه. وسئل يحيى بن معين: كيف حديث عطية؟ قال: صالح، وقد رجحنا ضعفه في شرح حديث "المسند"(3010)، وشرح حديث الترمذي (551)، وإنما حسن الترمذي ذاك الحديث لمتابعات، ليس من أجل عطية، وقد ضعفه النسائي أيضًا في "الضعفاء"، وضعفه ابن حبان جدًّا في كتاب "المجروحين"، قال: فلا يحل كتابة حديثه إلا على وجه التعجب. (بتصرف يسير من كلام الشيخ أحمد شاكر).
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} يُرِيدُ بَيْتَ المقْدِسِ.
(16)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا}
(17)
845 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الآيَة، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَانَ سَلْمَانُ رَجُلًا مِنْ جُنْدَيْسَابُورَ
(18)
، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ ابْنُ الملِكِ صَدِيقًا لَهُ مُؤاخِيًا، لا يَقْضِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمْرًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَكَانَا يَرْكَبَانِ إِلَى الصَّيْدِ جَمِيعًا، فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْدِ إِذْ رُفعَ لَهُمَا بَيْتٌ مِنْ عَبَاءٍ، فَأَتَيَاهُ فَإِذَا هُمَا فِيهِ بِرَجُلٍ بَيْنَ يَدِيهِ مُصْحَفٌ يَقْرَأُ فِيهِ وَهُوَ يَبْكِي، فَسَأَلاهُ:
(16)
"منكر"
"فضائل بيت المقدس"(ص 184).
وفيه بكر بن سهل الدمياطي، قال الذهبي في "الميزان" (1/ 346): مقارب الحال، وضعفه النسائي.
وعبد الغني بن سعيد الثقفي: ضعفه ابن يونس، كما في "اللسان"(4/ 45).
وموسى بن عبد الرحمن الصنعاني، ذكره ابن حبان في "المجروحين"، وقال: شيخ دجال يضع الحديث، روى عنه عبد الغني بن سعيد الثقفي، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل بن سليمان، وألزقه بابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، ولم يحدث به ابن عباس، ولا عطاء سمعه، ولا ابن جريج سمع من عطاء، وإنما سمع ابن جريج من عطاء الخراساني عن ابن عباس في التفسير أحرفًا شبيهًا بجزء، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس شيئًا ولا رآه، لا تحل الرواية عن هذا الشيخ، ولا النظر في كتابه إلا على سبيل الاعتبار. اهـ. وقال ابن عدي في "الكامل": منكر الحديث.
(17)
البقرة: 62.
(18)
جُنْدَيْسَابُور: بضم أوله وتسكين ثانيه وفتح الدال وياء ساكنة وسين مهملة وألف وباء موحدة مضمومة وواو ساكنة وراء، هي مدينة بخوزستان بناها سابور بن أردشير فنسبت إليه، وأسكنها سبي الروم وطائفة من جنده. انظر "معجم البلدان"(2/ 198).
مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا لا يَقِفُ مَوْقِفَكُمَا، فَإِنْ كُنْتُمَا تُرِيدَانِ أَنْ تَعْلَمَا مَا فِيهِ فَانْزِلَا حَتَّى أُعَلِّمَكُمَا. فَنَزَلا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: هَذَا كِتَابٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمَرَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ وَنَهَى فِيهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، أَنْ لَا تَزْنِي، وَلَا تَسْرِقْ، وَلَا تَأْخُذْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ. فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ، وَهُوَ الإِنْجِيلُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى، فَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمَا، وَتَابَعَاهُ فَأَسْلَمَا، وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ ذَبِيحَةَ قَوْمِكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَامٌ، فَلَمْ يَزَالا مَعَهُ كَذَلِكَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ، حَتَّى كَانَ عِيدٌ لِلْمَلِكِ فَجَعَلَ طَعَامًا، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَالأَشْرَافَ وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الملِكِ فَدَعَاهُ إِلَى صَنِيعِهِ لِيَأكُلَ مَعَ النَّاسِ، فَأَبَى الفَتَى وَقَالَ: إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولٌ، فَكُلْ أنْتَ وَأَصْحَابِكَ. فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّسُلِ أَخْبَرَهُمْ أنَّهُ لا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ، فَبَعَثَ الملِكُ إِلَى ابْنِهِ فَدَعَاهُ، وَقَالَ: مَا أَمْرُكَ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّا لَا نَأكُلُ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ؛ إِنَّكُمْ كُفَّارٌ، لَيْسَ تَحِلُّ ذَبَائِحَكُمْ. فَقَالَ لَهُ الملِكُ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّاهِبَ أَمَرَهُ بذَلِكَ، فَدَعَا الرَّاهِبَ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ ابْنِي؟! قَالَ: صَدَقَ ابْنُكَ. قَالَ لَهُ: لَوْلَا أَنَّ الدَّمَ فِينَا عَظِيمٌ لَقَتَلْتُكَ، وَلَكِنِ اخْرُجْ مِنْ أَرْضِنَا. فَأَجَّلَهُ أَجَلًا، قَالَ سَلْمَانُ: فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَإِنَّا فِي بَيْعَةٍ بِالموصِلِ مَعَ سِتِّينَ رَجُلًا نَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا، فَأتُونَا فِيهَا. فَخَرَجَ الرَّاهِبُ، وَبَقِيَ سَلْمَانُ وَابْنُ الملِكِ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُولُ لابْنِ الملِكِ: انْطَلِقْ بِنَا. وَابْنُ الملِكِ يَقُولُ: نَعَمْ. وَجَعَلَ ابْنُ الملِكِ يَبِيعُ مَتَاعَهُ يُرِيدُ الجِهَازَ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَى سَلْمَانَ خَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ رَبُّ البَيْعَةِ، وَكَانَ أَهْلُ تِلْكَ البَيْعَةِ أَفْضَلُ مَرْتَبَةً مِنَ الرُّهْبَانِ، فَكَانَ سَلْمَانُ مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: إِنَّكَ غُلامٌ حَدَثٌ تَكَلَّفُ مِنَ العِبَادَةِ مَا لَا تَطِيقُ، وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ وَتَعْجَزَ، فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ وَخَفِّفْ عَنْهَا. فَقَالَ لَهُ سَلَمْانُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي تَأمُرنِي بِهِ، أَهُوَ أَفْضَلُ أَوِ الَّذِي أَصْنَعُ؟ قَالَ:
لَا، بَلِ الَّذِي تَصْنعُ. قَالَ: فَخَلِّ عَنِّي. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ البَيْعَةِ دَعَاهُ فَقَالَ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ لِي، وَأَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْرِجَ هَؤُلَاءِ مِنْهَا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَضْعُفُ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلاءِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ مِنْ هَذِهِ البَيْعَةِ إِلَى بَيْعَةٍ أُخْرَى هُمْ أَهْوَنُ عِبَادَةً مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ هَاهُنَا فَأقِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْطَلِقَ مَعِي فَانْطَلَق. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَيُّ البَيْعَتَيْنِ أَفْضَلُ أَهْلًا؟ قَالَ: هَذِهِ. قَالَ سَلْمَانُ: فَأَنَا أَكُونُ فِي هَذِهِ فَأَقَامَ سَلْمَانُ بِهَا، وَأَوْصَى صَاحِبُ البَيْعَةِ عَالِمَ البَيْعَةِ بِسَلْمَانَ، فَكَانَ سَلْمَانُ يَتَعَبَّدُ مَعَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ العَالِمَ أَرَادَ أَنْ يَأتِيَ بَيْتَ المقْدِسِ، فَدَعَا سَلَمْانَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ بَيْتَ المقْدِسِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْطَلِقَ مَعِي فَانْطَلِقْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ فَأقِمْ. قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَنْطَلِقُ مَعَكَ أَوْ أُقِيمُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ تَنْطَلِقُ مَعِي. فَانْطَلَقَ مَعَهُ، فَمَرُّوا بِمُقْعَدٍ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ مُلْقَى، فَلَمَّا رَآهُمَا نَادَى: يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ، ارْحَمْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَلَمْ يُكَلِّمْهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، وَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا بَيْتَ المقْدِسِ، فَقَالَ الشَّيْخُ لِسَلْمَانَ: اخْرُجْ فَاطْلُبِ العِلْمَ، فَإِنَّهُ يَحْضُرُ هَذَا المَسْجِدِ عُلَمَاءُ أَهْلِ الأَرْضِ. فَخَرَجَ سَلْمَانُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ، فَرَجَعَ يَوْمًا حَزِينًا، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: مَا لَكَ يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: أَرَى الخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الأَنْبِياءِ وَأَتْبَاعِهِمْ! قَالَ لَهُ الشَّيْخُ: يَا سَلْمَانُ، لَا تَحْزَنْ، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ نَبِيُّ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ تَبَعًا مِنْهُ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَلَا أُرَانِي أُدْرِكُهُ، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَابٌّ فَلَعَلَّكَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَهُوَ يَخْرُجُ فِي أَرْضِ العَرَبِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فآمِنْ بِهِ وَاتَّبِعْهُ. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: فَأخْبِرْنِي عَنْ عَلَامَتِهِ بِشَيءٍ. قَالَ: نَعَمْ، هُوَ مَخْتُومٌ فِي ظَهْرِهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. ثُم رَجَعَا حَتَّى بَلَغَا مَكَانَ المقْعَدِ فَنَادَاهُمَا، فَقَالَ: يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ، ارْحَمْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَعَطَفَ إِلَيْهِ حِمَارَهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَرَفَعَهُ، وَضَرَبَ بِهِ
الأَرْضَ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: قُمْ بإِذْنِ اللَّهِ. فَقَامَ صَحِيحًا يَشْتَدُّ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَتَعَجَّبُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَشْتَدُّ.
وَسَارَ الرَّاهِبُ فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَانَ، وَلا يَعْلَمُ سَلْمَانُ، ثُمَّ إِنَّ سَلْمَانَ فَزِعَ فَطَلَبَ الرَّاهِبَ، فَلَقِيَ رَجُلَينِ مِنَ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَسَأَلَهُمَا: هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِبَ؟ فَأَنَاخَ أَحَدُهُمَا رَاحِلَتَهُ، قَالَ: نِعْمَ رَاعِي الصِّرْمَةِ
(19)
هَذَا! فَحَمَلَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى المدِينَةِ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَأصَابَنِي مِنَ الحُزْنِ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلَهُ قَطُّ، فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلامٌ لَهَا يَتَراوَحَانِ الغَنَمَ، هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا، وَكَانَ سَلْمَانُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا يَرْعَى، إِذ أَتَاهُ صَاحِبُهُ الَّذِي يَعْقِبُهُ فَقَالَ لَهُ: أَشَعَرَتَ إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ اليَوْمَ المدِينَةَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَقِمْ فِي الغَنَمِ حَتَّى آتِيَكَ. فَهَبَطَ سَلْمَانُ إِلَى المدِينَةِ فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَدَارَ حَوْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرِفَ مَا يُرِيدُ، فَأَرْسَلَ ثَوْبَهُ حَتَّى خَرَجَ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلَّمَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ، بِبَعْضِهِ شَاةً فَشَوَاهَا، وَبِبَعْضِهِ خُبْزًا، ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ " قَالَ سَلْمَانُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ. قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، فَأخْرِجْهَا فَلْيَأكُلْهَا المُسْلِمُونَ". ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ آخَرَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ " قَالَ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ. قَالَ: "فَاقْعُدْ فَكُلْ". فَقَعَدَ فَأَكَلَا جَمِيعًا مِنْهَا، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ ذَكَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤمِنُونَ بِكَ، وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ نَبِيًا، فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ:"يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: لَوْ أَدْرَكُوكَ صَدَّقُوكَ وَاتَّبَعُوكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
(19)
الصِّرْمَةُ: بالكسر، القطعة من الإبل ما بين العشرة إلى الأربعين، وتصغر على صُرَيْمَةٍ، والجمع صِرَمٌ. انظر "المصباح المنير": صَرَمَ.
الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فَكَانَ إِيمَانُ اليَهُودِ: إِنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَسُنَّةِ مُوسَى، كَانَ مُؤْمِنًا حَتَّى جَاءَ عِيسَى، فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى كَانَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةَ وَأَخَذَ بِسُنَّةِ مُوسَى فَلَمْ يَدَعْهَا وَيَتَّبع عِيسَى كَانَ هَالِكًا، وَإِيمَانُ النَّصَارَى: إِنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالإِنْجِيلِ مِنْهُمْ وَشَرَائِع عِيسَى كَانَ مُؤْمِنًا مَقْبُولًا مِنْهُ، حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ لَمْ يَتَّبعْ مُحَمًّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ وَيَدَع مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ عِيسَى وَالإِنْجِيلِ كَانَ هَالِكًا.
(20)
(21)
846 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرهِ":
نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى خَرَابِهَا} قَالَ: هُوَ بَخْتُنَصَّر وَأَصْحَابُهُ خَرَّبُوا بَيْتَ المقْدِسِ،
(20)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 40)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 127)، عن أبي زرعة عن عمرو بن حماد مختصرًا، وذكره السيوطي في "تفسيره"(1/ 389).
وإسناده ضعيف، فيه انقطاع بين السدي وبين هذه الحكاية، ويبعد جدًّا سماع السدي من سلمان، ووفاة السدي في عام 127 هـ تقريبًا، وأما سلمان فقد توفي سنة 36 هـ على ما قاله شباب وأبو عبيد.
والراوي عن السدي هو أسباط بن نصر، سيئ الحفظ لا يحتمل هذا السياق الطويل.
وحديث سلمان تقدم في كتاب بيت المقدس، باب "أعيان الصحابة ممن نزل بيت المقدس"، وهو حسن.
(21)
البقرة: 114.
وَأَعَانَتْهُ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى، قَالَ اللَّهُ:{أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} وَهُمُ النَّصَارَى لَا يَدْخُلُونَ المَسْجِدَ إِلا مُسَارَقَةً، إِنْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ عُوقِبُوا {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} قَالَ: يُعْطُونَ الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(22)
.
847 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} النَّصَارَى كَانُوا يَطْرَحُونَ فِي بَيْتِ المقْدِسِ الأَذَى، ويَمْنَعُونَ النَّاسَ أَنْ يُصَلوا فِيهِ.
(23)
848 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} فَإِنَّ الرُّومَ كَانُوا
(22)
"إسناده صحيح إلى قتادة"
"تفسير عبد الرزاق"(1/ 56)، وأخرجه الطبري في "تفسيره"(2/ 443)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 210)، كلاهما من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه ابن المرجا في "فضائل بيت المقدس"(ص 48).
وعند الطبري في "تفسيره"(2/ 443) عن بشر بن معاذ، عن يزيد بن زرج، عن سعيد، عن قتادة بنحوه، وإسناده صحيح إلى قتادة.
(23)
"إسناده صحيح"
تفسير الطبري (2/ 520)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير"(1112)، من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي كما "بالدر المنثور"(1/ 264) لعبد بن حميد.
قلت: وإسناده صحيح إلى مجاهد، وابن أبي نجيح هو عبد اللَّه بن أبي نجيح: ثقة، وعيسى هو ابن ميمون، أبو موسى الجرشي: ثقة، من رجال "التهذيب".
ظَاهَرُوا بُخْتُنَصَّر عَلَى خَرَابِ بَيْتِ المقْدِسِ، حَتَّى خَرَّبَهُ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُطْرَحَ فِيهِ الجِيَفُ، وَإِنَّمَا أَعَانَهُ الرُّومُ عَلَى خَرَابِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا.
(24)
849 -
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ المعلمُ أَبُو عَلِيٍّ الجُذَامِيُّ، حَدَّثَنِي خَازِنُ بَيْتِ المقْدِسِ، عَنْ ذِي الكِلَاع، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ النَّصَارَى لمَّا ظَهَرُوا عَلَى بَيْتِ المقْدِسِ حَرَقُوهُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا أنْزَلَ عَلَيْهِ:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} فَلَيْسَ فِي الأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ يَدْخُلُ بَيْتَ المقْدِسِ إِلَّا خَائِفًا
(25)
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ}
(26)
(24)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 443)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 211) بنحوه عن عمرو بن حماد بن طلحة القناد أبو محمد الكوفي.
وإسناده ضعيف؛ أسباط بن نصر فيه ضعف، قال الحافظ: صدوق، كثير الخطأ، يغرب.
والسدي هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، قال ابن حجر: صدوق يهم، ورمي بالتشيع. وقال الذهبي: حسن الحديث. قال أبو حاتم: لا يحتج به.
(25)
"إسناده ضعيف"
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 210).
وإسناده ضعيف، خازن بيت المقدس مجهول لا يعرف.
(26)
البقرة: 115.
850 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي المثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ المِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وُجِّهَ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ الكَعْبَةِ البَيْتِ الحَرامِ فَنَسَخَهَا اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} إِلَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} قَالَ: فَنَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ القِبْلَةِ.
(27)
851 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيَّهِ صلى الله عليه وسلم: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَؤُلَاءِ قَومُ يَهُودَ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ -لِبَيْتِ المقْدِسِ- لَوْ أنَّا اشتَقْبَلْنَاهُ". فَاسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ يَهُودَ تَقُولُ: وَاللَّهِ مَا دَرَى مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قِبْلَتَهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعَ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
(28)
(27)
"إسناده صحيح إلى قتادة"
"تفسير الطبري"(2/ 452).
وإسناده صحيح، ورجاله رجال الشيخين، إلا المثنى وهو ابن إبراهيم، ووثقه ابن كثير. وانظر "المعجم الصغير لرواة الطبري".
(28)
"إسناده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد وهو مرسل"
"تفسير الطبري"(2/ 452).
وعبد الرحمن بن زيد ضعيف في ذاته.
852 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثَنَا الحُسَينُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ -وَعَنْ يَزِيدَ النَّحَوِي، عَنْ عِكْرَمَةَ- وَالحَسَنِ البَصْرِي، قَالَا: أوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ القِبْلَةَ، وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَقْبِلُ صَخْرَةَ بَيْتِ المقْدِسِ، وَهِيَ قِبْلَةُ اليَهُودِ، فَاسْتَقْبَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، لِيُؤمِنُوا بِهِ وَيَتَّبعُوهُ، وَيَدْعُو بِذَلِكَ الأُمِّيِّينَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
(29)
.
(30)
853 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتِ
(29)
"مرسل"
"التفسير"(2/ 4).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 52): وذكر سعيد، عن حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس. . . فذكره بنحوه، وعز اه السيوطي في "الدر المنثور" لأبي داود في "ناسخه"، وانظر "الدر المنثور"(1/ 343).
قلت: وإسناد الطبري ضعيف للإرسال، فعكرمة والحسن لم يدركا، ثم إن شيخ الطبري وهو محمد ابن حميد ضعيف الرواية، والمتابعة التي ساقها ابن عبد البر ضعيفة، فابن جريج لم يسمع من أحد من الصحابة، وانظر "جامع التحصيل"(230).
قال ابن كثير في "تفسيره"(/ 258): كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره اللَّه بالتوجه إلى بيت المقدس. اهـ.
قلت: لم يثبت استقباله للصخرة، والثابت للمسجد فقط.
(30)
البقرة: 142.
القِبْلَةُ فِيهَا بَلَاءٌ وَتَمْحيصٌ؛ صَلَّتِ الأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ حَوْلَيْنِ قَبْلَ قُدُومِ نَبِيِّ اللَّهِ المدِينَةَ، وَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدُومِهِ المدِينَةَ مُهَاجِرًا نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّه بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الكَعْبَةِ البَيْتِ الحَرامِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنَ النَّاسِ:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} لَقَدِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى مَوْلِدِهِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَقَالَ أُنَاسٌ -لمَّا صُرِفَتِ القِبْلَةُ نَحْوَ البَيْتِ الحَرَامِ-: كَيفَ بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَلُ فِي قِبْلَتِنَا الأُولَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} .
(31)
854 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: صُرِفَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ -أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ- فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالمدِينَةِ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ، انصَرَفَ بِوَجْهِهِ إِلَى الكَعْبَةِ، فَقَالَ السُّفَهَاءُ:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} .
(32)
(31)
"إسناده حسن إلى قتادة وهو مرسل"
"تفسير الطبري"(2/ 639).
وأخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر كما "بالدر المنثور"(2/ 13).
قلت: وهو من مراسيل قتادة، والإسناد إليه حسن، رجاله رجال الشيخين إلا بشر بن معاذ العقدي؛ فهو صدوق، انظر "تهذيب الكمال"(706).
(32)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 621)، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(434)، وذكره السيوطي في "تفسيره"(2/ 11)، وعزاه للبزار.
قلت: وإسناده ضعيف، وفيه عثمان بن سعد التميمي -ويقال: التيمي- القرشي الكاتب المعلم، أبو =
855 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَولَى زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدِّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -أَوْ عِكْرَمَةُ، شَكَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا صُرِفَتِ القِبْلَةُ عَنِ الشَّامِ إِلَى الكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافعٍ -هَكَذَا قَالَ ابْنُ حُمَيدٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَرَافعُ ابنُ أبِي رَافِعٍ- وَالحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو -حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ- وَالرَّبيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أبِي الحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الحُقَيْقِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟! ارْجِعْ إِلَى قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبعْكَ وَنُصَدِقْكَ. وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} . . . إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} .
(33)
856 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي، قَالَ: كَانَ
= بكر البصري، ضعفه الجماهير، ومنهم: ابن معين، ويحيى بن سعيد، والنسائي، والدارمي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم، وقال الحافظ: ضعيف.
(33)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 618)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 247)، من طريق محمد بن عمرو المعروف بـ "زنيج" عن سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق بنحوه.
وإسناده ضعيف؛ فيه محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت مدني، قال ابن حجر في "التقريب" (6276): مجهول، تفرد عنه ابن إسحاق.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَنَسَخَتْهَا الكَعْبَةُ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ قِبَلَ المَسْجِدِ الحَرامِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، فَكَانُوا أَصْنَافًا، فَقَالَ المنَافِقُونَ: مَا بَالُهُمْ كَانُوا عَلَى قبْلَةٍ زَمَانًا، ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا غَيْرهَا! وَقَالَ المُسْلِمُونَ: لَيْتَ شِعْرَنَا عَنْ إِخْوانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ! هَلْ تَقبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ، أَمْ لَا؟ وَقَالَتِ اليَهُودُ: إِنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إِلَى بَلَدِ أَبِيهِ وَمَوْلِدِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبُنَا الَّذِي نَنْتَظِرُ. وَقَالَ المشْرِكُونَ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ: تَحيَّرَ مُحَمَّدٌ عَلَى دِينِهِ، فَتَوَجَّهَ بِقِبلَتِهِ إِلَيْكُمْ، وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِكُمْ. فَأَنْزلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي المنافِقينَ:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} . . . إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} وَأَنْزَلَ فِي الآخَرِينَ الآيَاتِ بَعْدَهَا
(34)
.
857 -
قَالَ البَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ":
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَينِ بْنُ الفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المغِيرِةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَظُنُّهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَصُرِفَتِ القِبْلَةُ نَحْوَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فِي رَجَبَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُ وَجَهَهُ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى البَيْتِ الحَرَامِ: {سَيَقُولُ
(34)
"ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 640)، وذكره السيوطي في "تفسيره"(2/ 10).
والحديث مرسل ضعيف؛ فالسدي مراسيله ضعيفة، وفيه أسباط بن نصر الهمداني: سيئ الحفظ، وتقدم الكلام عنه.
السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الآيَاتِ، فَأَنْشَأَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: قَدِ اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَلَدِهِ، وَبَيْتِ أَبِيهِ، وَمَا لهُمْ حَتَّى تَرَكُوا قِبْلَتَهُمْ، يُصَلُّونَ مَرَّةً وَجْهًا، وَمَرَّةً وَجْهًا آخَرَ. وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَكَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ أَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ فَفَرِحَ بِذَلِكَ المشْركُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدِ التَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي هَؤُلَاءِ تِلْكَ الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ السُّفَهَاءِ:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
(35)
858 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدّثَنِي المثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} يَعْنُونَ بَيْتَ المقْدِسِ. قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ أَبُو العَالِيةِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُوَجِّهَ وَجْهَهُ حَيْثُ شَاءَ، فَاخْتَارَ بَيْتَ المقْدِسِ لِكَيْ يَتَأَلّفَ أَهْلَ الكِتَابِ، فَكَانَتْ قِبْلَةً سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى
(35)
"مرسل واهٍ"
"دلائل النبوة"(2/ 476).
وهذا من مراسيل الزهري، وهي واهية، فهو معدود من صغار التابعين، ومع ذلك قد شك الراوي في ذكر الزهري.
البَيْتِ الحَرَامِ.
(36)
859 -
قَالَ ابْنُ المرَجَّا فِي "فَضَائِلِ بَيْتِ المقْدِسِ":
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بن أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} قَالَ: السُّفَهَاءُ: قُرَيْظَةُ وَالنَّضيرُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} يَعْنِي الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا: إِبْرَاهِيمُ، وإِسْمَاعِيلُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَالأَسْبَاطُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- وَهِيَ قِبْلَةُ بَيْتِ المقْدِسِ، كَانَتْ الصَّلَاةُ إِلَيْهَا. وَقَوْلُهُ:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} يُرِيدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى مُدَّةَ مُقَامِهُ بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى المدِينَةِ، فَصَلَّى عِشْرِينَ هِلَالًا إِلَيْهَا، ثُمَّ صُرِفتِ القِبْلَةُ إِلَى الكَعْبَةِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يَا مَعْشَرَ المهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، يُرِيدُ صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ إِلَيْهَا إِيمَانًا.
(37)
(36)
"منكر"
"تفسير الطبري"(2/ 623).
وإسناده ضعيف للإرسال، وأبو العالية من التابعين، وهو رفيع بن مهران، قال الحافظ: ثقة كثير الإرسال، والراوي عنه هو عبد اللَّه بن أبي جعفر، فيه لين.
(37)
"منكر"
"فضائل بيت المقدس"(ص 124).
وفي إسناده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، قال ابن حبان: دجال، وضع على ابن جريج، عن عطاء، =
(38)
860 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى ابنُ مَيْمُون، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى} قَالَ: مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ التَّحَوُّلِ إِلَى الكَعْبَةِ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ
(39)
.
861 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى} قَالَ: صَلَاتُكُمْ حَتَّى يَهْدِيَكُمُ اللَّه عز وجل القِبْلةَ.
= عن ابن عباس كتابًا في التفسير، وقال ابن عدي في "الكامل" (8/ 66): منكر الحديث.
(38)
البقرة: 143.
(39)
"صحيح الإسناد"
"تفسير الطبري"(2/ 647).
وإسناده صحيح، وابن أبي نجيح هو عبد اللَّه: ثقة، وشيخ الطبري هو محمد بن عمرو الباهلي وثقه الخطيب في "تاريخه"(3/ 127)، وورد من وجوه أخرى.
أخرجه الطبري في "تفسيره"(2/ 647) عن المثنى، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي، عن شبل بن عباد، عن ابن أبي نجيح به.
وأخرجه ابن أبي حاتم في"تفسيره"(1/ 251) عن الحسن بن محمد الصباح، عن شبابة بن سوار، عن ورقاء بن عمر اليشكري، عن ابن أبي نجيح به.
862 -
وَقَدْ حَدَّثَنِي يُونُسُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} قَالَ: صَلَاتُكُمْ هَاهُنَا -يَعْنِي إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ ستَّةَ عَشَرَ شَهْرًا- وَانْحِرافُكُمْ هَاهُنَا.
(40)
863 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي العَالِيةَ:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} أَيْ: قِبْلَةُ بَيْتِ المقْدِسِ {إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى} .
(41)
(42)
(40)
"إسناده صحيح إلى عبد الرحمن بن زيد"
"تفسير الطبري"(2/ 648).
(41)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 648)، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 310).
وإسناده ضعيف؛ عبد اللَّه بن أبي جعفر وأبوه ضعيفان، قال ابن حبان في أبيه كما في "المجروحين" (706): كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوز الاعتبار بروايته إلا فيما لم يخالف الأثبات، سمعت محمد بن محمود بن عدي يقول: سمعت علي ابن سعيد بن جرير يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث.
وقال في الابن: يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه، وقال ابن عدي: وبعض حديثه مما لا يتابع عليه. وانظر: "تهذيب الكمال"(3208)، و"الجرح والتعديل"(5/ 586)، و"الكامل" لابن عدي (2/ 144)، و"تقريب التهذيب"(407).
(42)
البقرة: 144.
864 -
قَالَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ":
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ فَنَزَلَتْ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلَةِ.
(43)
865 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ. . .} فَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ، يَهْوَى وَيَشْتَهِي القِبْلةَ نَحْوَ البَيْتِ الحَرَامِ، فَوَجَّهَهُ اللَّهُ جَل ثَنَاؤُهُ لِقِبْلَةٍ كَانَ يَهْواهَا وَيَشْتَهيهَا.
(44)
866 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِه":
حَدَّثَنِي المثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَا نَسَخَ اللَّه مِنَ القُرْآنِ القِبْلَةَ،
(43)
"صحيح"
"صحيح مسلم"(15/ 1527)، وأخرجه أبو داود (1045)، وأحمد (3/ 284)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 223)، والبيهقي في "الكبرى"(2/ 11)، وعزاه السيوطي في "تفسيره"(2/ 12) للبزار، ولم أجده في الجزء المطبوع من "مسند البزار".
وقد أخرج البخاري في "صحيحه"(4489) قال: حدثنا علي بن عبد اللَّه، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن أنس رضي الله عنه، قال:"لم يبق ممن صلى القبلتين غيري. . . ".
(44)
"إسناده حسن"
تفسير الطبري (2/ 656)، وأخرجه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور"(2/ 28).
ورجاله رجال الشيخين سوى بشر بن معاذ وهو صدوق.
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا هَاجَرَ إِلَى المدِينَةِ، وَكَانَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا اليَهُودُ، أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَسْتَقبلَ بَيْتَ المقْدِسِ، فَفَرِحَتْ اليَهُودُ، فَاسْتَقبَلَهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ قِبلَةَ إبراهيمَ عليه السلام فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّه تبارك وتعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ. . .} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ اليَهُودُ وَقَالوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وَقَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .
(45)
(45)
"حسن بشواهده وطرقه"
"تفسير الطبري"(2/ 450)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 248)، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ"(15)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 12)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(1/ 180 - 181)، جميعًا عن أبي صالح به، وذكره السيوطي في "تفسيره"(2/ 6)، وعزاه إلى ابن المنذر، وذكره شهاب الدين المقدسي في "مثير الغرام"(ق 24 ب، 25 أ).
قلت: وإسناده ضعيف؛ علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه على الرواية جماعة:
1 -
عكرمة.
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(3/ 326) من طريق يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس بنحوه.
وإسناده حسن؛ عكرمة هو مولى ابن عباس، وقد سمع منه.
2 -
عطاء الخراساني.
وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 212)، والقاسم بن سلام في "الناسخ والمنسوخ"(17) وابن الجوزي في "ناسخ القرآن ومنسوخه"(169)، كلهم من طريق ابن جريج، عن عثمان بن عطاء عنه به.
وعطاء لم يسمع من ابن عباس.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 267 - 268)، وعنه البيهقي في "سننه"(2/ 12)، والحازمي في "الناسخ والمنسوخ"(ص 128)، من طريق ابن جريج عن عطاء به.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.
قلت: وعطاء في رواية الحاكم الظاهر أنه الخراساني كما جاء في الرواية الأولى، والحديث من هذه الطرق يحسن بمجموعها، ثم له شواهد مر بعضها وسيأتي بعضها.
867 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المدِينَةَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَنْظُرُ مَا يُؤْمَرُ، وَكَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَنَسَخَتْهَا الكَعْبَةُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ
= وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 599) عقب حديث البراء: وفيه كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر -أو سبعة عشر- شهرًا، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة.
قال الحافظ: جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس، أمره اللَّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فنزلت.
ومن طريق مجاهد، قال: إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة؛ لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا. فنزلت.
وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه. والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس. اهـ.
فائدة: قال ابن الجوزي في "ناسخ القرآن ومنسوخه"(ص 174): واختلف العلماء في سبب اختياره "بيت المقدس" على قولين:
أحدهما: أن العرب لما كانت تحج البيت ولم تألف بيت المقدس، أحب اللَّه سبحانه وتعالى امتحانهم بغير ما ألفوه، ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنه اختاره ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطبري.
قلت: فإذا ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة، ثم نسخ ذلك بالقرآن، والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه اللَّه، فيحتاج مدعي نسخها أن يقول: فيها إضمار تقديره: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها.
يُصَلِّي قِبَلَ الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية
(46)
.
868 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا المثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي إسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلَهِ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} يَقُولُ: نَظَرَكَ فِي السَّمَاءِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ، وَكَانَ يَهَوى قِبْلةَ البَيْتِ الحَرَامِ، فَوَلَّاهُ اللَّهُ قِبْلةً كَانَ يَهْوَاهَا.
(47)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
(48)
869 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ":
نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} قَالَ: هِيَ صَلَاتُهُمْ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، وَصَلَاتُهُمْ إِلَى الكَعْبَةِ.
(49)
(46)
"حديث مرسل ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 657).
السدي مراسيله ضعيفة، وفيه أسباط بن نصر الهمداني: سيئ الحفظ، تقدم الكلام عنه.
(47)
"حديث مرسل ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 656).
إسناده ضعيف؛ فالربيع مراسيله ضعيفة، وعبد اللَّه بن أبي جعفر تقدم قريبًا الكلام عنه وعن أبيه.
(48)
البقرة: 148.
(49)
"إسناده صحيح"
"تفسير القرآن" لعبد الرزاق الصنعاني (1/ 62)، وأخرجه ابن أبي حاتم (1/ 257)، وذكره السيوطي في "تفسيره"(2/ 33).
870 -
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا عَلِى بن الحُسَيْنِ، ثَنَا نَصْرُ بن عَلِيٍّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ هَارُونَ النَّحْوِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} مُضَافٌ، قَالَ: مُوَاجِهُهَا، قَالَ: صَلُّوا نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ مَرَّةً، وَنَحْوَ الكَعْبَةِ مَرَّةً.
(50)
(51)
871 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُدِّيِّ فيِمَا يُذْكَرُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِي، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالُوا: لَمَّا صُرِفَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ الكَعْبَةِ، بَعْدَ صَلَاتِهِ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، قَالَ المشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّدٍ دِينهُ فَتَوجَّهَ بَقبلَتِهِ إِلَيْكمْ، وَعَلِمَ أنَّكُمْ كُنتمْ أَهْدَى مِنْهُ سَبيلًا، وَيُوشِكُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِكمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- فِيهِمْ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا
(50)
"إسناده ضعيف"
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 257).
قلت: إسناده ضعيف؛ وآفته شهر وهو ابن حوشب، ضعفه الجماهير، وانظر:"تهذيب الكمال"(2781)، و"تهذيب التهذيب"(635)، و"التقريب"(2830)، و"الكامل في الضعفاء"(898)، و"المجروحين"(476)، و"الضعفاء والمتروكين"(294)، و"فتح الباري"(9/ 512).
(51)
البقرة: 150.
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}.
(52)
(53)
872 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَة بْنُ الفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ، قَالَ: خَلَفَ بَعْدَ مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِبُ بْنُ يُوفنَّا، يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ حَتَّىِ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ حَزْقِيلُ بْنُ بُوزَى، وَهُوَ ابْنُ العَجُوزِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه قَبَضَ حَزْقِيلَ، وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الأَحْدَاثُ، وَنَسُوا مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ حَتّى نَصَبُوا الأَوْثَانَ وَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ بْنَ نُسَيِّ بْنِ فِنْحَاصَ ابنِ العِيزَارَ بْنِ هَارونَ بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى يُبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَكَانَ إِلْيَاسُ مَعَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: أَحَابَ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ وَيُصَدِّقُهُ، فَكَانَ إِلْيَاسُ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ، وَكَانَ سَائِرُ
(52)
"ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 687).
إسناده ضعيف؛ مداره على أسباط وهو ضعيف.
(53)
البقرة: 246.
بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدِ اتَّخَذُوا صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَجَعَلَ إِلْيَاسُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَجَعَلُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الملكِ، وَالملُوكُ متَفَرِّقَةٌ بِالشَّامٍ، كُلُّ مَلِكٍ لَهُ نَاحِيَةٌ مِنْهَا يَأْكُلُهَا، فَقَالَ ذَلِكَ الملِكُ الَّذِي كَانَ إِلْيَاسُ مَعَهُ يُقَوِّمُ لهُ أَمْرَهُ، وَيَرَاهُ عَلَى هُدًى مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ يَوْمًا: يَا إِلْيَاسُ، وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ إِلَّا بَاطِلًا، وَاللَّهِ مَا أَرَى فُلَانًا وَفُلَانًا -وَعَدَّدَ مُلُوكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ- قَدْ عَبَدُوا الأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ مُمَلَّكِينَ، مَا يَنْقُصُ مِنْ دُنْيَاهُمْ أَمْرُهُمُ الَّذِي تَزْغمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ! وَمَا نَرَى لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْل. وَيَزْعُمُونَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ إِلْيَاسَ اسْتَرْجَعَ وَقَامَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَجِلْدِهِ، ثُمَّ رَفَضَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ الملِكُ فِعْلَ أَصْحَابِهِ؛ عَبَدَ الأَوْثَانَ، وَصَنَعَ مَا يَصْنَعُونَ، ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِمُ اليَسَعُ، فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَخَلَفَتْ فِيهِمُ الخُلُوفُ، وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الخَطَايَا، وَعِنْدَهُمُ التَّابُوتُ يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فِيهِ السَّكَيِنَةُ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ، فَكَانُوا لَا يَلْقَاهُمْ عَدُوٌّ فَيُقَدِّمُونَ التَّابُوتَ وَيَزْحَفُونَ بِهِ مَعَهُمْ إِلَّا هَزَمَ اللَّهُ ذَلِكَ العَدُوَّ، ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ: إِيلَاءُ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ بَارَكَ لَهُمْ فِي جَبَلِهِمْ مِنْ إِيلْيَا، لَا يَدْخُلُهُ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ، وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وكَانَ أَحَدُهُمْ -فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَجْمَعُ التُّرَابَ عَلَى الصَّخْرَةِ، ثُمَّ يَنْبُذُ فِيهِ الحَبَّ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ لَهُ مَا يَأْكُلُ سَنَتَهُ هُوَ وَعِيالُهُ، وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمُ الزَّيْتُونَةُ، فَيَعْتَصِرُ مِنْهَا مَا يَأْكُلُ هُوَ وَعِيَالُهُ سَنَتَهُ، فَلَمَّا عَظُمَتْ أَحْدَاثُهُمْ، وَتَرَكُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ؛ نَزَلَ بِهِمْ عَدُوٌّ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، وَأَخْرَجُوا مَعَهُمُ التَّابُوتَ كَمَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ، ثُمَّ زَحَفُوا بِهِ، فَقُوتِلُوا حَتَّى اسْتُلِبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، فَأَتَى مَلِكُهُمْ إِيلَاءُ فَأُخْبِرَ أَنَّ التَّابُوتَ قَدْ أُخِذَ وَاسْتُلِبَ، فَمَالَتْ عُنُقهُ، فَمَاتَ كَمَدًا عَلَيْهِ، فَمَرَجَ أَمْرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَوَطِئَهُمْ عَدُوُّهُمْ
حَتَّى أُصِيبَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَفِيهِمْ نَبِيٌّ لَهُمْ قَدْ كَانَ اللَّهُ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، يُقَالُ لَهُ: شَمْوِيلُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} يَقُولُ اللَّهُ: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
(54)
873 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدِّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يُقَاتِلُونَ العَمَالِقَةَ، وَكَانَ مَلِكَ العَمَالِقَةِ جَالُوتُ، وَأنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الجِزْيَةَ، وَأَخَذُوا تَوْرَاتِهِمْ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ نَبيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ هَلَكُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى، فَأَخَذُوهَا فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ؛ رَهْبَةَ أَنْ تَلِدَ جَارِيَةً فَتُبَذِّلَهَا بِغُلَامٍ، لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَلَدِهَا، فَجَعَلَتِ المرْأَةُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ شَمْعُونْ، فَكَبُرَ الغُلَامُ فَأَرْسَلَتْهُ يَتَعْلَّمُ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ المقْدِسِ، وَكَفَلَهُ
(54)
"إسناده ضعيف جدًّا"
"تفسير الطبري"(2/ 596 - 597)، وأورده الثعلبي في "الكشف والبيان"(2/ 208)، والسيوطي في "الدر المنثور"(1/ 750)، والبغوي في "التفسير"(1/ 296)، وإسماعيل حقي في "روح البيان"(1/ 313).
قلت: وإسناده ضعيف؛ محمد بن حميد ضعيف، وابن إسحاق مدلس وقد عنعن، ووهب أخذ هذا عن بني إسرائيل، ولا حجة فيه.
شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الغُلَامُ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَالغُلَامُ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَا يَتَّمِنُ عَلَيْهِ أَحْدًا غَيْرَهُ، فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ: يَا شَمَاولُ. فَقَامَ الغُلَامُ فَزِعًا إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ، دَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَقُولَ لَا فَيَفْزَعَ الغُلَامُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ارْجعْ فَنَمْ. فَرَجَعَ فَنَامَ، ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ، فَأَتَاهُ الغُلَامُ أَيْضًا فَقَالَ: دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ: ارْجِعْ فَنَمْ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ الثَّالِثَةَ فَلَا تُجْبِنِي. فَلَّمَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: اذهَبْ إِلَى قَوْمِكِ فَبَلَّغْهُمْ رِسالَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَكَ فِيهِمْ نَبِيًّا. فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذبُوهُ، وَقَالُوا: استَعْجَلْتَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَأْنِ لَكَ. وَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ. فَقَالَ لَهُمْ شَمْعُونُ: عَسَى إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَنْ لَا تُقَاتِلُوا.
(55)
(56)
874 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
قَالَ ابْنُ جُرَيْج: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الأَلْوَاحِ إِلَّا سُدْسُهَا. قَالَ: وَكَانَتِ العَمَالِقَةُ قُدْ سَبَتْ ذَلِكَ التَّابُوتَ -
(55)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 598)، وفي "التاريخ"(1/ 276)، وأورده البغوي في "التفسير"(1/ 296)، والثعلبي في "الكشف والبيان"(2/ 209)، وابن الأثير في "الكامل"(1/ 164 - 165)، والسيوطي في "الدر المنثور"(1/ 753)، وإسماعيل حقي في "روح البيان"(1/ 313).
قلت: إسناده ضعيف؛ أسباط بن نصر فيه ضعف، والسدي أخذه عن بني إسرائيل.
(56)
البقرة: 248.
وَالعَمَالِقَةُ فِرْقَة مِنْ عَادٍ كَانُوا بِأَرِيحَا- فَجَاءَتِ الملَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَهُمْ يَنْظُرونَ إلَى التَّابُوتِ حَتَّى وَضَعَتْه عِنْدَ طَالُوتَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: نَعَمْ. فَسَلَّمُوا لَهُ وَمَلَّكوهُ، قَالَ: وَكَانَ الأَنْبيَاء إِذَا حَضَرُوا قِتَالًا قَدَّمُوا التَّابُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِمْ، وَيَقولُونَ: إِنَّ آدَمَ نَزَلَ بِذَلِكَ التَّابُوتِ وَبِالرُّكْنِ. وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّابُوتَ وَعَصَا مُوسَى فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، وَأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
(57)
875 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، عَنْ وَهْب بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَالَ شَمْويلُ لَبِنَي إِسْرَائِيلَ لمَّا قَالُوا لَهُ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} و {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} وَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مِنْ قِبَل اللَّهِ {أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ} فَيَزدُّ عَلَيْكُمُ الّذِي فِيهِ مِنَ السَّكِينَةِ {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} وَهُوَ الَّذِي كُنْتُمْ تَهْزِمُونَ بِهِ مَنْ لَقِيَكمْ مِنَ العَدُوِّ، وَتَظْهَرُونَ بِهِ عَلَيْهِ. قَالُوا: فَإِنْ جَاءَنَا التَّابُوتُ فَقَدْ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا، وَكَانَ العَدُوُّ الَّذِينَ أَصَابُوا التَّابُوتَ أَسْفَلَ مِنَ الجَبَلِ -جَبَلِ إِيلِيَاءَ- فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِصْرَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانَ فِيهِمْ جَالُوتُ، وَكَانَ جَالُوت رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الجِسْمِ، وَقُوَّةً فِي البَطْشِ، وَشِدَّةً فِي الحَرْبِ، مَذْكُورًا بِذَلِكَ فِي النَّاسِ، وَكَانَ التَّابُوتُ حِينَ اسْتُبِيَ قَدْ جُعِلَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى فِلَسْطِينَ يُقَال لَهَا: أَزدود، فَكَانوا قَدْ جَعَلُوا التَّابُوتَ فِي كَنِيسَةٍ فِيهَا أَصْنَامُهُمْ،
(57)
"إسناده صحيح"
"تفسير الطبري"(2/ 609)، وأورده السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 750)، والشوكاني في "فتح القدير"(1/ 403).
قلت: رجاله ثقات أئمة.
فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ التَّابُوب سَيَأْتِيهِمْ؛ جُعِلَتْ أَصْنَامُهُمْ تُصْبِحُ فِي الكَنِيسَةِ مُنَكَّسَةً عَلَى رُؤُسِهَا، وَبَعَثَ اللَّه عَلَى أَهْلِ تِلْكَ القَرْيَةِ فَأْرًا، تُبَيِّتُ الفَأرَةُ الرَّجُلَ فَيُصْبِحُ مَيْتًا، قَدْ أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ دُبُرِهِ، قَالُوا: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكَمْ بَلَاءٌ مَا أَصَابَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ مِثْلَهُ، وَمَا نَعْلَمُهُ أَصَابَنَا إِلَّا مُذْ كَانَ هَذَا التَّابُوتُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا! مَعَ أنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتمْ أَصْنَامَكُمْ تُصْبِحُ كُلَّ غَدَاةٍ مُنَكسَةً، شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يُصْنَعُ بِهَا حَتَّى كَانَ هَذَا التَّابُوتُ مَعَهَا! فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكمْ.
فَدَعَوا بِعَجَلَةٍ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوتَ، ثُمَّ عَلَّقوهَا بِثَوْرَيْنِ، ثُم ضَرَبُوا عَلَى جُنوُبِهِمَا، وَخَرَجَتِ الملَائِكَة بِالثَّوْرَيْنِ تَسُوقُهُمَا، فَلَمْ يَمُر التَّابُوت بِشَيْءٍ مِنَ الأَرْضِ إِلَّا كَانَ قُدُسًا، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إِلَّا التَّابُوتُ عَلَى عَجَلَةٍ يَجُرُّهَا الثَّوْرَانِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَبَّروا وَحَمَدوا اللَّه، وَجَدُّوا فِي حَرْبِهِمْ، وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى طَالُوتَ
(58)
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ}
(59)
(58)
"إسناده ضعيف"
"تفسير الطبري"(2/ 608 - 609)، وأورده البغوي في "التفسير"(1/ 300)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(24/ 439)، والثعلبي في "الكشف والبيان"(2/ 214 - 215)، والخازن في "لباب التأويل"(1/ 258 - 259).
قلت: إسناده ضعيف، محمد بن حميد ضعيف، وابن إسحاق لم يسم أهل العلم هؤلاء، ووهب مكثر في النقل عن بني إسرائيل.
(59)
البقرة: 249.
876 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ":
نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ} قَالَ: هُوَ نَهَرٌ بَيْنَ الأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.
(60)
877 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} فَالنَّهَرُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ بِنُو إِسْرَائيلَ، نَهَرُ فِلَسْطِينَ.
(61)
(60)
"رجاله ثقات"
"تفسير عبد الرزاق"(1/ 101)، وأخرجه الطبري في "تفسيره"(2/ 618)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2501)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(24/ 346)، وأورده الثعلبي في "الكشف والبيان"(2/ 216)، والبغوي في "التفسير"(1/ 301)، والرازي في "التفسير"(1/ 967).
(61)
"إسناده ضعيف جدًّا"
"تفسير الطبري"(2/ 619)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2499)، وأورده الثعلبي في "الكشف والبيان"(22/ 16)، والبغوي في "التفسير"(1/ 301)، والرازي في "التفسير"(1/ 967)، والسيوطي في "الدر المنثور"(1/ 760)، والألوسي في "روح المعاني"(2/ 169).
قلت: إسناده ضعيف جدًّا، وقد تقدم مرارًا.
(62)
878 -
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ":
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: إِنَّ أَرْمِيَا لمَّا خُرِّبَ بَيْتُ المقْدِسِ وَحُرِّقَتِ الكُتُبُ وَقَفَ فِي نَاحِيَةِ الجَبَلِ {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ مَنْ رَدَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى رَأْسِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ أَمَاتَهُ اللَّهُ، فَعَمَرُوهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً، تَمَامَ المِئَةِ، فَلَمَّا تَمَّتِ المِئَةُ رَدَّ اللَّهُ رُوحَهُ، وَقَدْ عُمِرَتْ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا الأُولَى، قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى العِظَامِ كيْفَ تَلْتَئِمُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى العِظَامِ تُكْسَى عَصَبًا وَلَحْمًا {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ: وَكَانَ طَعَامُهُ تِينًا فِي مِكْتَلٍ، وَقُلَّةً فِيهَا مَاءٌ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمُ الوَصَبَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ -إِمَّا دَانْيَالُ وَإِمَّا غَيْرُهُ-: إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ عَنْكُمُ المرَضَ فَأَخْرِجُوا عَنْكُمْ هَذَا التَّابُوتَ، قَالُوا: بِآيَةِ مَاذَا؟ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بِبَقَرَتَيْنِ صَعْبَتَيْنِ لَمْ تَعْمَلَا عَمَلًا قَطُّ، فَإِذَا نَظَرَتَا إلَيْهَ وَضَعَتَا بِأعْنَاقِهِمَا للنِير حَتَّى يُشَدَّ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يُشَدُّ التَّابُوتُ عَلَى عَجَلٍ، ثُمَّ يُعَلَّقُ عَلَى البَقَرَتَيْنِ، ثُمَّ تُخَلَّيَانِ فَتَسِيرَانِ مِنْ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يبْلُغَهَا فَفَعَلُوا
(62)
البقرة: 259.
ذَلِكَ، وَوَكَّلَ اللَّهُ بِهِمَا أَرْبَعَةً مِنَ الملَائِكَةِ يَسُوقُونَهَا، فَسَارَتِ البَقَرَتَانِ بِهَا سَيْرًا سَرِيعًا حَتَّى إِذَا بَلَغَتَا طَرَفَ القُدْسِ كَسَرَتَا سَيْرَهُمَا وَقَطعَتَا حِبَالَهُمَا وَتَركَتَاهَا وَذَهَبَتَا، فَنَزَلَ إِلَيْهَا دَاوُدُ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى دَاوُدُ التَّابُوتَ حَجَلَ إِلَيْهَا فَرَحًا بِهَا -قَالَ: فَقُلْنَا لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مَا حَجَلَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: شَببيِهًا بِالرَّقْصِ- فَقَالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ: لَقَدْ خَفَفْتَ حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ يَمْقُتُوكَ لِمَا صَنَعْتَ. فَقَالَ: أَتُبَطِّئِينِي عَنْ طَاعَةِ رَبِّي؛ لَا تَكُونِينَ لِي زَوْجَةً بَعْدَهَا أَبَدًا. فَفَارَقَهَا.
(63)
(63)
"إسناده حسن إلى وهب وهو من الإسرائيليات"
"تفسير عبد الرزاق"(1/ 99 - 100)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(2489)، وابن جرير تحت تفسير آية (248) من سورة البقرة، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(8/ 28)، وابن المرجا في "فضائل بيت المقدس"(ص 223 - 224).
قلت: وهو من الإسرائيليات التي كثيرًا ما ينقلها وهب بن منبه رحمه الله عن كتب أهل الكتاب، وقد ذكرنا القول فيها مفصلًا قبل ذلك، وراجع مقدمة الكتاب.
أقوال المفسرين في هذه الآية
قال الطبري في "تفسيره"(5/ 439 - 444):
واختلف أهل التأويل في {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، فقال بعضهم: هو عزير.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمى، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، قال: عزير.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو خزيمة، قال: سمعت سليمان بن بريدة في قوله: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، قال: هو عزير.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، قال: ذكر لنا أنه عزير.
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} ، قال: قال الربيع: ذكر لنا -واللَّه أعلم- أن الذي أتى على القرية هو عزير.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن حريج، عن عكرمة: {أَوْ كَالَّذِي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، قال: عزير.
حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أصباط، عن السدي:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} ، قال: عزير.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} : إنه هو عزير.
حدثني يونس، قال: قال لنا سلم الخواص: كان ابن عباس يقول: هو عزير.
وقال آخرون: هو أورميا بن حلقيا، وزعم محمد بن إسحاق أن أورميا هو الخضر.
حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: اسم الخضر -فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل- أورميا بن حلقيا، وكان من سبط هارون بن عمران.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب ابن منبه يقول في قوله:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} أن أورميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} .
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: هو أورميا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن قيس بن سعد، عن عبد اللَّه ابن عبيد بن عمير في قول اللَّه:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، قال: كان نبيًّا، وكان اسمه أورميا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني بكر بن مضر، قال: يقولون -واللَّه أعلم-: إنه أورميا.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللَّه تعالى ذكره عجب نبيه صلى الله عليه وسلم ممن قال، إذ رأى قرية خاوية على عروشها {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء، فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها حتى قال: أنى يحييها اللَّه بعد موتها! ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قِبَلِهِ البيان على اصم قائل ذلك، وجائز أن يكون ذلك عزيزًا، وجائز أن يكون أورميا، ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك، وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة اللَّه على إحيائه خلقه بعد مماتهم، وإعادتهم بعد فنائهم.
واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، فقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بعضهم: هي بيت المقدس.
- ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك، قالا: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه، قال: لما رأى أورميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم، قال:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب ابن منبه، قال: هي بيت المقدس.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه بيت المقدس، أتى عليه عزير بعد ما خربه بختنصر البابلي.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أنه مر على الأرض المقدسة.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} قال: القرية بيت المقدس، مر بها عزير بعد إذ خربها بختنصر.
حدثنا عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} قال: القرية بيت المقدس، مر عليها عزير وقد خربها بختنصر.
وقال آخرون: بل هي القرية التي كان اللَّه أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم اللَّه: موتوا.
- ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول اللَّه تعالى ذكره: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} قال: قرية كان نزل بها الطاعون، ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه، إلى أن بلغ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة، فماتوا ثم أحياهم اللَّه {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، فوقف ينظر، فقال:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} سواءً لا يختلفان.
وقال ابن كثير في "تفسيره"(1/ 687): =
879 -
قَالَ ابْنُ المرَجَّا فِي "فَضَائِلِ بَيْتِ المقْدِسِ":
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الفَضْلِ بمِصْرَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ ابنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّقيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ عَوْفُ بْنُ المزَرَّعِ بْنِ الأَدِيبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ السَّجِسْتَانِي يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} فَقَالَ: هِيَ بَيْتُ المقْدِسِ، وَذَلِكَ أَنَّ العُزَيرَ مَرَّ بِهَا وَهِيَ خَرَابٌ، فَقَالَ: أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْدَ مَوْتِهَا؟ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ عَلَى السِّنِّ الَّذِي تَوَفَّاهُ عَلَيْهَا بَعْدَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعُون سَنَةً، وَلِابْنِهِ عَشْرُ وَمِئَةِ سَنَةٍ، وَلِابْنِ ابْنِهِ تِسْعُونَ سَنَةً، وَأُنْشِدَ فِي ذَلِكَ:
وَاسْوَدَّ رَأسُ شَابٍّ مِنْ قَبْلِهِ ابْنِهِ
…
وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنٌ لَهُ فَهُوَ أَكْبَرُ
تَرَى ابْنَ ابْنِهِ شَيْخًا يَثِبُّ عَلَى عَصَا
…
وَلِحْيَتُهُ سَوْدَاءُ وَالرَّأْسُ أشْقَرُ
= اختلفوا في هذا المار من هو؟ فروى ابن أبي حاتم، عن عصام بن رَوَّاد، عن آدم بن أبي إياس، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير.
ورواه ابن جرير عن ناجية نفسه.
وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، وسليمان بن بُرَيْدَة، وهذا القول هو المشهور.
وقال وهب بن منبه وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير: هو أرميا بن حلقيا. قال محمد بن إسحاق؛ عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، أنه قال: وهو اسم الخضر رضي الله عنه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: سمعت سليمان بن محمد اليساري الجاري -من أهل الجار، ابن عم مطرف- قال: سمعت رجلًا من أهل الشام يقول: إن الذي أماته اللَّه مئة عام ثم بعثه اسمه: حزقيل بن بورا.
وقال مجاهد بن جبر: هو رجل من بني إسرائيل.
وأما القرية: فالمشهور أنها بيت المقدس مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} أي: ليس فيها أحد، من قولهم: خوت الدار تخوي خواءً وخُويا.