الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ
712 -
قَالَ البُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ":
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ المسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "لَقِيتُ مُوسَى"، قَالَ: فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسبْتُهُ قَالَ: "مُضْطَربٌ رَجلُ
(85)
الرَّأْسِ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شنوءَةَ
(86)
"، قال: "وَلقِيتُ عِيسَى"، فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي الحَمَّامَ- وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ"، قَالَ: "وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَبَنٌ، وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ".
(87)
713 -
قَالَ البُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ":
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ (ح) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ابْنُ المسَيَّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "
= ابن معين: حميد بن الربيع كذاب.
(85)
شعرٌ رَجَلٌ ورَجِل ورَجْلٌ بَيْنَ السُّبوطة والجعودة، وفي صفته صلى الله عليه وسلم شعره رَجِلًا، أَي لم يكن شديد الجعودة، ولا شديد السبوطة بل بينهما. "لسان العرب": رجل.
(86)
شَنُوءَة: بالفتح، ثم الضم، وواو ساكنة، ثم همزة مفتوحة، وهاء، مخلاف باليمن بينها وبين صنعاء اثنان وأربعون فرسخًا، تنسب إليها قبائل من الأزد. انظر "معجم البلدان"(3/ 418).
(87)
"صحيح"
"صحيح البخاري"(3437)، وأخرجه البخاري أيضًا (3394، 4709، 5576)، ومسلم (168)، وأحمد (2/ 282، 512) وغيرهم، وذكره السيوطي المنهاجي في "إتحاف الأخصا"(ق 55 أ).
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيليَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللبَنَ، قَالَ جبْرِيلُ: الحمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أخَذْتَ الخمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ".
(88)
714 -
قَالَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ":
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ المثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ؛ مَا يَسْألُوني عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالتَفَت إلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ".
(89)
(88)
"صحيح"
"صحيح البخاري"(4709)، وأخرجه البخاري في مواضع أُخَر، وأخرجه مسلم (168) من طريق يونس به.
(89)
"صحيح"
"صحيح مسلم"(172)، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(11284)، وابن منده في "الإيمان"(740)، وأحمد (2/ 528).
715 -
قَالَ ابْنُ سعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ":
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مِعْشَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ قَوْمِي لَا يُصَدِّقُونَنِي". فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصِّدِّيقُ.
(90)
716 -
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":
حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَعَفَّانُ المعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّلْتِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي لمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَنَظَرْتُ فَوْقَ -قَالَ عَفَّانُ: فَوْقِي- فَإِذَا أَنا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالبُيُوتِ فِيهَا الحيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نَظَرْتُ أَسْفَلَ مِنِّي، فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ
(91)
وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَنْ لَا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْلَا
(90)
"إسناده ضعيف وهو حسن بشواهده"
"الطبقات الكبرى"(3/ 170)، وأخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة"(116)، والحسن الخلال في "المجالس العشرة"(68)، من طريق يزيد بن هارون به.
قلت: وإسناده ضعيف؛ أبو وهب مجهول، ترجم له البخاري في "تاريخه"(8/ 78)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 451)، ولم يذكرا روى عنه سوى نجح، ونجح السندي أبو معشر ضعيف، وللحديث شواهد سبق بعضها، وانظر "السلسلة الصحيحة"(306).
(91)
الرَّهْجُ والرَّهَجُ: الغبار، وفي الحديث:"ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل اللَّه إلا حرم اللَّه عليه النار". الرهج: الغبار، وفي حديث آخر:"من دخل جوفه الرهج لم يدخله حر النار". وأرهج الغبار أثاره، والرهج السحاب الرقيق كأنه غبار. "لسان العرب": رهج.
ذَلِكَ لَرَأَوْا العَجَائبَ".
(92)
717 -
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "المجْرُوحِينَ":
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِالرَّمْلَةِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَيْرَةَ البلوِي المقْدِسِيُّ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ زِيَادٍ البَاهِلِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ ابنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ مَرَّ بِي جبْرِيلُ بِقَبْرِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ انْزِلْ فَصَلِّ هُنَا رَكْعَتَيْنِ؛ هَذَا قَبْرُ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ. ثُمَّ مَرَّ بِي بِبَيْتِ لَحْمٍ، فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ هَاهُنَا رَكْعَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ هُنَا وُلِدَ أَخُوكَ عِيسَى عليه السلام. ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى الصَّخْرَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مِنْ هُنَا عَرَجَ رَبُّكَ إِلَى السَّمَاء".
(93)
(92)
"ضعيف"
"مسند أحمد"(2/ 353 - 363)، وأخرجه ابن ماجه (2273)، وابن أبي شيبة (8/ 446)، والحارث ابن أبي أسامة في "مسنده"(1/ 169)، وابن أبي حاتم كما ذكر ابن كثير في "تفسيره"، وابن أبي الدنيا في "المطر والرعد"(49)، جميعهم عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان به.
وأبو الصلت جهله الحافظان الذهبي وابن حجر.
وعلي بن زيد ضعيف كما قال ابن حجر.
والحديث ضعفه جماهير النقاد، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة": هذا حديث ضعيف لضعف علي بن زيد. وقال في "إتحاف الخيرة المهرة"(1/ 177): علي بن زيد ضعيف، وداود بن المحبر وضاع. (يقصد داود الذي في إسناد الحارث بن أبي أسامة).
وقال ابن كثير في "تفسيره" الأعراف آية 185: علي بن زيد بن جدعان له منكرات، وقال في البقرة آية 275: وفي إسناده ضعف.
وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 71): وفيه أبو الصلت لا يعرف، ولم يرو عنه غير علي بن زيد، وقال أيضًا (4/ 120): فيه علي بن زيد، وفيه كلام، والغالب عليه الضعف.
وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(133): ضعيف.
(93)
"ضعيف"
"المجروحين"(1/ 197)، وأخرجه ابن المرجا في "فضائل بيت المقدس"(ص 459) مختصرًا، وابن =
وَذَكَرَ كَلَامًا طَويلًا أَكْرَهُ أَنْ أَذْكُرَهُ.
718 -
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الآثَارِ":
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجُ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَر- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ الرَّيَاحِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَو غَيْرِهُ -شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ- فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، قَالَ: جَاءَ جِبْرَائِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ مِيكَائِيلُ، فَقَالَ جِبرَائِيلُ لِمِيكَائِيلَ: ائْتِنِي بِطَسْتٍ مِن مَاءِ زَمزَمَ؛ كَيمَا أطَهَّرَ قَلبَهُ، وَأَشرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، قَالَ: فَشَقَّ عَن بَطْنِهِ، فَغَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاخْتَلَفَ إلَيهِ مِيكَائِيلُ بِثَلاثِ طِسَاتٍ مِن مَاءِ زَمزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِن غِلٍّ، وَمَلَأَهُ حِلْمًا وَعِلْمًا وِإِيمَانًا وَيَقِينًا وِإسْلَامًا، وَخَتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، كُلُّ خُطْوَة مِنْهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ وَأَقْصَى بَصَرِهِ، قَالَ: فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرَائِيلُ عليه السلام، فَأَتَى عَلَى قَومٍ يَزْرَعُونَ فِي يَومٍ وَيَحصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا جِبْرَائِيلُ مَا هَذَا؟ " قَالَ: هَؤلَاءِ
= الجوزي في "الموضوعات"(1/ 113)، وفي "فضائل القدس"(1/ 12).
وفيه بكر بن زياد الباهلي، قال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 196): شيخ دجال، يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه. لذا قال بعد إخراج الحديث (1/ 197): وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع، فكيف البذل في هذا الشأن. قال الذهبي في "الميزان" (1/ 345): صدق ابن حبان.
قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 114): وقد سمع بعض المشبهة هذا الحديث مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "آخر (وطأه وطأها) اللَّه بوج "فتوهم لما في نفسه من التشبيه أنها وطية قدم، وإنما المراد بها الوقعة بين المشركين والمسلمين، وقد أتممت شرح هذا في كتابي المسمى "بمنهاج الوصول إلى علم الأصول"، والحديث ذكره السيوطي في "اللآلئ"(1/ 13).
المُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الحَسَنَةُ بِسَبعِمِئَةِ ضِعْفٍ، وَمَا أَنفَقُوا مِن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ؛ ثُمَّ أَتَى عَلَى قَومٍ تُرضَخُ رُؤُوسُهُم بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَت، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبرَائِيلُ؟ " قَالَ: هَؤلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُؤُوسُهُمْ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ؛ ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقَبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدبَارَهِمْ رِقَاعٌ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الإِبِلُ وَالغَنَمُ، وَيَأكُلُونَ الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ وَرَضْفَ
(94)
جَهَنَّمَ وَحِجَارَتَهَا، قَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرائِيلُ؟ " قَالَ: هَؤلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّه شَيْئًا، وَمَا اللَّه بِظَلَّامٍ لِلعَبِيدِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَومٍ بَينَ أَيدِيهِمْ لَحْمٌ نَضِيجٌ فِي قُدُورٍ، وَلَحْمٌ آخَرُ نَيِّءٌ قَذِرٌ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأكُلُونَ مِنَ النَّيِّءِ، وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ، فَقَالَ:"مَا هَؤُلاءِ يَا جِبْرائِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِن أُمَّتِكَ، تَكونُ عِندَهُ المَرْأَةُ الحَلَالُ الطَّيْبُ، فَيَأتِي امْرَأَةً خَبِيثَةً فَيَبِيتُ عِندَهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَالمَرْأَة تَقُومُ مِن عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا، فَتَأتِي رَجُلًا خَبِيثًا، فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى تُصْبِح، قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ فِي الطَّريقِ لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوبٌ إِلَّا شَقَّتهُ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ، قَالَ:"مَا هَذَا يا جِبْرائِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيقطَعُونَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ}
(95)
الآية. ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَد جَمَعَ حِزمَةَ حَطَبٍ عَظِيمَةً لا يَستَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيهَا، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا جبْرَائِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِندَهُ أَمَانَاتُ النَّاسِ لا يَقدِرُ عَلَى أَدَائِهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَيُرِيدُ
(94)
الرَّضْفُ: الحجارة التي حميت بالشمس أو النار، واحدتها رضفة، وقيل: الرضف الحجارة المحماة يوغر بها اللبن، واحدتها رضفة، وفي المثل خذ من الرضفة ما عليها، ورضفه يرضفه بالكسر أي كواه بالرضفة، والرضيف اللبن يغلى بالرضفة. "لسان العرب": رضف.
(95)
الأعراف: 86.
أَنَّ يَحْمِلَهَا، فَلَا يَستَطِيعُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَتَى عَلَى قَومٍ تقرَضُ أَلسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا قرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لا يُفَتَّرُ عَنهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرائِيلُ؟ "فَقَالَ: هَؤُلَاءِ خطَبَاءُ أُمَّتِكَ، خطَبَاءُ الفِتْنَةِ يَقُولُونَ مَا لا يَفعَلُونَ. ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنهُ ثَورٌ عَظِيمٌ، فَجَعَلَ الثَّورُ يُرِيدُ أَنَّ يَرجعَ مِن حَيثُ خَرَجَ فَلا يَستَطِيعُ، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا جِبْرائِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الرَّجُل يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ العَظِيمَةِ، ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهَا، فَلا يَستَطِيعُ أَنْ يَرُدَّهَا. ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ، فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً بَارِدَةً، وفِيهِ رِيحُ المِسْكِ، وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ:"يا جِبْرَائِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطيِّبَةُ البارِدَةُ وهَذِهِ الرَّائحَة الَّتي كَرِيحِ المسْكِ، ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " قَالَ: هَذَا صَوْتُ الجَنَّةِ تَقولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدتَّنِي، فَقَد كَثُرَتْ غُرَفِي، وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي، وَسُنْدُسِي وَعَبْقَرِيِّي، وَلُؤلُؤِي وَمَرجَانِي، وَفِضَّتِي وَذَهَبِي، وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي، وَفَوَاكِهِي وَنَخْلِي وَرُمَّانِي، وَلَبَنِي وَخَمرِي، فَآتِني مَا وَعَدَّتَنِي. فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي، وَعَمِلَ صَالِحًا، وَلَمْ يُشْرِكْ بِي، ولَمْ يَتخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ، وَمَنْ تَوَكلَ عَلَيَّ كَفَيتُهُ، إِنِّي أَنا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِفُ المِيعَادَ، وَقَد أَفلَحَ المُؤْمِنُونَ، وَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَنُ الخَالِقِينَ. قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ. ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَةً، فَقَالَ:"وَمَا هَذِهِ الرِّيحُ يَا جِبْرَائِيلُ، ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " قال: هَذَا صَوتُ جَهَنَّمَ، تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مِا وَعَدَّتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي، وَسَعِيْرِي وجَحِيمِي، وَضَرِيعِيْ وَغَسَّاقِي، وَعَذَابِي وَعِقَابِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي وَاشْتَدَّ حَرِّي، فَآتِنِي مَا وَعَدتَّنِي، قَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةِ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَة، وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ. قَالَتْ: قَد
رَضِيتُ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيتَ المَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرةٍ، ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الملائِكَةُ؛ فَلَمَّا قُضِيْتِ الصَّلاةُ، قَالُوا: يَا جِبْرَائِيلُ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المجِيءُ جَاءَ. قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ أَروَاحَ الأَنْبِيَاءَ فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمِ، فَقَالَ إِبْرَاهيمُ: الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ يُؤتَمُّ بِي، وَأَنْقَذَنِي مِن النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا. ثُمَّ إِنَّ مُوسَى أَثنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: الحَمدُ للَّهِ الّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا، وَجَعَلَ هَلَاكَ آلِ فِرعَونَ وَنَجَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ، وجَعَلَ مِن أُمتِي قَوْمًا يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِه يَعدِلُونَ. ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ عليه السلام أَثْنى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الحمْدُ للَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَعَلَّمَنِيَ الزَّبُورَ، وَأَلَان لِيَ الحَدِيدَ، وسَخَّرَ لِيَ الجِبَالَ يُسَبِّحنَ والطَّيْرَ، وَأَعْطَانِي الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ. ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الحَمدُ للَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ الرِّيَاحَ، وَسَخَّرَ لِيَ الشَيَاطِين، يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئتُ مِن مَحَارِيبَ وَتَمَاثَيلَ وَجِفَانٍ كَالجوَابِ، وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، وَعَلَّمَني مَنطِقَ الطَّيرِ، وَآتَانِي مِن كُلِّ شَيءٍ فَضْلًا، وَسَخَّرَ لِي جُنُودَ الشَّيَاطِينَ والإِنْسَ وَالطَّيرَ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِن بَعْدِي، وَجَعَلَ مُلْكِي مُلكًا طَيِّبًا لَيسَ عَلَيَّ فِيهِ حِسَابٌ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عليه السلام أثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَتَهُ، وَجَعَلَ مَثَلِي مَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب ثُمّ قَالَ له كُن فَيكُونُ، وَعَلَّمَنِي الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّورَاةَ وَالإِنجيلَ، وَجَعَلَني أَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ هَيئَةَ الطَّيرِ، فَأَنفُخُ فِيهِ، فَيكُونُ طَيرًا بإِذنِ اللَّهِ، وَجَعَلَنِي أُبرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبرَصَ، وَأُحْيِي الموتَى بِإِذْنِ اللَّهِ، وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي، وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُن للشَّيطَانِ عَلَينَا سَبِيلٌ. قَالَ: ثُمَّ
إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ:"كُلُكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، وأنا مُثْنٍ عَلَى رَبِّي" فَقَالَ: "الحَمْدُ للَّه الَّذِي أرْسَلَنِي رَحْمَةً للعالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسٍ بَشِيرًا ونَذَيرًا، وَأَنزَلَ عَلَى الفُرقَانَ فِيهِ تِبْيانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أُمّتِي وَسَطًا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الأوَّلُونَ وَهُمُ الآخِرُونَ، وَشَرَحَ لِي صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتحًا خَاتِمًا". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: بهَذَا فَضَلَكُم مُحَمَّد -قَالَ أَبُو جَعفَر، وَهُوَ الرَّازِي: خَاتِمُ النُبُوَّةِ، وَفَاتحٌ بِالشَّفَاعَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ- ثُمَّ أُتِيَ إِلَيْهِ بَآنِيَةٍ ثَلاثَةٍ مُغَطَّاةٌ أَفْوَاهُهَا، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنهَا فِيهِ مَاءٌ، فَقِيلَ: اشْرَبْ. فَشَرِبَ مِنهُ يَسِيرًا، ثُمَّ دُفعَ إِلِيهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ لَبنٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرَبْ. فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ دُفعَ إِلَيهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرَبْ. فَقَالَ: "لَا أُرِيدُهُ قَد رَوِيتُ". فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتِكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ مِنْهَا لَمْ يَتَّبِعْكَ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا القَلِيلُ. ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرَائِيلُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَائِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوْا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعمَ المجِيءُ جَاءَ. فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ تَامِّ الخَلْقِ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، كَمَا يَنْقُصُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، عَلَى يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ، إِذَا نَظَرَ إِلَى البَابِ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَاستَبْشَرَ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى البَابَ الَّذي عَن شِمَالِه بَكَى وَحَزِنَ، فَقُلْتُ:"يَا جِبْرَائيِلُ، مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُّ الخَلْقِ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ؟ ومَا هَذَانِ البَابَان؟ " قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمٌ، وَهَذَا البَابُ الَّذِي عَن يَمِينِهِ بَابُ الجَنَّةِ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ، وَالبَابُ الَّذِي عَن شِمَالِهِ بَابُ جَهَنَّمَ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَن يَدْخُلُهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بَكَى وَحَزِنَ. ثُمَّ
صَعِدَ بِهِ جِبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَن هَذَا؟ قَالَ: جَبْرَائِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوْا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ، فَقَالَ:"يَا جِبْرَائِيلُ، مَنْ هَذَانِ الشَّابَّانِ؟ " قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَريَمْ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَا ابْنَا الخَالَةِ. قَالَ: فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَائِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوْا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فَضَلَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الحُسْنِ، كَمَا فُضِّلَ القَمَرُ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرَائِيلُ الَّذِي فَضَلَ عَلَى النَّاسِ في الحُسْنِ؟ " قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ. ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابعَةِ، فَاسْتَفتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَائِيلُ. قَالُوا. وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يا جِبْرَائِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ رَفَعَهُ اللَّهُ مَكَانًا عَلِيًّا. ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرَائِيلُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرَائيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِل إِلَيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِسٍ وَحَوْلَهُ قَوْمٌ يَقُصُّ عَلَيْهِمْ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرَائِيلُ؟ وَمَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ حَوْلَهُ؟ " قَالَ: هَذَا هَارُونُ المُحَبَّبُ فِي قَومِهِ، وَهَؤُلاءِ بَنُو إِسرَائِيلَ. ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرَائيلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَن هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرَائِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِل إِلَيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِسٍ، فَجَاوَزَهُ، فَبَكَى الرَّجُلُ، فَقَالَ: لا يَا جِبْرَائِيلُ، مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: مُوسَى. قال: "فَمَا بالُهُ يَبْكِي؟ " قَالَ: تَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلُ أَنِّي أَكرَمُ بَنِي آدَمَ عَلَى اللَّه، وَهَذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ قَدَ خَلَفَنِي فِي دُنيَا، وَأَنَا فِي أُخْرَى، فَلَو أَنَّهُ بِنَفسِهِ لَمْ أُبَالِ، وَلَكِنْ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ. ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرَائِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَائِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ. قَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِل إِلَيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الأَخُ، وَنِعْمَ الخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُل أَشْمَطَ
(96)
جَالِسٌ عِندَ بَابِ الجَنَّةِ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَعِندَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ بِيضُ الوُجُوهِ، أَمْثَالُ القَرَاطِيسِ، وَقَومٌ فِي أَلوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَقَامَ هَؤُلاءِ الذِينَ فِي أَلوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَدَخَلُوا نَهَرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلُصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَرَ، فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلُصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَرَ اغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلُصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ فَصَارَتْ مِثْلَ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ، فَقَالَ:"يَا جِبْرَائِيلُ، مَنْ هَذَا الأشْمَطُ؟ ثُمَّ مَنْ هَؤُلاءِ البِيضُ وُجُوهُهُمْ، وَمَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ في ألْوَانِهِمْ شَيْءٌ؟ ومَا هَذِهِ الأنهَارُ الَّتِي دَخَلُوا، فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ ألْوَانُهُمْ؟ " قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إبرَاهِيمُ أَوَّلُ مَن شَمِطَ عَلَى الأَرْضِ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ البِيضُ الوُجُوهِ فَقَومٌ لم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ الَّذِينَ فِي أَلوَانِهِمْ شَيْءٌ فَقَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا،
(96)
شَمَطَ الشيءَ يَشْمِطُه شَمْطًا وَأشْمَطَه خلطه، والشمط في الشعر اختلافه بلونين من سواد وبياض، والجمع شمط وشمطان، والشمط في الرجل شيب اللحية، ويقال للرجل: أشيب، والشمط بياض شعر الرأس يخالط سواده. "لسان العرب": شمط.
فَتَابُوا، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الأَنْهَارُ: فَأَوَّلُهَا: رَحْمَةُ اللَّهِ، وَثَانِيهَا: نِعْمَةُ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ: سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السَّدْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مِن أُمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ. فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ للشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى، وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقطَعُهَا، وَالوَرَقَةُ مِنهَا مُغَطِّيَةٌ لِلأُمَّةِ كُلِّهَا، قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الخَلَّاقِ عز وجل، وَغَشِيَتْهَا الَملَائِكَةُ أَمثَالَ الغِرْبَانِ حِينَ يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَكَلّمَهُ عِنْدَ ذَلكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ. فَقَالَ: لا اتَّخَذْتَ إِبْرَاهيمَ خَلِيْلًا وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا عَظِيمًا، وَكَلَّمتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَأعْطَيْتَ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَلَنتَ لَه الحَديدَ، وَسَخرْتَ لَهُ الجِبَالَ، وَأَعْطَيتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَسخَّرْتَ لَهُ الجِنَّ وَالإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ، وَسَخَّرتَ لَهُ الرِّيَاحَ، وَأَعطَيتَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمْتَ عِيسَى التَّورَاةَ وَالإِنْجِيلَ، وَجَعَلْتَهُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ، وَيُحْيِي الموْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَعَذْتَهُ وَأُمَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيْلٌ". فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: قَدِ اتَّخَذْتُكَ حَبِيْبًا وَخَلِيْلًا وَهُوَ مَكُتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: حَبِيبُ اللَّهِ؛ وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيْرًا، وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرتَ مَعِي، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ هُمْ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، وَجَعَلْتُ أَمَّتَكَ لَا تَجُوزُ لَهُمْ خُطْبَة حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي؛ وَجَعَلْتُ مِنْ أُمَّتِكَ أَقْوَامًا قُلُوبُهُمْ أَناجِيلُهُمْ، وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا، وَآخِرُهُمْ بَعْثًا، وَأَوَّلَهُمْ يُقْضَى لَهُ، وَأَعْطَيتُكَ سَبْعًا مِنَ المثَانِي، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ الكَوْثَرَ، وَأَعْطَيْتُكَ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ: الإِسْلَامَ، وَالهِجْرَةَ، وَالجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَالصَّلَاةَ، وَصَوْمَ رَمَضَانَ،
وَالأَمْرَ بِالمعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المنْكَرِ، وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتِمًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ: أَعْطَانِي فَوَاتحَ الكَلِمِ وَخَوَاتِيمَهُ، وَجَوَامعَ الحدِيثِ، وأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وأُحِفتْ لِيَ الغَنائمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا، قَالَ: وَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً". فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى، قَالَ: بمَ أُمِرتَ يَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: "بِخَمْسِينَ صَلاةً". قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأُمَمِ، فَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَبِّهِ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "بأرْبَعِينَ". قَالَ: ارْجعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيْتُ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "أُمِرْتُ بِثَلاثِينَ". فَقَالَ لَهَ مُوسَى: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيْتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "بِعِشْرِينَ". قَالَ: ارْجَعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلُ شِدَّةً. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرتَ؟ قَالَ: "بِعَشْرٍ". قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً. قَالَ: فَرَجَعَ عَلَى حَيَاء إِلَى رَبِّهِ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "بِخَمْسٍ". قَالَ: ارْجَعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلُ
شِدَّةً. قَالَ: "قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْت، فَمَا أنا رَاجعٌ إِلَيْهِ". فَقِيلَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ كَمَا صَبَرْتَ نَفْسَكَ عَلَىَ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَإِنَّهُنَّ يُجْزِينَ عَنْكَ خَمْسِينَ صَلَاةٍ، فَإِنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. قَالَ: فَرَضِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كُلَّ الرِّضَا، فَكَانَ مُوسَى أَشَدُّهُمْ عَلَيْهِ حِيْنَ مَرَّ بِهِ، وَخَيْرُهُمْ لَهُ حِينَ رَجَعَ إِلَيْهِ.
(97)
(97)
"منكر"
"تهذيب الآثار"(272)، وأخرجه الطبري أيضًا في "تفسيره"(6/ 15)، وابن أبي حاتم كما بـ "الدر المنثور"(5/ 198)، كلاهما في تفسير الآية، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 397)، والبزار في "كشف الأستار"(55)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 165)، جميعهم من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع به.
قال البزار: وهذا لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ومن هذا الوجه.
قلت: وآفة هذا الإسناد في أبي جعفر الرازي، وحديثه عن الربيع بن أنس مضطرب.
قال ابن حبان في ترجمة الربيع: روى عنه أبو جعفر الرازي، والناس يتقون حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن فيها اضطرابًا كثيرًا. وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث، وصالح الحديث مضطرب الحديث. وقال ابن معين: كان ثقة خراسانيًّا، يكتب حديثه، لكن يخطئ، صالح ثقة، وهو يغلط فيما يرويه عن مغيرة. وقال محمد بن عمار الموصلي: ثقة يخطئ ويكتب حديثه إلا أنه يخطئ. وقال ابن المديني: هو نحو موسى بن عبيدة، كان عندنا ثقة، يخطئ. وقال عمرو بن علي الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيئ الحفظ. وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرًا. وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق، صالح الحديث. وقال زكريا الساجي: صدوق ليس بمتقن. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال عبد الرحمن بن خراش: سيئ الحفظ صدوق. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة يرويها، وقد روى عنه الناس، وأحاديثه عامتها مستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به.
وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 120): كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ولا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوز الاعتبار براويته إلا فيما لم يخالف الأثبات.
وقال ابن حجر: صدوق سيئ الحفظ خاصة عن مغيرة.
قلت: فقد تبين من أقوال النقاد أن أبا جعفر له مناكير وأفراد وأغلاط واضطراب في بعض حديثه، وهو ما وقع هنا، فانفرد بهذا السياق الطويل وأتى بالغرائب، ومعلوم أن انفراد من هذا حاله في مثل هذا السياق المطول لا يقبل إلا من الأثبات الذين قل خطؤهم، وقد استنكر الأئمة هذه الرواية على أبي جعفر.
719 -
قَالَ الخطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ":
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ، إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَازِمٍ المرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن عِيسَى القَنْطَرِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحَوَارِي، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ ابنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الليْثُ بن سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ: حَدَّثَنِي أَبُو قُرَيْرَةَ، أنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول:"لمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ انْتَهَى بِي جِبْرِيلُ إِلَى سِدْرَةِ المنْتَهَى، فَغَمَسَنِي فِي النُّورِ غَمْسَةً، ثُمَّ تَنَحَّى، فَقُلْتُ: حَبِيبِي جِبْرِيلُ أحْوَجُ مَا كُنْتُ إِلَيكَ تَدَعنِي وَتَتَنَحَّى! قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ فِي مَوْقِفٍ لَا يَكُونُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَك مُقَرَّبٌ يَقِفُ هَاهُنَا؛ أَنْتَ مِنَ اللَّهِ أَدْنَى مِنَ القَابِ إِلَى القَوْسِ. فَأَتَانِي الملَكُ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّحْمَنَ تَعَالَى يُسَبِّحُ نَفْسَهُ. فَسَمِعْتُ الرَّحْمَنَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَعْظَمَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِمَنْ قَالَ هَكَذَا؟ قَالَ لِي: "يَا أَبَا هُرَيرَة، لَا تَخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يَرَانِي أُرِيَهُ مَوْضِعَهُ مِنَ الجنَّةِ، أَوْ يُرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الجنَّةِ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ
= قال ابن كثير: أبو جعفر الرازي، قال فيه أبو زرعة الرازي: يهم في الحديث كثيرًا، وقد ضعفه غيره، ووثقه بعضهم، والأظهر أنه سيئ الحفظ، ففيما تفرد به نظر، وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري، ويشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتى، أو منام وقصة أخرى غير الإسراء، واللَّه أعلم. اهـ.
وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 320): وروى حاتم بن إسماعيل و. . . عن أبي جعفر الرازي. . . حديثًا طويلًا في المعراج فيه ألفاظ منكرة جدًّا.
وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 77): رجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره، فتابعيُّه مجهول، وردَّ ذلك الأستاذ محمود شاكر في تعليقه على "تهذيب الآثار" (443) فقال: وفي هذا ما ترى من ترك الدقة.
قلت: وصدق؛ فأبو العالية ليس بمجهول، بل حدث عن الجمع من الصحابة، وروى عنه الجمع الكبير، ومشاه جماعة من العلماء.