الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ المَسْجِدَ الأَقْصَى أَوَّلُ بَيتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ
799 -
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ":
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ:"المسْجِدُ الحَرَامُ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "المسْجِدُ الأَقْصَى". قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ؛ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".
(47)
= وإسناده ضعيف، وآفته سعد بن عمران، قال الذهبي في "الميزان" (2/ 124): شيخ مقل، قال أبو حاتم: هو مثل الواقدي. قلت: والواقدي متروك. اهـ.
وتعقبه الحافظ في "اللسان"(3707)، ونقل قول أبي حاتم بتمامه كما في "العلل"(1965)، وفيه: سألت أبي عنه فقال: هو شيخ مثل الواقدي في لين الحديث وكثرة عجائبه.
قلت -الحافظ-: فإذا كان أبو حاتم يقول إنه مثل الواقدي في كثرة العجائب، فكيف يقول الذهبي هو شيخ مقل؟!
أقول: لا إشكال، فهو مقل جدًّا، وقد بحثت له عن مرويات فوجدته مقلًّا، ومما يدل على ذلك أن ابن أبي حاتم ترجم له في "الجرح والتعديل"(4/ 91) فلم يذكر في الرواة عنه سوى عبد اللَّه بن محمد بن داود، ومع هذه القلة يأتي بالعجائب، فهذا يدل على ضعفه، وأنه لم يشتغل بالرواية.
(47)
"صحيح"
"صحيح البخاري"(3366)، وأخرجه مسلم (520)، والنسائي (2/ 32)، وابن ماجه (753)، والحميدي في "مسنده"(134)، وأحمد (5/ 156، 157، 160، 166)، وابن خزيمة في "صحيحه"(787)، كلهم من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم به، وذكره السيوطي المنهاجي في "إتحاف الأخصا"(ق 5 أ).
دفع إشكال: قد يقع إشكال، وهو أن سليمان المعروف أنه الذي بنى المسجد الأقصى، وأهل التاريخ يقولون بأن بين إبراهيم وسليمان أكثر من ألف عام، فكيف يتفق هذا مع الحديث المتقدم؟! وقد أجاب العلماء على هذا الإشكال بعدة أجوبة: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الإمام الزركشي في "إعلام الساجد"(29): أشكل هذا الحديث على بعضهم، فقال: إنه معلوم أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم هو الذي بنى المسجد الأقصى، كما روى النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد اللَّه بن عمرو يرفعه:"إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل اللَّه ثلاثًا. وهو بعد إبراهيم كما قال أهل التاريخ بأكثر من ألف عام، وهذا القائل جهل التاريخ؛ فإن سليمان عليه السلام إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى اللَّه عليهما بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا القدر، ولما ذكره الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه المسمى "بالتقاسيم والأنواع" قال: فيه دحض لقول من زعم أن بين إسماعيل وداود صلى اللَّه عليهما وسلم ألف سنة.
ورد على ذلك الحافظ الضياء المقدسي في استدراكاته عليه، وقال: وجه هذا الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديمًا ثم خربا، ثم بنيا.
وقال الحافظ في الفتح (6/ 470 - 471): قال ابن الجوزي: فيه إشكال؛ لأن إبراهيم بنى الكعبة، وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة. انتهى، ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، ما رواه النسائي من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص مرفوعًا بإسناد صحيح: أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل اللَّه تعالى خلالًا ثلاثًا. . . الحديث، وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس، ثم أوحى اللَّه إليه إني لأقضي بناءه على يد سليمان، وفي الحديث قصة، قال: وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض؛ فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي أن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما؛ بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.
قلت: وقد مشى ابن حبان في صحيحه على ظاهر هذا الحديث، فقال: في هذا الخبر رد على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة، ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة؛ وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام، ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة، وقد تعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزي، وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء اللَّه قبل داود وسليمان، ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه؛ فأضيف إليهما بناؤه، قال: وقد ينسب هذا المسجد إلى إيلياء، فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أحقق لم أضيف إليه.
قلت: الاحتمال الذي ذكره أولًا موجه، وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقيل: الملائكة، وقيل: سام بن نوح عليه السلام، وقيل: يعقوب عليه السلام، فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدًا كما وقع في الكعبة، وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلًا وتأسيسًا، ومن داود تجديدًا لذلك وابتداء بناء فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام؛ لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه، وقد وجدت ما يشهد له، ويؤيد قول من قال: إن آدم هو الذي أسس كلًّا من المسجدين.
فذكر ابن هشام في كتاب "التيجان" أن آدم لما بنى الكعبة أمره اللَّه بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه، فبناه ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور، وقد تقدم قريبًا حديث عبد اللَّه بن عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه اللَّه لإبراهيم، وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة، قال: وضع اللَّه البيت مع آدم لما هبط؛ ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال اللَّه له: يا آدم، إني قد أهبطت بيتًا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه. فخرج آدم إلى مكة -وكان قد هبط بالهند ومد له في خطوه- فأتى البيت فطاف به، وقيل: إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس، فاتخذ فيه مسجدًا، وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته، وأما ظن الخطابي أن إيلياء اسم رجل؛ ففيه نظر، بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد، كما يقال: مسجد المدينة، ومسجد مكة، وقال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان": إيليا مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات: مد آخره، وقصره، وحذف الياء الأولى، قال الفرزدق:
لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما
…
دنا من أعالي إيلياء وغورا
وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال: إنها سميت باسم بانيها كغيرها، واللَّه أعلم.
فائدة:
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
س: هل المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف؟ ومن الذي بناه؟
ج: أولًا: لا نعلم دليلًا يدل على أن المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف، نعم ثبتت شرعية شد الرحال إليه وفضل الصلاة فيه، والذي يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى". أخرجه مالك، والبخاري، ومسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا لفظ مسلم.
وأما الدليل على فضل الصلاة فيه فما أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي بألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمئة صلاة".
ثانيًا: اختلف فيمن بنى المسجد الأقصى، فقيل: نبي اللَّه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أشبه، وقيل: سليمان، والصحيح أن بناء سليمان تجديد لا تأسيس؛ لأن بينه وبين إبراهيم أزمان كثيرة، أكثر =
800 -
قَالَ أبو الشَّيْخِ فِي "طَبَقَاتِ المحَدِّثِينَ بِأَصْبَهَان":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَسْجدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ الكَعْبَةُ، ثُمَّ بَيْتُ المقْدِسِ، وكَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسُمِئَةِ عَامٍ".
(48)
= من أربعين؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله.
وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أي مسجد وضع في أرض أولًا؟ قال:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى". قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد". وفي حديث أبي كامل: "ثم حيثما أدركتك الصلاة فصله؛ فإنه مسجد".
وأخرج النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن سليمان بن داود عليهما السلام بنى بيت المقدس سأل اللَّه عز وجل خلالًا ثلاثة: سأل اللَّه حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل اللَّه عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل اللَّه حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه".
(48)
"منكر"
"طبقات المحدثين بأصبهان" لأبي الشيخ (110)، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 172).
قلت: وإسناده ضعيف؛ فيه الحارث بن عبد اللَّه المعروف بالأعور، وهو كذاب، ومع هذا فإن المتن منكر مخالف لما ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي ذر، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:"المسجد الحرام". قال: قلت: ثم أي؟ قال: "ثم المسجد الأقصى". قال أبو معاوية: يعني بيت المقدس. قال: قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة". أخرجه البخاري (3366)، وفي (3425)، ومسلم (1097).