الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحدود مستثناة عن ذلك والمراد بذوي الهيئات أهل المروة والصلاح يبينه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تجافوا عن عقوبة ذوي المروة والصلاح"، والمأمورون بالتجافي عن زلات ذوي الهيئات هم الأئمة الذين إليهم إقامة العقوبات على ذوي الجنايات روي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه قضى بذلك في رجل من آل عمر بن الخطاب شج رجلا وضربه فأرسله وقال: أنت من ذوي الهيئات وعن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم".
ويحتمل أن يكون المأمور هو المجني عليه أو أولياؤه لأن الجنابة لما لم تكن خلقا لهم ولا عادة وإنما كانت منهم هفوة فكان الأحسن بهم الصفح وترك حقوقهم فيها كما في سائر الحقوق الواجبة لهم لا الأئمة فإن الحقوق ليست لهم وكما أن الحقوق المالية لأربابها العفو وفي الدماء المحرمة لأوليائها كذلك في الإعراض العفو لأصحابها لا للأئمة الذين يقيمونها لهم قال صلى الله عليه وسلم: "أن دماءكم وأموالكم وإعراضكم حرام عليكم"، والزلات التي أمرنا بالتجافي عنها هي ما لم يخرج فاعلها من دائرة ذوي المروات فأما من أتى حراما قذفا أو ما سواه مما يوجب الحد فلا يجب التجافي عنه لأنه خرج بذلك عن ذوي الهيئات والصلاح وصار من أهل الفسق فيحد ردعا له ولغيره.
في التعزيز والتاديب
…
في التعزير والتأديب
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله" قال به الليث مرة وتركه أخرى وقال: العشر على قدر الجرم فإن كان غليظا غلظ في العشر وإن كان خفيفا خفف فيها وخالفه الفقهاء فقالوا: للإمام أن يتجاوز العشر في التعزير واختلفوا في الحد الذي لا يتجاوزه فيه فمنهم من قال: لا يتجاوز به خمسة وسبعين سوطا وهو قول ابن أبي ليلى وقيل: لا يتجاوز تسعة وسبعين سوطا وهو قول أبي يوسف مرة ومنهم من قال: له أن يتجاوز به أكثر الحدود على قدر الجرم وهو قول مالك بن أنس وأبي يوسف مرة وقال
مرة ثالثة بقول أبي حنيفة وإنما وسع لهم خلاف هذا الحديث لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين ولم يكن ذلك حدا منه في الخمر أربعين وإنما قصده إلى جلد لا توقيت فيه بدليل ما روي عن علي أنه قال: من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه لأنه شيء صنعناه وأنه قال: ما حددت حدا فمات فيه فوجدت في نفسي إلا الخمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين فيها وقد جلد أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين وجلد عمر فيه باستشارة الصحابة ثمانين ولو كانت الأربعون فيها حدا لما تجاوزه عمر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم ثم حثا عليه التراب ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى إلى معهوده فضربه أربعين ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين.
وكان ضرب أبي بكر وعمر على التحري لضرب النبي صلى الله عليه وسلم لا لأن ذلك الضرب كان مقصودا به إلى عدد معلوم وإذا كان الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حدا كان فيه تجاوز العشرة الأسواط في التعزيز فعارض ذلك ما روي فيها فلما تعارضا ولم يعلم الناسخ من المنسوخ وسع النظر للمخالفين في ذلك ووجب طلب الأولى فكان ما ثبت في عقوبة شارب الخمر أولى مما روي عنه في العشر جلدات لعمل الصحابة من بعده وروي أن علي بن أبي طالب أتى بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال: إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله عز وجل.
وروي عن عمر بن الخطاب قال: كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فاطلع الله عز وجل نبيه فبعث عليا والزبير في إثر الكتاب فأدركا امرأة فاستخرجاه من قرن من قرونها فأتيا به النبي صلى الله عليه وسلم فقرىء عليه فأرسل إلى حاطب فقال: "يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب" قال: نعم
يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك" قال: يا رسول الله أما والله إني لناصح لله ولرسوله ولكني كنت غريبا في أهل مكة وكان أهلي بين أظهرهم فخشيت عليهم فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله وعسى أن تكون فيه منفعة لأهلي قال عمر: فاخترطت سيفي ثم قلت: يا رسول الله مكني من حاطب فإنه قد كفر فاضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب ما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
وفيما روي عن ابن عباس من أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا نتوخى نحوا مما كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتى برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله فقال عمر: وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك قال: أن الله يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر: ألا تردون عليه قوله فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضون بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ} ثم قرأ حتى أتم الآية الأخرى فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا فإن الله تعالى قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر: صدقت قال عمر: فماذا ترون؟ قال على: نرى إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى