الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما استثنى في كتاب الله وهو المحدود في القذف فألزمه الفسق الذي اتصف به بخلاف سائر أنواع الفسق ثم أعقب ذلك بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} الآية واختلف أهل العلم في قبول شهادتهم بعد التوبة فقبله بعضهم لزوال الفسق وهو مذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز ولم يقبله أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإن زال الفسق بالتوبة احتج القابل بما روى عن ابن المسيب عن عمرانه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك أو تب تقبل شهادتك وعنه أن عمر جلد الثلاثة لما نكل الرابع وهو زياد وكانوا شهدوا على المغيرة فاستتابهم فتاب إثنان وأبي أبو بكرة فكان تقبل شهادتهما ولا تقبل شهادة أبي بكرة لأنه أبي أن يتوب وكان مثل النضو من العبادة.
وجوابه أن ابن المسيب لم يأخذه عن عمر إلا بلاغا لأنه لم يصح سماع عنه وروى عن ابن المسيب أنه كان يذهب إلى خلافه روى قتادة عنه وعن الحسن أنهما قالا القاذف إذا تاب فيما بينه وبين ربه لا تقبل شهادته ويستحيل أن يصح عنده عن عمر القبول ثم يتركه إلى خلافه وكذا روى عن شريح قبول التوبة وعدم قبول الشهادة.
قال الطحاوي: ولما كانت شهادته بعد القذف قبل الحد مقبولة وبعد الحد الذي هو طهارة له إن كان كاذبا مردودة وكانت التوبة بعد ذلك أنما هي من القذف الذي لم ترد شهادته به وإنما ردت بغيره وهو الجلد. وجب أن تكون شهادته مردودة بعد الحد تاب أو لم يتب لأن التوبة لا تأثير لها في الحد الذي هو علة عدم القبول لأنه من فعل غيره لا من فعله والتوبة إنما تكون من أقواله وأفعاله واثر التوبة إنما هو في القذف الذي ليس بعلة ففي هذا دليل واضح على صحة قول من ذهب إلى رد الشهادة بعد التوبة والله أعلم.
في التحذير من الدين
روى عن عقبة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "لا تخيفوا أنفسكم أو قال: "ألانفس" قيل: يا رسول الله بم نخيف أنفسنا؟ قال: "بالدين"
يعني الدين الغالب عليه منه فإنه المخيف والمذموم المترتب عليه سوء المطالبة في الدنيا وسوء العاقبة في الأخرى عن ابن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغفلة في ثلاث: الغفلة عن ذكر الله ومن لدن أن يصلي صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وأن يغفل الرجل عن نفسه في الدين حتى يركبه" وذم عمر أسفع بقوله: إلا أن اسيفع اسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قدرهن1 به فمن كان له عليه دين فليحضر بيع ما له أو قسمة ما له أن الدين أو له هم وآخره حرب يعني فاستدان من كل من أمكنه الاستدانة منه واعترضهم بذلك قوله وقد رهن أي"1" وقع فيما لا يمكنه الخروج منه ولا طاقة له به وأما الدين الذي يمكن الإنسان الخروج منه بالإيفاء فليس بمذموم بل يرجى له الثواب والعون من الله تعالى عليه فقد روى أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استدانت فقيل لها: تستدينين وليس عندك وفاء قالت: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أخذ دينار هو يريد أن يؤديه أعانه الله عز وجل" وعن عائشة مثل ذلك وأنها قالت: وإنما التمس ذلك العون وكان عمر إذا صلى الصبح يمر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فرأى يوما رجلا على باب عائشة جالسا فقال: مالي أراك فقال: دينا أطلب به أم المؤمنين فبعث إليها عمرا مالك في سبعة آلاف درهم أبعث بها إليك كل سنة كفاية؟ فقالت: بلى ولكن علينا فيها حقوق وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أدان دينا ينوي قضاءه كان معه من الله عز وجل حارس فأنا أحب أن يكون معي حارس" والعون والحرسة لا تكون إلا لمن له حالة محمودة ومما يستدل به على إباحته مع نية الوفاء ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا تأتي علي ليلة وعندي منه دينار
1 كذا والمعروف "أين" وذكر في النهاية هذا الأثر قال "أصبح قدرين به" أي أحاط الدين بماله يقال رين بالرجل رينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه"- ح.