الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شحمة أذنيه.
لا يقال: أمر بإكرام الشعر واتخاذه فكيف تجوز المبالغة في قصه والعدول إلى ضده من احفاء الشعر لأن وائل ابن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال: "ذناب" فظننت أنه يعنيني فذهبت فجززته ثم أتيته صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عنيتك ولكن هذا أحسن"، وما جعله أحسن لا شك أنه صار إليه وترك ما كان عليه من قبل إذ هو أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس.
فإن قيل: كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقة أهل الكتاب وهم المحرفون المبدلون المشترون به ثمنا قليلا وقال صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم وإذا لم يقبل أخبارهم فكذلك أفعالهم"؟ قلنا: الأشياء التي كان يجب موافقتهم فيها هي التي لم يؤمر فيها بشيء مثل سدل شعره وتفريقه وكان واسعا له فعله وتركه فكان يحب موافقة أهل الكتاب لاحتمال أن يكون ذلك مما أمروا به في كتابهم وأما قوله: "لا تصدقوهم" إلى آخره إنما هو في شيء معين وهو إخبارهم بتكلم الجنازة فيحتمل صدقهم وكذبهم فالطريق في مثله عدم التصديق والتكذيب لاحتمال كل منهما.
في تغيير الشيب
عن ابن مسعود عشرة أشياء كان يكرهها النبي صلى الله عليه وسلم منها: تغيير الشيب وروى مرفوعا: "أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" فعقلنا أنه كان الكراهة ابتداء وأحب موافقتهم فيها ثم لما أحدث الله تعالى في شريعته الخضاب خالفهم وأمر به على ما روت عائشة مرفوعا: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"، وروى أبو ذر أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم، وروي جابر أتى بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كثغامة بياضا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد"، وسأل أنس عن خضابه صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن شاب إلا يسيرا ولكن أبا بكر وعمر بعده كانا يخضبان بالحناء والكتم وعن أبي رمثة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد علاه الشيب وقد غيره بالحناء والمثبت أولى من النافي مع أن في حديث أنس تقليل الشيب لا نفيه وروى: أنه توفي صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم خضب شيبه وأنس لم يقف عليه لما أنه كان يصفره وذلك مما يخفي لا سيما عمن كان في قلبه من الإعظام والإجلال ما لا يتأمله معه فمثله يخفى عليه مثل هذا منه.
وعن أبي عامر الأنصاري رأيت أبا بكر يغير بالحناء والكتم ورأيت عمر لا يغير شيبه بشيء وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شاب شيبة في الإسلام فهي له نور يوم القيامة فلا أحب أن أغير شيبتي"، والحق أن ذلك كان من عمر في البدء ثم وقف على الأمر بالخضاب فخضب وقيل لعبد الله بن عمر: تصبغ بالصفرة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها، وروي عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران فاستعمل صلى الله عليه وسلم الصفرة وفضلها على غيرها واستحسنها فقد مر رجل عليه صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالحناء فقال:"ما أحسن هذا"؟ ثم مر عليه رجل آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال: "هذا أحسن من الأول ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال: هذا أحسن منهما".
والأشياء التي يغيرها الشيب من حمرة وصفرة فقد جاءت الآثار بإباحتها إلا السواد فقد روى ابن عباس مرفوعا يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة فعلم أن الكراهة فيه إنما كان لأنه من أفعال قوم مذمومين لا أنه في نفسه حرام وقد خضب بالسواد