الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "لا يحل دم امرئ مسلم" - الحديث، يوجب رد من أتى ذات محرم منه إلى الحد الذي ذكره الله في كتابه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا.
في اللواطة
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل ارجموهما جميعا". وعن ابن عباس مرفوعا قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". والمراد بالقتل: هو الرجم إذا القتل بما سوى الثلاثة الأشياء المذكورة لا يجوز ثم الحديث مطلق عن قيد الإحصاء فيحتمل أن يكون هذا الفعل خص بذلك سماعا واحتمل أن يكون قاله رأيا وعن الحسن وعطاء حد اللوطي حد الزاني وعطاء من أصحاب ابن عباس قال الطحاوي: إذا وجب أن يرد حد المحصن في ذلك إلى حد الزاني وجب أن يرد حد البكر فيه إلى حد الزاني وقد وجدناهم لا يختلفون في وجوب الغسل منه وإن لم ينزل كما في الفرج فيجب الفرق بين المحصن وغيره كما في الفرج أيضا فإن قيل إذا وطئها بشبهة في دبرها لا يجب مهر بخلاف قبلها فليكن في الحد كذلك قلنا: قياس الحد على الغسل وهما حق الله أولى من قياسه على المهر الذي هو حق الآدمي وهذا قول أبي يوسف ومحمد جميعا.
في زنا أهل الذمة وشهادتهم
روى جابر قال: زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن يسألوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فحدوه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه فسألوه عن ذلك فقال: "أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم" فجاؤه برجل أعور يقال له: ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنتما أعلم من قبلكما" فقالا: قد نحلنا ذلك قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس عندكما التوراة فيها حكم الله"؟ فقال: بلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نشدتكما بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى وأنزل المن والسلوى وظلل عليكم الغمام
وأنجاكم من آل فرعون ما تجدون في التوارة في شأن الرجم"؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط ثم قالا: نجد أن النظر زنية والاعتناق زنية والقبلة زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئى ويعيد كما يدخل الميل في المكحله فقد وجب الرجم فقال صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك" فأمر به فرجم ونزلت {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية، قيل: أنها محكمة غير منسوخة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رجم اليهودي باختياره أن يرجمه وكان له أن لا يرجمه لقوله: {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: فلا تحكم عليهم وخالفهم آخرون فقالوا: هي منسوخة لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} .
روي عن ابن عباس قال: نسخت من المائدة آيتان: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فردهم إلى أحكامهم فنزلت: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم على كتبانا وحكم من بعده صلى الله عليه وسلم في ذلك كحكم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلنا: بأنها منسوخة فالحكم بينهم مفترض واجب وإن لم نقل بذلك فالحكم بينهم هو الأولى من الإعراض عنهم لأنه إذا حكم بينهم فقد سلم على القولين لأنه فعل الواجب أو الجائز وإن لم يحكم بينهم فقد ترك فرضا واجبا عليه في أحد القولين فالأولى به أن يفعل وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يحتمل معناه أن تحاكموا إليك ويحتمل إن وقفت على ما يوجب لك الحكم عليهم وإن لم يتحاكموا إليك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بيهودي قد حمم وجهه وقد ضرب يطاف به فقال صلى الله عليه وسلم: "ما شأن هذا"؟ فقالوا: زنى قال: "فما تجدون في كتابكم"؟ قال: يحمم وجهه ويعزر ويطاف به فقال: "أنشدكم بالله ما تجدون حده في كتابكم"؟ فأشاروا إلى رجل منهم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرجل نجد في التوراة الرجم ولكنه كثر في إشرافنا فكرهنا أن نقيم الحد على سفلتنا وندع أشرافنا فصطلحنا على شيء فوضعنا هذا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أنا أولى بإحياء ما أماتوا من أمر الله
عز وجل"، ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ذلك اليهودي من غير أن يتحاكم إليه اليهود في ذلك فكان أولى الاحتمالين ما وافق الحديث ومن ذهب إلى ترك الرجم في أهل الذمة وهم أبو حنيفة والثورى وزفر وأبو يوسف ومحمد قال: إن الحكم في التوراة الرجم احصن أو لم يحصن على ما يدل عليه ظاهر الاثار من غير اشتراط الاحصان وكان ذلك قبل ان ينزل الله تعالى في كتابه في حد الزنا ما انزل من الإمساك في البيوت والإيذاء ثم نسخه بما في سورة النور وبقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر تجلد وتنفى والثيب تجلد وترجم" فبين حد كل صنف وقال عبد الله بن عمر: من أشرك بالله فليس بمحصن بعدان علم برجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان رجمه من اليهود وإذا لم يكونوا محصنين لم يكونوا مرجومين وذكر عن مالك أن النصراني إذا اسلم ثم زنى وهو متزوج في النصرانية لا يكون محصنا حتى يطأ زوجته بعد الإسلام وإذا لم كان كذلك دل على ان من أسباب الإحصان التي يجب بها الرجم في الزنا الإسلام وفي حديث ابن عمر ان اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فذكر وله ان رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شان الرجم"؟، الحديث، مجيء اليهود بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنهما لم يأتياه باختيارهما وعدم طلب الشهود الأربعة من المسلمين يدل قبول شهادة اليهود عليهما وقد جاء في حديث جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: "ما يمنعكم أن تقيموا عليها الحد"؟ فقالوا: كنا نفعل إذ كان الملك لنا وفينا فأما إذ ذهب ملكنا فلا نجترئ على القتل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بأعلم رجلين منكم" فأتوه بابن صوريا وآخر فقال لهما: "أتتما علما من وراء كما" قالا: كذلك يقولون فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنشدكما بالذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدون حدهما في التوراة"؟ فقالا: نجد أن الرجل
يقبل المرأة زنية وفيه عقوبة والرجل يوجد على بطن المرأة زنية وفيه عقوبة فإذا شهد أربعة نفر أنهم رأوه يدخله في فرجها كما يدخل الميل في المكحلة رجما فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بشهود" فشهد أربعة منهم على ذلك فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى ذلك وجدنا المتقدمين من أئمة الأمصار في الفقه يجيزون شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم ففيه خلاف منهم شريح وهو قاضي الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي والشعبي كان يجيز شهادة بعضهم على بعض ومنهم عمر بن عبد العزيز كان يجيز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض ومنهم ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة والليث إذا اتفقت مللهم كالنصراني على النصراني واليهودي على اليهودي قال ابن وهب: خلف مالك معلميه كابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة في رده شهادة النصاري بعضهم على بعض وعن يحيى بن أكثم جمعت قوم مائة فقيه من المتقدمين في قبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض إلا عن ربيعة فإنه وجدت عنه قبولها وردها وإنما جاز شهادتهم دون الفساق منا لأن الكفر لم يخرجهم عن ولاية بعضهم على بعض في تزويج بناتهم والبيع على صغارهم كما أخرج أهل الفسق فسقهم عن ذلك ولأنه يجوز تقرير الكافر على كفره ولا يجوز تقرير الفاسق على فسقه وهو قول أبي حنيفة وأبي ليلى والوري وسائر الكوفيين إلا أن أبا ليلى يعتبر اتفاق الملة للقبول وعن ابن عمر أن اليهود ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا وامرأة منهم زنيا فقال: "ما تجدون في التوراة"؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فنشروا التوراة فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع فإذا فيها آية الرجم فقالوا: صدق محمد فأمر بهما فرجما إنما أمرهم بالرجوع إلى التوراة التي أعلمه الله أن أعلها بدلوها لإعلام الله عز وجل إياه أن الرجم في التوراة وإنما أخفاه اليهود