الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّرِكَةِ]
الْمُقَدِّمَةُ (فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ)
يُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِ " بَعْضِ " أَنَّهُ سَوْفَ لَا تُذْكَرُ هُنَا عُمُومُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ. بَلْ سَيُذْكَرُ بَعْضُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يُرَى لُزُومٌ لِبَيَانِهَا وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّرِكَةِ (الْمَادَّةُ 1045) - (الشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ اخْتِصَاصُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ بِشَيْءٍ وَامْتِيَازُهُمْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. لَكِنْ تُسْتَعْمَلُ أَيْضًا عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا فِي مَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِهَذَا الِاخْتِصَاصِ. فَلِذَلِكَ تُقْسَمُ الشَّرِكَةُ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ إلَى قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: شَرِكَةُ الْمِلْكِ، وَتَحْصُلُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ كَالِاشْتِرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالثَّانِي: شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وَتَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. وَتَأْتِي تَفْصِيلَاتُ الْقِسْمَيْنِ فِي بَابِهِمَا الْمَخْصُوصِ، وَيُوجَدُ سِوَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرِكَةُ الْإِبَاحَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الْعَامَّةِ مُشْتَرِكِينَ فِي صَلَاحِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالْأَخْذِ وَالْإِحْرَازِ لِلْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ مِلْكًا لِأَحَدٍ كَالْمَاءِ) تُوجَدُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فِي الشَّرِكَةِ، أَوَّلُهَا: اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، ثَانِيهَا: بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، ثَالِثُهَا: بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِصُورَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (الْبَحْرُ) وَعَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ الشَّرِكَةُ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ مِنْ فِعْلِهِ. أَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَهُوَ صِفَةُ الْمَاءِ وَيَثْبُتُ بِالْخَلْطِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْإِنْسَانِ (الْبَحْرُ) . وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِاخْتِلَاطِ شَرِكَةً كَمَا سَيُذْكَرُ آتِيًا، لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ صِفَةُ الْمَالِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَيْ الِاخْتِلَاطُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِفِعْلِ الْخَالِطِينَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَيُقَالُ لِلْمَالِ " مُشْتَرَكٌ فِيهِ " وَ " مُشْتَرَكٌ " أَيْ تَعْلِيقُ الِاشْتِرَاكِ وَالْخَلْطُ فِيهِ، وَنَحْوُ قَوْلِهِمْ: مَالٌ مُشْتَرَكٌ أَيْ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَيُسَمَّى هَذَا حَذْفًا وَإِيصَالًا، إظْهَارٌ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اشْتَرَكَ وَبِنَاؤُهُ لِلْمُطَاوَعَةِ يُقَالُ أَشْرَكْت زَيْدًا فِي هَذَا الْمَالِ فَاشْتَرَكَ أَيْ قَبِلَ زَيْدٌ الشَّرِكَةَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نَائِبُ فَاعِلِهِ هُوَ الشَّرِيكُ، وَلَمَّا أُسْنِدَ هَذَا إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمَالِ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَلْ مُشْتَرَكٌ فِيهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَهُوَ فِي الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَرَاجِعٌ إلَى الْمَالِ وَالْمَجْرُورُ مَرْفُوعٌ مَحَلًّا عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ الْمُشْتَرَكِ فَحُذِفَ الْجَارُّ مِنْهُ سَمَاعًا.
وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ أَيْ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ هِيَ اخْتِصَاصُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ بِشَيْءٍ وَامْتِيَازُهُمْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَيَدَّعِي أُولَئِكَ النَّاسُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيُقَالُ مُشْتَرِكُونَ وَمُشَارِكُونَ. مَثَلًا إذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي فَرَسٍ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْفَرَسُ بِذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ وَيَمْتَازَانِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّ تِلْكَ الْفَرَسَ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ ذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ وَلَا يَمْتَازُ غَيْرُهُمَا بِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ شَرِكَةً وَتَكُونُ الْفَرَسُ مُشْتَرَكَةً أَوْ مُشْتَرَكًا فِيهَا وَيُدْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا وَمُشَارِكًا، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ حَسَبَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ صِفَةَ أَصْحَابِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ بِزِيَادَةٍ) . وَلَكِنْ تُسْتَعْمَلُ الشَّرِكَةُ أَيْضًا عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا فِي مَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِهَذَا الِاخْتِصَاصِ (الْبَحْرُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ. مَثَلًا لَوْ وَضَعَ كُلُّ شَرِيكٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مِائَةَ دِينَارٍ رَأْسَ مَالٍ لِلشَّرِكَةِ وَعَقَدَا شَرِكَةً تِجَارِيَّةً بَيْنَهُمَا فَقَدْ حَصَلَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْلِطَا رَأْسَيْ مَالِهِمَا يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْخَلْطِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ مَجَازًا عَلَى الشَّرِكَةِ هُوَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الشَّرِكَةِ بِمَعْنَى نَفْسِ الْعَقْدِ قَدْ أَصْبَحَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مُؤَخَّرًا حَيْثُ قَدْ اصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ (الدُّرَرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْكِفَايَةُ) وَعَلَيْهِ فَإِذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ مُسْتَعْمَلَةً بِمَعْنَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَإِذَا قِيلَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ فَالْإِضَافَةُ فِي ذَلِكَ بَيَانِيَّةٌ أَيْ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ هِيَ الْعَقْدُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالْبَحْرُ) . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ الشَّرِكَةُ عِبَارَةً عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ اتَّحَدَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فِي جِهَةِ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ.
فَلِذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّرِكَةِ مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَالِامْتِيَازِ مَعَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالشَّرِكَةُ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ تُقْسَمُ إلَى قِسْمَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ الَّتِي قُسِمَتْ إلَى قِسْمَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي شَرِكَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَيْ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ شَرِكَةٍ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهَا الصَّحِيحِ وَالْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّرِكَةِ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى شَرِكَةِ الْمِلْكِ وَشَرِكَةِ الْعَقْدِ وَلَيْسَتْ الشَّرِكَةُ الَّتِي تُقْسَمُ إلَى قِسْمَيْنِ هِيَ الشَّرِكَةُ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى شَرِكَةِ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ الَّتِي سَتُقْسَمُ إلَى الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ هِيَ شَرِكَةٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ تَقْسِيمَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِإِيضَاحٍ) .
الْأَوَّلُ: شَرِكَةُ الْمِلْكِ يَعْنِي شَرِكَةَ الِاخْتِصَاصِ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَتَحْصُلُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ كَالِاشْتِرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِيلَاءِ أَيْ إحْرَازِ الْمَالِ الْمُبَاحِ وَبِقَبُولٍ وَقَبْضِ الصَّدَقَةِ وَبِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَالِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْمَالَيْنِ بِصُوَرٍ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ لِلْمَالِكَيْنِ وَبِخَلْطِ الْأَمْوَالِ أَيْ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْجَبْرِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِيَّة كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1060) وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ. وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِشَرِكَةِ الْمِلْكِ هِيَ لِحُصُولِهَا فِي الْأَكْثَرِ بِأَحَدِ أَسْبَابِ
الْمِلْكِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّرِكَةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ بِأَحَدِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشَّرِكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي خَلْطٍ وَاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ شَرِكَةَ مِلْكٍ أَيْضًا.
فَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مَالًا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِشَرِكَةٍ اخْتِيَارِيَّةٍ. أَمَّا إذَا وَرِثَ الِاثْنَانِ مَالًا فَيَكُونُ الْمَالُ الْمَذْكُورُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِشَرِكَةٍ جَبْرِيَّةٍ.
كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ نِصْفَ الدَّارِ الَّتِي يَمْلِكُهَا مُسْتَقِلًّا لِآخَرَ شَائِعًا فَتُصْبِحُ تِلْكَ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ اخْتِيَارِيَّةٍ. الْأَحْكَامُ الَّتِي تَثْبُتُ بِلَفْظِ التَّشْرِيكِ: إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ فَرَسًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ بَعْدَ تَمَامِ الشِّرَاءِ اشْرَكْنِي فِي هَذِهِ الْفَرَسِ فَقَالَ لَهُ: أَشْرَكْتُك، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ صَحَّ، وَإِذَا حَصَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَصِحُّ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (253) وَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ دَفْعُ نِصْفِ الثَّمَنِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ يَجْهَلُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ لِحِينِ عِلْمِهِ بِالثَّمَنِ (الْبَحْرُ) . وَخِيَارُ النَّظِيرِ هَذَا قَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (238) وَسُمِّيَ هَذَا الْخِيَارُ " خِيَارَ تَكَشُّفِ الْحَالِ " وَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ بَيْعٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ آنِفًا: أَشْرِكْنِي فِي هَذِهِ الْفَرَسِ فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بِقَوْلِهِ أَشْرَكْتُك، فَقَالَ لَهُ شَخْصٌ ثَالِثٌ أَشْرِكْنِي فِي هَذِهِ الْفَرَسِ، فَأَجَابَهُ قَائِلًا: أَشْرَكْتُك، يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ الشَّخْصُ الْأَخِيرُ عَالِمًا بِشَرِكَةِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ رُبْعَ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الطَّالِبُ الثَّانِي قَدْ طَلَبَ الِاشْتِرَاكَ فِي حِصَّةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَبِمَا أَنَّ حِصَّتَهُ هِيَ النِّصْفُ فَيُصِيبُ الطَّالِبَ الثَّانِي الرُّبْعُ مِنْ الْفَرَسِ وَإِلَّا يَأْخُذُ النِّصْفَ وَتَخْرُجُ جَمِيعُ الْفَرَسِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى قُبَيْلَ الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّالِبُ الثَّانِي وَاقِفًا عَلَى مُشَارَكَةِ الطَّالِبِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ طَالِبًا شِرَاءَ النِّصْفِ وَبِقَبُولِ الْمُشْتَرِي طَلَبَهُ تَخْرُجُ جَمِيعُ الْفَرَسِ مِنْ مِلْكِهِ.
وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَرَسٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِثَالِثٍ: أَشْرَكْتُك فِي هَذِهِ الْفَرَسِ وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ صَارَ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (الْبَحْرُ بِتَغْيِيرٍ) وَإِنْ أَشْرَكَ فِيمَا اشْتَرَاهُ اثْنَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. قَالَ أَشْرَكْت فُلَانًا فِي نِصْفِ هَذِهِ الْفَرَسِ فَلَهُ الرُّبْعُ قِيَاسًا وَالنِّصْفُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اشْتَرَيَا فَرَسًا فَأَشْرَكَا فِيهِ آخَرَ فَإِنْ أَشْرَكَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَهُ النِّصْفُ وَإِنْ أَشْرَكَاهُ مَعًا فَلَهُ الثُّلُثُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَإِنْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَلَهُ النِّصْفُ وَلِلشَّرِيكَيْنِ النِّصْفُ (الْبَحْرُ بِتَغْيِيرٍ مَا) .
وَحُصُولُ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ يَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ، حَيْثُ قَدْ ذَكَرْت أَسْبَابَ التَّمَلُّكِ هُنَا بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَتَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ الْآتِيَتَيْ الذِّكْرَ سَوَاءٌ حَصَلَ الْمِلْكُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَشِرَاءِ اثْنَيْنِ مَالًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ كَإِيرَاثِ شَخْصَيْنِ مَالًا عَنْ مُوَرِّثٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَاقِبًا كَشِرَاءِ أَحَدٍ مَالًا ثُمَّ إشْرَاكُ آخَرَ فِيهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) كَمَا ذُكِرَ آنِفًا تَعْرِيفُ شَرِكَةِ الْمِلْكِ وَرُكْنُهَا وَشُرُوطُهَا وَحُكْمُهَا: تَعْرِيفُهَا، قَدْ عُرِّفَتْ شَرِكَةُ الْمِلْكِ هُنَا كَمَا أَنَّهَا عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ (1060) إنَّ أَسْبَابَ التَّمَلُّكِ ثَلَاثَةٌ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (1248) إلَّا أَنَّهُ كَمَا بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ (1060) أَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِالشَّرِكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِأَحَدِ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، إذْ أَنَّ شَرِكَةً تَحْصُلُ بِخَلْطٍ
وَاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ اللَّذَيْنِ لَا يُعَدَّانِ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، مَثَلًا لَوْ اخْتَلَطَتْ الْحِنْطَةُ الْحَاصِلَةُ فِي مَزْرَعَةِ أَحَدٍ بِالْحِنْطَةِ الَّتِي فِي مَزْرَعَةِ آخَرَ أَوْ خَلَطَاهَا فَتَحْصُلُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ مِلْكٍ مَعَ أَنَّ خَلْطَ وَاخْتِلَاطَ الْأَمْوَالِ غَيْرُ مَعْدُودَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ لِشَرِكَةِ الْمِلْكِ تَعْرِيفًا بِالْأَخَصِّ، فَلَوْ قِيلَ فِي التَّعْرِيفِ " إنَّمَا تَحْصُلُ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ كَالِاشْتِرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَخَلْطِ وَاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ " لَكَانَ مُوَافِقًا لِلسِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ، وَلَكَانَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ.
رُكْنُهَا، هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ خَلْطِ وَاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ حَتَّى يَتَعَذَّرَ أَوْ يَتَعَسَّرَ تَمْيِيزُ وَتَفْرِيقُ الْحِصَصِ عَنْ بَعْضِهَا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
شَرْطُهَا، أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ، فَلِذَلِكَ لَوْ أَشْرَكَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ شَخْصًا فِي مَنَافِعِ وَقْفٍ مَوْقُوفٍ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا يَصِحُّ (الطَّحْطَاوِيُّ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1067) حُكْمُهَا، هُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ الْمَخْلُوطِ أَوْ الْمُخْتَلَطِ وَكَوْنُ كُلِّ شَرِيكٍ أَجْنَبِيًّا فِي التَّصَرُّفِ الْمُضِرِّ بِحِصَّةِ الْآخَرِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ بِلَا إذْنٍ. وَعَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ هُوَ كَمَا بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ (1075) . (الشِّبْلِيُّ وَالْبَحْرُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
الثَّانِي - شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وَتَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ يَعْنِي أَنَّ رُكْنَ شَرِكَةِ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (التَّنْوِيرُ) وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْقَوْلِ كَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبُيُوعِ. وَهَلْ تُعْقَدُ الشَّرِكَةُ بِالتَّعَاطِي؟ وَتَأْتِي تَفْصِيلَاتُ الْقِسْمَيْنِ فِي بَابِهِمَا الْمَخْصُوصِ، فَتَفْصِيلَاتُ شَرِكَةِ الْمِلْكِ سَتَأْتِي فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْ الْمَادَّةِ (1060) وَشَرِكَةُ الْعَقْدِ سَتَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْ الْمَادَّةِ (1329) وَحُكْمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَيْ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ كَوْنِ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (الْبَحْرُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
فَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ وَوَضَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِائَةَ دِينَارٍ رَأْسَ مَالِ لِلشَّرِكَةِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ فَالْمَخْلُوطُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ خَلْطِهِ، كَمَا أَنَّهُمَا لَوْ رَبِحَا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ الْمَذْكُورُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
شَرِكَةُ الْإِبَاحَةِ - وَيُوجَدُ سِوَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرِكَةُ الْإِبَاحَةِ وَهِيَ كَوْنُ الْعَامَّةِ مُشْتَرِكِينَ فِي صَلَاحِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالْأَخْذِ وَالْإِحْرَازِ لِلْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ مِلْكًا لِأَحَدٍ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ فِي الْجِبَالِ الْمُبَاحَةِ، فَمِيَاهُ الْأَنْهَارِ مَثَلًا يَشْتَرِكُ فِيهَا عُمُومُ بَنِي الْإِنْسَانِ وَلِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الْمَاءَ بِإِنَاءٍ وَيَتَمَلَّكُهُ كَمَا أَنَّ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَسْقُوا مَزَارِعَهُمْ مِنْ مِيَاهِ الْأَنْهَارِ الْعَامَّةِ كَنَهْرَيْ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَأَنْ يَفْتَحُوا جَدَاوِلَ وَمَجَارِي إلَى مَزَارِعِهِمْ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْ الْمَادَّةِ (1234)