الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِصْفَ الدَّيْنِ مِنْ الْكَفِيلِ أَصَالَةً وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِنْهُ كَفَالَةً. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (646) . (الْهَامِشِيُّ وَالْبَهْجَةُ وَعَطَا أَفَنْدِي) . مِنْ الْكَفَالَةِ: وَالْحُكْمُ فِي الْكَفَالَةِ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (47 6) . مِنْ الْإِتْلَافِ: إذَا أَتْلَفَ اثْنَانِ بِالِاشْتِرَاكِ مَالَ أَحَدٍ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُطَالِبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِنِصْفِ بَدَلِ الْمَالِ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدِهِمَا دَيْنَ الْآخَرِ النَّاشِئِ عَنْ الْإِتْلَافِ مَا لَمْ يَكُونَا كَفِيلَيْ بَعْضِهِمَا. مِنْ الدِّيَاتِ: لَوْ قَتَلَ اثْنَانِ أَحَدًا قَتْلًا مُوجِبًا لِلدِّيَةِ فَيَضْمَنَانِ دِيَتَهُ بِالِاشْتِرَاكِ وَلَا يَطْلُبُ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا فِي الدَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكْفُلَا بَعْضِهِمَا. مِنْ الْحَوَالَةِ: لَوْ قِبَلَ اثْنَانِ حَوَالَةَ دَيْنٍ آخَرَ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَلَّفًا بِدَفْعِ حِصَّتِهِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ الْمُحَالُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا دَيْنَ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكُونَا كَفِيلَيْ بَعْضِهِمَا. .
[خَاتِمَةٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْقَرْضِ وَالدَّيْنِ وَتَشْمَلُ مَبَاحِثَ عَدِيدَةً]
ً) قَدْ بَحَثَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَمْ يَبْحَثْ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدُّيُونِ الْغَيْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْقَرْضِ، وَسَيَبْحَثُ هُنَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فِي بَعْضِ أَحْكَامٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْقَرْضِ وَالدَّيْنِ.
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ تَعْرِيفِ الْقَرْضِ وَرُكْنِهِ) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - الْقَرْضُ (بِالْفَتْحِ، وَالْكَسْرِ) مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ: الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلُهُ، وَيَكُونُ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْقَرْضُ بِمَعْنَى الْمَقْرُوضِ. أَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ: فَهُوَ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ الْمِثْلِيِّ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ. وَيَخْرُجُ بِقَيْدِ " عَلَى أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ "، الْوَدِيعَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ يَجِبُ رَدُّهُمَا عَيْنًا كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُمَا عَيْنًا أَوْ بَدَلًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - يَنْعَقِدُ الْقَرْضُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ أَيْ يُقَيَّدُ الْمِلْكِيَّةَ مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً قَرْضًا لَكَ. وَأَجَابَ الْمُسْتَقْرِضُ قَائِلًا: قَبِلْتُ يَنْعَقِدُ الْقَرْضُ. كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: اعْطِنِي خَمْسَ كَيْلَاتٍ حِنْطَةً عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَ لَكَ مِثْلَهَا بَعْدُ وَأَعْطَاهُ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ قَرْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِتَغْيِيرِ) وَلَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ بَيْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْعًا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ رِبًا.
كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ نُقُودًا قَائِلًا لَهُ: اصْرِفْ هَذِهِ عَلَى مَصَارِفِكَ أَوْ حَوَائِجِكَ أَوْ عَلَى الْغُزَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ وَقَبَضَ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ هِبَةً بَلْ يَكُونُ قَرْضًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ وَبِمَا أَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْقَرْضِ. أَمَّا لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ أَثْوَابًا قَائِلًا لَهُ: الْبَسْهَا فَقَبَضَهَا فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْهِبَةِ لِلتَّصَرُّفِ (الْبَزَّازِيَّةُ قُبَيْلَ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْقَرْضِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَبِلَفْظِ الْإِعَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَى أَيَّ شَيْءٍ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ قَرْضًا بِاسْمِ عَارِيَّةٍ فَهُوَ قَرْضٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ) مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: قَدْ أَعَرْتُكَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً، وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ، وَقَبَضَ الْحِنْطَةَ كَانَ قَرْضًا وَلِهَذَا مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ قَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (880) فِي شَرْحِ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ قَرْضًا وَأُعْطِي بِاسْمِ عَارِيَّةٍ فَهُوَ عَارِيَّةٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الثَّالِثَةَ (الْهِنْدِيَّةُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - يَصِحُّ الْقَرْضُ الَّذِي يُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ كَفِيلًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَاضِرًا أَوْ كَانَ غَائِبًا وَسَوَاءٌ كَفِلَ أَوْ لَمْ يُكْفَلْ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ) . وَيَكُونُ لِلْمُقْرِضِ الْحَقُّ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ الْكَفِيلَ بِفَسْخِ الْقَرْضِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَقْرُوضِ حَالًّا وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمُقْرِضِ مَوْجُودٌ وَثَابِتٌ حَتَّى لَوْ أَعْطَى كَفِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْقَرْضِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَقْرِضُ عَاقِلًا مُمَيِّزًا غَيْرَ مَحْجُورٍ، فَلِذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَ أَحَدٌ مَالًا لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ ضَمَانٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْرُوضُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الصَّبِيِّ فَلِلْمُقْرِضِ اسْتِرْدَادُهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (57 9 و 0 96) وَالْحُكْمُ فِي الْمَعْتُوهِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ فِي الْقَرْضِ) ، أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ الْمَالَ الَّذِي قَبَضَهُ قَرْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الطَّرَفَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانٌ، وَقَدْ صَحَّحَ قَوْلَهُ بِالْقَوْلِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) ، وَقَدْ فَصَّلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَالِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (776) مِنْ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ وَالْمَادَّةِ (6 9) مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالشُّفْعَةِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - يُشْتَرَطُ فِي الْقَرْضِ بَيَانُ مَكَانِ التَّأْدِيَةِ وَيَتَعَيَّنُ مَحَلُّ الْقَرْضِ عَلَى أَنَّهُ مَكَانُ التَّأْدِيَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ فِي السَّلَمِ) وَلَوْ أَقْرَضَهُ طَعَامًا بِشَرْطِ رَدِّهِ فِي مَكَانِ آخَرَ بَطَلَ الشَّرْطُ كَذَا فِي الدُّرُّ الْمُخْتَارُ فَلِذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ فِي دِمِشْقَ مِنْ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَثْنَاءَ مَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ كَيْلَةٍ مِنْهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ تَلَاقَى الْمُقْرِضُ بِالْمُسْتَقْرِضِ فِي بَغْدَادَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ الَّتِي أَقْرَضَهُ إيَّاهَا وَكَانَ سِعْرُ كَيْلَةِ الْحِنْطَةِ فِي بَغْدَادَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَلَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْتَقْرِضَ عَلَى تَسْلِيمِ الْحِنْطَةِ لَهُ فِي بَغْدَادَ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ كَفِيلٌ عَلَى أَدَاءِ الْقَرْضِ فِي دِمِشْقَ (التَّنْوِيرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ فِي الْقَرْضِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - لَا يَبْطُلُ الْقَرْضُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَكُونُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ لَغْوًا فَلِذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ سِكَّةً مَغْشُوشَةً عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا سِكَّةً خَالِصَةً كَانَ الْقَرْضُ صَحِيحًا، وَالشَّرْطُ بَاطِلًا وَيَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورًا عَلَى رَدِّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ. كَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً فِي دِمَشْقَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا فِي بَغْدَادَ كَانَ الْقَرْضُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا وَيَكُونُ الْمُقْتَرِضُ مَجْبُورًا عَلَى أَدَاءِ الْقَرْضِ فِي مَكَانِ الْقَرْضِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ الْقَرْضِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ - يَمْلِكُ الْمُسْتَقْرِضُ الْمَقْرُوضَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ بِالْقَبْضِ أَوْ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ أَوْ بِقَبْضِ رَسُولِهِ أَيْ بِنَفْسِ الْقَبْضِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُفِيدُ الْعَيْنَ فِي الْحَالِ حَيْثُ بِالْإِقْرَاضِ وَالتَّسْلِيمِ يَخْرُجُ الْمَقْرُوضُ مِنْ مِلْكِ الْمُقْرِضِ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُقْرِضِ مِثْلَ الْمَقْرُوضِ لِلْمُقْرِضِ. فَلِذَلِكَ إذَا أَقْرَضَ أَحَدٌ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً وَسَلَّمَهَا لَهُ وَطَلَبَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ أَنْ
يَسْتَهْلِكَ الْحِنْطَةَ الْمَذْكُورَةَ رَدَّ الْحِنْطَةِ الْمَذْكُورَةِ عَيْنًا فَلِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يُبْقِيَ الْحِنْطَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَأَنْ يُسَلِّمَهُ مِثْلَهَا وَلَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقُولَ: إنَّنِي أَطْلُبُ رَدَّهَا عَيْنًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَيَجِبُ رَدُّ الْمَقْرُوضِ عَيْنًا إذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَلَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَرْضَ الْمُقْرِضُ، كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ مِنْ الْمُقْرِضِ الْحِنْطَةَ الَّتِي اسْتَقْرَضَهَا وَقَبَضَهَا فَالْبَيْعُ يَكُونُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُوجِبُ نَقْضَ الْقَرْضِ، وَبِالْعَكْسِ لَوْ بَاعَ الْمُسْتَقْرِضُ الْحِنْطَةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْمُقْرِضِ كَانَ صَحِيحًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْبَزَّازِيَّةِ) ، كَذَلِكَ يَصِحُّ قَبْضُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَوْ الرَّسُولِ وَيَكُونُ كَقَبْضِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَرْسَلَ الْمُسْتَقْرِضُ خَادِمَهُ لِيَقْبِضَ الْمَقْرُوضَ مِنْ الْمُقْرِضِ، وَيُوَصِّلَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى الْمُقْرِضَ أَنَّهُ أَدَّى الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِلْخَادِمِ وَادَّعَى الْخَادِمُ بِأَنَّهُ قَبَضَ الْقَرْضَ وَسَلَّمَهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَقْرِضِ وَلَا يُعَدُّ الْمُسْتَقْرِضُ مَدِينًا مَا لَمْ يَثْبُتْ قَبْضَ الْخَادِمِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ أَيْضًا عَلَى الْخَادِمِ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يُقِرُّ وَيَصْدُقُ إنْ قَبَضَ الْخَادِمُ بِحَقٍّ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .
أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَقْرِضُ بِأَنَّ الْخَادِمَ قَدْ قَبَضَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُقْرِضِ فَيَلْزَمُهُ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ. كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ أَحَدٌ آخَرَ قَائِلًا: (خُذْ لِي مِنْ فُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا قَرْضًا) فَاسْتَقْرَضَ الْمَأْمُورُ الْمَذْكُورُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَقَبَضَهُ وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّنِي أَدَّيْتُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِآمِرِي وَأَنْكَرَ الْآمِرُ قَبْضَ الْمَأْمُورِ، فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَيَلْزَمُ الْمَأْمُورَ أَدَاءُ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ (الْبَزَّازِيَّةُ قَبْلَ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ) وَلَا يُصَدَّقُ بِالِاسْتِقْرَاضِ عَلَى الْآمِرِ إذَا أَنْكَرَ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ كِتَابًا بِالِاسْتِقْرَاضِ فَبَعَثَ الْقَرْضَ مَعَ مَنْ أَوْصَلَ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ الْآمِرِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُحْتَاجٌ لِلتَّدْقِيقِ. أَمَّا قَبْضُ الْمَأْمُورِ بِإِيصَالِ كِتَابِ الْقَرْضِ لِلْمُقْرِضِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَيْ لَا يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ طَالِبِ الْقَرْضِ، فَعَلَيْهِ لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ لِصَرَّافٍ قَائِلًا فِيهِ: أَرْسِلْ لِي كَذَا مِقْدَارًا مِنْ النُّقُودِ قَرْضًا، وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ لِلصَّرَّافِ مَعَ شَخْصٍ فَأَرْسَلَ الصَّرَّافُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَعَ ذَلِكَ الشَّخْصِ لِلْمُقْتَرِضِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ شَيْءٌ مَا لَمْ يَصِلْ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ إلَيْهِ أَيْ لَا يَكُونُ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ حَامِلَ الْكِتَابِ هُوَ رَسُولٌ لِتَبْلِيغِ الْكِتَابِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِقَبْضِ الْقَرْضِ. أَمَّا إذَا كَانَ الرَّسُولُ رَسُولًا بِقَبْضِ الْقَرْضِ فَيَكُونُ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُرْسِلِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبُيُوعِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْقَرْضِ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ - يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ الْمَقْرُوضِ بِقَرْضٍ صَحِيحٍ قَبْلَ الْقَبْضِ. مَثَلًا لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ كَذَا كَيْلَةً حِنْطَةً وَأَمَرَ الْمُقْرِضُ أَنْ يَزْرَعَ الْحِنْطَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي مَزْرَعَتِهِ أَيْ مَزْرَعَةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَزَرَعَ الْمُقْرِضُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ فَالْقَرْضُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ قَدْ قَبَضَ الْمَقْرُوضَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ) أَمَّا إذَا أَحْضَرَ الْمُقْرِضُ الْمَالَ الَّذِي أَقْرَضَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَقَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا. فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَقْرِضُ: اطْرَحْهُ فِي الْمَاءِ فَطَرَحَهُ الْمُقْرِضُ فِي الْمَاءِ فَيَكُونُ قَدْ تَلِفَ مَالُ الْمُقْرِضِ وَلَا يَلْزَمُ
الْمُسْتَقْرِضَ أَيُّ شَيْءٍ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ فِي الْقَرْضِ) وَالْحُكْمُ فِي الدَّيْنِ وَفِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. أَمَّا الْحُكْمُ فِي الشِّرَاءِ الْوَدِيعَةِ فَهُوَ خِلَافُ ذَلِكَ فَيُعَدُّ قَابِضًا بِإِلْقَاءِ الْمَالِ فِي الْمَاءِ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْمَدِينَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطَى غَيْرَ الْمَالِ الَّذِي أَحْضَرَ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ الْوَدِيعَةِ فَلَيْسَ لَهُ إعْطَاءٌ غَيْرُ ذَلِكَ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ (فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَصِحُّ إقْرَاضُهَا أَوْ لَا يَصِحُّ) .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ - يَصِحُّ الْقَرْضُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِ وَالْمُتَقَارِبِ، فَلِذَلِكَ يَصِحُّ إقْرَاضُ الْمَكِيلَاتِ كَالشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَالدَّقِيقِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالتِّبْنِ وَالثَّوْبِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالْوَرِقِ. وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاللَّحْمِ وَزْنًا وَالْوَرِقِ عَدَدًا وَالْخُبْزِ وَزْنًا وَعَدَدًا وَالْجَوْزِ عَدَدًا أَوْ كَيْلًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ الْبُيُوعِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَلَا يَجُوزُ الْقَرْضُ فِي الْأَمْوَالِ الْغَيْرِ الْمِثْلِيَّةِ أَيْ يَكُونُ فَاسِدًا كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي تُقْرَضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ رَدُّهَا لِلْمُقْرِضِ إذَا كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ - إنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، بِنَاءً عَلَيْهِ فَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ الْفَاسِدَ هُوَ تَمْلِيكٌ مُقَابِلَ مَجْهُولٍ فَهُوَ لِذَلِكَ فَاسِدٌ فَإِذَا اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ دَارًا مِنْ آخَرَ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الدَّارِ لِلْمُقْرِضِ (الْهِنْدِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ فِي الْقَرْضِ وَالْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايِنَاتِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فِي الْقَرْضِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ - إقْرَاضُ الْمُشَاعِ صَحِيحٌ، فَلِذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا مُضَارَبَةً وَنِصْفُهَا الْآخَرُ قَرْضًا صَحَّ وَكَانَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا قَرْضًا وَالْبَاقِي مُضَارَبَةً (الْخَيْرِيَّةُ قُبَيْلَ الرِّبَا وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْقَرْضِ وَالدَّيْنِ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ) .
الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ (فِي حَقِّ كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَصُورَةِ بَرَاءَةِ الْمَدِينِ وَأَسْبَابِ سُقُوطِ الدَّيْنِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ - يُؤَدَّى الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الدَّائِنُ مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَيْثُ إنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَبِمَا أَنَّ لِلدَّائِنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ مَطْلُوبًا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ فَلِذَلِكَ يَقَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ تَقَاصٌّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُصَادِفُ الْعَيْنَ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَلِذَلِكَ يُقَالُ: الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (58 1) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ - يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ بِتِسْعِ صُوَرٍ:
(أَوَّلًا) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لِلدَّائِنِ أَوْ بِأَدَائِهِ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهَذَا يَكُونُ بِأَدَاءِ مِثْلِ الْمَالِ الْمُقْرَضِ أَوْ بِبَيْعِ الْمَدِينِ أَوْ بِإِيجَارِهِ لِلدَّائِنِ مَالًا مُقَابِلَ دَيْنَهُ. إيضَاحُ بَدَلِ الْمِثْلِ: إذَا أَدَّى مِثْلَ الْمَقْرُوضِ يَكُونُ قَدْ أَدَّى الدَّيْنَ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ الدَّرَاهِمَ الْمَكْسُورَةَ مَغْشُوشَةً عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا دَرَاهِمَ صَحِيحَةً يَبْطُلُ هَذَا الشَّرْطُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ دِينَارًا عُثْمَانِيًّا بَيْنَمَا كَانَ الدِّينَارُ الْوَاحِدُ رَائِجًا بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةِ قُرُوشٍ ثُمَّ نَزَلَ سِعْرُ الدِّينَارِ إلَى مِائَةِ قِرْشٍ أَوْ صَعَدَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَيَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورًا عَلَى أَدَاءِ الْخَمْسِينَ الدِّينَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَالنُّقُودُ الْفِضِّيَّةُ تُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، كَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَثْنَاءَ مَا كَانَ سِعْرُ الْكَيْلَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ صَعِدَتْ قِيمَةُ الْكَيْلَةِ إلَى أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ هَبَطَتْ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورٌ عَلَى إعْطَاءِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَهَامِشُ الْبَهْجَةِ فِي الْمُدَايَنَاتِ) إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِعْطَاءُ بِقَصْدِ أَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ. وَذَلِكَ إذَا أَحْضَرَ الْمَدِينُ دَيْنَهُ لِدَائِنِهِ وَأَعْطَاهُ لَهُ لِيَنْتَقِدَ مِنْهُ الصَّحِيحَ مِنْ الزَّائِفِ فَضَاعَتْ النُّقُودُ فِي يَدِ الدَّائِنِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ فَالضَّيَاعُ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ وَيَبْقَى دَيْنُ الدَّائِنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ وَكِيلُ الْمَدِينِ فِي الِانْتِقَادِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمَدِينِ (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) أَمَّا إذَا أَعْطَى الْمَدِينُ دَيْنَهُ لِلدَّائِنِ دُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ أَدَّى الدَّائِنُ النُّقُودَ الْمَذْكُورَةَ لِلْمَدِينِ لِيَنْتَقِدَهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَتَكُونُ تَالِفَةً مِنْ مَالِ الدَّائِنِ لِأَنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَخَذَ حَقَّهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْمَدِينِ لِيَنْتَقِدَهَا وَأَصْبَحَ الْمَدِينُ وَكِيلًا لِلدَّائِنِ فِي الِانْتِقَادِ فَهَلَاكُ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمَدِينِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الدَّائِنِ (الْخَانِيَّةُ فِيمَا ذَكَرَ) إيضَاحُ الْبَيْعِ: إذَا بَاعَ الْمَدِينُ مَالًا لِلدَّائِنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ بِرِضَاءِ الدَّائِنِ وَأَدَّى دَيْنَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُصْبِحُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَلْزَمْ افْتِرَاقُ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ.
فَلِذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَ أَحَدٌ آخَرَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً فَطَلَبَهَا الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ فَرَضِيَ الْمُسْتَقْرِضُ أَنْ يُعْطِيَ لِلْمُقْرِضِ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَضِيَ الدَّائِنُ بِذَلِكَ وَعَقَدَ الطَّرَفَانِ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَبَضَ الْمُقْرِضُ الْخَمْسَمِائَةِ الدِّرْهَمِ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الدَّيْنُ أَيْ الْخَمْسُونَ كَيْلَةً حِنْطَةً
قَدْ أُدِّيَتْ وَلَا يَحِقُّ لِلطَّرَفَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. كَذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ فِضَّةً بَدَلًا عَنْ دَيْنِهِ الذَّهَبَ، وَرَضِيَ الدَّائِنُ بِذَلِكَ وَقَبَضَ الْفِضَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَيَكُونُ أَدَّى الدَّيْنَ وَلَيْسَ لِلطَّرَفَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا افْتَرَقَ الطَّرَفَانِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْسِمِائَةِ الدِّرْهَمِ أَوْ قَبْضِ الْفِضَّةِ بَدَلَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ افْتِرَاقُ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ (قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَبْضُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ إذَا افْتَرَقَا عَنْ قَبْضِهِمَا فِي الصَّرْفِ أَوْ عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) . (الطَّحْطَاوِيُّ فِي الْقَرْضِ) . كَذَلِكَ إذَا تَرَاضَى الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ عَلَى دَفْعِ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ بَدَلًا عَنْ الْخَمْسِينَ كَيْلَةَ الدَّيْنِ، وَحَرَّرَ سَنَدًا بِذَلِكَ ثُمَّ افْتَرَقَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (الْخَيْرِيَّةُ فِي الْبُيُوعِ) كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمَدِينُ فَرَسًا لِلدَّائِنِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ الْعِشْرِينَ دِينَارًا وَقِبَلَ الدَّائِنُ الشِّرَاءَ جَازَ وَصَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ تَسْلِيمُ الْفَرَسِ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ. إيضَاحُ الْإِيجَارِ: إذَا اسْتَأْجَرَ الدَّائِنُ مِنْ الْمَدِينِ مَالًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ أَوْ اسْتَأْجَرَ وَاسْتَخْدَمَ نَفْسَ الْمَدِينِ جَازَ وَيَكُونُ قَدْ أَدَّى الدَّيْنَ.
(ثَانِيًا) يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ دَيْنِ دَائِنِهِ بِحَوَالَةِ دَائِنِهِ عَلَى آخَرَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (0 69) . كَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ أَحَدٌ دَيْنَ الْمَدِينِ عَلَى نَفْسِهِ حَوَالَةً بِدُونِ أَمْرِ الْمَدِينِ بَرِئَ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ.
(ثَالِثًا) يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ دَيْنِ دَائِنِهِ بِأَدَاءِ كَفِيلِهِ لِلدَّيْنِ كَمَا بَيَّنَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ (رَابِعًا) يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ دَيْنِ دَائِنِهِ بِأَدَاءِ شَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ الدَّيْنَ مَثَلًا لَوْ أَدَّى أَحَدٌ دَيْنَ أَحَدٍ تَبَرُّعًا أَوْ بِأَمْرِ الْمَدِينِ جَازَ، وَإِذَا ثَبَتَ بَعْدَ الْأَدَاءِ تَبَرُّعًا أَنْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ دَيْنٌ أَوْ أَنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَبْرَأَ الْمَدِينَ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ يَرْجِعُ الشَّيْءُ الَّذِي دَفَعَهُ الْمُتَبَرِّعُ إلَى مِلْكِهِ وَلَيْسَ إلَى مِلْكِ الْمَدِينِ أَمَّا إذَا أَدَّى الدَّيْنَ بِأَمْرِ الْمَدِينِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ لِدَائِنٍ دِينٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ يَرْجِعُ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مِلْكِ الْمَدِينِ، وَالْمَدِينُ يَضْمَنُهُ أَيْضًا لِلْمَأْمُورِ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ) .
(خَامِسًا) إذَا تُوُفِّيَ الدَّائِنُ وَكَانَ الْمَدِينُ وَارِثًا لَهُ بِالْحَصْرِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ مَثَلًا لَوْ أَعْطَى الْأَبُ لِوَلَدِهِ خَمْسِينَ دِينَارًا قَرْضًا ثُمَّ تُوُفِّيَ الْأَبُ وَانْحَصَرَ إرْثُهُ فِي وَلَدِهِ الْمَدِينِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْوَلَدِ كَامِلًا. أَمَّا إذَا كَانَ لِلْأَبِ الْمُتَوَفَّى وَلَدٌ آخَرَ يَسْقُطُ عَنْ الْوَلَدِ الْمَدِينِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا فَقَطْ وَيَكُونُ مُلْزَمًا بِأَدَاءِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا الْأُخْرَى لِأَخِيهِ. (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: رَجُلٌ مَرَقَ مِنْهُ مَالٌ. . . إلَخْ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (667) .
(سَادِسًا) كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ أَنَّ الدَّيْنَ أُدِّيَ بِصُورَةِ التَّقَاصِّ. وَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ دَيْنٌ لِآخَرَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ ذَلِكَ الدَّائِنِ مِثْلُهَا لِلْمَدِينِ فَيُعْتَبَرُ الدَّيْنُ الثَّانِي قَدْ قَضَى بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَلَا يَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مَثَلًا لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَبَاعَ الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ مَالًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ أَتْلَفَ الدَّائِنُ مَالًا لِلْمَدِينِ قِيمَتَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ يَقَعُ التَّقَاصُّ وَلَا يُشْتَرَطُ
فِي ذَلِكَ التَّرَاضِي لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَيُوجَدُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ فِي وُقُوعِ التَّقَاصِّ بِدُونِ تَرَاضٍ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا دَيْنًا، فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ فِي الْوَدِيعَةِ عَنْ الدَّيْنِ بِدُونِ التَّرَاضِي مَثَلًا: لَوْ كَانَ زَيْدٌ مَدِينًا لِعَمْرٍو بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْدَعَ زَيْدٌ عَمْرًا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ بِذَلِكَ بِدُونِ التَّرَاضِي، وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَ التَّرَاضِي فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ تَمَّ التَّقَاصُّ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ بَلْ كَانَتْ فِي دَارِهِ مَثَلًا فَلَا يَتِمُّ التَّقَاصُّ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى دَارِهِ وَيَأْخُذْهَا (الْأَشْبَاهُ وَالْحَمَوِيُّ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) .
أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ وَلَزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنٌ ضَمَانًا لِتِلْكَ الْوَدِيعَةِ فَيَحْصُلُ حِينَئِذٍ التَّقَاصُّ بِدُونِ التَّرَاضِي.
الشَّرْطُ الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُعَجَّلَيْنِ فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلًا وَالْآخَرُ مُعَجَّلًا فَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ مَا لَمْ يَتَّفِقْ الطَّرَفَانِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُتَّحِدَيْنِ جِنْسًا فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً فَلَا يَقَعُ التَّقَاصُّ بِدُونِ التَّرَاضِي كَمَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ أَيْضًا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا سِكَّةً خَالِصَةً وَالْآخَرُ سِكَّةً مَغْشُوشَةً (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّرْفِ بِزِيَادَةٍ) . يَقَعُ التَّقَاصُّ فِي الدَّيْنَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْجِنْسِ بِالتَّرَاضِي وَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَ عَمْرٌو لِزَيْدٍ مَالًا بِخَمْسِينَ رِيَالًا وَاتَّفَقَا عَلَى التَّقَاصِّ جَازَ (الْهِنْدِيَّةُ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ قُوَّةً فَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلزَّوْجِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجَةِ مِنْ جِهَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْقَرْضِ وَطَلَبَتْ الزَّوْجَةُ نَفَقَةً مِنْ زَوْجِهَا فَلَا يَقَعُ تَقَاصٌّ بَيْنَ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ لِلزَّوْجِ وَبَيْنَ النَّفَقَةِ الْمَطْلُوبَةِ بِلَا رِضَاءِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَضْعَفُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
سَابِعًا - يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ، وَذَلِكَ لَوْ سَمِعَ الدَّائِنُ أَنَّ مَدِينَهُ تُوُفِّيَ فَأَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ إلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمَدِينَ حَيٌّ يُرْزَقُ تَمَّتْ الْبَرَاءَةُ وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ عَنْ إبْرَائِهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1 5) لِأَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) .
إنَّ الْإِبْرَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - أَنْ يُبْرِئَ الْمُبْرِئُ وَهُوَ عَالِمٌ بِحَقِّهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ دِيَانَةً وَحُكْمًا وَقَضَاءً بِالِاتِّفَاقِ وَيَسْقُطُ الْحَقُّ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنْ يُبْرِئَ الْمُبْرِئُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ حَقَّهُ وَمَطْلُوبَهُ وَفِي الْإِبْرَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ حُكْمًا وَقَضَاءً وَتَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ دِيَانَةً أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِسْقَاطِ (الْخَانِيَّةُ)
تَقْسِيمُ الْإِبْرَاءُ بِصُورَةٍ أُخْرَى: كَمَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إذَا وَقَعَ مُنْجِزًا يَصِحُّ أَيْضًا إذَا وَقَعَ بِالْخِيَارِ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ. مَثَلًا لَوْ قَالَ الدَّائِنُ: أَبْرَأْتُ مَدِينِي زَيْدًا مِنْ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ الْمَطْلُوبَةِ لِي مِنْ ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ أَكُونَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْإِبْرَاءُ فِي الْحَالِ (الْخَانِيَّةُ فِيمَا ذُكِرَ) .
(ثَامِنًا) يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ بِتَلَفِ الرَّهْنِ أَوْ الْمَبِيعِ بِالْوَفَاءِ الَّذِي أُخِذَ مُقَابِلَ الدَّيْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُشْتَرِي. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1 74) وَالْمَادَّةِ (0 0 4) .
(تَاسِعًا) يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ بِأَدَاءِ وَارِثِهِ الدَّيْنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ الْمَدِينُ دَيْنَهُ وَتُوُفِّيَ وَعَلِمَ الْوَارِثُ بِالدَّيْنِ فَيَلْزَمُ الْوَارِثَ دَفْعُ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) .
الْمَبْحَثُ السَّادِسُ (فِي بَيَانِ حَقِّ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ - لِلدَّائِنِ أَوْ نَائِبِهِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ، وَنَائِبُ الدَّائِنِ هُوَ (أَوَّلًا) وَكِيلُهُ (ثَانِيًا) وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ إذَا تُوُفِّيَ الدَّائِنُ وَالْوَلِيُّ إذَا كَانَتْ وَرَثَتُهُ صِغَارًا (ثَالِثًا) الْمُوصَى لَهُ وَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَحَدٌ بِإِعْطَاءِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ لَهُ مِنْ ذِمَّةِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَتُوُفِّيَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى إيصَائِهِ فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ مَالِ الْمُوصِي مُسَاعِدًا فَلِعَمْرٍو قَبْضُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مِنْ زَيْدٍ.
أَمَّا إذَا اسْتَوْفَى آخَرُ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ ظُلْمًا وَبِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْفَى ظَالِمٌ الدَّيْنَ الْمَطْلُوبَ لِمُتَوَفًّى مِنْ مَدِينِيهِ فَلَا يَبْرَأُ الْمَدِينُونَ مِنْ الدَّيْنِ، كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الدَّائِنُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ فَقَبَضَ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنَ الْمُتَوَفَّى مِنْ الْمَدِينِ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ لِلدَّائِنِ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَدِينِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إرْثًا فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مَرَّةً أُخْرَى. (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعَ عَشَرَ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ - إذَا تُوُفِّيَ الدَّائِنُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَيُّ وَارِثٌ فَلِلْمَدِينِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهُ لِلْمَدِينِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَدِيعَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُوصِلُهُ إلَى خَصْمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الْخَانِيَّةُ فِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدِينِ) .
الْمَبْحَثُ السَّابِعُ (فِي حَقِّ أَجْوَدِ الدَّيْنِ وَأَرْدَئِهِ، وَفِي أَخْذِ أَوْ إعْطَاءِ خِلَافِ الْجِنْسِ) . الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ - لَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ خِلَافِ جِنْسِ دَيْنِهِ أَوْ عَلَى قَبُولِ أَجْوَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، لَكِنْ إذَا قَبِلَ ذَلِكَ بِرِضَائِهِ فَيَجُوزُ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَات وَالطَّحْطَاوِيُّ) . إذْ لَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ الْمَطْلُوبُ لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى قَبُولِ خَمْسِينَ رِيَالًا بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ الْمَطْلُوبُ لَهُ كَذَا دِرْهَمًا سِكَّةً خَالِصَةً عَلَى قَبُولِ سِكَّةٍ مَغْشُوشَةٍ أَوْ عَلَى قَبُولِ سِكَّةٍ خَالِصَةٍ بَدَلًا مِنْ مَطْلُوبِهِ سِكَّةً
مَغْشُوشَةً أَمَّا إذَا أَخَذَ الدَّائِنُ مُقَابِلَ دَرَاهِمِهِ الْجَيِّدَةِ دَرَاهِمَ زُيُوفًا بِدُونِ عِلْمٍ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ أَوْ بَعْدَ تَلَفِهَا فِي يَدِهِ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَحِقُّ لَهُ طَلَبُ أَيِّ شَيْءٍ. أَمَّا إذَا كَانَتْ النُّقُودُ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ عَيْنًا فَلَهُ إعَادَتُهَا إلَى الْمَدِينِ وَطَلَبُ مِثْلِ حَقِّهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ - إذَا طَلَبَ الدَّائِنُ مِنْ مَدِينِهِ دَيْنَهُ الدَّنَانِيرَ الْعَشَرَةَ فَأَعْطَاهُ الْمَدِينُ عِشْرِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً الَّتِي تُسَاوِي قِيمَتَهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بِدُونِ أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ صَرَاحَةً وَبِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا مَدْفُوعَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ بَيْعًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ سِعْرُهَا وَقِيمَتُهَا مَعْلُومًا بَيْنَهُمَا فَيَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ - لَوْ أَرَادَ الْمَدِينُ إعْطَاءَ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةَ زُيُوفًا وَلَمْ يَقْبَلْ الدَّائِنُ أَخْذَهَا قَائِلًا: إنَّهَا لَا تَرُوجُ، فَقَالَ لَهُ الْمَدِينُ: خُذْهَا وَإِذَا لَمْ تَرُجْ أَعِدْهَا إلَيَّ، فَأَخَذَهَا وَلَمْ تَرُجْ مَعَهُ فَلَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَدِينِ وَطَلَبُ بَدَلٍ عَنْهَا دَرَاهِمَ جَيِّدَةً.
وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَعِيبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَعَرَضَهُ فَلَمْ يَشْتَرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزُّيُوفَ لَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْقَابِضِ فِي الْجِيَادِ مَا لَمْ تَجُوزُ بِهَا وَأَنَّهُ عَلَّقَ التَّجْوِيزَ بِرَوَاجِهَا وَرَوَاجُهَا أَنْ يَقْبَلَهَا إنْسَانٌ مَكَانَ الْجِيَادِ فِي ثَمَنٍ مَبِيعٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ فَإِذَا وَجَدَ الْقَبُولَ مِنْ ذَلِكَ تَمَّ الْقَبْضُ لِهَذَا قَبُولِهِ سَابِقًا عَلَيْهِ اقْتِضَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْقَبُولَ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا لَهُ فَكَانَ حَقُّ الرَّدِّ بَاقِيًا كَمَا كَانَ (مِنْ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ) .
الْمَبْحَثُ الثَّامِنُ (فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ الدَّائِنِ حَقَّهُ بِلَا رِضَاءِ الْمَدِينِ)(وَفِي عَدَمِ جَوَازِ طَلَبِ أَحَدٍ مِنْ آخَرَ) الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ - إذَا ظَفَرَ رَبُّ الدَّيْنِ بِمَالٍ لِلْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِدُونِ رِضَاءِ الْمَدِينِ إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَالٍ خِلَافَ الْجِنْسِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجَيِّدِ بَدَلَ الرَّدِيءِ (الطَّحْطَاوِيُّ) : فَلِذَلِكَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلًا عَنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِثْلَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ فَرَسَ الْمَدِينِ الَّتِي تُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِدُونِ رِضَائِهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجَيِّدِ بَدَلَ الرَّدِيءِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْفِضَّةِ مُقَابِلَ الذَّهَبِ، وَالذَّهَبِ مُقَابِلَ الْفِضَّةِ بِلَا رِضَاءِ الْمَدِينِ اسْتِحْسَانًا (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ - إذَا أَخَذَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مَالًا جَبْرًا إعَانَةً لِلدَّائِنِ وَأَدَّاهُ لَهُ جَازَ وَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَاغْتَصَبَ بَكْرٌ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ عَمْرٍو وَأَدَّاهَا لِزَيْدٍ جَازَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ - لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ أَدَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ كَالْكَفَالَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (97) ؛ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَطْلُبَ الدَّيْنَ مِنْ خَادِمِ الْمَدِينِ لِكَوْنِهِ خَادِمَهُ بَلْ يَطْلُبُ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ دَيْنَ الْمُتَوَفَّى مِنْ شَرِيكِهِ وَلَا أَنْ يَطْلُبَ مَطْلُوبَهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى مِنْ وَارِثِهِ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ وَارِثًا لَهُ، كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْلُبَ وَيَدَّعِيَ بِمَطْلُوبِهِ مِنْ ذِمَّةِ آخَرَ مِنْ مَدِينِ ذَلِكَ الْآخَرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (164) إذْ أَنَّهُ إذَا اسْتَقْرَضَ جَمَاعَةً مَبْلَغًا مَعْلُومًا مِنْ صَرَّافٍ وَأَمَرُوا الْمُقْرِضَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْقَرْضَ لِأَحَدِهِمْ فُلَانٍ فَسَلَّمَهُ لَهُ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَطْلَبَ مِنْ الْقَابِضِ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَقَطْ. مَثَلًا إذَا اسْتَقْرَضَ عَشَرَةُ أَشْخَاصٍ مِنْ شَخْصٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَأَمَرُوا الْمُقْرِضَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ إلَى أَحَدِهِمْ فُلَانٍ فَأَدَّاهُ لَهُ فَلَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَابِضِ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، أَيْ دِينَارًا وَاحِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ حِصَصَ التِّسْعَةِ الْأَشْخَاصِ الْآخَرِينَ مِنْ الْقَابِضِ الْمَذْكُورِ. (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي الْقَرْضِ وَالْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الثَّانِي مِنْ الْبُيُوعِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (13 1 1) وَشَرْحَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ - لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَكَانَ مَدِينًا لِآخَرَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَلِدَائِنِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَدِينِهِ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ وَأَنْ يَحْبِسَهَا مِنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّ الْمَأْخُوذَ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ تَقَاصًّا بِدَيْنِهِ كَمَا لَوْ ظَفَرَ بِمَالِ الْمَدِينِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ (الْخَانِيَّةُ) .
الْمَبْحَثُ التَّاسِعُ (فِي حَقِّ تَرْجِيحِ بَعْضِ الدُّيُونِ، وَفِي ضَيَاعِ سَنَدِ الدَّيْنِ وَفِي إعَادَتِهِ) وَفِي كَسَادِ الْمَبْلَغِ الْمُقْتَرَضِ أَوْ إقْطَاعِهِ لِآخَرَ) . الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ - لِلْمَدِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا أَوْ مَحْجُورًا أَنْ يُقَدِّمَ دَيْنَ بَعْضِ دَائِنِيهِ عَنْ دَائِنِيهِ الْآخَرِينَ، وَيُوَفِّيَ دُيُونَهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْمَدِينِ الْمُسْتَغْرِقِ أَنْ يُؤَدِّيَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ دَيْنَ بَعْضِ غُرَمَائِهِ تَرْجِيحًا عَنْ الْآخَرِينَ وَأَنْ يَحْرِمَ الْآخَرِينَ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (4 0 6 1) إلَّا أَنَّ لَهُ أَدَاءَ الدَّيْنِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَثَمَنَ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ)، فَلِذَلِكَ لَوْ أَدَّى أَحَدٌ لِدَائِنِهِ مِائَةَ رِيَالٍ مِنْ دَيْنِهِ وَتُوُفِّيَ وَتَرِكَتُهُ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدُّيُونِ وَأَدَّى الدَّائِنُ بِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ صِحَّةِ الْمَدِينِ وَأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ لَهُ وَادَّعَى الْغُرَمَاءُ الْآخَرُونَ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَتْ الرِّيَالَاتُ الْمَقْبُوضَةُ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْقَابِضِ فَيُشَارِكُهُ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ هُوَ أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى حَالِ الْمَرَضِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ: اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1 1) وَإِذَا هَلَكَتْ الرِّيَالَاتُ فَلَيْسَ لَهُمْ مُشَارَكَتُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ هُوَ اسْتِصْحَابٌ لِظَاهِرِ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي إيجَابُ الضَّمَانِ إذْ أَنَّهُ فِي حَالَةِ قِيَامِ الْمَأْخُوذِ يَكُونُ الْقَابِضُ مُدَّعِيًا سَلَامَةَ الْمَقْبُوضِ لِنَفْسِهِ، وَالْغُرَمَاءُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَبِمَا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَالًا لِلْمَيِّتِ فَيَكُونُ ظَاهِرُ الْحَالِ شَاهِدًا لِلْغُرَمَاءِ أَمَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ الْغُرَمَاءُ مُحْتَاجِينَ لِدَلِيلٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَظَاهِرُ الْحَالِ يَشْهَدُ لَهُمْ بِذَلِكَ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ - لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ الصَّحِيحُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَلَا يَسْقُطُ بِضَيَاعِ السَّنَدِ أَوْ إعَادَتِهِ (الدُّرَرُ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1 63) وَلِذَلِكَ فَادِّعَاءُ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ السَّنَدِ مِنْ يَدِ الدَّائِنِ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمَدِينُ بِتِسْعِينَ دِرْهَمًا لِدَائِنِهِ: أَدِّ لِي سَنَدِي وَخُذْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَخَذَ الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَأَدَّاهُ سَنَدَ التِّسْعِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَجْرِ صُلْحٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الدَّائِنِ فِي الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الْبَاقِيَةِ عَلَى قَوْلِ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ عَنْ الْقُنْيَةِ) الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ - إذَا اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ نُقُودًا غَالِبَةَ الْغِشِّ أَوْ زُيُوفًا عِنْدَمَا كَانَتْ رَائِجَةً (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 0 13) وَاسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ فَفِي صُورَةِ تَأْدِيَتِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ لُزُومُ مِثْلِهَا كَاسِدًا وَعَدَمُ لُزُومِ قِيمَتِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْغَلَاءُ وَالرُّخْصُ، أَيْ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. الْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ لُزُومُ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ وَقَدْ
أَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ فِي زَمَانِنَا)، الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ لُزُومُ قِيمَتِهَا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَوَاجِهَا وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
مَثَلًا: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ نُحَاسِيًّا عِنْدَمَا كَانَتْ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا رَائِجَةً بِدِينَارِ ذَهَبٍ عُثْمَانِيٍّ وَاسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ الدَّرَاهِمُ النُّحَاسِيَّةُ فَعَلَى رَأْي الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ مَجْبُورًا بِأَنْ يُؤَدِّيَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ عُثْمَانِيَّةً أَوْ رِيَالَاتٍ فِضِّيَّةً بِمُوجِبِ الْحِسَابِ الْمَذْكُورِ. كَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ خَمْسِينَ رِيَالًا أَثْنَاءَ مَا كَانَ الرِّيَالُ رَائِجًا وَقَبَضَهَا وَاسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ كَسَدَ فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَدَاءُ قِيمَةِ الرِّيَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا ذَهَبًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مِثْلَ الرِّيَالِ الْكَاسِدِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي فِي نَوْعٍ فِي الْكَسَادِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ - لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ وَانْقَطَعَ مِثْلُهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ وَقَبْلَ الْأَدَاءِ أَيْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَإِذَا تَرَاضَى الْمُقْرِضُ وَالْمُسْتَقْرِضُ عَلَى قِيمَتِهِ وَتَقَابَضَا فِي مَجْلِسِ التَّرَاضِي فَبِهَا وَإِلَّا يَكُونُ الْمُقْرِضُ مَجْبُورًا عَلَى الِانْتِظَارِ حَتَّى يَحْدُثَ وَيُدْرِكَ مِثْلَ الْمَقْرُوضِ بِخِلَافِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ لِأَنَّ هَذَا مَا لَا يُوجَدُ (التَّنْوِيرُ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَبْحَثُ الْعَاشِرُ (فِي حَقِّ الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ) . الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ - يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَلِذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ أَحَدٌ آخَرَ بِأَنْ يَسْتَقْرِضَ لَهُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا مَبْلَغًا فَاسْتَقْرَضَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ بِالْإِضَافَةِ لِنَفْسِهِ بِدُونِ أَنْ يُضِيفَهُ لِمُوَكِّلِهِ كَقَوْلِهِ لِلْمُقْرِضِ: (أَقْرِضْنِي دَرَاهِمَ كَذَا) كَانَ الْمَقْرُوضُ لِلْوَكِيلِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (0 46 1) وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِفُلَانٍ الْمُرْسِلِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ مَا اسْتَقْرَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْمُوَكِّلِ، أَمَّا الرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَجَائِزَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي كَذَا دِينَارًا قَرْضًا لِلْمُرْسَلِ فُلَانٍ فَأَدَّاهُ فَيَكُونُ الْقَرْضُ لِلْمُرْسَلِ وَلَيْسَ لِلرَّسُولِ، فَعَلَيْهِ: يَجِبُ عَلَى آخِذِ الْقَرْضِ هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَهُ لِمُرْسَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَوْقِيفُهُ لِحِسَابِهِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ - تَأْجِيلُ الْقَرْضِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ عَقَدَ الْقَرْضَ مُؤَجَّلًا أَوْ أَجَّلَ بَعْدَ الْقَرْضِ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّأْجِيلُ قَبْلَ اسْتِهْلَاكِ الْقَرْضِ أَوْ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، وَيَكُونُ الْقَرْضُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مُعَجَّلًا، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَصَالَحَ أَحَدٌ عَنْ مَبْلَغِ الْأَلْفِ الدِّرْهَمِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذِمَّتِهِ لِآخَرَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ لِمُدَّةِ كَذَا فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَالْأَجَلُ بَاطِلٌ. أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَيَصِحُّ الْأَجَلُ وَيَكُونُ لَازِمًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ) .
أَمَّا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ الذِّكْرِ فَيَلْزَمُ تَأْجِيلُ الْقَرْضِ:
1 -
التَّأْجِيلُ لِلْقَرْضِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَازِمٌ، وَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَحَدٌ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى فُلَانٍ كَذَا مَبْلَغًا قَرْضًا مُؤَجَّلًا لِمُدَّةِ كَذَا كَانَ هَذَا التَّأْجِيلُ لَازِمًا.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (4 5) 2 - يَلْزَمُ تَأْجِيلُ الْمُحَالِ لَهُ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ مَبْلَغًا فَحَوَّلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ بِالْمَبْلَغِ الْمَقْرُوضِ عَلَى آخَرَ وَقَبِلَ الْمُقْرِضُ الْحَوَالَةَ فَإِذَا أَجَّلَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُقْرِضُ الْقَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَحَّ وَلَزِمَ الْأَجَلُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ) .
3 -
لَوْ كَفَلَ أَحَدٌ دَيْنَ آخَرَ النَّاشِئَ عَنْ الْقَرْضِ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ.
الْمَبْحَثُ الْحَادِيَ عَشَرَ (فِي حَقِّ الِادِّعَاءِ بِأَنَّ النُّقُودَ الْمُقْتَرَضَةَ مُزَيَّفَةٌ) . الْمَسْأَلَةُ الثَّلَاثُونَ - إذَا أَحْصَى أَحَدٌ النُّقُودَ أَثْنَاءَ أَخْذِ الدَّائِنِ دَيْنَهُ ثُمَّ وَجَدَ الدَّائِنُ بَعْضَ تِلْكَ النُّقُودِ مُزَيَّفَةً فَلَا يَلْزَمُ مُحْصِيَ النُّقُودِ ضَمَانٌ، وَإِذَا أَنْكَرَ الْمَدِينُ أَنَّ النُّقُودَ الْمُزَيَّفَةَ هِيَ نُقُودُهُ فَالْقَوْلُ لِلدَّائِنِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ مُنْكِرٌ لِلْأَخْذِ مِنْ غَيْرِهِ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ الدَّائِنُ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ أَوْ بِجِيَادَةِ مَا اسْتَلَمَهُ أَوْ سَلَامَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَدِينِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (47 16) مَا لَمْ يُقِرَّ الْمَدِينُ بِأَنَّهُ أَدَّى نُقُودًا مُزَيَّفَةً. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (653 1) . (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايَنَاتِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ - إذَا اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ خَمْسِينَ رِيَالًا فِضِّيَّةً وَأَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ مُزَيَّفَةً وَأَنْكَرَ الْمُقْرِضُ زَيْفَهَا فَيُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ ادِّعَاؤُهُ بِأَنَّ الرِّيَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ مُزَيَّفَةٌ مَوْصُولًا بِإِقْرَارِهِ بِالْقَرْضِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُقِرِّ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ادِّعَاؤُهُ الزَّيْفَ مَفْصُولًا عَنْ إقْرَارِهِ بِالْقَرْضِ أَيْ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ الْمُسْتَقْرِضُ بِادِّعَائِهِ الزَّيْفَ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي أَوَّلِ مِنْ الْبُيُوعِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْقَرْضِ) .
الْمَبْحَثُ الثَّانِيَ عَشَرَ (فِي حَقِّ الْمُعَامَلَةِ، أَيْ فِي حَقِّ الْإِقْرَاضِ بِالرِّبْحِ) . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ - كُلُّ قَرْضٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَهُوَ حَرَامٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فَدَفَعَ أَجْوَدَ فَلَا بَأْسَ (الطَّحْطَاوِيُّ)، وَعَلَيْهِ: فَسُكْنَى الْمُرْتَهِنِ الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى قَوْلِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارِ)
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ - يُوجَدُ طَرِيقَانِ لِجَوَازِ الْإِقْرَاضِ بِالرِّبْحِ:
1 -
يَبِيعُ الْمُقْرِضُ بِالْوَسَاطَةِ لِلْمُسْتَقْرِضِ مَالًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمُهُ ثُمَّ يَبِيعُ الْمُسْتَقْرِضُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمَالَ مُعَجَّلًا وَيُسَلِّمُهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الْمَالُ الَّذِي بَاعَهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْبَدَلِ الَّذِي بَاعَ بِهِ وَكَانَتْ الْفَضْلَةُ فِي الثَّمَنِ رِبْحًا. مَثَلًا إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَخْذَ مِائَةِ دِينَارٍ مِنْ آخَرَ بِرِبْحٍ فَيَبِيعُهُ مَالًا مُعَيَّنًا بِمِائَةٍ وَتِسْعَةِ دَنَانِيرَ مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ وَيُسَلِّمُهُ لَهُ ثُمَّ يَبِيعُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى آخَرَ ثُمَّ يَبِيعُ الْآخَرُ ذَلِكَ الْمَالَ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ الْأَوَّلِ أَيْ الْمُقْرِضِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَيَأْخُذُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي فِي الْمُعَامَلَةِ) .
2 -
لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ مِائَةُ دِينَارٍ وَأَرَادَ إلْزَامَ الْمَدِينِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ رِبْحًا لِلْمِائَةِ الدِّينَارِ فَيَبِيعُهُ أَحَدَ كُتُبِهِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةً إلَى سَنَةٍ بَيْعًا صَحِيحًا وَيُسَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَيُوهِبُ الْمَدِينُ الْكِتَابَ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَيُسَلِّمُهُ لَهُ وَيُوهِبُ الشَّخْصُ الْآخَرُ الْكِتَابَ لِلدَّائِنِ وَيُسَلِّمُهُ لَهُ فَيَكُونُ لِلدَّائِنِ حَقٌّ عِنْدَ انْتِهَاءِ السَّنَةِ فِي أَخْذِ التِّسْعَةِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الْمَدِينِ وَلَيْسَ لِلْمَدِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ دَفْعِهَا بِقَوْلِهِ: قَدْ عَادَ الْكِتَابُ إلَيْكَ فَلَا أُلْزَمُ بِثَمَنِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ - إذَا أَلْزَمَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ بِرِبْحٍ مُؤَجَّلٍ لِسَنَةٍ مَثَلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ آنِفًا فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ قَبْلَ خِتَامِ السَّنَةِ بِالرِّبْحِ الْمَذْكُورِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي فِي الْمُدَايَنَاتِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ - إذَا أَدَّى الْمَدِينُ دَيْنَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ تُوُفِّيَ الْمَدِينُ وَحَلَّ الدَّيْنُ وَاسْتَوْفَى الدَّائِنُ دَيْنَهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِلدَّائِنِ أَخْذُ رِبْحِ الْأَيَّامِ الَّتِي مَرَّتْ فَقَطْ.
مَثَلًا لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ مِائَةَ رِيَالٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا رِبْحًا بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ تِسْعَةَ رِيَالَاتٍ فِي السَّنَةِ فَأَدَّى دَيْنَهُ فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ السَّادِسِ أَوْ تُوُفِّيَ الْمُسْتَقْرِضُ وَاسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَأْخُذُ الْمُقْرِضُ أَرْبَعَةَ رِيَالَاتٍ وَنِصْفَ رِيَالٍ رِبْحًا فَقَطْ وَلَا يَأْخُذُ الْبَاقِي (رَدُّ الْمُحْتَارِ قَبْلَ فَصْلٍ فِي الْقَرْضِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ - يُلْزَمُ الْمَدِينُ بِالرِّبْحِ بِالنِّسْبَةِ الْمِئَوِيَّةِ الَّتِي أَذِنَ بِهَا السُّلْطَانُ وَلَا يُلْزَمُ بِأَزْيَدَ مِنْهَا فَإِذَا أُلْزِمَ وَنَظَرَتْ الْمَحْكَمَةُ فِي الْأَمْرِ فَلَا يُحْكَمُ بِالزِّيَادَةِ وَالرِّبْحِ الَّذِي أُذِنَ بِهِ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ فِي زَمَانِنَا هُوَ تِسْعَةٌ فِي الْمِائَةِ.
الْمَبْحَثُ الثَّالِثَ عَشَرَ (فِي حَقِّ قِسْمَةِ الْغُرَمَاءِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ - تَتَعَلَّقُ حُقُوقٌ أَرْبَعَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَهِيَ:
1 -
تَجْهِيزُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ أَمْوَالِهِ.
2 -
تُؤَدَّى جَمِيعُ دُيُونِهِ مِنْ أَمْوَالِهِ الْبَاقِيَةِ.
3 -
تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ أَمْوَالِهِ وَتُوَفَّى.
تُقَسَّمُ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ الْبَاقِيَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.
فَلِذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَرِكَةُ الْمُتَوَفَّى تَكْفِي لِوَفَاءِ جَمِيعِ دُيُونِهِ فَتُوَفَّى جَمِيعُهَا وَإِذَا كَانَتْ لَا تُوفِي فَيُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الدَّائِنُ وَاحِدًا فَيُعْطَى لَهُ كُلُّ بَاقِي التَّرِكَةِ وَإِذَا كَانَ الدَّائِنُ مُتَعَدِّدًا فَتُقَسَّمُ بَيْنَ الدَّائِنِينَ (تَقْسِيمَ الْغُرَمَاءِ) . (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي الْفَرَائِضِ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَلَا يُجْبَرُ وَرَثَةُ الْمُتَوَفَّى عَلَى أَدَاءِ دَيْنِ مُوَرِّثِهِمْ مِنْ مَالِهِمْ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (22) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ - لَا يُرَجَّحُ دَيْنُ الْوَقْفِ عَلَى الدُّيُونِ الْأُخْرَى فَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَرِكَةُ الْمُتَوَفَّى الْمَدِينِ لِلْوَقْفِ وَلِسَائِرِ النَّاسِ مُسْتَغْرِقَةً بِالدَّيْنِ فَيَدْخُلُ دَيْنُ الْوَقْفِ فِي قِسْمَةِ الْغُرَمَاءِ كَالدُّيُونِ الْأُخْرَى (الْفَيْضِيَّةُ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ - قِسْمَةُ الْغُرَمَاءِ هِيَ إعْطَاءُ حِصَّةٍ لِكُلِّ دَائِنٍ مِنْ تَرِكَةِ الْمَدِينِ بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُضْرَبَ دَيْنُ كُلِّ غَرِيمٍ فِي مَجْمُوعِ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ حَاصِلُ الضَّرْبِ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَيَكُونُ خَارِجُ الْقِسْمَةِ حِصَّةَ ذَلِكَ الْغَرِيمِ مِنْ التَّرِكَةِ.
مَثَلًا: لَوْ كَانَ مَجْمُوعُ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَكَانَ الْمُتَوَفَّى مَدِينًا لِزَيْدٍ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَلِعَمْرٍو بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ مِنْ التَّرِكَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَيُضْرَبُ دَيْنُ زَيْدٍ الْعَشَرَةُ الدَّنَانِيرُ فِي الدَّنَانِيرِ التِّسْعَةِ مَجْمُوعِ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ حَاصِلُ الضَّرْبِ وَهُوَ تِسْعُونَ دِينَارًا عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ أَيْ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَيَكُونُ خَارِجُ الْقِسْمَةِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ حِصَّةَ زَيْدٍ مِنْ التَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا ضُرِبَ دَيْنُ عَمْرٍو الدَّنَانِيرُ الْخَمْسَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَقُسِمَتْ فَيَكُونُ خَارِجُ الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ حِصَّةَ عَمْرٍو مِنْ التَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ.
كَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّ مَجْمُوعَ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَعُمِلَتْ الْعَمَلِيَّةُ الْحِسَابِيَّةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَتَكُونُ حِصَّةُ زَيْدٍ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ وَثُلُثَيْ دِينَارٍ وَحِصَّةُ عَمْرٍو أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَثُلُثَ دِينَارٍ (الطَّحْطَاوِيُّ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ فِي بَابِ الْمَخْرَجِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْأَرْبَعُونَ - إذَا ظَهَرَ لِلْمُتَوَفَّى مَالٌ آخَرُ بَعْدَ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ الْمَوْجُودَةِ غَرَامَةً يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ يَفِي بِالدُّيُونِ الْبَاقِيَةِ فَتُؤَدَّى وَإِذَا لَمْ يَفِ يُقَسَّمُ غَرَامَةً كَالْأُصُولِ السَّابِقَةِ. (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ - إذَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ بَعْدَ تَقْسِيمِ كَافَّةِ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى عَلَى الْغُرَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ غَرَامَةً فَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ الْأَخِيرُ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ قَبَضُوا التَّرِكَةَ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ.