الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ ذَكَرَ شَرْحًا بِأَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ الْجَارُ فَلِوَارِثِهِ حَقُّ الْقَطْعِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجَارُ الْبُسْتَانَ حَالٍ كَوْنِ الْأَغْصَانِ مُتَدَلِّيَةً عَلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ قَطْعِهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ وَالْحَقُّ الَّذِي مَلَكَهُ الْبَائِعُ قَدْ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي مَسَائِلِ الْحِيطَانِ وَالتَّنْقِيحُ) .
وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى تَرْكِ الْأَغْصَانِ: إذَا تَصَالَحَ صَاحِبُ الشَّجَرِ مَعَ الْجَارِ عَلَى أَنْ تَبْقَى الْأَغْصَانُ عَلَى حَالِهَا مُقَابِلَ بَدَلٍ مَعْلُومٍ فَالصُّلْحُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي هَذَا الْحَالِ لِلْجَارِ رَدُّ بَدَلِ الصُّلْحِ وَطَلَبُ قَطْعِ الْأَغْصَانِ أَمَّا الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الظُّلَّةِ فَجَائِزَةٌ وَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ أَحَدٌ مِنْ دَارِهِ شُرْفَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْخَاصِّ وَأَرَادَ أَصْحَابُ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ الصُّلْحَ مَعَهُ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ مُقَابِلَ تَرْكِ الشُّرْفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَيَسْقُطُ حَقُّ خُصُومَتِهِمْ (الْخَانِيَّةُ) .
أَمَّا إذَا كَانَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ غَيْرَ مُتَدَلِّيَةٍ عَلَى مِلْكِ الْجَارِ فَلَا تُقْطَعُ بِدَاعِي أَنَّ ظِلَّهَا مُضِرٌّ بِمَزْرُوعَاتِ بُسْتَانِ الْجَارِ حَيْثُ لَمْ يَشْغَلْ هَوَاءَ جَارِهِ وَكَانَتْ الشَّجَرَةُ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُ إزَالَةُ مِثْلِ هَذَا الضَّرَرِ. كَذَلِكَ لَوْ كَانَ ظِلُّ الشَّجَرَةِ الْمَغْرُوسَةِ فِي أَرْضٍ أَمِيرِيَّةٍ جَارِيَةٍ فِي تَصَرُّفِ أَحَدٍ مُضِرًّا بِمَزْرُوعَاتِ أَرْضٍ أَمِيرِيَّةٍ أُخْرَى جَارِيَةٍ فِي تَصَرُّفِ آخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةِ. فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ.
[
(الْمَادَّةُ 1197) لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ]
الْمَادَّةُ (1197) - (لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفَصَّلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) .
لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ الْخَالِصِ (التَّنْوِيرُ فِي مَسَائِلِ شَتَّى الْقَضَاءِ) .
وَالْمِلْكُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مِلْكِ الرِّقْبَةِ وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَقَارَاتُ الْمَوْقُوفَةُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ (الْحَمَوِيُّ) .
يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَبَيْنَ الْمَادَّةِ (1192) وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ هِيَ فِي حَقِّ مِلْكِ أَحَدٍ الْخَالِصِ أَيْ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ مُطْلَقًا أَمَّا الْمَادَّةُ (1192) فَهِيَ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ الَّذِي لِآخَرَ حَقٌّ فِيهِ لِأَنَّ السُّفْلِيَّ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنَّ لِصَاحِبِ الْعَلَوِيِّ حَقُّ الْقَرَارِ فِيهِ فَلِذَلِكَ إذَا هَدَمَ صَاحِبُ السُّفْلِيِّ السُّفْلِيَّ فَيُجْبَرُ عَلَى إعَادَةِ بِنَائِهِ كَالْأَوَّلِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ) .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ بَعْضُ مَسَائِلَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ طَاحُونًا فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمُوجِبِ سَنَدِ طَابُو بِإِذْنٍ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الَّذِي لَهُ طَاحُونٌ بِقُرْبِ تِلْكَ الطَّاحُونِ سَدُّ الطَّاحُونِ الْمَذْكُورَةِ بِدَاعِي أَنَّ إحْدَاثَ الطَّاحُونِ الْمَذْكُورَةِ قُرْبَ طَاحُونِهِ يُوجِبُ كَسَادَ طَاحُونِهِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ فِي التِّجَارَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْحَانُوتِ الْكَائِنِ تَحْتَ دَارِهِ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الدُّورِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْحَانُوتِ الْمَذْكُورِ سَدُّ حَانُوتِهِ بِدَاعِي أَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى حَانُوتِهِ يَرَوْنَ نِسَاءَهُمْ حِينَ خُرُوجِهِنَّ مِنْ الْبَيْتِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - إذَا حَفَرَ أَحَدٌ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ الْمِلْكِ وَجَذَبَ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ حَفْرِ بِئْرِهِ (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1194) . مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ مِنْ تَصَرُّفِ صَاحِبِ الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ فَفِي تِلْكَ الصُّورَةُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي الْآتِي الذِّكْرَ.
وَإِذَا حَصَلَ اشْتِبَاهٌ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِهِ أَيْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُمْنَعُ أَيْضًا مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا ذَكَرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهُ. وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1192) تَفْصِيلُ ذَلِكَ.
أَمَّا صَاحِبُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي مَبْحَثٍ مَسَائِلَ شَتَّى الْقَضَاءِ أَنَّ الْمَنْعَ يَكُونُ فِي صُورَةِ وُجُودِ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا إذَا كَانَ الضَّرَرُ مُشْكِلًا وَغَيْرَ بَيِّنٍ.
وَلِنُبَادِرَ إلَى إيضَاحِ فِقْرَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ) وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ حُكْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا حُكْمٌ قِيَاسِيٌّ فَبِحَسْبِ الْقِيَاسِ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ أَوْ كَانَ ضَرَرٌ غَيْرُ فَاحِشٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ أَيُّ ضَرَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ الْخَاصِّ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الرَّأْيَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ الشِّحْنَةِ وَابْنِ الْهُمَامِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِسَبَبِ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ الْوَارِدِ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (1200) .
ثَانِيهُمَا: حُكْمٌ اسْتِحْسَانِيُّ، فَبِحَسْبِ هَذَا الْحُكْمِ يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لِلْغَيْرِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ فَاحِشًا فَلَا يُمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُضِرًّا ضَرَرًا غَيْرَ فَاحِشٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ اخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ، وَبِمَا أَنَّ مَشَايِخَ الْإِسْلَامِ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ مِنْ عَهْدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ إلَى هَذَا الْآنَ قَدْ أَفْتَوْا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (الضَّرَرُ الْفَاحِشُ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ فَاحِشًا لَا يُمْنَعُ فَكَأَنَّهُ إذَا وَسِعَ أَمْرُ الْمَنْعِ عَلَى كُلِّ ضَرَرٍ أَيْ بِأَنْ شَمَلَ الضَّرَرَ الْفَاحِشَ وَالْغَيْرَ الْفَاحِشِ يُوجِبُ ذَلِكَ انْسِدَادَ بَابِ إمْكَانِ انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ.
مَثَلًا لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ شَجَرَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي بُسْتَانِهِ وَكَانَ جَارُهُ يَنْتَفِعُ بِظِلِّهَا وَأَرَادَ صَاحِبُهَا قَطْعَهَا فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ قَطْعِهَا بِدَاعِي حِرْمَانِهِ مِنْ ظِلِّهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ وَالطَّحْطَاوِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى الْقَضَاءِ) .