المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولنوع بدلية التيمم - أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة

[رائد بن حمدان الحازمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أـ أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌ب ـ الدراسات السابقة:

- ‌ج ـ خطة البحث:

- ‌د ـ منهج البحث:

- ‌التمهيدفي التيممالتعريف، والمشروعية، والاختصاص

- ‌المبحث الأولتعريف التيمم في اللغة والاصطلاح

- ‌أولاً: تعريف التيمم في اللغة:

- ‌ثانيًا: تعريف التيمم في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثانيمشروعية التيمم

- ‌المطلب الأولأدلة مشروعية التيمم

- ‌أولاً: من الكتاب:

- ‌ثانيًا: من السنة:

- ‌ثالثًا: الإجماع:

- ‌المطلب الثانيسبب مشروعية التيمم

- ‌المطلب الثالثالحكمة من مشروعية التيمم

- ‌المبحث الثالثاختصاص الأمة بالتيمم

- ‌الباب الأولالأسباب الموجبة للتيمم

- ‌الفصل الأولفقد الماء

- ‌المبحث الأولطلب الماء قبل التيمم

- ‌المطلب الأولحكم الطلب

- ‌الحالة الأولى:

- ‌أولاً: من الكتاب:

- ‌ثانيًا: من المعقول:

- ‌الحالة الثانية:

- ‌الحالة الثالثة:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أولاً: من الكتاب:

- ‌ثانيًا: من السنة:

- ‌ثالثًا: من المعقول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌أولاً: من الكتاب:

- ‌ثانيًا: من السنة:

- ‌ثالثًا: من المعقول:

- ‌المطلب الثانيوقت الطلب

- ‌المطلب الثالثمسافة الطلب

- ‌أولاً: الحنفية

- ‌ثانيًا: المالكية

- ‌ثالثًا: الشافعية

- ‌رابعًا: الحنابلة

- ‌المطلب الرابعصفة الطلب

- ‌المطلب الخامستكرار الطلب

- ‌المبحث الثانيشراء الماء

- ‌المطلب الأولحكم شراء الماء لمن فقده

- ‌أولاً: من الكتاب:

- ‌ثانيًا: من المعقول:

- ‌المطلب الثانيحكم الاقتراض(1)لشراء الماء

- ‌المطلب الثالثشراء الماء في الذمة

- ‌المطلب الرابعحكم قبول الماء الموهوب

- ‌الفرع الأولحكم قبول الماء الموهوب

- ‌الفرع الثانيهل يجب استيهاب الماء أو اقتراضه

- ‌المبحث الثالثنسيان الماء

- ‌المطلب الأولالتيمم لمن نسي الماءبعد أن علم به

- ‌المطلب الثانيالتيمم لمن ضل عن مكانهالذي فيه الماء

- ‌المطلب الثالثإذا قام وصلى ثم بان أنه بقربهبئر أو ماء

- ‌المطلب الرابعإذا وُضع الماء في رحلهولم يعلم به

- ‌المطلب الخامسالتيمم لمن ظن أن الماء قد نفذ

- ‌المبحث الرابعالتيمم لمن وجد ماء لا يكفيللطهارة

- ‌المطلب الأولحكم من وجد من الماءبعض ما يكفيه

- ‌المطلب الثانيكيفية استعمال الماء الذيلا يكفي للطهارة

- ‌المطلب الثالثإذا كان مع الجنب ماء يكفيللوضوء فقط

- ‌المبحث الخامسالتيمم لمن أراق الماء أو باعه أو وهبهولم يترك ما يتطهر به

- ‌المطلب الأولحكم إراقة الماء بعد دخول الوقت

- ‌المطلب الثانيالتيمم لمن باع الماء أو وهبهبعد دخول الوقت

- ‌الفرع الأولحكم بيع الماء أو هبته بعد دخول الوقت

- ‌الفرع الثانيحكم التيمم لمن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت

- ‌الفصل الثانيعدم القدرة على استعمالالماء

- ‌المبحث الأولتيمم المريض

- ‌المطلب الأولتيمم المريض العادم للماء

- ‌الفرع الأولتعريف المرض لغة واصطلاحًا

- ‌أولاً: في اللغة:

- ‌ثانيًا: في الاصطلاح:

- ‌الفرع الثانيحكم تيمم المريض العادم للماء

- ‌المطلب الثانيحكم تيمم المريض الواجد للماء

- ‌المطلب الثالثضابط الخوف المبيح للتيمم

- ‌المطلب الرابعحكم تيمم المريض الذيلا يجد من يناوله الماء

- ‌المطلب الخامسمن يعتمد قوله في تقدير المرض

- ‌المبحث الثانيتيمم الجريح

- ‌المطلب الأولطهارة من كان بعض بدنه جريحًاوبعضه صحيحًا

- ‌المطلب الثانيكيفية الجمع بين التيمم والغسللمن كان بعض بدنه جريحًا

- ‌المطلب الثالثحكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسرجبيرة أو لصوقًا

- ‌المبحث الثالثعدم القدرة على استعمال الماء

- ‌الفصل الثالثالخوف من استعمال الماء

- ‌المبحث الأولتيمم الصحيح الخائفمن العطش

- ‌المبحث الثانيتيمم الصحيح الخائف من البرد

- ‌المطلب الأولحكم تيمم الصحيح الخائفمن البرد

- ‌المطلب الثانيحكم إعادة الصلاة لمن صلىبالتيمم لخوف البرد

- ‌المبحث الثالثالتيمم لمن خاف فوات الوقتللصلوات المكتوبة

- ‌المبحث الرابعالتيمم لمن خاف فوات صلاةالعيدين(1)والجنازة(2)ونحوهما

- ‌المبحث الخامسالتيمم لمن خاف فوات الجمعة

- ‌الباب الثانيفي أحكام التيمم

- ‌الفصل الأولحكم التيمم بينالرخصة والعزيمة

- ‌المبحث الأولتعريف الرخصة والعزيمةفي اللغة والاصطلاح

- ‌المطلب الأولتعريف الرخصة في اللغةوالاصطلاح

- ‌أولاً: في اللغة:

- ‌ثانيًا: في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثانيتعريف العزيمة في اللغة والاصطلاح

- ‌أولاً: في اللغة:

- ‌ثانيًا: في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثانيحكم التيمم بين الرخصة والعزيمة

- ‌الفصل الثانيبدلية التيمم عن الماء

- ‌المبحث الأولنوع بدلية التيمم

- ‌المبحث الثانيما يترتب على الخلاف فينوع بدلية التيمم

- ‌المطلب الأولوقت التيمم

- ‌الفرع الأولوقت التيمم للصلاة المؤقتة بوقت

- ‌الفرع الثانيوقت التيمم للصلاة التي غير مؤقتة بوقت

- ‌الفرع الثالثالوقت المستحب للتيمم

- ‌المطلب الثانيحكم الوطء لعادم الماء

- ‌المطلب الثالثحكم إمامة المتيمم للمتوضئ

- ‌المطلب الرابعحكم المسح على الخفين(1)لمن لبسهعلى طهارة التيمم

- ‌المطلب الخامسحكم التيمم إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة

- ‌الفصل الثالثحكم التيمم للطهارةعن الحدث

- ‌المبحث الأولحكم التيمم عن الحدث الأصغر

- ‌المبحث الثانيحكم التيمم عن الحدث الأكبر

- ‌الفصل الرابعحكم التيمم للنجاسة

- ‌المبحث الأولالتيمم للنجاسة في الثوب والبدن

- ‌المطلب الأولحكم التيمم للنجاسة فيالثوب والبدن

- ‌المطلب الثانيما يترتب على القول بجواز التيمملنجاسة البدن

- ‌الفرع الأولتعدد محل النجاسة على البدن مع عدم الماء

- ‌الفرع الثانيإذا اجتمع على الشخص حدث ونجاسةفهل يكفيه تيمم واحد لهما أم لا

- ‌المبحث الثانيحكم من اجتمع عليه نجاسة وحدثومعه ماء يكفي أحدهما

- ‌الفصل الخامسالتيمم في السفر والحضر

- ‌المبحث الأولالتيمم في السفر

- ‌المطلب الأولحكم التيمم في السفر

- ‌المطلب الثانيتيمم العاصي بسفره

- ‌المبحث الثانيحكم التيمم في الحضر

- ‌الباب الثالثشروط التيمم

- ‌الشرط الأولالنية

- ‌المبحث الأولحكم النية في التيمم

- ‌المطلب الأولحكم اشتراط النية في التيمم

- ‌المطلب الثانيحكم التيمم بنية تعليم الغير

- ‌المبحث الثانيحكم التيمم بنية رفع الحدث

- ‌المبحث الثالثما ينويه بالتيمم

- ‌المبحث الرابعإذا نوى بتيممه فرض التيمم

- ‌المبحث الخامسما يستباح بالتيمم

- ‌المطلب الأولما يباح له بتيممه إذا نوى به الفريضة

- ‌الفرع الأولإذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به أكثر من فريضة

- ‌الفرع الثانيإذا نوى بتيممه فريضة، فهل يصلي به نافلة

- ‌المطلب الثانيما يباح له بتيممه إذا نوى بهنافلة أو صلاة مطلقة

- ‌الفرع الأولحكم التيمم للنافلة ونحوها مما يتطهر له

- ‌الفرع الثانيإذا نوى التيمم للنافلة فهل يصلي به نوافل أخرى

- ‌الفرع الثالثإذا نوى التيمم لنافلة فهل يصلي به فريضة

- ‌الفرع الرابعإذا نوى بتيممه صلاة مطلقة

- ‌المطلب الثالثمراتب النية

- ‌المبحث السادسحكم الجمع بين الصلاتين للمتيمم

- ‌المبحث السابعحكم اشتراط النية في الحدثالأصغر أو الأكبر

- ‌المطلب الأولحكم تعيين نية ما يتيمم عنهمن حدث أصغر أو أكبر

- ‌المطلب الثانياجتماع الأحداث وأثره في تداخلهاعند النسيان

- ‌المطلب الثالثإذا نوى الحدثين بتيمم واحد

- ‌الفرع الأولإذا نوى الحدثين بتيمم واحد أو أحد أسباب أحدهما

- ‌الفرع الثانيإذا نوى الحدثين بتيمم واحد أو نوى الأكبرثم أحدث حدثاً أصغر

- ‌الشرط الثانيالإسلام

- ‌الشرط الثالثالتكليف

- ‌الشرط الرابعانقطاع دم الحيض والنفاس

- ‌الشرط الخامسإزالة ما يمنع مسح أعضاء التيمم

- ‌الشرط السادسطلب الماء وإعوازه بعد الطلب

- ‌الشرط السابعدخول الوقت

- ‌الشرط الثامنالتيمم بالصعيد

- ‌المبحث الأولحكم التيمم بكل ما هو من جنس الأرض

- ‌المطلب الأولالتيمم بغير التراب

- ‌المطلب الثانيحكم إيصال التراب إلى أعضاء التيمم

- ‌المبحث الثانيالتيمم على الخشب والزرع والحشيش

- ‌المبحث الثالثالتيمم على الثلج

- ‌المبحث الرابعالتيمم بالتراب المختلط بغيره

- ‌المبحث الخامسحكم التيمم بالطين المحترق

- ‌المبحث السادسالتيمم بالأرض النجسة

- ‌المطلب الأولحكم التيمم بالأرض النجسة

- ‌المطلب الثانيحكم التيمم بالأرض التي أصابتها نجاسةفزال أثرها بالشمس أوالريح

- ‌المطلب الثالثالتيمم بتراب المقبرة

- ‌المبحث السابعحكم التيمم بالتراب المستعمل

- ‌المبحث الثامنحكم التيمم بالتراب المغصوب

- ‌الباب الرابعفروض التيمم

- ‌الفرض الأولمسح الوجه واليدين مع الاستيعاب

- ‌المبحث الأولتحديد أعضاء التيمم

- ‌المبحث الثانيتحديد مسح اليدين

- ‌المبحث الثالثتحديد القدر الواجب من الضربفي التيمم

- ‌المبحث الرابعحكم استيعاب المسح للوجه واليدين

- ‌المبحث الخامسحكم إيصال التراب إلى ما تحتالشعر الخفيف

- ‌المبحث السادسصفة مسح الوجه واليدين

- ‌المبحث السابعحكم التيمم من غير ضرب

- ‌المطلب الأولحكم ضرب الأرض باليد

- ‌المطلب الثانيحكم من وصل التراب إلى وجههويديه من غير ضرب

- ‌المطلب الثالثحكم التمعك في التراب بنية التيمم

- ‌المبحث الثامنحكم تيمم مقطوع اليد أو بعضها

- ‌المبحث التاسعحكم مسح الوجه بيد واحدةأو ببعض أصابعه

- ‌الفرض الثانيالترتيب

- ‌الفرض الثالثالموالاة

- ‌المبحث الأولحكم الموالاة بين أعضاء التيمم

- ‌المبحث الثانيحكم الموالاة بين التيمم والصلاة

- ‌الباب الخامسسنن التيمم ومكروهاته

- ‌الفصل الأولسنن التيمم

- ‌المبحث الأولالتسمية

- ‌المبحث الثانيتقديم اليد اليمنى على اليسرى

- ‌المبحث الثالثاستقبال القبلة

- ‌المبحث الرابعتخفيف التراب المأخوذ بنفض أو نفخ

- ‌المبحث الخامستفريج الأصابع

- ‌المبحث السادستخليل(1)الأصابع

- ‌المبحث السابعسنن أخرى تستحب في التيمم

- ‌الفصل الثانيمكروهات التيمم

- ‌المبحث الأولتجديد التيمم

- ‌المبحث الثانيتكرار المسح

- ‌الباب السادسمبطلات التيمم وفاقد الطهورين

- ‌الفصل الأولمبطلات التيمم

- ‌المبحث الأولمبطلات الوضوء

- ‌المبحث الثانيوجود الماء

- ‌المطلب الأولوجود الماء قبل الصلاة

- ‌المطلب الثانيوجود الماء أثناء الصلاة

- ‌المطلب الثالثوجود الماء بعد الصلاة

- ‌المبحث الثالثخروج وقت الصلاة

- ‌المبحث الرابعزوال العذر المبيح للتيمم

- ‌المبحث الخامسالردة عن الإسلام

- ‌المبحث السادسالفصل الطويل بين التيمم والصلاة

- ‌المبحث السابعخلع ما يجوز المسح عليه

- ‌الفصل الثانيفاقد الطهورين

- ‌المبحث الأولحكم صلاة فاقد الطهورين

- ‌المبحث الثانيصفة صلاة فاقد الطهورين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر

- ‌أولاً: كتب التفسير:

- ‌ثانياً: كتب الحديث وعلومه:

- ‌ثالثًا: كتب أصول الفقه:

- ‌رابعاً: كتب الفقه:

- ‌أـ كتب الفقه الحنفي:

- ‌ب ـ كتب الفقه المالكي:

- ‌جـ ـ كتب الفقه الشافعي:

- ‌د ـ كتب الفقه الحنبلي:

- ‌هـ ـ كتب الفقه الظاهري:

- ‌خامسًا: كتب اللغة والمعاجم والمصطلحات:

- ‌سادسًا: كتب التاريخ والتراجم:

- ‌سابعًا: كتب ورسائل متنوعة:

الفصل: ‌المبحث الأولنوع بدلية التيمم

‌المبحث الأول

نوع بدلية التيمم

المقصود بهذه المسألة: هل التيمم بدل مطلق بحيث يقوم مقام الماء في رفع الحدث، أو أنه بدل ضروري لا يرفع الحدث، بل يبيح العبادة مع قيام الحدث؟

اتفق الفقهاء على أن التيمم لا يرفع الحدث مع وجود الماء

(1)

، واختلفوا في حكم رفع الحدث بالتيمم عند عدم الماء، هل يرفع الحدث فيكون التيمم كالماء أو لا يرفعه فيكون مبيحًا لا رافعًا؟ وذلك على قولين:

القول الأول: أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما هو مبيح للعبادة، وهو المشهور عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهي المذهب

(2)

.

القول الثاني: أن التيمم يرفع الحدث، وهو قول الحنفية، وقول للمالكية

(3)

، ووجه للشافعية أنه يرفع في حق فريضة واحدة، وهو قول ابن سريج، ورواية للحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم

(4)

.

(1)

المبسوط (1/ 110)، مواهب الجليل (1/ 523)، المجموع (2/ 241)، الكافي (1/ 102).

(2)

مواهب الجليل (1/ 510)، حاشية الخرشي (1/ 355)، المجموع (2/ 176)، نهاية المحتاج (1/ 296)، المستوعب (1/ 302)، الإنصاف (1/ 382).

(3)

اختاره من المالكية ابن العربي والمازري والقرافي. انظر: القبس (1/ 177)، شرح التلقين (1/ 306)، الذخيرة (1/ 365).

(4)

بدائع الصنائع (1/ 344)، رد المحتار (1/ 362)، مواهب الجليل (1/ 510)، المجموع (2/ 176)، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 353 ـ 363)، الإنصاف (1/ 282)، زاد المعاد (3/ 388، 389).

ص: 278

سبب الخلاف:

ذكر ابن تيمية أن سبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة مبني على قاعدة أصولية، وهي أن المانع المعارض للمقتضي هل يرفعه أم لا؟

(1)

.

ومعنى ذلك: هل استبيحت الصلاة مع قيام السبب المانع منها وهو الحدث، أو أن السبب لم يبق حاضرًا، فكأن لا حدث؟

(2)

.

أدلة القول الأول:

استدل القائلون بأن التيمم مبيح للعبادة ولا يرتفع به الحدث، بما يلي:

أولاً: من السنة:

1 ـ حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال:«يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا

(3)

.

(1)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 355 ـ 359).

(2)

انظر: شرح الزركشي (1/ 347).

(3)

تقدم تخريجه (ص 127).

ص: 279

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه جنبًا بعد تيممه

(1)

.

المناقشة:

نوقش بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له ذلك إنما هو من باب الاستفهام والاستعلام، أي: هل فعلت ذلك؟ فأخبره عمرو بأنه لم يفعله، بل تيمم لخوف أن يقتله البرد، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا، ولم يأمره بالإعادة، فدل ذلك على أنه صلى بأصحابه وهو غير جنب

(2)

.

2 ـ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في القصة الطويلة، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال:«ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء. وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم، ثم لما حضر الماء أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إناءٌ من ماء، وقال له:«أفرغه عليك»

(3)

.

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن الحدث لم يرتفع؛ إذ لو ارتفع لما احتاج إلى الاغتسال

(4)

.

(1)

شرح التلقين (1/ 308)، حاشية الشبراملسي (1/ 297)، شرح العمدة (1/ 444).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 404)، زاد المعاد (3/ 388)، وانظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي (2/ 44)، ط: دار الكتب العلمية 1417 هـ.

(3)

تقدم تخريجه (ص 25).

(4)

المجموع (2/ 176).

ص: 280

المناقشة من وجهين

(1)

:

الوجه الأول: ليس في الحديث ما يفيد أن الأمر بالغسل للجنابة التي قد تيمم لها، ولو كان كذلك لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة التي قد فعلها بالتيمم، ولم يثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالاغتسال استحبابًا لا وجوبًا، فالحدث مرتفع بالتيمم، وإنما الغسل لما أصاب البدن من آثار الجنابة.

26 ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير»

(2)

.

وجه الدلالة:

دل الحديث على وجوب استعمال الماء عند وجوده، وذلك لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم، ولو ارتفع الحدث لما وجب عليه استعمال الماء

(3)

.

المناقشة:

نوقش بأن التيمم إنما يرفع الحدث بشرط عدم الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً، وصار كمن لم يتيمم، ومن لم يتيمم لم يرتفع حدثه

(4)

.

(1)

نصب الراية (1/ 160)، السيل الجرار (1/ 332).

(2)

تقدم تخريجه (ص 25).

(3)

البيان (1/ 276)، المغني (1/ 329، 330).

(4)

شرح التلقين (1/ 306).

ص: 281

ثانيًا: من الآثار:

1 ـ عن علي رضي الله عنه قال: «يتيمم لكل صلاة»

(1)

.

2 ـ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلوات الأخرى»

(2)

.

3 ـ عن عمرو بن العاص أنه كان يُحدث لكل صلاة تيممًا

(3)

.

4 ـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث»

(4)

.

(1)

أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 184)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 221) برقم (995)، وضعفه ابن حجر. انظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر (2/ 438)، ط: دار العاصمة ودار الغيث 1419 هـ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر (1/ 70)، ط: دار المعرفة.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 214، 215) برقم (830 ـ 832)، والدارقطني في السنن (1/ 185)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 222) برقم (998)، والأثر ضعيف؛ لأن في إسناده الحسن بن عمارة وهو ضعيف جدًا. انظر: سنن الدارقطني (1/ 185)، تلخيص الحبير (1/ 155).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 215) برقم (833)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 221) برقم (996) وقال:«هذا مرسل» ؛ لأن قتادة لم يولد إلا بعد موت عمرو بن العاص. انظر: المحلى (1/ 84)، تلخيص الحبير (1/ 155).

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 221) برقم (994) وقال: «إسناده صحيح» . وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 221) فقال: «فيه عامر الأحول عن نافع، وعامر ضعفه ابن عيينة وابن حنبل، وفي سماعه من نافع نظر» ، وقال ابن حزم في المحلى (1/ 84):«والرواية فيه عن ابن عمر لا تصح» .

ص: 282

المناقشة:

نوقش استدلالهم بهذه الآثار من وجهين

(1)

:

الوجه الأول: ضعف هذه الآثار كما تقدم عند تخريجها.

الوجه الثاني: أن هذه الآثار لو صحت لما كان فيها حجة؛ إذ ورد عن بعض الصحابة ما يعارضها، ولا إجماع في المسألة، فالواجب الرد إلى الكتاب والسنة.

ثالثًا: من المعقول:

1 ـ أن التيمم طهارة ضرورة، فلم يرفع الحدث، كطهارة المستحاضة

(2)

.

المناقشة:

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: أن القول بأن التيمم طهارة ضرورة إن أُريد به أن لا يفعل إلا عند الضرورة فهو مسلم، وإن أُريد به أنه لا يجوز التيمم إلا إذا كان التيمم واجبًا، فإن هذا خلاف السنة والإجماع، بل يتيمم للواجب كالصلاة، ويتيمم للمستحب كصلاة التطوع، وقراءة القرآن ونحوهما

(3)

.

(1)

المحلى (1/ 84)، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 363، 438).

(2)

الأم (1/ 100)، الشرح الكبير لابن قدامة (2/ 228).

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 439).

ص: 283

الوجه الثاني: أن القياس على طهارة المستحاضة قياس مع الفارق؛ لأنها طهارة يتعقبها ما يفسدها وهو خروج الدم

(1)

، بخلاف المتيمم فلا يتعقب تيممه ما يفسده إلا أن يحدث أو يجد الماء.

قال ابن حزم: «لأن قياس المتيمم على المستحاضة لم يوجبه شبه بينهما ولا علة جامعة فهو باطل بكل حال»

(2)

.

2 ـ أن التيمم لو رفع الحدث لما بطل برؤية الماء

(3)

.

المناقشة:

يمكن مناقشته بأنه إنما يبطل برؤية الماء؛ لأن الأصل فيه أنه يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا إلى حين وجود الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً.

أدلة القول الثاني:

استدل القائلون بأن التيمم يرفع الحدث، بما يلي:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6].

(1)

الروايتين والوجهين (1/ 91)، وانظر: البحر الرائق (1/ 273).

(2)

المحلى (1/ 84).

(3)

الإشراف (1/ 167)، العزيز (1/ 237)، كشاف القناع (1/ 387).

ص: 284

وجه الدلالة:

أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يطهرنا بالتراب، كما يطهرنا بالماء، فدل ذلك على أن التيمم مطهّر كالماء سواء بسواء

(1)

.

ثانيًا: من السنة:

1.

حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» وفي رواية: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم

»

(2)

(3)

.

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن طهارة التيمم ممتدة إلى غاية وجود الماء، وذلك يدل على أن التيمم في حال عدم الماء كالوضوء، فإذًا يُعطى حكم الماء فيرفع الحدث

(4)

.

(1)

مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 403، 436).

(2)

تقدم تخريجه (ص 25).

(3)

قال ابن العربي: «وله ـ أي التيمم ـ ثلاثة أسماء: التيمم، قال الله تعالى:{فتيمموا صعيدًا طيبا} ، والوضوء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم

»، والطهور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «

وجعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا». انظر: القبس شرح الموطأ (1/ 176، 177).

(4)

المبسوط (1/ 113)، شرح الزركشي (1/ 346).

ص: 285

2.

حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا

»

(1)

.

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن الله سبحانه وتعالى جعل الأرض طهورًا كما جعل الماء طهورًا

(2)

، والطهور اسم للمُطِّهر، فدل على أن الحدث يزول بالتيمم كالوضوء

(3)

.

المناقشة:

نوقش بأن المراد بالحديث أنه كالوضوء في استباحة الصلاة والقراءة وغير ذلك، وإلا فمن المعلوم أنه ليس تقع به الوضاءة، وإنما هو ملوَّث ومغبَّر

(4)

.

الجواب:

أجيب بأنه من المعلوم أن استباحة الصلاة والقراءة وغير ذلك لابد أن تكون بطهارة، فلو لم يكن رافعًا للحدث لما استبيحت به الصلاة.

فمن التناقض أن يقال: التيمم ليس بطهارة تامة، ولكنه يبيح فعل الصلاة

(1)

تقدم تخريجه (ص 38).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 437).

(3)

بدائع الصنائع (1/ 344).

(4)

الانتصار (1/ 432).

ص: 286

ونحوها؛ لأن استباحة الصلاة لا تكون إلا بطهارة، فهو إذن على قولكم: طهارة، لا طهارة

(1)

.

ثالثًا: من المعقول:

1 ـ أن التيمم بدل عن الماء، والبدل يقوم مقام المبدل في أحكامه، وإن لم يكن مماثلاً له في صفته، فلما كان طهارة الوضوء ترفع الحدث كان بدلها كذلك

(2)

.

المناقشة:

نوقش بأنه بدل عنه في فعل العبادة من صلاة وغيرها، فهذا مقصود الشرع بالبدلية، وليس معنى البدلية أنه مثله في رفع الحدث، بدليل أنه إذا وجد الماء عاد حدثه، بخلاف طهارة الماء فإنها لا تبطل إلا بتجدد الحدث

(3)

.

الجواب:

يمكن مناقشته من أربعة وجوه:

الوجه الأول: أن التراب إذا كان مطهرًا من الحدث بنص الكتاب والسنة، امتنع أن يكون الحدث باقيًا، فالتيمم رافع للحدث مطهر لصاحبه، وإلا للزم على قولكم أن يكون أداؤه للصلاة على حدث، وأنتم لا تقولون بذلك.

(1)

انظر: المحلى (1/ 83).

(2)

شرح التلقين (1/ 306)، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 354).

(3)

الانتصار (1/ 433، 434).

ص: 287

الوجه الثاني: أن قولكم: إنه لا يرفع الحدث، فإن كان المراد به أنه لا يرفع الأسباب الموجبة للحدث كالريح والوطء فكذلك الوضوء؛ لأن رفع الأسباب محال.

وإن كان المراد أنه لا يرفع المنع الشرعي من الإقدام على العبادة، فإن المنع قد ارتفع بالضرورة، فإن الإباحة ثابتة إجماعًا، ومع الإباحة لا منع

(1)

.

الوجه الثالث: أن المتيمم إنما يعود حدثه إذا وجد الماء؛ لأن الأصل في التيمم أنه يرفع الحدث إلى حين وجود الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم أصلاً.

الوجه الرابع: أن بطلان التيمم برؤية الماء، دليل على أنه بمنزلة الماء عند عدمه، فدل ذلك على أن التيمم يرفع الحدث كالماء.

2 ـ أن التيمم طهارة عن حدث تستباح به الصلاة، فأشبه الطهارة المائية

(2)

.

الترجيح:

الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني القائل بأن التيمم يرفع الحدث إلى حين وجود الماء، وذلك لما يلي:

1 ـ لقوة أدلتهم، وإفادتها المراد، وسلامتها من الاعتراضات القادحة.

2 ـ ضعف أدلة القول الأول بما حصل من مناقشتها.

3 ـ أن الشريعة الإسلامية قد دلت على أن التيمم طهور حال عدم الماء، فوجب أن يعمل عمل الماء ما بقي شرطه، حتى يقوم دليل شرعي على خلاف ذلك.

(1)

الذخيرة (1/ 365).

(2)

البيان (1/ 275)، الشرح الكبير لابن قدامة (2/ 228).

ص: 288

4 ـ أن جعله كالماء من توسيع الله على عباده فلا يجوز لأحد أن يضيق على المسلمين ما وُسِّع عليهم، والله سبحانه وتعالى أراد بالتيمم رفع الحرج عن الأمة فليس لأحد أن يجعل فيه حرجًا

(1)

.

(1)

مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 439).

ص: 289