الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
حكم التيمم للنجاسة في
الثوب والبدن
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز التيمم للنجاسة إذا كانت في الثوب أو في غير بدنه
(1)
، وذلك لأن التيمم طهارة في البدن، فلا ينوب عن غير البدن كالوضوء والغسل
(2)
.
واختلفوا إذا كانت النجاسة على البدن ولا يستطيع إزالتها، إما لعدم وجود الماء، أو لتضرره باستعمال الماء بأن كانت تلك النجاسة على جرح ونحو ذلك، فهل يتيمم لها أم لا؟ وذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يتيمم للنجاسة مطلقًا، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة
(3)
.
القول الثاني: أنه يتمم لها، وهو قول الحنابلة
(4)
، ومن مفردات المذهب الحنبلي
(5)
.
(1)
قال ابن تيمية: «وأما التيمم للنجاسة على الثوب، فلا نعلم به قائلاً من العلماء، بل كلهم متفقون على أن النجاسة في الثوب والأرض لا يتيمم لها» . انظر: حاشية الروض المربع (1/ 317)، الدرر السنية (4/ 172).
(2)
المغني (1/ 352)، كشاف القناع (1/ 403).
(3)
المبسوط (1/ 116)، البحر الرائق (1/ 242، 243)، الذخيرة (1/ 344)، التاج والإكليل (1/ 223، 224)، والمجموع (2/ 168)، مغني المحتاج (1/ 245)، الإنصاف (1/ 266).
(4)
الكافي (1/ 96)، كشاف القناع (1/ 403).
(5)
الإنصاف (1/ 266)، المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد للبهوتي (1/ 184)، ط: كنوز إشبيليا.
إلا أن الحنابلة اشترطوا أن يتيمم لها بعد تخفيفها ما أمكن، بحك يابسها ومسح رطبها.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بعدم جواز التيمم للنجاسة على البدن، بما يلي:
1 ـ أن الشرع لم يرد إلا في التيمم عن الحدث فقط، ولم يرد في الشرع ما يدل على مشروعية التيمم للنجاسة على البدن
(1)
.
المناقشة:
نوقش بأن التيمم للنجاسة داخل في عموم النصوص الواردة في مشروعية التيمم
(2)
.
الجواب:
يمكن أن يجاب بأن النصوص الواردة في مشروعية التيمم، إنما وردت في طهارة الحدث فقط، فيجب الاقتصار على ما ورد به النص.
2 ـ أن المقصود إزالة عين النجاسة، وذلك لا يزول بالتيمم
(3)
.
3 ـ أن التيمم مسح الوجه واليدين، وقد تكون النجاسة في غير الوجه واليدين، فكيف يؤمر بمسح الوجه واليدين عن نجاسة في غيرهما؟! كما لا يجوز أن يغسل وجهه ويديه لنجاسة في غيرهما
(4)
.
(1)
طرح التثريب (1/ 272)، المغني (1/ 352).
(2)
المغني (1/ 352)، المنح الشافيات (1/ 185).
(3)
المبسوط (1/ 116)، البيان (1/ 269)، الشرح الكبير لابن قدامة (2/ 206).
(4)
البيان (1/ 269)، كشاف القناع (1/ 403).
المناقشة:
نوقش بأن الغسل يفارق التيمم، فإن التيمم في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله، كما لو تيمم لجرح في رجله، أو موضع من بدنه غير وجهه ويديه، بخلاف الغسل فإنه يؤتى به في محل النجاسة
(1)
.
الجواب:
يمكن أن يجاب بالمنع؛ لأن كلامنا في طهارة النجاسة وليس في طهارة الحدث، حيث إن طهارة النجاسة لا تكون إلا في موضع النجاسة، فلا يصح غسلها إلا في موضعها، وإذا لم يصح غسلها إلا في محلها فمن باب أولى أن لا يصح التيمم لها؛ لأنه في غير محلها.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بجواز التيمم للنجاسة على البدن، بما يلي:
أولاً: من السنة:
1 ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين»
(2)
.
2 ـ حديث جابر رضي الله عنه: «
…
وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»
(3)
.
(1)
المغني (1/ 352).
(2)
تقدم تخريجه (ص 25).
(3)
تقدم تخريجه (ص 38).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن عموم الحديثين يدخل فيه التيمم للنجاسة على البدن
(1)
.
المناقشة:
يمكن مناقشة أن الحديثين مقصوران على نجاسة الحدث فقط، وإلا لجاز التيمم للنجاسة على الثوب وأنتم لا تقولون بذلك.
ثانيًا: من المعقول:
أنها طهارة في البدن تراد للصلاة، فجاز التيمم لها ـ عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله ـ قياسًا على الحدث
(2)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته بأنه قياس لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق يتضح بما يلي:
الأول: أن طهارة الحدث يشترط لها النية، بخلاف طهارة النجاسة فلا يشترط لها النية
(3)
، فمتى خلا من النجاسة ولو بلا نية طهر منها
(4)
.
الثاني: أن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، بخلاف طهارة النجاسة فهي شيء يطلب التخلي منه لا إيجاده
(5)
.
(1)
المغني (1/ 352)، شرح منتهى الإرادات (1/ 189).
(2)
الكافي لابن قدامة (1/ 96)، المبدع (1/ 172).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 596).
(4)
الشرح الممتع (1/ 377).
(5)
المصدران السابقان.
الثالث: أن طهارة الحدث يؤتى بها في غير محلها، بخلاف طهارة النجاسة، فإنه لا يؤتى بها إلا في محلها
(1)
.
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم جواز التيمم للنجاسة على البدن، وذلك لما يلي:
1 ـ لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشتها.
2 ـ قياسًا على التيمم للنجاسة على الثوب والبقعة فإنه لا يتيمم لها فكذا هاهنا.
(1)
المهذب (1/ 125)، المجموع (2/ 168).