الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
حكم إعادة الصلاة لمن صلى
بالتيمم لخوف البرد
اختلف الفقهاء في حكم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد، فهل تجب عليه الإعادة أم لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة سواء أكان حاضرًا أو مسافرًا، وهو قول الحنفية والمالكية، ورواية للحنابلة هي المذهب
(1)
.
القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة في الحضر والسفر، وهو الصحيح عند الشافعية، ورواية للحنابلة
(2)
.
القول الثالث: أنه تجب عليه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول محمد وأبي يوسف من الحنفية، وقول للشافعية، ورواية للحنابلة
(3)
.
سبب الخلاف:
يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة إلى مدى قياس الصحيح الذي يخاف من برد الماء على المريض الذي يخاف من استعمال الماء
(4)
، فمن قاسه
(1)
المبسوط (1/ 122)، بدائع الصنائع (1/ 320، 321)، المدونة (1/ 45)، مواهب الجليل (1/ 489)، الفروع (1/ 278)، الإنصاف (1/ 268، 269).
(2)
المصادر السابقة للحنابلة، وانظر للشافعية: الحاوي (2/ 1080)، المجموع (2/ 253).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 320)، المجموع (2/ 253)، الإنصاف (1/ 269).
(4)
بداية المجتهد (1/ 132).
عليه لم يوجب إعادة الصلاة على المتيمم لخوف البرد، ومن لم يرجح القياس أوجب الإعادة.
أدلة القول الأول:
أولاً: من السنة:
حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه: «
…
فتيممت، ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا»
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بإعادة الصلاة، ولو كانت الإعادة واجبة لأمره
(2)
.
المناقشة:
نوقش من وجهين
(3)
.
الوجه الأول: أن الإعادة على التراخي وليست على الفور، فلذلك لم يأمره بها.
الجواب:
يمكن أن يجاب أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
(4)
.
(1)
سبق تخريجه (ص 127).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 320)، الجامع لأحكام القرآن (5/ 209)، الأوسط (2/ 27)، رؤوس المسائل في الخلاف (1/ 76).
(3)
التعليقة الكبرى (ص 928)، المجموع (2/ 253).
(4)
الشرح الكبير لابن قدامة (2/ 174).
الوجه الثاني: يحتمل أنه لم يأمره بذلك؛ لعلمه أن عمرًا يعلم ذلك، أو أنه كان قد قضى.
ثانيًا: من المعقول:
1 ـ أنه خائف على نفسه، فوجب أن تسقط عنه الإعادة كالمريض
(1)
.
2 ـ أنه أتى بما أمر به فأشبه سائر من يصلي بالتيمم
(2)
.
أدلة القول الثاني والثالث:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الآية قيدت إباحة التيمم للمريض والمسافر العادم، والخائف من البرد ليس بمريض ولا مسافر عادم للماء
(3)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته من وجهين:
(1)
التجريد (1/ 258)، المغني (1/ 340).
(2)
تبيين الحقائق (1/ 119)، المغني (1/ 340).
(3)
الحاوي (2/ 1081)، الكافي لابن قدامة (1/ 98).
الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى إنما خص المريض والمسافر بالذكر لمعنى، وهو أن التيمم في الغالب يكون مع المرض أو السفر، فالسفر مظنة عدم الماء غالبًا، والمرض مظنة عدم القدرة على استعمال الماء في الطهارة، فمتى ما وجدت العلة في غيرهما ـ أي المريض والمسافر ـ جاز التيمم.
الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر من عمرو بن العاص هل كان فعله ذلك في السفر أو الحضر، بل علل فعله بعلة عامة، وهي خوف الهلاك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استصوب ذلك منه
(1)
، والحكم يدور مع علته وجودًا أو عدمًا
(2)
.
ثانيًا: من المعقول:
أن عدم وجود المسخن عذر نادر غير متصل، فلم يسقط فرض الإعادة
(3)
.
المناقشة:
نوقش هذا الدليل بما نوقش به قول أبي يوسف ومحمد في المطلب الأول
(4)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم إعادة الصلاة لمن صلى بالتيمم لخوف البرد، وذلك لما يلي:
(1)
بدائع الصنائع (1/ 321).
(2)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 315)، ط: مؤسسة الرسالة 1407 هـ، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 97، 98)، ط: مكتبة العبيكان 1413 هـ.
(3)
المبسوط (1/ 122)، المهذب (1/ 139)، المبدع (1/ 164).
(4)
انظر: (ص 175).
1 ـ قوة الأدلة وسلامة أكثرها من المعارضة.
2 ـ مناقشة أدلة القول الثاني والثالث.
3 ـ أن القول الثاني يقول: بجواز تيممه مع الإعادة، وهذا القول في غاية الضعف؛ إذ كيف يقال للمكلف: لك أن تتيمم وتصلي ولكن يجب عليك الإعادة؟! بل إما أن نقول: إن صلاتك صحيحة ولا إعادة، أو إنها باطلة من أصلها، فما دام أن تيممه جائز وصلاته قد أُديت على الوجه الصحيح فلا معنى حينئذ لوجوب الإعادة، والله أعلم.
4 ـ أن القول بالتفريق بين الأعذار النادرة وغير النادرة قول لا يصح؛ لأنه لم يثبت في ذلك دليل شرعي.