الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
وجود الماء أثناء الصلاة
إذا تيمم المصلي لعدم الماء وشرع في الصلاة، ثم وجد الماء في أثنائها، فهل يبطل تيممه ويلزمه استعمال الماء أم لا؟
للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه يبطل تيممه، وعليه أن يقطع صلاته ويستعمل الماء، وهو قول الحنفية، والشافعية إذا كان الفاقد ممن تلزمه الإعادة
(1)
، وقول الحنابلة
(2)
.
القول الثاني: أنه لا يبطل تيممه، بل يمضي في صلاته ولا يقطعها، وهو قول المالكية، والشافعية إذا كان الفاقد ممن لا تلزمه الإعادة، ورواية عند الحنابلة
(3)
.
(1)
والذي تلزمه الإعادة عند الشافعية هو: المتيمم لفقد الماء في الحضر، أو في مكان يغلب فيه وجود الماء، وأما الذي لا تلزمه الإعادة هو: المتيمم لفقد الماء في السفر، أو في مكان يغلب فيه عدم الماء. انظر: المجموع (2/ 247).
وهذا التقسيم بناء على مذهب الشافعية في أن عدم وجود الماء في الحضر عذر نادر، فلو صلّى فيه بتيمم ثم وجد الماء أعاد، وعكسه السفر، وهو تقسيم ضعيف؛ لأنه لا دليل عليه، وقد تقدم مناقشة القول بوجوب الإعادة في الحضر في مبحث: حكم التيمم في الحضر (ص 290).
(2)
المبسوط (1/ 110)، بدائع الصنائع (1/ 350)، المهذب (1/ 138)، المجموع (2/ 247)، المغني (1/ 347)، الإنصاف (1/ 283).
(3)
المصادر السابقة للشافعية والحنابلة، وانظر للمالكية: المدونة (1/ 46)، التلقين (ص 71).
أدلة القول الأول:
استدل القائلون ببطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء في أثناء الصلاة، بما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43، المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى اشترط لطهارة التيمم عدم الماء، وقد وجد هنا فبطلت الطهارة، وإذا بطلت بطلت الصلاة
(1)
.
ثانيًا: من السنة:
حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير»
(2)
.
وجه الدلالة:
دل الحديث بمفهومه على أن التيمم لا يكون طهورًا عند وجود الماء، ودل بمنطوقه على وجوب استعمال الماء عند وجوده
(3)
.
(1)
الانتصار (1/ 395).
(2)
تقدم تخريجه (ص 25).
(3)
المغني (1/ 348)، المبدع (1/ 182).
المناقشة:
نوقش استدلالهم بالآية والحديث بأنهما محمولان على واجد الماء قبل الدخول في الصلاة
(1)
.
ثالثًا: من المعقول:
50 ـ أن التراب بدل عن الماء، فإذا وجد الماء خلال الصلاة فقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود، والمبدل يبطل حكم البدل، فتعلق الحكم بالأصل
(2)
.
51 ـ أن ما أبطل الطهارة خارج الصلاة أبطلها فيها كالحدث
(3)
.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بعدم بطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء أثناء الصلاة، بما يلي:
أولاً: من السنة:
حديث عبد الله بن زيد
(4)
رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل
(5)
إليه الشيء في الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»
(6)
.
(1)
المجموع (2/ 252).
(2)
رؤوس المسائل (ص 119).
(3)
الانتصار (1/ 397)، الكافي لابن قدامة (1/ 102).
(4)
هو: عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني المدني، أبو محمد، شهد أحدًا وغيرها، قيل: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الوضوء وغيره، قُتل يوم الحرة سنة (63 هـ).
انظر: الاستعياب (3/ 913)، الإصابة (4/ 98).
(5)
يخيل: أي يظن. النهاية (ص 292)، فتح الباري (1/ 286).
(6)
أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن [صحيح البخاري (1/ 64) حديث (1371)]، ومسلم ـ واللفظ له ـ في كتاب الحيض [صحيح مسلم (1/ 276) حديث (361)].
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قطع الصلاة بأي حال إلا بخروج الحدث المتيقن، ووجود الماء أثناء الصلاة ليس بحدث
(1)
.
المناقشة:
نوقش استدلالهم بالحديث بأنه ليس بشيء؛ لأن معنى الحديث إذا خيل إليه بشيء فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا، فليس في الحديث تعرض لغير التخييل
(2)
.
ثانيًا: من المعقول:
أنه غير قادر على استعمال الماء؛ لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة، وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]
(3)
.
المناقشة من وجهين
(4)
:
الوجه الأول: أن القول بأنه غير قادر لا يصح؛ لأن الماء قريب، وآلته صحيحة، والموانع منتفية.
(1)
البيان (1/ 326)، المجموع (2/ 252).
(2)
شرح مختصر الطحاوي (1/ 140)، شرح الزركشي (1/ 367).
(3)
الذخيرة (1/ 364)، شرح الزركشي (1/ 367).
(4)
الانتصار (1/ 395)، المغني (1/ 348).
الوجه الثاني: أن القول بأنه منهي عن إبطال الصلاة غير مسلم؛ لأنه لا يحتاج إلى إبطال الصلاة، بل هي تبطل بزوال الطهارة.
أن المتيمم وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل، فلم يلزمه الخروج، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام
(1)
.
المناقشة:
نوقش بأن القياس غير صحيح؛ لأن الصوم هو البدل نفسه، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما: أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه؛ لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسألتنا
(2)
.
أن المتيمم قد دخل في الصلاة كما أمر، فلا يجوز له أن ينقضها إلا بنص أو إجماع
(3)
.
المناقشة:
نوقش بأنه قد ثبت الاتفاق على أن وجود الماء يبطل التيمم، فهو مأمور باستعمال الماء حين وجوده في الصلاة، وغير الصلاة
(4)
.
أن رؤية الماء ليست حدثًا يقطع الصلاة؛ لأن هذا المصلي مأذون له في الدخول فيها بالتيمم، والأصل بقاء ذلك الإذن، فلا يجوز له قطعها
(5)
.
(1)
الجامع لأحكام القرآن (5/ 226)، العزيز (1/ 248).
(2)
المغني (1/ 348)، المبدع (1/ 182).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (5/ 226)، الأوسط (2/ 66).
(4)
انظر: المحلى (1/ 81).
(5)
الذخيرة (1/ 363)، المجموع (2/ 252).
المناقشة:
نوقش بأن وجود الماء لما كان مانعًا من صحة الابتداء وجب أن يمنع البقاء، كالحدث لما منع الابتداء منع البقاء
(1)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل ببطلان التيمم والصلاة لمن وجد الماء في أثناء الصلاة، وذلك لقوة أدلتهم، ولأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة، وينقضها في غير الصلاة
(2)
.
(1)
شرح مختصر الطحاوي (1/ 141).
(2)
بداية المجتهد (1/ 144).