الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
إذا وُضع الماء في رحله
ولم يعلم به
اختلف الفقهاء في حكم من لم يعلم بوجود الماء في رحله كأن وضع بغير علمه فتيمم وصلى ثم وجد الماء في رحله، فهل تيممه صحيح ولا تلزمه إعادة الصلاة أم لا؟ وذلك على قولين
(1)
:
القول الأول: أنه لا تجب عليه الإعادة ويصح تيممه، وهو قول الحنفية والمالكية، والصحيح عند الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة اختاره المرداوي
(2)
،
إلا أن المالكية قالوا: يعيد في الوقت ندبًا.
القول الثاني: أنه تجب عليه الإعادة ولا يصح تيممه، وهو قول للشافعية، والصحيح عند الحنابلة.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 325)، البحر الرائق (1/ 279)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 59)، التاج والإكليل (1/ 525)، حاشية الدسوقي (1/ 262)، الوجيز للغزالي (1/ 36)، ط: دار الرسالة 1425 هـ، المجموع (2/ 212)، الفروع (1/ 284)، تصحيح الفروع للمرداوي (1/ 285)، ط: مؤسسة الرسالة 1424 هـ، كشاف القناع (1/ 402).
(2)
هو: أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السعدي، ثم الصالحي الحنبلي، الإمام العلامة المحقق، شيخ الحنابلة، ولد سنة 817 هـ بمردا ونشأ بها، ثم تحول إلى دمشق، من كتبه: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والتحرير في أصول الفقه وغيرها، توفي سنة (885 هـ).
انظر: شذرات الذهب (7/ 340، 341)، الضوء اللامع للسخاوي (5/ 225 ـ 227).
أدلة القول الأول:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى كلفنا بحسب الوسع، وليس في الوسع استعمال الماء قبل العلم به، وإذا لم يكن مخاطبًا باستعماله فوجوده كعدمه
(1)
.
ثانيًا: من المعقول:
1 ـ لأنه غير واجد للماء
(2)
.
2 ـ لأنه لا يعد في هذه الحالة مفرطًا
(3)
.
3 ـ لأن ذلك من فعل غيره، وهو غير مخاطب به شرعًا إذ ليس من كسبه فلا يؤاخذ به
(4)
.
أدلة القول الثاني:
عللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
أن على الشخص أن يبحث عن الماء في رحله قبل أن يتيمم، وهذا لم يبحث فتلزمه الإعادة لتفريطه بعدم طلبه في رحله
(5)
.
(1)
المبسوط (1/ 122).
(2)
الأصل (1/ 123).
(3)
عقد الجواهر الثمينة (1/ 59)، المجموع (2/ 212)، تصحيح الفروع (1/ 285).
(4)
البحر الرائق (1/ 279). وانظر: النسيان وأثره في الطهارة والصلاة لبدرية البهلكي (ص 188)، ط: كنوز المعرفة.
(5)
كشاف القناع (1/ 402).
المناقشة:
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يعلم بوضع الماء ابتداء، ففرضه التيمم، والأصل عدم العلم، ولا دال له على وجود الماء في الرحل، فصحت صلاته
(1)
.
الوجه الثاني: لأنه لا يخاطب بفعل الغير
(2)
.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بصحة تيمم من وضع الماء في رحله ولم يعلم به، وذلك لما يلي:
1 ـ قوة الأدلة وسلامتها من المعارضة.
2 ـ مناقشة أدلة القول الثاني.
3 ـ أن الله سبحانه وتعالى قد عفى عن المخطئ حال خطئه، وعن الناسي حال نسيانه، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان
…
»
(3)
، فمن وُضع الماء في رحله بغير علمه من باب أولى؛ لأن النسيان يستدعي تقدم العلم، بخلاف من وضع الماء في رحله بغير علمه إذ لا علم له أصلاً.
(1)
النسيان وأثره في الطهارة والصلاة (ص 187).
(2)
شرح العناية على الهداية (1/ 140)، البحر الرائق (1/ 279).
(3)
تقدم تخريجه (ص 78).