الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
حكم التيمم عن الحدث الأكبر
اتفق الفقهاء على جواز التيمم عن الحدث الأكبر
(1)
، وقد نقل الإجماع عن هذا ابن عبد البر، وابن هبيرة، وابن القطان الفاسي
(2)
، والنووي، والرملي
(3)
(1)
المبسوط (1/ 111)، الذخيرة (1/ 344)، المجموع (2/ 166)، الكافي لابن قدامة (1/ 96).
(2)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الفاسي المالكي، والمعروف بابن القطان، ولد بفاس سنة (562 هـ)، كان معروفًا بالحفظ والإتقان والنقد، له عناية كبيرة بصناعة الحديث ومعرفة رجاله، من كتبه: الإقناع في مسائل الإجماع، والوهم والإيهام وغيرهما، توفي سنة 628 هـ، وهو على قضاء سجلماسة.
انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 306، 307)، تذكرة الحفاظ (4/ 1407).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين الرملي، فقه الديار المصرية في عصره ومرجعها في الفتوى، يقال له: الشافعي الصغير، نسبته إلى الرملة من قرى المنوفية بمصر، ولي إفتاء الشافعية وجمع فتاوى أبيه الشهاب الرملي، صنف شروحًا وحواشي كثيرة منها: عمدة الرابح شرح هداية الناصح، وغاية البيان في حل زبد ابن رسلان، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج وغيرها، توفي سنة (1004 هـ).
انظر: الأعلام (6/ 7، 8)، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (3/ 61)، ط: مؤسسة الرسالة 1418 هـ.
(1)
.
وكانت أدلة هذا الاتفاق ما يلي:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
دلت الآية على مشروعية التيمم عن الحدث الأكبر، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، وهو عام يشمل كل ملامسة
(2)
، ومنه الجماع.
وحمل الملامسة في الآية على الجماع أولى، حتى يشمل نوعي الحدث في التيمم، كما هو الحال في الوضوء، ولو حمل على مجرد اللمس أو التقبيل لكان تكرارًا محضًا، وهذا يناف بلاغة القرآن المعهودة
(3)
، فإن التأسيس خير من التأكيد
(4)
.
الوجه الثاني: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهو عائد إلى
(1)
الاستذكار (3/ 146، 196)، الإفصاح (1/ 164، 165)، الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/ 91)، ط: الفاروق الحديثة 1424 هـ، شرح مسلم (4/ 280)، نهاية المحتاج (1/ 264).
ولم يخالف في هذه المسألة أحد من الخلف ولا من السلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما، وحكي مثله عن النخعي من عدم جوازه للجنب، وروي عن عمر وابن مسعود أنهما رجعا عن ذلك.
انظر: سنن الترمذي (1/ 216)، الأوسط (2/ 15)، شرح السنة (2/ 109، 110)، المجموع (2/ 166)، فتح الباري (1/ 544، 545)، نيل الأوطار (1/ 301).
(2)
المعونة (1/ 144).
(3)
المبسوط (1/ 111، 112)، البحر الرائق (1/ 256).
(4)
انظر لهذه القاعدة: الإحكام للآمدي (1/ 276)، القواعد لابن رجب (ص 398) ط: مكتبة نزار الباز 1999 م، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 135).
المحدث والجنب جميعًا
(1)
.
ثانيًا: من السنة:
27 ـ عن عبد الرحمن بن أبزي
(2)
رضي الله عنه: أن رجلاً أتى إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فقال عمار
(3)
: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت
(4)
في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» ، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت
(5)
(6)
.
(1)
المجموع (2/ 166).
(2)
هو: عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي مولاهم، اختلف في صحبته، وقد جزم بصحبته البخاري وخليفة ابن خياط والترمذي وأبو حاتم وابن حجر وغيرهم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمار وعلي وغيرهم.
انظر: التاريخ الكبير (5/ 245)، تهذيب التهذيب (6/ 121).
(3)
هو: عمار بن ياسر بن عامر العنسي، أبو اليقظان، حليف بني مخزوم، كان من السابقين الأولين هو وأبواه، هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، استعمله عمر على الكوفة، وقتل مع علي بن أبي طالب بصفين سنة (87 هـ).
انظر: أسد الغابة (4/ 139 ـ 146)، الإصابة (4/ 575).
(4)
التمعك: التقلب والتمرغ في التراب. لسان العرب (10/ 490).
(5)
أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقًا في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به. فتح الباري (1/ 545).
(6)
أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما [صحيح البخاري (1/ 129) حديث (331)]، ومسلم ـ واللفظ له ـ في كتاب الحيض، باب التيمم [صحيح مسلم (1/ 280، 281) حديث (368)].
28 ـ عن أبي موسى الأشعري
(1)
رضي الله عنه قال ـ حين ناظر ابن مسعود ـ: «أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلّي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يكفيك
…
»، قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟ فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية
(2)
؟ فما دري عبد الله ما يقول، فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم»
(3)
(4)
.
(1)
هو: عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري، الإمام الكبير، المقرئ، الفقيه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة بعد فتح خيبر، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، اختلف في وفاته قيل: سنة (42 هـ)، وقيل غير ذلك.
انظر: أسد الغابة (3/ 376، 377)، الإصابة (4/ 211 ـ 213).
(2)
أي الآية (6) من سورة المائدة، وهي قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا
…
}، كما جاء التصريح بها في الرواية الأخرى.
(3)
قال ابن رجب الحنبلي ـ معلقًا على قول ابن مسعود: إنا لو رخصنا
…
إلخ ـ: «ورّدُّ ابن مسعود تيمم الجنب؛ لأنه ذريعة إلى التيمم عند البرد لم يوافق عليه؛ لأن النصوص لا ترد بسد الذرائع، وأيضًا فيقال: إن كان البرد يخشى معه التلف أو الضرر فإنه يجوز التيمم معه» فتح الباري (2/ 84).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت
…
، وباب التيمم ضربة [صحيح البخاري (1/ 132، 133) حديث (338 ـ 340)]، ومسلم في كتاب الحيض، باب التيمم [صحيح مسلم (1/ 280) حديث (368)].
وجه الدلالة:
فيه دليل على أنهم كانوا متفقين على أن الآية تدل على جواز التيمم للجنب
(1)
، وعلى أن المراد بالملامسة في الآية: هو الجماع
(2)
.
29 ـ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم، قال:«ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:«عليك بالصعيد، فإنه يكفيك»
(3)
.
30 ـ حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أعزب عن الماء، ومعي أهل فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين
…
» الحديث
(4)
.
31 ـ حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه حين احتلم، فتيمم وصلى بأصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أصليت بأصحابك وأنت جنب؟» فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم السبب الذي منعه من الاغتسال، وهو خشية الهلاك من البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا
(5)
.
(1)
المجموع (2/ 166).
(2)
فتح الباري (1/ 544).
(3)
تقدم تخريجه (ص 25).
(4)
تقدم تخريجه (ص 25).
(5)
تقدم تخريجه (ص 127).
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أن هذه الأحاديث صريحة في جواز التيمم عن الحدث الأكبر، فلا يعدل عنها إلى قول أحد.
ثالثًا: من المعقول:
1 ـ أنه محدث عادم للماء فجاز له التيمم، كالمحدث حدثًا أصغر
(1)
.
2 ـ أن التيمم إنما شرع لاستدراك مصحلة الوقت، وهذا قدر مشترك بين الحدثين الأصغر والأكبر
(2)
.
3 ـ أن ما كان طهورًا في الحدث الأصغر فإنه يكون طهورًا في الحدث الأكبر كالماء
(3)
.
(1)
المعونة (1/ 145)، المنتقى (1/ 112)، شرح العمدة (1/ 379).
(2)
الذخيرة (1/ 344).
(3)
المجموع (2/ 167).