الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
حكم تيمم من وضع على الجرح أو الكسر
جبيرة أو لصوقًا
اتفق الفقهاء على مشروعية المسح على الجبائر أو على العصابة أو اللصوق
(1)
بالماء في حالة العذر نيابة عن الغسل، فإنه يمسح عليها ويجزئه عن غسل ما تحتها
(2)
.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
أولاً: من السنة:
1 ـ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
…
إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده»
(3)
.
2 ـ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «انكسر إحدى زندي
(4)
، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر»
(5)
.
(1)
اللَصوق ـ بفتح اللام ـ: ما يلصق على الجرح للدواء، ثم أطلق على الخرقة ونحوها إذا شُدت على العضو للتداوي. المصباح المنير (2/ 553).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 150)، مواهب الجليل (1/ 531)، المجموع (2/ 254، 255)، المغني (1/ 355).
وهناك رأي لبعض الشافعية أنه يكفيه التيمم ولا يمسح على الجبيرة بالماء، وهو على خلاف المذهب. انظر: المجموع (2/ 255).
(3)
تقدم تخريجه (ص 126).
(4)
الزند: موصل طرف الذراع في الكف. مختار الصحاح (ص 250).
(5)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب المسح على الجبائر [سنن ابن ماجه (1/ 215) حديث (657)]، وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 161) رقم (623)، والدارقطني في سننه (1/ 226)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 228) رقم (1020).
وجه الدلالة من الحديثين:
دل الحديثان على جواز المسح على الجبيرة أو العصابة.
ثالثًا: من الآثار:
عن نافع
(1)
عن ابن عمر قال: «إذا كان عليه عصاب مسحه، وإن لم يكن عليه عصاب غسل ما حوله ولم يمسه الماء»
(2)
.
رابعًا: من المعقول:
1.
أنه مسح على حائل، أبيح له المسح عليه، كالمسح على الخف، بل أولى؛ لأن صاحب الضرورة أحق بالتخفيف
(3)
.
2.
أن الحاجة تدعوا إلى المسح على الجبائر؛ لأن في نزعها حرجًا وضررًا
(4)
.
(1)
هو: نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الله المدني، كان من أهل أبرشهر (نيسابور)، أصابه عبد الله في بعض غزواته، كان ثقة كثير الحديث. قال البخاري:«أصح الأسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر» ، توفي بالمدينة عام (117 هـ)، وقيل غير ذلك.
انظر: الطبقات الكبرى (5/ 413)، تهذيب الكمال للمزي (29/ 298 ـ 305)، ط: مؤسسة الرسالة 1400 هـ.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 126) رقم (1448)، وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 162) رقم (625)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 24) واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 228) رقم (1019)، وصحح إسناده البيهقي فقال:«هو عن ابن عمر صحيح» .
(3)
الاختيار (1/ 35)، الإشراف (1/ 173)، المهذب (1/ 139، 140)، كشاف القناع (1/ 278).
(4)
بدائع الصنائع (ص 151)، المهذب (1/ 139).
3.
أنه قول ابن عمر، ولم يعرف له من الصحابة مخالف
(1)
.
4.
أن المسح على الجبيرة أولى من التيمم
(2)
؛ لأن المسح على الجبيرة طهارة مائية، والتيمم طهارة ترابية.
واختلفوا في وجوب التيمم مع الغسل والمسح، فهل يجب عليه أن يتيمم مع المسح على الجبيرة أم لا؟ وذلك على قولين
(3)
:
القول الأول: أنه لا يجب عليه أن يتيمم مع المسح على الجبيرة، وهو قول الحنفية، والمالكية، وقول للشافعية (هو قول الإمام الشافعي في القديم)، ومذهب الحنابلة.
القول الثاني: أنه يجب عليه التيمم مع المسح على الجبيرة، وهو الأصح عند الشافعية (هو قول الإمام الشافعي في الجديد)، ورواية للحنابلة.
أدلة القول الأول:
أولاً: من السنة:
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «انكسر إحدى زندي، فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر»
(4)
.
(1)
المغني (1/ 355).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 454).
(3)
الهداية (1/ 32)، الاختيار (1/ 35)، المدونة (1/ 23)، حاشية الدسوقي (1/ 268)، الوسيط (1/ 371)، المجموع (2/ 255)، المستوعب (1/ 288)، الفروع (1/ 204)، الإنصاف (1/ 185 و 260).
(4)
تقدم تخريجه (ص 156).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر عليًا رضي الله عنه بالمسح على الجبائر لم يأمره بالتيمم
(1)
.
يمكن مناقشته بأن الحديث ضعيف
(2)
.
ثانيًا: من المعقول:
1 ـ أن محل الطهارة واحد، فلا يجمع فيه بين بدلين كالخف
(3)
.
2 ـ أن مسح الجبائر معتبر بالمسح على الخفين، وليس مع المسح على الخفين تيمم، فكذا المسح على الجبائر
(4)
.
3 ـ لأنه متوضئٌ فأشبه أن يباشر الأعضاء بالماء
(5)
.
(1)
الحاوي (2/ 1103).
(2)
لأنه من رواية عمرو بن خالد الواسطي، قال عنه الإمام أحمد:«ليس بشيء متروك الحديث» ، وقال البخاري:«منكر الحديث» ، وقال النووي:«واتفق الحفاظ على ضعفه» . انظر: العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل (1/ 246)، ط: المكتب الإسلامي ودار الخاني 1408 هـ، التاريخ الكبير للبخاري (6/ 328)، ط: دار الفكر، المجموع (2/ 254)، شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي (2/ 753)، ط: مكتبة المنار 1407 هـ، تلخيص الحبير (1/ 146، 147).
(3)
الإشراف (1/ 174)، البيان (1/ 332)، المغني (1/ 357).
(4)
الحاوي (2/ 1103)، المغني (1/ 357).
(5)
الإشراف (1/ 174).
أدلة القول الثاني:
أولاً: من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
…
إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب أو يعصر على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده»
(1)
.
وجه الدلالة:
دل الحديث على الجمع بين المسح على العصابة والتيمم.
المناقشة:
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف
(2)
، وحتى الذين حسنوا الحديث بمجموع طرقه
(3)
، فإنهم اعتبروا الشاهد من الحديث في شأن المسح على الجبائر ـ وهي زيادة:«ثم يمسح عليها» ـ ضعيفة ومنكرة.
(4)
.
(1)
سبق تخريجه (ص 126).
(2)
تقدم بيان وجه ضعفه (ص 126)، الهامش رقم (2).
(3)
انظر: نيل الأوطار (1/ 302)، سبل السلام للصنعاني (1/ 178)، ط: دار الفكر 1411 هـ.
(4)
سنن البيهقي (1/ 228).
الوجه الثاني: أنه يحتمل أن الواو في قوله: «ويعصب» بمعنى أو، ويحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة فيه على غير طهارة
(1)
.
ثانيًا: من المعقول:
أن واضع الجبيرة أخذ شبهًا من الجريح؛ لأنه يخاف الضرر من غسل العضو، وأخذ شبهًا من لابس الخف؛ لأن المشقة تلحقه في نزع الجبيرة، فلما أشبههما وجب الجمع بين المسح والتيمم
(2)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته من وجهين:
الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق، فالجريح لا يستطيع مباشرة المسح لخوف زيادة الضرر، وليس عليه جبيرة ليمسحها، والغسل متعذر، فتعين التيمم.
وأما لابس الخف فطهارته تختلف عن طهارة الماسح على الجبيرة؛ لأن طهارة الماسح على الجبيرة طهارة ضرورة، وأما مسح الخف فإنه تخفيف ورخصة
(3)
.
(1)
شرح العمدة (1/ 286)، كشاف القناع (1/ 278).
(2)
البيان (1/ 332)، التعليقة الكبرى (ص 953)، شرح العمدة (1/ 284).
(3)
المجموع (2/ 254)، فقه الممسوحات في الشريعة الإسلامية لعلي الغامدي (ص 354)، ط: دار ابن عفان 1416 هـ.
الوجه الثاني: أن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف للقواعد الشرعية، بل إما أن تكون طهارة العضو المسح أو التيمم، ولا يكلف الله عبدًا بعبادتين سببُهما واحد
(1)
.
الراجح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول القائل بعدم وجوب التيمم مع الغسل والمسح، وذلك لقوة أدلتهم، في مقابل ضعف أدلة القول الثاني بما حصل من مناقشة
(2)
.
ورغم أن مذهب الحنابلة عدم التيمم مع الغسل والمسح، إلا أنهم قالوا: بوجوب الجمع بين المسح والتيمم على ما زاد من الحاجة في الجبيرة، فيغسل الصحيح ويمسح على الجبيرة ويتيمم لما زاد على قدر الحاجة
(3)
.
واستدلوا على ذلك بأن المسح على الجبيرة إنما جاز للضرورة، فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة
(4)
.
(1)
الشرح الممتع (1/ 247).
(2)
ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين. انظر: مجموع الفتاوى (21/ 182)، مجموع فتاوى ابن باز (10/ 118، 119)، جمع: محمد الشويعر، ط: 1423 هـ، الشرح الممتع (1/ 247).
(3)
الإنصاف (1/ 186)، كشاف القناع (1/ 278).
(4)
العدة شرح العمدة لبهاء الدين المقدسي (ص 42)، ط: المكتبة العصرية 1418 هـ.
والراجح ـ كما ذكرنا ـ أنه لا يلزمه التيمم، وأما ما استدل به الحنابلة في هذه المسألة فيجاب عنه بجوابين:
1 ـ أن تقدير الموضع الزائد على الحاجة قد لا ينضبط
(1)
.
2 ـ أنه لما كان يتضرر بنزع الزائد صار الجميع بمنزلة الجبيرة
(2)
.
(1)
المغني (1/ 355).
(2)
الشرح الممتع (1/ 243).