الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرض الثاني
الترتيب
اتفق الفقهاء على مشروعية الترتيب في التيمم، بأن يمسح وجهه أولاً ثم يديه، واختلفوا في فرضيته، هل هو من فروض التيمم أو من سننه؟ وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الترتيب سنة في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول الحنفية، والمالكية، وقول عند الحنابلة
(1)
.
القول الثاني: أن الترتيب فرض في التيمم مطلقًا، سواء أكان عن حدث أصغر أو أكبر، وهو قول الشافعية
(2)
.
القول الثالث: أن الترتيب فرض في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، وهو قول الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بسنية الترتيب في التيمم مطلقًا، بما يلي:
(1)
المبسوط (1/ 121)، الفتاوى الهندية (1/ 30)، مواهب الجليل (1/ 522)، حاشية الخرشي (1/ 362)، الإنصاف (1/ 274).
(2)
الأم (2/ 104)، المجموع (2/ 186).
(3)
المستوعب (1/ 301)، الإنصاف (1/ 274).
أولاً: من السنة:
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا» ، فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم عطف مسح الوجه على مسح اليدين بـ (ثم) الدالة على الترتيب، فدل ذلك على أنه لا يجب الترتيب فيجوز مسح الوجه ثم اليدين وبالعكس
(2)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته بأن الحديث يدل على عدم وجوب الترتيب في الحدث الأكبر دون الأصغر، فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على سنية الترتيب في التيمم مطلقًا.
ثانيًا: من المعقول:
القياس على الوضوء، فكما لا يجب الترتيب في الوضوء فكذلك لا يجب في التيمم؛ لأنه بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل
(3)
.
المناقشة:
يمكن مناقشته بأن المقيس عليه محل خلاف، فبطل القياس.
(1)
تقدم تخريجه (ص 430).
(2)
عمدة القاري (4/ 55)، سبل السلام (1/ 171).
(3)
المبسوط (1/ 121)، الذخيرة (1/ 356).
دليل القول الثاني:
استدل القائلون بفرضية الترتيب في التيمم مطلقًا، بما يلي:
من الكتاب:
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى بدأ بالوجه قبل اليدين فوجب الترتيب بينهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «نبدأ بما بدأ الله به»
(1)
، وفي رواية:«ابدأوا بما بدأ الله به»
(2)
بصيغة الأمر
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم[سنن أبي داود (2/ 184) برقم (1905)]، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة [جامع الترمذي (3/ 216) برقم (862) وقال: هذا حديث حسن صحيح]، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب القول بعد ركعتي الطواف [سنن النسائي (5/ 235) برقم (2961)]، وابن ماجه في كتاب المناسك [سنن ابن ماجه (2/ 1023) برقم (3074)]، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 85).
(2)
أخرجه النسائي في كتاب المناسك، باب القول بعد ركعتي الطواف [سنن النسائي (5/ 236) برقم (2962)]، والدارقطني في السنن (2/ 254)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 85)، وابن حزم في المحلى وصححه (2/ 34، 45)، وصحح إسناده النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 408).
(3)
أضواء البيان (2/ 39).
المناقشة:
نوقش بأن الرواية التي بصيغة الخبر لا حجة فيها؛ لأن غاية ما فيها الدلالة على السنية؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم ليس بفرض إلا مع القرينة، ولا قرينة هنا
(1)
.
وأما الرواية التي بصيغة الأمر فهي شاذة لا حجة فيها؛ لأن الرواية التي بصيغة الخبر أرجح منها؛ لحفظ رواتها وكثرتهم
(2)
.
أدلة القول الثالث:
استدل القائلون بفرضية الترتيب في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، بما يلي:
أولاً: من السنة:
حديث عمار المتقدم في أدلة القول الأول.
(1)
التمهيد (2/ 87).
(2)
قال ابن دقيق العيد: «والحديث ـ أي الرواية التي بصيغة الأمر ـ في الصحيح، ولكن بصيغة الخبر «نبدأ» أو «أبدأ» لا بصيغة الأمر، والأكثر في الرواية هذا، والمخرج للحديث واحد» الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 73)، ط: دار المعراج ودار ابن حزم 1423 هـ، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (2/ 250):«وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى بن سعيد القطان على رواية «نبدأ» بالنون التي للجمع، قلت: وهم أحفظ من الباقين». وانظر: الجوهر النقي (1/ 85)، إرواء الغليل (4/ 317).
وجه الدلالة:
دل الحديث على ترك الترتيب في التيمم عن الحدث الأكبر؛ لأن ما وقع لعمار هو الجنابة، والنبي صلى الله عليه وسلم علّمه ما يشرع لها.
ثانيًا: من المعقول:
القياس على الوضوء، فكما وجب الترتيب في الوضوء فكذلك يجب في التيمم؛ لأنه بدل عنه، والبدل يأخذ حكم المبدل
(1)
.
المناقشة:
يمكنه مناقشته بأن المقيس عليه محل خلاف، فبطل القياس.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثالث القائل بأن الترتيب فرض في التيمم عن الحدث الأصغر دون الأكبر، وذلك لما يلي:
أن الذين نقلوا صفة تيمم النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه تيمم تيممًا مرتبًا فمسح بوجهه ثم يديه، فدل ذلك على وجوب الترتيب في التيمم عن الحدث الأصغر، بخلاف التيمم عن الحدث الأكبر فقد جاء حديث عمار رضي الله عنه المتقدم دالاً على عدم وجوب الترتيب فيه، فقلنا بعدم الترتيب في التيمم عن الحدث الأكبر لحديث عمار، وبقي الترتيب واجبًا في التيمم من الحدث الأصغر.
(1)
الشرح الكبير (2/ 224)، كشاف القناع (1/ 413).
أنه قد ثبت اتفاق الفقهاء على أنه لا يجب الترتيب في الغسل بالماء
(1)
، فإذا لم يفترض الترتيب في الأصل وهو الاغتسال بالماء فلأن لا يفترض في بدله وهو التيمم من باب أولى.
أن بهذا القول يتم الجمع بين الأدلة، فلا يصار إلى الترجيح.
(1)
المبسوط (1/ 44)، الذخيرة (1/ 310)، الأم (2/ 89)، الإنصاف (1/ 246).